موانع الزواج

أولا : موانع الزواج المؤبدة

بالرجوع إلى أحكام مدونة الأسرة نجد المشرع حدد في المواد 36 و 37 و 38 موانع الزواج المؤبدة، وهن ثلاثة أصناف من النساء : المحرمات بالقرابة أو النسب، والمحرمات بالمصاهرة ، والمحرمات من الرضاع.

1 – موانع الزواج بالقرابة :

القرابة: هي العلاقة التي تنشأ بين طرفين أو عدة أطراف، أساسها رابطة الدم. والحكمة من تحريم الزواج بالنساء المقربات تكمن في الحفاظ على صلة الرحم أولا لأن الحياة الزوجية أساسها المودة والرحمة بين الزوجين والدوام والاستمرار في المعاشرة، وتفاديا ما قد يعكر صفو هذه الغايات، ويقضي على تلك الأواصر العائلية فيؤدي الأمر إلى الطلاق. كذلك حتى العلم الحديث أثبت أن للوراثة أثر سلبي على صحة المولود…

وقد نص على أكثر هذه المحرمات في القرآن الكريم، وذلك في الآيتين التاليتين: قوله تعالى “وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا” (سورة النساء الآية 22).

ونصت المدونة كذلك في المادة 36 على المحرمات بالقرابة وهم: ” المحرمات بالقرابة أصول الرجل وفصوله وفصول أول أصوله وأول فصل من كل أصل وإن علا”.ويقصد بكل واحد منهما كالتالي:

أصول الرجل: والمقصود بذلك أم الرجل وجدته سواء من جهة الأب أو الأم مهما علت درجتهن.

فصول أول: ويشمل ما تفرع عن الرجل كبنته وبنت بنته وبنت ابنه وما سفل.

فصول أول أصول الرجل: ويتعلق الأمر هنا بأخت الرجل وبنتها شقيقة كانت أو لأب أو لأم، وبنت أخيه شقيقا كان أو لأب أو لأم.

أول فصل من كل أصل وإن علا: ويشمل العمة والخالة فقط، وأما ما تناسلا منها فلا يشمله التحريم.

2 – موانع الزواج بالمصاهرة :

المصاهرة هي القرابة التي تنشأ بسبب عقد الزواج، وحفاظا على صلة المصاهرة من كل تأثير قد يضر باستمرارية العلاقة بين الزوجين، حرمت الشريعة تحريما قاطعا الزواج بنساء معينات تربطهن علاقة مصاهرة مع الرجل.

وسند هذا المانع واضح في الآيتين الكريمتين 22و 23 من سورة النساء : قال عز وجل “وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا ” إلى قوله تعالى: ” وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ “.

وعلى غرار هاتين الآيتين نصت المدونة في المادة 37 المحرمات بالمصاهرة أصول الزوجات بمجرد العقد، وفصولهن بشرط البناء بالأم، وزوجات الآباء وإن علوا وزوجات الأولاد وإن سفلوا بمجرد العقد.ومن هذه يمكن أن تستنتج أن المحرمات بالمصاهرة أربعة أصناف من النساء وهن:

أصول الزوجة: ويتعلق الأمر هذا بأم الزوجة وأم أمها من أي جهة كانت سواء دخل الزوج بزوجته أو لم يدخل بها، فمجرد العقد على البنت كاف في تحريم التزوج بأمها وأم أمها، وهذا هو مذهب جمهور فقهاء الشريعة، وهو أيضا معنى القاعدة: العقد على البنات يحرم الأمهات، والدخول بالأمهات يحرم البنات.

فروع الزوجة: والمقصود بذلك بنت الزوجة ( الربيبة) وبنت بنتها وبنت ابنتها وما سفل.

زوجة الأصل :وتشمل زوجة الأب والجد وما علا من جهة الأب أو من جهة الأم سواء دخل بها أو لم يدخل بها، فزوجة الأب محرمة على ابنه بنص القرآن، وزوجة الجد محرمة بالإجماع.

زوجة الفرع: وتشمل زوجة الابن وزوجة ابن ابنه وزوجة ابن بنته وما سفلن سواء طلقها الابن أو مات عنها قبل البناء أو بعده، فمجرد العقد كاف في التحريم كما سبق.

3 – موانع الزواج بالرضاع :

الرضاع لغة من باب رضع يرضع رضاعا، إذ امتص الثدي وشرعا منهم من عرفه بأن الرضاع هو مص ثدي أدمية في وقت مخصوص. والحكمة من التحريم من الرضاع هي أن الحليب المرضعة يحتوي على مجموعة من المواد تشكل بيئة جسم الوليد الكيميائية وبالتالي هناك علاقة قوية لا تنفصم بين الطفل والمرضعة حتى بعد الولادة.

كما إن التحريم كان معروفات عند العرب في الجاهلية وأقره الإسلام بعده، ونزل قوله تعالى ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ (سورة النساء الآية 23) وقال صلى الله عليه وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب والمصاهرة. وهو نفس المقتضى نصت عليه المدونة في المادة 38. وطبقا للمادة 38 من مدونة الأسرة فإنه يحرم من الرضاع النساء الآتي بيانهن:

الأم من الرضاع: وهي المرأة التي رضع فيها الطفل حيث تعتبر أما له يحرم عليه أن يتزوجها أو يتزوج أمها أو أم أمها أو أم أبيها، ويعتبر زوج المرضعة أبا للطفل الرضيع خاصة.

البنت من الرضاع: فمن رضع في امرأة يحرم عليه أن يتزوج بنتها وبنت بنتها وبنتابنها وما سفل.

الأخت من الرضاع: ويراد بها بنت المرأة التي أرضعت الطفل، والبنت التي أرضعتها أمه، والبنت التي وضعت معه في امرأة أجنبية سواء كانت شقيقة أو لأب أو لأم.

العمات والخالات من الرضاع: والمقصود بهن كل نساء كانت تربطهن مع أخت زوج المرضعة وأخت المرضعة وأخت المرأة المرضعة علاقة، إما عن طريق النسب أوعن طريق الرضاع، أما ما تناسل منهن ( أي بناتهن) فهن حلال التزوج بهن.

بنت الأخ من الرضاع: والمقصود بها من انتسب إليه بولادة لها، أيا كان طريق الانتساب إلى هذا الأخ ( شقيق، لأب لأم) ومثل هذا يقال في بنت الأخت

تجدر الإشارة إلى أن الفقرة الثانية من المادة 38 من المدونة نصت على أنه يعد الطفل الرضيع خاصة دون إخوته وأخواته ولدا للمرضعة وزوجها.

ثانيا :موانع الزواج المؤقتة

وهنا يكون سبب التحريم عارضا، إذ لا تحل المرأة على من حرمت عليه مادامت على الحالة التي وجدت فيها بسبب التحريم المؤقت… فمتى زال سبب التحريم زالالتحريم مثل زوجة الغير أو المعتدة من الغير… الخ. وقد تعرضت مدونة الأسرة في الباب الثاني من القسم الثالث من الكتاب الأول الموانع الزواج المؤقتة، فنصت في المادة 39 على أنه: موانع الزواج المؤقتة هي:

1 – الجمع بين أختين، أو بين امرأة وعمتها أو خالتها من نسب أو رضاع :

يحرم على الرجل أن يجمع في عصمته بين أختين نسبا أو رضاعا، وسواء كانت الأخت شقيقة لها أو كانت أختا من جهة الأب أو الأم، ولا فرق في ذلك بين الأخوات من النسب والأخوات من الرضاع. وكما يحرم الجمع بين الأختين يحرم الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على ابنة أخيها ولا على ابنة أختها فإنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم”

2 – الزيادة في الزوجات على العدد المسموح به شرعا :

لا يجوز للرجل أن يجمع بين أكثر من أربع زوجات في وقت واحد، فليس له أن يتزوج بخامسة حتى يفترق عن إحداهن بالطلاق أو الوفاة، فإذا تم ذلك حلت له المرأة المراد الزواج بها الزوال مانع الزواج الذي هو مانع مؤقت وهذا ما نصت عليه صراحة الفقرة الثانية من المادة 39 من مدونة الأسرة: يمنع الزيادة في الزوجات على القدر المسموح به شرعا”.

3 – حدوث الطلاق بين الزوجين ثلاث مرات إلى أن تنقضي عدة المرأة من زوج آخر دخل بها دخولا يعتد به شرعا :

أباحت الشريعة الإسلامية للرجل بأن يطلق زوجته مرتين ويجوز للزوج أن يراجعها أثناء العدة إذا كان الطلاق رجعيا وله أن يعقد عليها عقدا جديدا إذا انتهت عدتها من الطلاق الرجعي أو كان الطلاق بائنا بينونة صغرى، ولكن إذا طلق الزوج زوجته بعد المرتين فهذا دليل على أن العشرة الزوجية بينهما لا يمكن أن تستقر. لذلك اقتضت حكمة التشريع الإسلامي في مثل هذه الحالة بأن لا تحل له زوجته بعد أن طلقها للمرة الثالثة، وتكون الحرمة مؤقتة إذ تزول الحرمة بانتهاء عدتها منه وتزوجها بزوج آخر ودخوله بها دخولا حقيقيا ثم يطلقها أو يموت عنها وتنقضي عدتها من هذا الأخير.

4 – زواج المسلمة بغير المسلم، والمسلم بغير المسلمة ما لم تكن كتابية :

أجمع المسلمون على أنه يحرم على المرأة المسلمة بأن تتزوج رجلا غير مسلم سواء كان مشركا أو كتابيا، والدليل على ذلك قوله تعالى ” يتأيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنتَ مُهَاجِرَاتِ فَامْتَحنُوهُنَّ الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتِ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ” (سورة الممتحنة الآية 10).

ولقد حرمت الشريعة الإسلامية على الرجل المسلم الزواج بامرأة لا تدين بدين سماوي كالمشركة وهي التي تشرك في عبادتها مع الله غيره كالكواكب والنار والشمس وكالمرأة الملحدة وهي التي تنكر الأديان كلها ولا تعترف بوجود الله تعالى فكل امرأة على هذا الشكل لا يجوز للمسلم أن يتزوجها وذلك تحقيقا لقوله تعالى “وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ“(سورة البقرة، الآية 221)

فالآية الكريمة تنهى عن الزواج بالمشركات والنهي يقتضي التحريم ، فكل من يعبد غير الله تعالى يطلق عليه اسم المشرك في لغة القرآن وعرف الشارع، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن المجوس:” سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم، ولا أكلي ذبائحهم.”.

و إذا كان الله تعالى قد حرم على المسلم بأن يتزوج بالمشركة أو الملحدة كما أوضحنا سابقا، فإنه سبحانه أباح للمسلم أن يتزوج بالمرأة الكتابية، ويقصد بأهل الكتاب، الطائفتان اللتان أنزل عليهما الله الكتاب قبل نزول الإسلام، ويقول تعالى في كتابه العزيز” أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ”

5 – وجود المرأة في علاقة زواج أو عدة أو استبراء :

المانع الخامس من مواقع الزواج المؤقتة والتي نصت عليها مدونة الأسرة في المادة 39 هو كون المرأة في عصمة رجل آخر، أو في فترة عدة من زواج سابق أو في فترة استبراء من مسيس بشبهة. إذ الشريعة الإسلامية لا تبيح للرجل بأن يتزوج زوجة غيره، ولا يجوز للرجل أن يتزوج المرأة المتوفى عنها زوجها ما لم تنقض عدتها وهي أربعة أشهر وعشرة أيام إذا لم تكن حاملا، ووضع الحمل إذا كانت كذلك. ولا يجوز للرجل أن يتزوج بامرأة في عدتها من طلاق وهذه العدة هي ثلاثة قروء إن كانت من اللواتي يحضن أو ثلاثة أشهر إذا كانت صغيرة أو بائسة من الحيض.

اما الاستبراء يكون في الزواج الباطل طبقا للمادة 58 من مدونة الأسرة. ويكون كذلك في حالة ما إذا زنا رجل بامرأة طائعة أو مكرهة، ويكون أيضا في الوطء بشبهة كمن جامع امرأة معتقدا أنها زوجته. ولا يجوز التزوج بهذه المرأة حتى تنتهي مدة الاستبراء ومدته ثلاثة قروء إذا كانت تحيض، وثلاثة أشهر إذا كانت يائسة من الحيض أو صغيرة، ووضع الحمل إذا كانت حاملا.


  • أحمد الوجدي، عبد الالاه المحبوب، أحلام عليمي، محاضرات في مدونة الاسرة، الموسم الجامعي 2021/2020.
  • ادريس الفاخوري: قانون الأسرة المغربي، أحكام الزواج، انحلال الرابطة الزوجية، طبعة 2019.2020.
  • محمد الكشبور: الواضح في مدونة الأسرة، الطبعة الثالثة 2015.
  • محمد الشافعي: الزواج وانحلاله في مدونة الأسرة، سلسلة البحوث القانونية 24.

Share this content:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *