يعد عقد الائتمان الإيجاري من المواضيع الهامة التي شغلت بال المشرع في العديد من الدول لما يمثله العقد من وسيلة ناجعة لتمويل الاستثمارات والمشاريع.
وتظهر أهمية عقد الائتمان الإيجاري بما يحققه من مزايا لطرفي العقد فهو وسيلة تلجأ إليها المقاولات لتطوير وسائل الإنتاج من معدات وآلات وعقارات، فالشخص عندما يرغب بتجهيز مصنعه أو شركته بمعدات ذات تكنولوجيا متقدمة يفكر في سبيل لتمويل الحصول على هذه المعدات، فإما يلجأ إلى الاقتطاع من رأسمال المشروع، وقد يلجأ إلى الاقتراض من جهات أخرى خارجية و التي قد تتطلب ضمانات كثيرة قد تعيق عمل المشروع، بالإضافة إلى تعريضه لمخاطر السداد في حال فشل المشروع.
لذلك فقد ابتدع الفكر القانوني طريقة مستحدثة لتدبير تمويل المشاريع عن طريق الحصول على المعدات اللازمة دون تحمل تكاليف شرائها دفعة واحدة، وبطريقة تضمن حقوق المؤسسة الممولة باحتفاظها بملكية المعدات، وهذا ما اصطلح عليه ” بالائتمان الإيجاري”.
ويعد عقد الائتمان الإيجاري او ما يسمى بعقد الليزينغ من العقود الحديثة نسبيا على مستوى التشريع، فقد كان اول تشريع لهذا النشاط في الولايات المتحدة حيث نظم بقانون خاص سنة 1952، ثم ما لبث أن انتشر في الدول الأوربية حيث نظمه القانون الفرنسي سنة 1966، أما في المغرب فإن ممارسة هذا النوع من الائتمان سبق التشريع، فقد ظهرت أول شركة متخصصة في الائتمان الإيجاري سنة 1965 أطلق عليها Maroc leasing.
وعلى المستوى التشريعي فإن أول تشريع جاء لينظم أحكام هذا العقد بعد ثلاثين سنة من الممارسة هو الظهير الشريف المؤرخ في 6 يوليو 1993 ، المتعلق بنشاط مؤسسة الائتمان الذي خصص له الفصلين 3 و 8 و الذي ألغي بموجب الظهير الشريف 10-04-178 بتاريخ 15 محرم 1427 الذي ألغي بدوره بموجب ظهير 1.14.193 بتاريخ 24 دجنبر 2014.
كما خصصت مدونة التجارة لعقد الائتمان الإيجاري القسم الخامس من الكتاب الرابع المتعلق بالعقود التجارية و ذلك من خلال 12 مادة، وكان قد سبقت هذا التشريع بعض التلميحات لهذا العقد، في مشروع قانون المالية لسنوات 1962 إلى سنة 1995، وبذلك حقق المشرع المغربي بعد مرور ثلاثين سنة من الممارسة ما كان يرغب فيه الممارسون و المهتمون من تقنين هذا العقد ووضع إطار قانوني ينظمه.
وتتلخص عملية الائتمان الإيجاري بان الشخص الراغب بتحديث معداته يلجأ إلى المؤسسة المتخصصة بعمليات الائتمان فيقدم طلبه، فإذا وافقت المؤسسة الممولة على ذلك، فإنها تعطي لطالب التمويل توكيل باختيار المورد والمعدات التي يرغب بها والتفاوض على الشراء ثم يبرم الممول عقد بيع يشتري فيه المعدات من البائع الأصلي، ثم بعد تمام هذا العقد يبرم مع طالب التمويل عقد كراء يسمح له بالانتفاع بالمعدات و يلتزم طالب التمويل أو المستفيد بسداد أقساط الكراء للمؤسسة المكرية، وعند انتهاء العقد يكون المستفيد أمام ثلاثة خيارات تتمثل في رفع خيار الشراء، أو تجديد العقد، أو رد المكترى إلى المكري.
أولا – ماهية الائتمان الإيجاري :
لقد أثارت الطبيعة المركبة لعملية الائتمان الإيجاري جدلا كبيرا لدى الفقه حول تحديد الطبيعة القانونية لهذا العقد و تحديد نوع القواعد الواجبة التطبيق عليه، و هذا ما سنتطرق إليه في هذه الفقرة.
1) تعريف عقد الائتمان الإيجاري :
اختلفت أراء الفقهاء في تحديد وتعريف عقد الائتمان الإيجاري و يعود هذا الاختلاف إلى تركيز كل فئة على عقد معين من عملية الائتمان الإيجاري و إغفال الجوانب الأخرى. وحسما لهذا الخلاف، قام المشرع المغربي على غرار التشريع الفرنسي بإعطاء تعريف لعملية الائتمان الإيجاري.
وهكذا عرفت المادة 431 من مدونة التجارة الائتمان الإيجاري بأنه ” كل عملية إكراء للسلع التجهيزية أو المعدات أو الآليات التي تمكن المكتري كيفما كان تكييف تلك العمليات من أن يمتلك في تاريخ يحدده مع المالك كل أو بعض السلع المكراة لقاء ثمن متفق عليه يراعي فيه جزء على الأقل من المبالغ المدفوعة على سبيل الكراء ( الائتمان الإيجاري المنقول).
كل عملية إكراء للعقارات المعدة لغرض مهني تم شراؤها من طرف المالك أو بناها لحسابه إذا كان من شأن هذه العملية كيفما كان تكييفها أن تمكن المكتري من أن يصير مالكا لكل أو بعض الأموال المكراة له على أبعد تقدير عند انصرام أجل الكراء (الائتمان الإيجاري العقاري)” ويتضح من خلال هذه المادة بأن المشرع تطرق فقط إلى نوعين من الائتمان الإيجاري :
أشارت المادة 431 في ف الأولى إلى عينة من هذه المنقولات عندما ذكرت “السلع التجهيزية أو المعدات أو الآليات” وتجدر الإشارة هنا إلى أن المنقولات نوعين “منقولات غير قابلة للاستهلاك و منقولات قابلة للاستهلاك” فإذا كان النوع الأول يقبل أن يكون محل للكراء الذي يعتبر من أهم مكونات عملية الائتمان الإيجاري، فإن الثاني لا يمكن أن يكون محل للكراء، و عموما يخضع محل عقد الائتمان الإيجاري إلى السلطة التقديرية للشركة الممولة التي ترى إن كانت هذه المنقولات من سلع تجهيزية و معدات و آلات… و كل أدوات النقل الخاصة بالأغراض المهنية المطلوب عنها الائتمان، قابلة في نظرها لأن تكون موضوع هذا الائتمان، أم أنها تعتبرها مجرد سلع استهلاكية، وبالتالي لا تمنح عنها الائتمان المطلوبة.
هذا الشرط لم يعد قائما بموجب المادة 4 من ظهير 24 دجنبر 2014 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، و الذي جاء فيها ” تشمل عمليات الائتمان الإيجاري… العمليات التي تقوم بموجبها المنشأة بإيجار عقارات تكون قد اشترتها أو بنتها لحسابها إذا كان من شأن هذه العمليات ، كيفما كان تكييفها أن تمكن المستأجر من أن يصبح مالكا لكل أو بعض الممتلكات المستاجرة عند انتهاء عقد الإيجار كأقصى أجل “.
بالإضافة إلى هذين النوعين من الائتمان الإيجاري فقد جاء في نفس المادة المشار إليها أعلاه، نوع اخر من الائتمان الإيجاري تقوم بموجبه مؤسسة الائتمان بشراء محل العقد من المكتري نفسه، وتقوم بعد ذلك بإكرائه إلى البائع ويطلق على هذه العملية الايجار المفضي إلى التفويت أو الائتمان الإيجاري المرتد.
و يمكن أيضا أن يكون موضوع الائتمان الإيجاري عبارة عن منقولات مادية أو معنوية فقد جاء في المادة 4 من ظهير 24 دجنبر 2014 أنه ” تشمل عمليات الائتمان الإيجاري… عمليات إيجار الأصول التجارية أو أحد عناصرها المعنوية التي تمكن المستأجر – كيفما كان تكييف تلك العمليات – من أن يتملك في تاريخ يحدده مع مالك الأصل التجاري أو أحد عناصره المعنوية مقابل ثمن متفق عليه يراعى في تحديده على الأقل جزء من المبالغ المدفوعة على سبيل الإيجار باستثناء كل عملية إيجار تفضي إلى تفويت الأصل التجاري المذكور للمالك الأصلي “.
وبذلك أصبح الائتمان الإيجاري يشمل حتى الأصول التجارية خلافا لما كان عليه الأمر في ظل مدونة التجارة ، حيث كان الائتمان الإيجاري يعني المنقولات المادية و العقارات المعدة لغرض مهني فقط، وبذلك تبنى المشرع المغربي موقف نظيره الفرنسي ، وقد أوردت المادة السالفة استثناء من هذه القاعدة حيث منعت تملك مالك العقار الذي يشتغل فيه الأصل التجاري امتلك هذا الأخير عن طريق الائتمان الإيجاري المرتد.
2) الطبيعة القانونية لعقد الائتمان الإيجاري :
سنحاول في هذه الفقرة ان نتناول الآراء المختلفة التي تطرقت إلى تحديد طبيعة عقد الائتمان الإيجاري والتي اعتبرت أن هذا الأخير هو مجرد تطبيق للعقود التقليدية الشائعة.
ذهب بعض الفقه إلى تقريب عقد الائتمان الإيجاري من عقد الكراء على اعتبار أن هذا الأخير هو محور عملية الائتمان الإيجاري ويشكل أساس العلاقة الثنائية بين الممول و المستفيد، و التي تدور حولها التزامات الطرفين. فهو طريقة يلجا إليها لتحقيق الغاية من العقد، فالمكتري يريد الحصول على الشيء المؤجر سواء أكان من المنقولات أو العقارات و استعمالها في مشاريعه للانتفاع بها دون أن يتحمل نتائج ملكيته لهذا الشيء و دون ان يضطر إلى دفع ثمن شرائه بينما يريد المكري بالمقابل توظيف أمواله واستثمارها بوضع الشيء محل العقد تحت تصرف المستفيد، وضمان حصوله على المبلغ الذي قدمه لشراء هذا الشيء بالإضافة إلى الربح عن طريق تحصيل أقساط الكراء.
و نظرا لأهمية عقد الكراء في عملية الائتمان الإيجاري نجد ان المشرع قد أشار إليه في كل من المادة 431 من مدونة التجارة عندما عرفت عقد الائتمان الإيجاري بأنه ” كل عملية إكراء …” و المادة 4 من ظهير 24 دجنبر 2014 عندما أكدت بأن الائتمان الإيجاري هو “عمليات إيجار…”.
لا يكتمل عقد الائتمان الإيجاري دون تمكين المستفيد من حيازة الشيء المكترى عند انتهاء العقد إذا أظهر هذا الأخير رغبته بذلك، و هذا ما يصطلح عنه برفع خيار الشراء، كأحد البدائل المتصورة لنهاية عملية الائتمان الإيجاري و الذي تشير إليه إلزاما جميع العقود المعمول بها في المغرب.
و يقابل خيار الشراء وعد بالبيع من جهة المكري أو مؤسسة الائتمان و هو عنصر رئيسي في الائتمان الإيجاري، لأن غياب هذا العنصر الذي فرضته القوانين المنظمة للائتمان الإيجاري يؤدي إلى تشويه طبيعة العقد و تغير تكييفه ليصبح إيجار بسيط أو بيع إيجار حسب الحالات.
ذهبت أراء الفقهاء فيما يتصل بهذا التكيف إلى فريقين، حيث استقر رأي الفئة الأولى على أن عقد الائتمان الإيجاري هو من عقود البيع بالتقسيط مع الاحتفاظ بالملكية، وذهب الفريق الثاني إلى القول بأنه من عقود البيع الإيجاري .
– عقد الائتمان الإيجاري عقد بيع بالتقسيط مع الاحتفاظ بالملكية : يرى أصحاب هذا الاتجاه أن عقد الائتمان الإيجاري عبارة عن عقد بيع بالتقسيط يحتفظ البائع بمقتضاه بملكية المبيع لحين استفاء الثمن، ويلتزم المشتري خلاله بسداد أقساط الثمن على دفعات مختلفة، وعند سداد هذه الأقساط يتملك المشتري المبيع بأثر رجعي.
– عقد الائتمان الإيجاري عقد بيع ايجاري : يقرب جانب من الفقه عقد الائتمان الإيجاري من عقود البيع الإيجاري مع شرط الاحتفاظ بالملكية، و البيع الإيجاري يتم في صورة اتفاق يلجأ فيه الطرفان إلى عقد الإيجار يخفيان فيه عقد البيع ويظهر من خلاله العقد على أنه عقد إيجار عادي، و يلعب فيه البائع دور المؤجر بالمقابل يظهر المشتري في صورة المستأجر ويلتزم بدفع اقساط دورية للبائع الذي يسلم العين المستأجرة للانتفاع بها، وعند انتهاء المشتري من سداد الأقساط يتملك المشتري المال تلقائيا و بأثر رجعي يعود إلى يوم إبرام العقد، ويتضمن العقد اتفاقا على إلزام المشتري بدفع مبلغ رمزي كمقابل لتملك محل التعاقد.
بالرجوع إلى الوظيفة الاقتصادية التي يحققها عقد الائتمان الإيجاري، يحاول بعض الفقه بتقريبه من عقد القرض، فعقد الائتمان الإيجاري في نظرهم هو عملية تمويلية، بحيث ينص جوهر هذا العقد على تمويل شراء الشيء محل العقد لصالح المستفيد كما أن نية المتعاقدين تتجه نحو تمويل عملية شراء المعدات أو غيرها من المورد لصالح المستفيد.
إذن عقد الائتمان الإيجاري يتكون من عدة عقود مختلفة ، هي القرض و البيع و الوكالة و الكراء و الوعد بالبيع، وتداخل هذه النماذج التعاقدية مع بعضها واندماجها ينتج عقدا ذو طبيعة مركبة غير قابل للتجزئة.
وهذا ما دفع بعض الفقه إلى القول بأن عقد الائتمان الإيجاري مجرد ربط بين عدة تصرفات مستقلة عن بعضها لكن تصب كلها في هدف واحد و نتيجة واحدة هي توفير وسيلة لتمويل المشروع بالمعدات أو العقارات التي يرغب بها وبضمان فعال للمؤسسة الائتمان يضمن حقها في استرداد كل المبالغ النقدية التي قدمتها.
بعبارة أخرى، فإن كل عقد من العقود التي تدخل في تكوين الائتمان الإيجاري يحقق جانبا مهما في العقد و يساهم في تحقيق الهدف من العقد، و هذا ما دفع بالمشرع المغربي بتكريس مجموعة من الأحكام الخاصة بهذا العقد في كل من مدونة التجارة و القانون البنكي، و أفرد له في القسم الخامس من الكتاب الرابع من مدونة التجارة 12 مادة.
ثانيا – تكوين عقد الائتمان الإيجاري :
1) أطراف عملية الائتمان الإيجاري :
إذا استثنينا عقد الائتمان الإيجاري المرتد الذي يجمع بين طرفين فقط، فإن عقود الائتمان الإيجاري هي في العموم عقود مركبة تتم بين ثلاثة أطراف :
هو الطرف الأول بالعقد و الذي يقوم بتمويل عملية شراء الأصل، حيث يلتزم بشراء العين محل التعاقد من المورد و دفع ثمنه ثم وضعه تحت تصرف المستفيد بمقتضى عقد الكراء و في المغرب يمارس هذا النشاط من قبل مؤسسات الائتمان مرخصا لها بممارسة هذا النشاط وفق للشروط المنصوص عليها في المادة 26 من ظهير 24 دجنبر 2014 وإلا كان مصير العقد البطلان.
هو الطرف الثاني في العقد ويتولى تحديد مواصفات المنقولات او العقار الذي يرغب به والمورد الذي يختاره، و قد يتفاوض في سعر هذا الشيء مع المورد، وبعد تمام عملية البيع بين الممول و المورد، يتكلف باستلام الشيء موضوع التعاقد و اكترائه مقابل أقساط متفق عليها مع الممول، هذا و يبقى للمستفيد في نهاية العقد الحق في تملك الشيء المكترى أو إرجاعه إلى الممول باعتباره المالك الأصلي أو تجديد عقد الكراء.
هو المنتج أو الموزع الذي يتولى توريد الشيء المرغوب فيه من قبل المستفيد، حيث تقوم المؤسسة الممولة بالتعاقد معه عن طريق المستفيد الذي توكله لتسلم موضوع البيع.
2) مراحل تكوين عقد الائتمان الإيجاري :
تبدأ عملية الائتمان الإيجاري عندما يلجا طالب الائتمان (المستفيد) إلى مؤسسات تجارية مرخصا لها بممارسة نشاط الائتمان الإيجاري و يطلب منها تمويل مشروعه التجاري أو الصناعي بما يحتاجه من معدات و ادوات أو عقارات، وبعد مناقشة الطلب يتم تهيئ ملف يتضمن مجموعة من المعلومات و التفاصيل عن المشروع الذي يرغب بتجهيزه و طبيعة نشاطه لضمان جدية المشروع.
كما قد تطلب مؤسسة التمويل من المستفيد معلومات تنصب على التجهيزات المراد اقتناؤها و ذلك بتحديد نوعها وأوصافها والقيمة المضافة التي سيحصل عليها من هذه العملية، واخيرا يجب أن يتضمن الطلب معلومات كاملة عن الوضعية المالية للمستفيد للتأكد من قدرته على الوفاء بالتزاماته تجاه الممول وقد يقوم هذا الاخير ببحث خاص للتأكد من جدوى العملية المطلوبة.
ويعتبر هذا الطلب مجرد إيجاب لمؤسسة الائتمان الإيجاري ولا يلزمها بشيء، إذ يبقى لها كامل الصلاحية بقبول أو رفض إبرام العملية، فإذا تبين لها من خلال دراسة طلب المستفيد عدم ربحية و جدية الصفقة، أو عدم قدرة المستفيد على الوفاء بالتزاماته، تصدر قرارها برفض التعاقد، و على خلاف ذلك، فقد تقرر مؤسسة الائتمان الإيجاري قبول الدخول في هذه الصفقة والتعاقد مع المستفيد إذا تبين لها سلامة وضعيته المالية.
وبمجرد قبول الطلب تنتهي مرحلة التفاوض بين الطرفين وتدخل في حيز الاتفاق الرئيسي الذي يتضمن وعدا من مؤسسة الائتمان بكراء الشيء محل العقد ووعدا من جانب طالب الائتمان بإكتراء محل التعاقد.
كما سبقت الاشارة إلى ذلك، فمؤسسة الائتمان لا تتوفر على المعدات او العقارات التي يحتاجها المستفيد و إنما يتم شرائها من طرف ثالث هو المورد، لذلك فقد تتضمن عملية الائتمان الإيجاري في أغلب صورها تفويضا للمستفيد من الممول باختيار الشيء محل التعاقد و تحديد مواصفاته واختيار المورد او الموزع والتفاوض معه على السعر ومكان و زمان التسليم.
ويتخذ هذا التفويض شكل عقد وكالة يربط بين شركة الائتمان والمستفيد، وهذا ما يفهم من خلال استقرائنا لبعض عقود الائتمان الإيجاري الوطنية والدولية. إذ يرد في أغلب عقود شركات الائتمان الإيجاري الفرنسية مثلا “يختار المكتري المعدات وصنفها والنوع الذي يلائمه لدى مورد من إختياره، ويشتري المكري المعدات المتطورة بعد أن يضمن في وصل الطلب الخصوصيات التقنية وشروط واجال التسليم التي أشار إليها المكتري…”
وتلجأ شركة الائتمان الإيجاري من وراء توكيل المستفيد المكتري إلى إعفاء نفسها من العديد من الالتزامات التي تتحملها عادة وفقا للقواعد العامة كالمسؤولية عن العيوب الخفية للشيء مثلا، فالمستفيد المكتري اختار الشيء محل العقد بنفسه وبناء على طلبه واختياره، كما أنه أبرم عقد شرائه وتسلمه بنفسه نيابة عن الممول، لذلك يكون من السهل عليه التعرف على ما به من عيوب.
ومن هنا نجد أن بعض العقود النموذجية للائتمان تركز على أن التزام المستعمل في اطار الوكالة، لا ينحصر في بذل عناية، و إنما في الوصول إلى نتيجة، لأنه يكون أدرى بمعرفة الشيء الذي يريد اقتنائه، و الخصوصيات التي يشترطها على المورد اثناء التعاقد معه والتي ينبغي ان يتأكد منها أثناء العملية.
و تسري أحكام الوكالة أيضا عندما يتعلق الأمر ببضائع أجنبية فإن المستفيد أو المستعمل هو الذي يتكلف بأداء المصاريف المتعلقة بالإجراءات الجمركية والإدارية واللوجيستيكية.
بمجرد تسلم المستفيد المكتري المعدات من البائع نيابة عن مؤسسة الائتمان الإيجاري يبدأ سريان عقد الكراء، هذا العقد يشكل العلاقة الرئيسية التي تربط المتعاقدان، ويفسر معظم أحكام عقد الائتمان الإيجاري، وتطبق على هذا العقد القواعد العامة لعقد الكراء إن لم تتعارض مع طبيعة عقد الائتمان الإيجاري.
ثالثا – تنفيذ عقد الائتمان الإيجاري :
يلقي عقد الائتمان الإيجاري على كل من مؤسسة الائتمان والمستفيد المكتري التزامات متبادلة يتعين عليهما الوفاء بها تحت طائلة تحملهما المسؤولية، وتبقى هذه الالتزامات في معظمها هي نفس الالتزامات التي نص عليها قانون الالتزامات و العقود بشأن عقد الكراء، ما لم تتعارض مع خصوصيات عقد الائتمان الإيجاري.
1) التزامات المؤتمن المكري “مؤسسة الائتمان الإيجاري” :
يلتزم الممول المكري بتسليم الشيء محل العقد للمستفيد المكتري وتمكينه من الانتفاع به، وتقتضي طبيعة الائتمان الإيجاري إلزام مؤسسة الائتمان بتمكين المكتري من تملك الأشياء المكتراة عند نهاية مدة العقد.
عادة ما يتحمل المكري بمقتضى القواعد العامة لعقد الكراء، الالتزام بتسليم محل الكراء للمكتري ووضعه تحت تصرفه للاستمتاع به، ويرى بعض الفقهاء أن هذا الالتزام ذو طابع متتالي و مستمر يمتد طول مدة الكراء.
إلا ان طبيعة عقد الائتمان الإيجاري تدفع بشركات الائتمان الإيجاري باستبدال الالتزامات الخاصة بتسليم الشيء المكرى بأحكام جديدة تتلاءم مع خصوصية العلاقة، وذلك من خلال إعمال سلطان الإرادة لتغير القواعد القانونية المكملة، وهذا مايظهر بوضوح من خلال معظم العقود النموذجية التي تعفي الممول المكري من الالتزام بتسليم الشيء المكترى وتلقي به على عاتق موكلها الذي يكون مطالبا باستلام وتركيب المعدات.
أما في حالة عدم وضع الأصل تحت تصرف المكتري في الاجال المنصوص عليها في العقد، و ذلك لسبب خارج عن إرادة المكري، أو إذا لم تحترم الشركة الموردة الخصوصيات التقنية أو شروط التسليم التي حددتها مع المكتري الذي يتصرف كوكيل، وإذا كان على هذا الأساس لا يمكن للعقد أن ينتج اثاره، فإن المكري يحتفظ تجاه المكتري بحق طلب التعويض عن كل المبالغ و النفقات أو الفوائد المالية التي صرفها.
كما تنص عقود الائتمان الإيجاري في نفس المواد المتعلقة بالتسليم على أن المكتري يتحمل نفقات ومخاطر تسليم الأصل وبالتالي يجب أن يسهر على حسن تنفيذ عمليات النقل والتركيب.
و إذا لم يكن من الممكن تسليم الأصل واستعماله في التاريخ المتفق عليه بين الأطراف بسبب أجنبي عن إرادة المكري، فإن المكتري لا يستطيع ممارسة أي رجوع ضد المكري لفسخ عقد الكراء المبرم، أو لتقديم طلب بتعويضات و فوائد أو تخفيض أقساط الكراء أو أي تعويض اخر فأداءه يتعلق في ذهن المكري بالعقوبة العادية لسوء اختيار المورد.
ينص الفصل 643 من ق.ل.ع. على أن الضمان الذي يلتزم به المكري للمكتري يرد على أمرين: الانتفاع بالشيء المكري وحيازته بلا معارض. واستحقاق الشيء والعيوب التي تشوبه.
ويتمتع هذا الضمان بقوة القانون، وإن لم يشترط، ولا يحول حسن نية المكري دون قيامه. وعلى الرغم من أن هذا الضمان ثابت بقوة القانون، فإن عقود الائتمان تعفي المكري من ضمان العيوب الخفية التي تشوب الشيء، كما تلقي هذه العقود على عاتق المكتري مخاطر هلاك الأشياء وما يلحق بها من أضرار، وكذا ما يلحق بالأغيار من أضرار. كما يتحمل المكتري الأعباء الضريبية كذلك. ويذهب البعض إلى أن هذه الشروط العقدية تعتبر صحيحة في الائتمان الإيجاري المهني.
أما في الائتمان الإيجاري للمستهلكين، فلا تعتبر كذلك لما تنطوي عليه من تعسف في حق هؤلاء. ويبدو من المنطقي أن تعفي مؤسسة الائتمان نفسها من ضمان العيوب الخفية، ذلك أن المكتري هو الذي يختار الشيء موضوع العقد ويحدد مواصفاته التقنية بالاتفاق مع المورد، وهو الذي يوقع محضر التسليم، وهذا ما يبرر إعفاء مؤسسة الائتمان من الضمان.
هذا فضلاً عن أن ملكية المكري للشيء مؤقتة تنتهي بانتهاء مدة الكراء، إذا اختار المكري تملك الشيء، لهذا فإن مؤسسة الائتمان تنقل حقوقها في دعوى الرجوع بالضمان على المورد البائع إلى المكتري، على الرغم من كون هذا الأخير لم يكن طرفاً في عقد البيع، وبموجب هذه الحوالة، يستطيع المكتري مقاضاة المورد، ذلك أن الرجوع على المكري يصبح غير ذي فائدة.
يتضمن عقد الائتمان الإيجاري وعداً من المؤتمن المكري ببيع الشيء محل العقد للمستفيد المكري إذا أبدى هذا الأخير رغبته في تملكه، وهذا الوعد يتميز بأنه “وعد ملزم لجانب واحد هو المؤتمن المكري”، حيث يلتزم هذا الأخير بنقل ملكية الأشياء المكتراة إلى المستفيد المكتري عند انتهاء العقد، وهذا ما أشارت إليه المادة 431 من مدونة التجارة بقولها “… تمكن المكتري … من أن يتملك في تاريخ يحدده مع المالك كل أو بعض السلع المكراة”.
و ما يلاحظ على هذه المادة انها أعطت للمؤتمن المكتري الحق في تملك بعض من الأشياء المكتراة، و هذا من شأنه أن يضر بمصلحة مؤسسة الائتمان خصوصا إذا كانت الأشياء المكتراة غير قابلة للتقسيم، وتبقى من مصلحة شركة الائتمان إذن أن تنص في عقد الائتمان الإيجاري على عدم امكانية إعمال الخيار الجزئي كل ما كان ذلك يتعارض مع مصلحتها.
كما يتميز هذا الوعد بأنه معلق على وفاء المستفيد المكري بالتزامه بدفع أقساط الكراء، فالمستفيد المكري لا يحق له تملك العين المكرية إلا إذا تم سداد الأقساط المطلوبة كاملة، ويجب تحديد المدة التي يجب على المستفيد الموعود أن يبدي رغبته بشراء العين المكرية خلالها، بحيث إذا أبدى رغبته الصريحة خلال تلك المدة بشراء الشيء المكري، يتملكه من تلك اللحظة، أما إذا أعلن المستفيد صراحة عدم رغبته بتملك الشيء المكترى فإن الالتزام بخيار الشراء يسقط من ذمة مؤسسة الائتمان الإيجاري.
2) التزامات المؤتمن المكتري :
حسب القواعد العامة للكراء، فإن المكتري يتحمل التزامين أساسيين “دفع أقساط الكراء، والمحافظة على الشيء المكري واستعماله دون إفراط أو إساءة وفقا لإعداده الطبيعي”.
أقساط الكراء في الكراء العادي هي المقابل المادي الذي يلتزم المكتري بأدائه للمكري مقابل الانتفاع بالشيء المكترى، و تستمد هذه الأقساط سومتها ومرجعيتها من السوق الإيجارية بمعنى أن قيمتها تتعرض بشكل مستمر لتأثير العرض الطلب.
أما أقساط الكراء في الائتمان الإيجاري فتبتعد عن معايير السوق الإيجاري، على اعتبار أن المؤتمن المكتري يدفع لشركة الائتمان الإيجاري ما يشكل بالنسبة لهذه الاخيرة عائدا ينبغي ان يغطي أولا الرأسمال المستثمر في شراء العين المكرية ثم المصاريف العامة التي تكبدها لتنفيذ العملية، بالإضافة إلى هامش ربحه.
وتنص عموما عقود الائتمان الإيجاري العادي على ان القسط الأول من الكراء يكون مستحقا من يوم تسليم الأصل المكتراة، على عكس الائتمان الإيجاري المرتد الذي يستحق فيه الكراء بمجرد إبرام عقد البيع.
و إذا كان من المعروف في القواعد العامة ان الدين مطلوب و ليس محمول و أن الأقساط في الكراء هي كذلك، فإن عقود الائتمان الإيجاري قد قلبت هذه القاعدة وجعلته محمولا لا مطلوبا، وهو ما يعني ان المؤتمن المكتري مطالب بتنفيذ أدائه بالوفاء بمقر شركة الائتمان الإيجاري أو المكان المتفق عليه في العقد.
وتفاديا للمشاكل المتعلقة بسداد الأقساط في الاجال المتفق عليها، فإن أغلب شركات الائتمان تطلب من المستفيد المكتري أن يسمح لها من أن تقتطع الأقساط المستحقة من حسابه البنكي ويتوعد في هذا الصدد بأن يوقع أمرا كتابيا بتحديد مكان السداد المستديم عند التوقيع على هذا العقد.
أما في الحالة التي لا تستطيع فيها شركة الائتمان من تحصيل أقساط الكراء المستحقة، فإنها تحتفظ لنفسها من خلال أحد بنود عقد الائتمان الإيجاري بترتيب جزاء عن هذا الاخلال، وذلك بدفع تعويض يتحدد بنسبة ثابتة من القيمة الشهرية لقسط الكراء، والتي تحدد عادة في نسبة واحد في المئة من قيمة القسط المستحق، اضافة إلى النفقات الناشئة عن الاخطار بحلول الأجل، أو عن طريق الفوائد التأخيرية بسعرها القانوني عن المسائل التجارية، ومن تاريخ التنبيه او الانذار بالأداء هذا مع الاحتفاظ بالحق في استرجاع الشيء الموجود بين يدي المكتري موضوع الكراء.
بمجرد تسلم الشيء محل العقد يصبح المكتري حارسا شخصيا له، ويتحمل بذلك نتائج الأضرار التي يلحقها الشيء بالأغيار كما يلتزم باستعمال الشيء فيما أعد له، وأن يبذل في المحافظة عليه عناية الشخص العادي، بالرغم من ان هذا الالتزام يعتبر من القواعد الثابتة في مجال الكراء، فإن المؤتمن المكري يتخذ مجموعة من الاحتياطات ليبقى الأصل المكري في حالة جيدة و هذا ما يظهر من خلال استقرائنا لبعض شروط العقود النموذجية التي تشترط على المكتري :
– اتخاذ كل التدابير الضرورية للاستعمال العادي للأصل، بمعنى إبداء الكثير من العناية في استعمال الأصل و هي العناية التي يمكن لأي شخص في نفس الظروف أن يبدلها.
– الحفاظ على الأصل المكري في حالة جيدة للتشغيل وذلك بصيانته و يدخل ضمن عملية الصيانة والاصلاح اضافة قطع او استبدال اخرى، حيث ينص العقد على ان ما اضيف للشيء يصبح ملكا لشركة الائتمان الإيجاري لأن ذلك يدخل ضمن حقوق الالتصاق، ويحتفظ المكتري بحقه في المطالبة بقيمة الأجزاء المضافة.
– تحمل كل المخاطر المرتبطة بالشيء الذي يستعمله، من ضياع أو تلف أو هلاك حتى ولو تم ذلك في ظروف خارجة عن ارادته كالقوة القاهرة، أو بسبب عدم الصيانة وتفاديا لكل هذا يلزمه العقد بإجراء تأمين على الشيء موضوع الائتمان الإيجاري.
– الامتناع من تفويت الشيء، أو إكرائه من الباطن أو استبداله أو اعارته إلا بعد موافقة شركة الائتمان الإيجاري على اعتبار أن هذا العقد يعتبر من عقود الامانة، ويتعرض المستفيد للعقوبات الجنائية المقررة لخيانة الأمانة.
– الامتناع من تحويل المكان الذي يستعمل فيه الأصل بدون موافقة مؤسسة الائتمان، و في حالة الموافقة على التحويل، فإن مصاريف فك الأصل و نقله و إعادة تركيبه تكون على المستفيد المكتري.
وعموما تبقى هذه الشروط – بالإضافة إلى شروط أخرى – مجرد تفريعات لاستعمال الأصل بشكل عادي وفق تخصيصه، فمقتضيات عقد الائتمان الإيجاري تدل كلها على اهمية الكيان المادي للأصل بالنسبة للمكري بفعل من جهة أن هذا الاخير قد يضطر إلى بيع الأصل بعد فسخ الكراء إلى شخص آخر و هذا الأمر يتطلب أن يكون الشيء المبيع صالحا للاستعمال و من جهة اخرى، فالمكتري يبقى له الحق برفع خيار الشراء عند نهاية العقد وبالتالي تبقى من مصلحته ان يكون هذا الشيء في حالة جيدة للاستعمال.
و للتأكد من حسن استعمال الأصل في الظروف المحددة في عقد الكراء، تحتفظ شركة الائتمان الإيجاري لنفسها بحق القيام بكل فحص و بكل مراقبة لوضعية الأصل و لصيانته و استعماله في أي وقت طوال مدة العقد، وهذه المراقبة التي يباشرها موظفو شركة الائتمان الإيجاري، لا يجب أن تكون مضرة بالسير العادي لنشاط المكري أو أن تتحول المراقبة إلى الاطلاع على السر المهني.
وقد تشترط شركة الائتمان الإيجاري في العقد الحق في استرجاع الشيء من يد المكتري، إذا تغيرت وضعيته المادية وأصبحت مصالحها في خطر، كخضوعه للتسوية أو التصفية القضائية، أو إذا توقف عن نشاطه الصناعي، أو تناقصت الضمانات التي كانت متوفرة فيه أو التي قدمها إليها.
رابعا – انتهاء عقد الائتمان الإيجاري :
ينتهي عقد الائتمان الإيجاري بانتهاء مدته بيد أنه ينتهي أثناء مدة سريانه نتيجة ظروف طارئة قد تكون خارجة عن إرادة طرفيه مما يؤدي إلى فسخه، وعليه فإننا نتناول “انتهاء عقد الائتمان بانقضاء مدته أو بفسخة”.
1) انتهاء عقد الائتمان الإيجاري بانقضاء مدته :
تنص القواعد العامة على أن عقد الكراء ينقضي بقوة القانون بانتهاء المدة المتفق عليها ، إلا أن عقد الائتمان الإيجاري يتميز ببعض الخصائص تجعله لا ينتهي كما تنتهي عقود الكراء العادية لأن المكتري في الائتمان الإيجاري تكون له في نهاية الكراء ثلاث خيارات تتمثل في رفع خيار الشراء، أو تجديد العقد، أو رد المكترى إلى المكري.
ينقضي عقد الائتمان الإيجاري إذا باشر المكتري خيار الشراء، ذلك أن المكري يلتزم في محرر مستقل بتمكين المكتري من تملك الأشياء المكتراة كلا أو بعضا، فإذا مارس المكتري خيار الشراء أصبح مالكا لتلك الأشياء، ويتعين على المكتري إذا أراد ممارسة هذا الحق أن يعلم المكري بذلك برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل شهرين قبل انقضاء مدة الكراء، إن خيار الشراء قد يتناول بعضا من الآلات والمعدات موضوع عقد الائتمان الايجاري، كما قد يكون المكتري ملزما بموجب العقد بتملك جميع الأشياء المكتراة، وفي هذه الحالة فإن خيار الشراء يجب أن يتناول جميع الأشياء موضوع عقد الكراء.
ولتحديد ثمن الشراء فإنه يتم مراعاة أقساط الكراء التي تقاضاها المكري، وبذلك فإن ثمن الشراء لا يتجاوز عادة 1 بالمائة من القيمة الكرائية الإجمالية للأشياء المكتراة، فالمشرع نص على ضرورة مراعاة جزء على الأقل من المبالغ المدفوعة على سبيل الكراء في تحديد ثمن الشراء، وإذا لم يرغب المكتري في تملك الآلات والمعدات يبقى له خياران هما إرجاع الأشياء أو تجديد عقد الكراء.
قد يقرر المستفيد عند انتهاء المدة المحددة في عقد الائتمان الإيجاري تجديد هذا الأخير إما لأنه لم يرى جدوى من تملك الأصل المكرية أو لأنه لا يتوفر على الأموال اللازمة لإعمال خيار الشراء.
و في كلتا الحالتين يبقى هذا العقد، عقد جديدا وبشروط جديدة قد تختلف عن شروط العقد الأول، حيث يعد عقد الكراء الجديد عقدا مستقلا عن العقد الأول، وبشروط مختلفة، فلا يعتبر تجديد العقد وفقا لهذا الخيار تجديدا ضمنيا لعقد الكراء الأول، و هذا على خلاف ما هو معمول به في العقود الكراء العادية و التي تتجدد ضمنيا بنفس الشروط السابقة عندما يستمر المكتري بالانتفاع بالأصل المكرية والوفاء بالتزاماته رغم إنتهاء مدة العقد، ويبقى المكري ساكتا.
أما في عقد الائتمان الإيجاري فيجب أن يصدر عن المستفيد المكتري تعبير إرادي يعبر عن إرادته بتجديد العقد لأن عقد الائتمان الإيجاري لا يقبل التجديد الضمني بنفس الشروط على اعتبار أن مبلغ الكراء يكون منخفضا بالمقارنة مع تلك التي كانت تؤدى عن الفترة السابقة.
في الحالة التي لم يرفع فيها المكتري خيار الشراء و لم يعبر عن نيته في تجديد عقد الكراء فإنه يكون ملزما بإعادة الأشياء المكتراة إلى المكري في المكان المعين في العقد، وفي حالة استعمال جيدة، وإذا اتضح أن الآلات والمعدات في حالة سيئة نتيجة سوء استعمال فإن المكتري يكون ملزما بتعويض مؤسسة الائتمان عن الأضرار التي لحقتها نتيجة ذلك،
وبعد معاينة الأضرار بواسطة خبير يعينه لهذه الغاية يتحمل المكتري مصاريف الإرجاع، أما إذا رفض المكتري إرجاع الأشياء، فقد يلزم بذلك بواسطة أمر صادر عن رئيس المحكمة بصفته قاضي المستعجلات ويكون هذا الأمر مشمولا بالنفاذ المعجل، وفي حالة التأخير في الإرجاع فإن المكتري يكون ملزما حسب عقود الائتمان الإيجاري بأن يؤدي إلى المكري عن كل شهر تأخير قيمة شهر كراء كشرط جزاء.
الواقع أن إعمال خيار الإرجاع لا يحقق مصلحة أي من طرفي العقد ، فمصاريف الإرجاع يتحملها بموجب عقود الائتمان الإيجاري المكتري وقد تتجاوز تلك المصاريف قيمة الأشياء التي حددها العقد لإعمال خيار الشراء، وعليه فمن مصلحة المكتري أن يمارس خيار الشراء إلا إذا أصبحت المعدات والآلات لا تساير طرق الإنتاج في مؤسسة المكتري حيث يغدو تملكها غير ذي فائدة، أما بالنسبة لشركة الائتمان الإيجاري، فإن الإرجاع لا يلائم طبيعة وظيفتها، هذا فضلا عن أن الإرجاع سيكلفها أعباء إضافية حيث تكون ملزمة لإيجاد محلات لتخزين الآلات والأجهزة، أو إيجاد مشترين للأشياء المسترجعة.
2) انتهاء مدة عقد الائتمان الإيجاري بفسخه :
قد ينتهي عقد الائتمان الإيجاري قبل المدة التي تم الاتفاق عليها وذلك بفسخ إما من طرف مؤسسة الائتمان أو من طرف المستفيد.
تعتبر مدة عقد الائتمان الإيجاري عنصر أساسي بالنسبة لمؤسسة الائتمان، فعلى أساس هذه المدة أي مدة الكراء يتم تحديد أقساط الكراء و ثمن خيار الشراء للتمكن من اقتناء ملكية الأصل، كما ان هذه المدة غالبا ما يتم تحديدها بالرجوع إلى مدة إهلاك الأصل ضريبيا و مدة إهلاك الأموال التي دفعتها مؤسسة الائتمان ماليا.
و بالتالي فإن مدة العقد غير قابلة للنقصان أو للرجوع، إلا أن مؤسسة الائتمان قد تكون مضطرة إلى فسخ العقد و ذلك بناء على مقتضيات عقدية – شرط فاسخ – أو قانونية في حالة إخلال المستفيد بتنفيذ التزاماته.
و هكذا إذا تخلف المكتري في أداء أقساط الكراء فإن عقد الائتمان الإيجاري يفسخ بقوة القانون، وذلك تنفيذا للشرط الفاسخ الوارد في العقد دون الحاجة إلى رفع دعوى أمام القضاء ولا يصبح الفسخ نافذا إلا بعد استنفاذ كل الوسائل الودية لإيجاد حل للنزاع وإرسال إشعار إلى المكتري بضرورة تنفيذ التزاماته داخل أجل ثمانية أيام ومرور هذه المدة دون جدوى.
وما يسري على الفسخ لعدم أداء أقساط الكراء يطبق على إخلال المكتري بالتزاماته الأخرى، كما إذا لم يؤد أقساط التأمين أو إذا استعمل التجهيزات في غير الأغراض المخصصة لها، أو قام بإكرائها للغير دون إذن المكري.
كما يفسخ عقد الائتمان الإيجاري في حالة التسوية القضائية للمكري إذا بقي الإنذار الذي يوجهه السنديك للمكتري بضرورة تنفيذ التزاماته الناتجة عن عقد الائتمان الإيجاري دون جواب لمدة تفوق شهرا، وتطبق ذات الأحكام أعلاه في حالة التصفية القضائية للمكتري، إلا أن عقد الائتمان الإيجاري لا يفسخ في حالة التسوية أو التصفية القضائية للمكتري إذا فضل السنديك استمرار تنفيذ العقود الجارية التي منها عقد الائتمان الإيجاري الضرورية للحفاظ على نشاط المقاولة.
يعد عقد الائتمان الإيجاري من العقود الملزمة للجانبين، فكما يحق للمكري فسخ العقد عند إخلال المكتري بالتزاماته، يبقى من حق هذا الأخير أيضا الرجوع عن العقد في حالة إخلال مموله عن التزاماته، لكن من خلال الشروط الواردة في العقد يظهر أن شركة الائتمان قد أعفت نفسها من الالتزامات الملقاة على عاتقها بموجب القواعد العامة ولم يبق على عاتقها سوى الالتزام بإبرام عقد البيع مع المورد، و هو التزام أساسي لاستكمال عملية الائتمان الإيجاري وكل إخلال بهذا الالتزام من شأنه أن يخول الحق للمستفيد في فسخ العقد و المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه.