نظم عقد الإيداع أو الوديعة لأول مرة بالمغرب في قانون الالتزامات والعقود، ويتطلب نقلا للحيازة، ومن ثم فإن هذا العقد في شكله التقليدي لا يتلاءم مع الحياة التجارية، لأن الصانع أو التاجر لا يقبل بسهولة انتقال حيازة البضائع أو الآليات التي يملكها إلى الدائن المرتهن، وبذلك أظهرت الممارسة العملية طريقة مناسبة للحياة التجارية بصفة عامة والائتمان بصفة خاصة، تتجلى في تقنية إيداع البضائع بالمخازن العامة، وتكون هذه البضائع ممثلة بسندات تسهل على التاجر القيام بالتصرفات القانونية التي يمكن أن تكون تلك البضائع محلا لها كالبيع أو الرهن.
وللإحاطة بالرهن الذي يتخذ شكل الإيداع بالمخازن العامة لا بد من توضيح مفهوم المخزن العام و الصكوك أو السندات التي يصدرها، ثم التطرق بعد ذلك إلى إنشاء الرهن من خلال الإيداع بالمخازن العامة، و أداء الدين المضمون في أجل الاستحقاق أو قبله أو بعده.
أولا – مفهوم المخزن العام ونشأته :
1) مفهوم المخزن العام :
المخزن العام أو المستودع العام عبارة عن مؤسسة خاصة يودع بها الأشخاص المعينون قانونا بضائعهم أو منتوجاتهم بمقابل لأجل تخزينها والمحافظة عليها لفائدة المودع أو الشخص الذي ينتقل إليه سند الإيداع، إنها مؤسسة تجارية تحترف تخزين البضائع إلى أن تسلمها لمن يستحقها قانونا.
ويبدو من الناحية العملية أن الشركات التجارية هي التي تستثمر المخازن العامة، وبذلك فالطابع التجاري لهذه المؤسسات يستمد من شكل الشركة غالبا.
ونفضل استعمال مصطلح المخزن العام بدل المخزن العمومي الوارد بمدونة التجارة، لأن ملكية هذا المخزن لا تعود إلى الدولة وإنما للخواص الذين ينشؤون ويستثمرون المخازن العامة بناء على ترخيص من الدولة، أما دور هذه الأخيرة فيقتصر على ممارسة نوع من الرقابة على هذه المخازن.
ويقتصر الحق في إيداع البضائع بالمخازن العامة على التجار والصناع والفلاحين والحرفيين، ولا يمكنهم أن يودعوا إلا البضائع والمنتوجات التي تدخل في نطاق تخصصهم المهني، ومعنى ذلك أن باب الإيداع بالمخازن العامة لا يفتح أمام كل شيء يمكن تداوله، بل يجب أن يرتبط بالمواد الأولية والبضائع والمواد الغذائية والمنتوجات الصناعية.
وغالبا ما ينصب الإيداع على البضائع التي لا يكون التجار عادة في حاجة إلى استعمالها فورا، ويثبت الإيداع بالمخازن العامة بمقتضى سند الإيداع الذي يسلمه مستثمر المخزن إلى التاجر كما سيتم شرحه لاحقا.
ولا تخلو عملية الإيداع بالمخزن العام من فوائد أهمها أنها تسهل على التجار والصناع عملية التصرف في البضائع وانتقالها إلى الغير، إذ يتم انتقالها من خلال تظهير سند الإيداع، كما أنها تسهل عليهم عملية الائتمان عن طريق رهن تلك البضائع بمجرد تظهير بطاقة الرهن.
2) تنظيم و إنشاء المخازن العامة :
ظهرت المخازن لأول مرة في انجلترا حينما قامت إحدى الشركات ببناء أول مخزن بلندن سنة 1799 يسمى “مخزن شرق الهند”، كانت تودع به أساسا وابتداء من سنة 1802 كل البضائع والسلع القادمة من بلاد الهند الغربية والتي كانت تباع عن طريق عينات.
وبالنظر إلى الأزمة الاقتصادية التي عرفتها فرنسا بعد سنة 1848 وما صاحبها من تراكم في المنتوجات لدى الصناع رأى المشرع الفرنسي في تقنية الإيداع بالمخازن العامة إيداعا مناسبا للائتمان، فأصدر المرسوم المؤرخ في 21 مارس 1848 و قانون 13 غشت 1848 مستوحيا من انجلترا عبارة “بطاقة الرهن” (Warrant)، ونظم المخازن العامة على شاكلة تلك التي كانت موجودة بهذه الدولة لأجل إيداع البضائع بها،
واستلزم المشرع الفرنسي أن تكون البضاعة المودعة موضوع محضر يحدد قيمتها لأجل تحديد الائتمان بدقة، وبذلك نشأت عدة مخازن عامة بفرنسا، فتدخل المشرع من جديد لتعديل القوانين السابقة بمقتضى قانون 28 مايو 1858 المتمم بمرسوم 12 مارس 1859، كل هذه القوانين ألغيت اليوم بموجب القانون الصادر في تاريخ 6 غشت 1945 المتعلق بالمخازن العامة، و تم تتميم هذا الأمر بموجب القانون التنظيمي الصادر بنفس التاريخ.
ويهدف تنظيم المخازن العامة إلى توفير الضمانات الكافية لحفظ البضاعة المودعة و صيانتها حماية لمصالح المودعين و المتعاملين معهم على حد سواء، وفي هذا الصدد ألزم المشرع مستثمر المستودع بالتأمين على البضاعة من أخطار الحريق.
ولم ينظم المشرع المغربي الإيداع بالمخازن العامة في القانون التجاري الصادر في 12 غشت 1913 و إنما نظمها لاحقا بموجب ظهير 6 يوليوز 1915 المستوحى من القانون الفرنسي، وثم تعديل هذا الظهير بالظهير الصادر بتاريخ 15 يونيو 1954، وأعادت مدونة التجارة رقم 95/5 لسنة 1996 تنظيم هذا الموضوع بعد أن ألغت المواد من 13 إلى 26 من ظهير 6 يوليوز 1915.
وقد يكون المخزن العام مخصصا لإيداع جميع أنواع البضائع الممكن إيداعها، وقد يكون مخصصا لاستقبال نوع معين من البضائع والمنتوجات ولا يمكن إنشاء مخزن عام إلا بترخيص من الوزارة المعنية بعد استشارة غرفة الفلاحة أو الصناعة أو التجارة المعنية، وتصدر هذه الرخصة في شكل قرار وزيري بعد تقديم كفالة مالية يقدر مبلغها عادة بحسب المساحة المستثمرة في المخزن.
ولا يجوز لأرباب المخازن العامة أو لمستغلها أن يتخلوا عنها للغير بدون رخصة تمنح لهم وفق الشروط المطلوبة لاستصدار قرار بإنشائها.
ويجب على إدارة المخزن العام أن تمسك، علاوة على الدفاتر التجارية العادية والسجل ذي الأرومات للتواصيل وبطاقات الرهن، سجلا ذا أرومات مخصصا لإثبات عمليات الإيداع التي يمكن أن تقوم بها بموجب المادتين 346 و 348 ترقم هذه السجلات وتوقع صفحاتها الأولى والأخيرة وفق المادة 8 من القانون رقم 9.88 المتعلق بالقواعد المحاسبية الواجب على التجار العمل بها.
ثانيا – السندات التي يصدرها المخزن العام :
يتسلم المودع بمجرد إيداع بضائعه بالمخزن العام إيصالا يثبت الإيداع مرفقا ببطاقة الرهن، وقد تتعدد هذه السندات حينما تتم تجزئة البضائع المودعة إلى مجموعات متعددة.
1) إيصال الإيداع و بطاقة الرهن :
ينص المشرع في الفقرة الأولى من المادة 341 من مدونة التجارة على أن الإثبات الفعلي لإيداعات البضائع بالمخازن العامة، يتم بواسطة إيصالات تسلم للمودع، وتكون هذه الإيصالات مؤرخة وموقعة ومستخرجة من سجل ذي أرومات تمسكه المخازن العامة.
إضافة إلى ذلك يجب أن يتضمن إيصال الإيداع مجموعة من البيانات اللازمة لتحديد شخص المودع و البضاعة المودعة و المخزن العام، وهكذا يجب أن يشير الإيصال إلى اسم و مهنة وموطن المودع وكذا طبيعة البضائع المودعة و كل البيانات الخاصة التي من شأنها تحديد نوعيتها و حصر قيمتها، وكذلك اسم المخزن العام والشركة المؤمنة على المشروع، وتفاديا للخلاف الذي يمكن أن يحصل بين المودعين و المخزن العام يجب أن يحتفظ هذا الأخير بنسخة طبق الأصل من إيصال الإيداع.
وينص المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 341 من م.ت على أنه يلحق بكل إيصال، تحت تسمية الرهن بطاقة الرهن، تحمل نفس المعلومات المضمنة بإيصال الإيداع، هاتان الوثيقتان تمثلان البضائع المودعة في المخزن العام، و بذلك، يمكن للمودع من خلالهما بيع هذه البضائع أو رهنها دون حاجة إلى نقلها فعليا من مكان إلى آخر.
2) تعدد السندات بتجزئة البضائع :
يجب طبقا للفقرة الثانية من المادة 342 من م.ت على المودع أو حامل توصيل الإيداع وبطاقة الرهن أن يطلب تجزئة البضائع المودعة بالمخزن العام إلى عدد ملائم من المجموعات، فيحصل على تواصيل و بطائق رهن موازية لعدد المجموعات.
ونلاحظ أنه ما كان ينبغي أن يستعمل المشرع عبارة “يجب” التي تعني الوجوب في الفقرة الثانية من المادة 342 من م.ت التي جاء فيها ما يلي “يجب أن تجزأ البضائع المودعة إلى عدد ملائم من الأحمال بطلب من حامل التوصيل و بطاقة الرهن معا، ويعوضان بتواصيل وبطائق رهن موازية لعدد الأحمال”.
لكن الشيء الذي يبدو غير مبرر هو أن المشرع استعمل عبارة “يجب” أن تجزأ البضائع المودعة بطلب من حامل التوصيل وبطاقة الرهن معا، ذلك أن عملية التجزئة تعد في مصلحة المودع أو حامل الوثيقتين معا لأنها تسهل عليه التصرف في البضاعة المودعة، و قد يرى المودع أنه ليس من مصلحته أو أنه ليس في حاجة إلى المطالبة بتجزئة البضاعة، فلماذا إذن يلزمه المشرع بذلك؟
وبذلك يعتقد بعض الفقه أن الجهة التي يقصد المشرع إلزامها بالاستجابة لطلب التجزئة هي الجهة التي تستثمر المخزن العام حينما يطلب منها ذلك حامل التوصيل وبطاقة الرهن الذي قد يرى في ذلك تسهيلا عليه في التصرف في البضاعة المودعة، ولذلك فالأفضل أن يعبر المشرع على طلب التجزئة بالإمكان وليس بالوجوب، أما الإلزام فيجب التنصيص عليه في مواجهة مستثمر المخزن العام الذي يجب عليه الاستجابة لطلب التجزئة إذا ما قدم له.
3) ضياع إيصال الإيداع وبطاقة الرهن :
إذا فقد إيصال الإيداع يجوز لمن فقده أن يطلب من رئيس المحكمة إصدار أمر في إطار المادة 148 من ق.م.م بتسليمه نظيرا ثانيا بشرط أن يثبت ملكيته للوثيقة المفقودة مع تقديم ضمان على ذلك.
وإذا فقدت بطاقة الرهن يجوز لمن ضاعت منه أن يستصدر أمرا من رئيس المحكمة يقضي باستخلاص الدين المضمون بالرهن عند حلول أجله بشرط أن يثبت ملكيته لها وأن يقدم ضمانا على ذلك.
ثالثا – إنشاء الرهن على البضائع المودعة :
تقبل إيصالات الايداع وبطاقات الرهن التي تصدرها المستودعات العامة التداول والانتقال إلى الغير عن طريق التظهير، وقد يتم تظهير الإيصال والبطاقة مجتمعين أو تظهير الإيصال منفصلا عن البطاقة، ويمكن أداء الدين المضمون خلال أجل الاستحقاق أو قبله، وفي حالة عدم الأداء يستوفي الدائن حقه من ثمن بيع البضاعة المرهونة.
1) تظهير السندات الصادرة من المخزن العام :
يجوز تظهير كل من إيصال الإيداع وبطاقة الرهن، ويترتب على تظهيرهما آثار قانونية هامة، وقد يتم تظهيرهما مجتمعين، أو تظهير وثيقة دون الأخرى، وذلك على التفصيل التالي:
عندما يقوم المودع بتظهير إيصال الإيداع متصلا بصك الرهن دون فصلهما، فمعنى ذلك أن ملكية البضاعة انتقلت إلى المظهر إليه، وغالبا مايكون هذا الأخير مشتريا، ذلك أن إيصال الإيداع يمثل البضاعة المودعة بالمخزن العام، وأن اتصال بطاقة الرهن بإيصال الإيداع يعني أن المودع لم يسبق له أن رهن البضاعة، ويصبح للمشتري حق مباشر في مواجهة المستودع العام.
عندما يقوم المودع بتظهير بطاقة الرهن منفصلة عن إيصال الإيداع فذلك يعني أنه أنشأ حق رهن على البضاعة المودعة لفائدة حامل بطاقة الرهن، وفي هذا الصدد تنص الفقرة الأولى من المادة 343 من م.ت على أنه ” يعد تظهير بطاقة الرهن بانفصال عن التوصيل رهنا للبضاعة لفائدة المفوت إليه الرهن”.
وبعبارة أخرى، إن التظهير الأول الذي ينصب على بطاقة الرهن يؤدي إلى خلق سند لأمر، أي ورقة تجارية قابلة للتداول عن طريق التظهير لأنه يمثل حقا، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، يؤدي التظهير الأول إلى تأسيس رهن حيازي على البضاعة المودعة بالمخزن العام، ولذلك يجب أن يكون تظهير بطاقة الرهن مؤرخا، وأن يتضمن مبلغ الدين المضمون بالرهن من رأس مال وفوائد وتاريخ استحقاقه واسم و موطن ومهنة الدائن المرتهن.
وقد نص المشرع صراحة في المادة 353 من م.ت على أنه يمكن لمؤسسات الائتمان أن تقبل بطاقات الرهن كأوراق تجارية مع إعفاء من أحد التوقيعات المتطلبة بمقتضى أنظمتها الأساسية.
ويرى بعض الفقه، عن حق، أن توقيع المدين المظهر يكون ضروريا ولو أن مدونة التجارة لم تنص عليه، وكما هو الأمر بالنسبة للكمبيالة والسند لأمر والشيك، يجب أن يكون هذا التوقيع باليد كتابة لأن المشرع المغربي استبعد أساليب التوقيع الأخرى كالختم الميكانيكي وبصمة الإبهام.
ويجب كذلك على المظهر إليه الأول تقييد التظهير بجميع بياناته حالا في سجل المخزن العام، ويشار إلى هذا التقييد في بطاقة الرهن، والهدف من ذلك هو إعلام الغير بوجود الرهن، ولا يمكن لأية وسيلة أخرى للإشهار أن تغني عن هذا التقييد.
وينص المشرع في المادة 345 من م.ت على أن هذا التقييد يجب أن يتم حالا، وبما أنه ليس هناك أجلا إلزاميا، فإن المظهر له يمكنه إجراء القيد في أي وقت، ولا يتعرض المفوتة إليه بطاقة الرهن لخطر كبير طالما أن المودع لا يتوفر إلا على إيصال للإيداع لا يحوله إمكانية سحب البضاعة ما لم يدفع الدين المضمون بالرهن، كما أن بطاقة الرهن تكتسب وظيفة الورقة التجارية ابتداء من تاريخ التظهير، ويمكن تداولها طبقا لقواعد الصرف.
ويرى بعض الفقه أن الحكمة من قيد تظهير بطاقة الرهن في دفاتر المخزن هي تمكين حامل إيصال الإيداع، باعتباره مالكا للبضاعة المودعة من معرفة قيمة الدين المضمون بالرهن على وجه الدقة حتى يستطيع استخدام حقه في سحب البضاعة المودعة بعد دفع الدين المضمون بالرهن إذا كان مستحق الأداء، بل حتى قبل أن يصبح مستحق الأداء.
أما بالنسبة للتظهيرات اللاحقة للتظهير الأول لبطاقة الرهن، فلا تستوجب التقييد، ولكن يمكن للمظهر إليهم التاليين أن يطلبوا إجراء هذا التقييد. ومن خلال التظهيرات المتتالية يتحقق انتقال الضمان من دائن لآخر، ويترتب على هذه التظهيرات نفس الآثار المعتادة المترتبة على تظهير الأوراق التجارية مثل تضامن المظهرين وتطهير الدفوع.
وبذلك يمكن للمظهر إليهم المتتاليين تداول السند لأمر على الحالة التي أنشئ عليها، ويكتفون إذن بالإشارة إلى اسم الحامل الجديد وتاريخ التظهير وتوقيع المظهر.
حينما يقوم المودع بتظهير إيصال الإيداع فمعنى ذلك أنه باع البضاعة المودعة، وأن هناك رهنا تأسس على البضاعة المودعة؛ في هذه الحالة يصبح المفوت إليه مالكا للبضاعة، ومع ذلك، يقوم على عاتقه التزام باحترام الرهن المنشأ على البضاعة.
مر معنا أن المشرع أعطى الحق لحامل إيصال الإيداع دون بطاقة الرهن في أداء الدين المضمون بورقة الرهن ولو قبل حلول الأجل، أما إذا كان حامل بطاقة الرهن مجهولا، أو كان معروفا ولكنه لم يتفق مع المدين على الشروط الخاصة بالدفع قبل انقضاء الأجل، فانه يودع مبلغ الدين وتوابعه لدى إدارة المخزن من أجل تحرير البضائع.
ومن أجل تمكين المفوت إليه إيصال الإيداع من ممارسة هذا الحق قررت المادة 344 من م.ت أن تظهير بطاقة الرهن منفصلة عن إيصال الإيداع يجب أن يتضمن المبلغ المضمون من رأس مال وفوائد وتاريخ الاستحقاق واسم ومهنة وموطن الدائن، وأن هذا التظهير الأول يجب أن يقيد في سجل المخزن كما سبق تفصيله.
ويتضح من ذلك أن حامل الإيصال يتمتع بحق مباشر في مواجهة المخزن العام، ويذهب بعض القضاء الفرنسي إلى عدم التخوف من الحجز الذي قد يمارسه دائنو المظهر، لأن التظهير يطهر الإيصال من الدفوعات التي يمكن الاحتجاج بها في مواجهة المظهر. ولكن إيصال الإيداع لا يعتبر ورقة تجارية حتى يخضع تظهيره لقاعدة تطهير الدفوع، لأنه سند يمثل البضاعة ولا يمثل حقا.
2) الأداء والرجوع :
يتعين التطرق أولا لعملية أداء الدين، ثم التطرق بعد ذلك لرجوع الدائن على المقرض والمظهرين.
يتعين على المدين الراهن أداء الدين المضمون ببطاقة الرهن، في تاريخ الاستحقاق المبين عليها، إلى حامل بطاقة الرهن باعتباره دائنا مرتهنا، وذلك من دون استفادته من أي أجل، ومع ذلك فعلى خلاف باقي الأوراق التجارية، فان تاريخ الاستحقاق يعتبر وكأنه جاء لمصلحة المدين فقط، وبالفعل يمكن لحامل التوصيل منفصلا عن الرهن باعتباره مالكا للبضاعة أداء الدين المضمون على بطاقة الرهن ولو قبل حلول الأجل، وإذا كان حامل بطاقة الرهن غير معروف، أو كان معروفا ولم يتفق مع المدين على شروط الدفع قبل انقضاء أجل الاستحقاق، فإنه يقوم بإيداع المبلغ المستحق مع الفوائد الواجبة حتى حلول الأجل لدى إدارة المخزن، ويستطيع بذلك تحرير البضاعة المرهونة.
هذه القاعدة التي أملتها الرغبة في السماح بتداول البضائع المرهونة أصبحت سهلة التطبيق بوجود المخازن العامة التي تقع تحت مراقبة الدولة، ويدفع الدين المضمون ببطاقة الرهن في موطن المخزن العام ما عدا إذا تضمن التظهير الأول الإشارة إلى موطن آخر، وفي هذه الحالة الأخيرة تجب الإشارة إلى اسم الموطن في التوصيل وفي سجلات المخزن العام.
وإذا حل ميعاد الاستحقاق دون دفع الدين المضمون بالرهن، وجب على حامل بطاقة الرهن منفصلة عن التوصيل أن يقيم احتجاجا بعدم الوفاء، وبعد مرور ثمانية أيام من تاريخ الاحتجاج المذكور، يمكنه أن يطلب بيع البضاعة المرهونة عن طريق المزاد العلني دون القيام بالإجراءات القضائية، وهي طريقة سهلة وسريعة التنفيذ.
وإذا قام المتعهد الأصلي لبطاقة الرهن بأداء المبلغ المضمون، أمكنه أن يعمد إلى بيع البضاعة من غير التفاتة إلى حامل إيصال الإيداع ودون حاجة إلى إنذاره، وذلك بعد مرور ثمانية أيام على ميعاد الاستحقاق.
وعندما يتم تقديم بطاقة الرهن موضوع الاحتجاج إلى إدارة المخزن العام، يتعين عليها أن تقدم للموظف العمومي المكلف بالبيع كل التسهيلات لإتمامه، ولا تسلم البضاعة موضوع البيع إلى المشتري إلا بناء على محضر، وشريطة إثبات أداء الحقوق والمصاريف الامتيازية، وكذا مجموع مبلغ القرض المضمن في بطاقة الرهن، وإيداع الفائض، إن وجد، لفائدة حامل التوصيل في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 350 من م.ت.
ويستوفي الدائن المرتهن حقه مباشرة من ثمن البضاعة، دون حاجة لسلوك إجراءات قضائية، بالامتياز والأولوية على جميع الدائنين بعد خصم المبالغ المتعلقة بالرسوم الجمركية وغيرها من الرسوم البحرية المدفوعة عن البضائع، وصوائر استيلام البضائع والبيع والتخزين وأقساط التأمين وغيرها من مصاريف الحفظ.
ويستنتج من ذلك أن مستثمر المستودع له حق أولوية في اقتضاء مصاريف التخزين والحفظ على حامل بطاقة الرهن، وإذا لم يكن حامل إيصال الإيداع حاضرا أثناء بيع البضاعة، وكانت حصيلة البيع تزيد عما يستحقه حامل بطاقة الرهن يودع المبلغ الزائد لدى إدارة المخزن العام.
ويتعين على هذه الأخيرة أن تقوم في أي وقت كان بناء على طلب من حامل توصيل الإيداع أو بطاقة الرهن بتصفية الديون والمصاريف المشار إليها سابقا مع تسبيق المستحقات ذات الامتياز على الدين المضمون على بطاقة الرهن، كما يتعين على إدارة المخزن العام أن تبين في جدول تصفية حساب الصوائر المسلم من طرفها إلى حامل الإيصال أو بطاقة الرهن رقم التوصيل ورقم بطاقة الرهن المتعلقين بالحساب.
في حالة عدم كفاية ثمن بيع البضاعة لأداء مبلغ الدين المضمون بكامله، يمكن لحامل بطاقة الرهن الرجوع على المقرض و المظهرين رجوع الحامل منظم بمقتضى نصوص خاصة، ويشترط لممارسة حق الرجوع الشروط التالية:
– يجب على حامل بطاقة الرهن التنفيذ أولا على البضاعة المرهونة وهو غير ملزم بإتباع إجراءات قضائية محددة، ويجب كذلك التحقق من عدم كفاية حصيلة البيع للوفاء بدينه.
– يجب على الحامل الرجوع على المقرض والمظهرين خلال الآجال المحددة في المادة 196 من م.ت والتي تبتدئ من يوم تحقق البيع.
– وفي جميع الأحوال، يجب على الحامل أن يتقدم بإجراء البيع خلال الشهر الموالي لتاريخ الاحتجاج بعدم الدفع تحت طائلة سقوط حقه في الرجوع على المظهرين.
وفي حالة هلاك البضاعة المودعة أو تلفها، يكون لحاملي تواصيل الإيداع وبطاقة الرهن على تعويضات التأمين المستحقة، جميع الحقوق والامتيازات المقررة لهم على البضائع المؤمنة.