وضع المشرع المغربي لائحة الأنشطة التجارية التي يجب مزاولتها عن طريق الاعتياد أو الاحتراف لاكتساب صفة تاجر في ثمانية عشر نشاطا ، فيما كانت هذه اللائحة محصورة فيما قبل في ثماني أنشطة فقط، حيث يلاحظ إضافة المشرع إلى اللائحة الجديدة أعمالا كانت تعتبر مدنية في وقت سابق ولا يمكن تفسير ذلك إلا بأن المشرع المغربي بدوره وكباقي التشريعات المقارنة، خضع لسنة التطور الاقتصادي.
والراجح أن المشرع عدد الأنشطة التجارية على سبيل المثال فقط لا الحصر، والدليل على ذلك أنه اعتمد معيار القياس والمماثلة، فقرر في المادة 8 من مدونة التجارة أن أي نشاط يماثل الأنشطة المذكورة في المادة 6 والمادة 7 يعتبر بدوره عملا تجاريا، شريطة ممارسته على سبيل الاعتياد أو الاحتراف.
وإلى جانب التعداد المبني على معيار الاعتياد والاحتراف، ومعيار القياس والمماثلة، اعتبر المشرع بأن كل عمل يقوم به التاجر بمناسبة تجارته يعد عملا تجاريا، وهو ما يعرف بالأعمال التجارية بالتبعية، أما الأعمال التي يكون لها طابع تجاري في مواجهة أحد المتعاقدين، وطابع مدني في مواجهة الآخر، فتسمى بالأعمال التجارية المختلطة (م 4)، وأما الأعمال التي تأخذ الطابع التجاري في حد ذاتها ودون تأثير المتعامل بها أكان تاجرا أم لا، فهي التي تسمى بالأعمال التجارية الشكلية (م 9).
وبناء على ما سبق، سوف يكون تصنيفنا للأعمال والأنشطة التجارية تماشيا مع المعايير التي اعتمدها المشرع المغربي إلى :
– الأعمال التجارية الأصلية: وقد نصت عليها المادتين 6 و 7 من مدونة التجارة، وهي أعمال يكتسب ممارسها بصفة اعتيادية أو احترافية صفة التاجر.
– الأعمال التجارية بالمماثلة: هي أعمال تجارية نحددها بالقياس على الأعمال التجارية الأصلية، وفق المادة الثامنة من مدونة التجاة، فهي تتمثل في الممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأعمال المشابهة للأعمال التجارية.
– الأعمال التجارية الشكلية: هي تلك الأعمال التي نصت عليها المادة 9 من مدونة التجارة، فهي أعمال تجارية متى اتخذت شكلا معينا.
– الأعمال التجارية بالتبعية: نصت عليها المادة 10 من مدونة التجارة، وهي أعمال مدنية تحولت إلى أعمال تجارية لعلاقتها بتجارة التاجر.
– الأعمال التجارية المختلطة: بعض المعاملات المالية تتم بين طرفين بين تاجر، وطرف غير تاجر، فهي عمل تجاري من جهة التاجر، وعمل مدني من جهة الطرف الآخر، ويصطلح عليهابالأعمال المختلطة.
أولا – الأعمال التجارية الأصلية :
تطرق المشرع المغربي في المادتين 6 و 7 من مدونة التجارة للأعمال التجارية الأصلية التي تكسب ممارسها صفة التاجر، متى مارسها بشكل اعتيادي أو احترافي، وسنعمل على شرحها بعد التعريف بمحتوى هذه المواد.
لقد نصت المادة 6 من مدونة التجارة على ما يلي “مع مراعاة أحكام الباب الثاني من القسم الرابع بعده المتعلق بالشهر في السجل التجاري تكتسب صفة تاجر بالممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأنشطة التالية:
1- شراء المنقولات المادية أو المعنوية بنية بيعها بذاتها أو بعد تهيئتها بهيئة أخرى أو بقصد تأجيرها.
2- اكتراء المنقولات المادية أو المعنوية من أجل إكرائها من الباطن.
3- شراء العقارات بنية بيعها على حالها أو بعد تغييرها.
4- التنقيب عن المناجم والمقالع واستغلالها.
5- النشاط الصناعي أو الحرفية النقل.
7- البنك والقرض والمعاملات المالية.
8- عملية التأمين بالأقساط الثابتة.
9- السمسرة والوكالة بالعمولة وغيرهما من أعمال الوساطة.
10- استغلال المستودعات والمخازن العمومية.
11- الطباعة والنشر بجميع أشكالها ودعائمها.
12- البناء والأشغال العمومية.
13- مكاتب ووكالات الأعمال والأسفار والإعلام والإشهار.
14- التزويد بالمواد والخدمات.
15- تنظيم الملاهي العمومية.
16- البيع بالمزاد العلني.
17- توزيع الماء والكهرباء والغاز.
10 – البريد والمواصلات”.
ونصت المادة 7 على ما يلي ” تكتسب صفة تاجر أيضا بالممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأنشطة التالية:
1- كل عملية تتعلق بالسفن والطائرات وتوابعها.
2- كل عملية ترتبط باستغلال السفن والطائرات وبالتجارة البحرية والجوية”.
وجاء في المادة 8 مايلي ” تكتسب صفة تاجر كذلك بالممارسة الاعتيادية أو الاحترافية لكل نشاط يمكن أن يماثل الأنشطة الواردة في المادتين 6 و7″.
ويتبين من سائر هذه المواد أن الشخص، طبيعيا ( ذاتيا ) كان أو معنويا (اعتباريا) يكتسب صفة تاجر إن مارس هذه الأنشطة المعددة ( المادتان 6 و 7 من مدونة التجارة) أو الأنشطة المماثلة ( المادة 8 من المدونة) في شكل مقاولة، وبعبارة النص المبهمة الممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأنشطة.
1) الأنشطة التجارية المتعلقة بالتسويق والتوزيع:
يعتبر شراء المنقولات بنية البيع أو ما يطلق عليه مقاولة تجارية أكثر الأنشطة وقوعا في الحياة العملية، وهو من أهم الأنشطة التجارية التي تهدف إلى تحقيق الربح والمضاربة. وحسب ما نص عليه المشرع فإنه يشترط لاعتبار شراء أو اكتراء المنقولات عملا أو نشاطا تجاريا عدة شروط أساسية وجوهرية، وهي كالتالي :
– أن تكون هناك عملية شراء أو اكتراء سابقة : حتى يكون النشاط تجاريا يجب أن يسبقه الشراء، وبدون هذا الشرط الجوهري يظل العمل مدنيا، وهذا ما يحصل في بيع المزروعات المتحصلة من الجهد البدني للفلاح، سواء كانت الأرض ملكا له أم لغيره حتى ولو كان يشتري بعض لوازم بيع المنتوج، وقد اعتبر الاجتهاد القضائي هذا العمل مدنيا، لأنه لم يكن مسبوقا بعملية الشراء غير أن الاجتهاد الفقهي يميز بين المقاولات الفلاحية الصغيرة والمتوسطة التي يعتبرها مدنية وبين مقاولات الاستثمار الفلاحي التي يعتبرها تجارية، و بيع الإنتاج الفكري أو الفني، وبيع منقول آل إلى الشخص عن طريق الإرث أو الوصية أو الهبة أو الجائزة، و المهن الحرة من طب وهندسة وتوثيق وغيرها…
– أن يقع الشراء أو الاكتراء لمنقول مادي أو معنوي : اشترط المشرع في العمل لكي يكون تجاريا هو أن يرد الشراء على منقول مادي أي السلع والبضائع، أو معنوي ، أي السندات والأسهم (القيم المنقولة) والديون، وحقوق الملكية الأدبية والصناعية والأصول التجارية.
– أن تتوفر نية بيع هذا المنقول أو نية تأجيره عند شرائه أو نية إكرائه من الباطن عند اکترائه : تعتبر نية البيع أو التأجير الشرط الثالث لاعتبار شراء المنقولات عملا تجاريا، وعليه فإن الشراء دون هذه النية يعتبر عملا مدنيا، كما لو كان الشراء بنية الاستهلاك أو الاستعمال الشخصي أو إعطاء الشيء هدية، حتى وإن غير المشتري فكرته فيما بعد وقام ببيع ما اشتراه لأن الاعتداد بالنية يكون وقت الشراء أي أن يقترنا معا.
– أن يتوفر في هذه العمليات عنصر الاعتياد أو الاحتراف : يلاحظ على المشرع المغربي أنه لم يذكر شرط نية تحقيق الربح، ويرجع الاجتهاد الفقهي ذلك إلى أن تحقيق الربح معيار اقتصادي والمعيار الاقتصادي لا يكفي لتحديد عمل قانوني، إلا أن الاجتهادين الفقهي والقضائي يتفقان على أهمية هذا الشرط، وبدونه تنتفي الصفة التجارية عن عملية البيع، فأعمال التعاونيات والنقابات ليست تجارية، طالما لا تقصد الربح حتى ولو حصلت على مبالغ إضافية على تكلفة تلك السلع، وطالما أنها تقدم خدمة لأعضائها فقط.
والجدير بالإشارة أن هناك أنشطة تكتسب طابعها التجاري بمجرد توفر شرط الاعتياد أو الاحتراف دون توفر شرط حصول الشراء كما هو الحال في اكثراء المنقول بنية إكراته من جديد.
– بيع المشتريات على حالها أو بعد تهيئتها : لم يميز المشرع المغربي بين شراء المنقولات بنية بيعها، وبين بيعها بعد تحويلها؛ كشراء المواد الأولية ثم تصنيعها قبل بيعها بعينها أو تأجيرها كتحويل الذهب والفضة الى حلي والصوف إلى ملابس، وشراء براءة اختراع وتطويرها أو تحويلها إلى منتوج ثم بيع هذا المنتوج، وهكذا إذن سيان لدى المشرع المغربي أن يتم بيع المشتريات على حالها أي كما تم شراؤها أو بعد تحويلها إلى هيئات أخرى، كما لو تم تصنيعها كلية أو جعلها نصف مصنعة، فالعملية في جميع الأحوال تظل تجارية.
لم يكن القانون التجاري الملغى يعتبر شراء العقارات بنية بيعها عملا تجاريا كما هو الشأن بالنسبة لشراء المنقولات بل بالعكس كان يعتبر محورا أساسيا للقانون المدني الذي يحتاج إلى الثبات والإستقرار، وبالتالي لا ينفع إخضاعه للقانون التجاري المتسم بالتطور والسرعة.
غير انه بسبب ما لوحظ من مضاربات في مجال العقار، قرر المشرع المغربي إضفاء الصفة التجارية على جانب المعاملات العقارية، وهي شراؤها من أجل بيعها، مع ترك جانب آخر خاضع للقانون المدني وهو الشراء من أجل الكراء، ثم الاكتراء من أجل إعادة الكراء من الباطن، وقد سوى المشرع المغربي بين شراء المنقولات لأجل بيعها وإعادة إكرائها من الباطن، كما سوى بين شراء المنقولات وشراء العقارات لكن بنية بيعها فقط، دون نية إكرائها من الباطن تفاديا للمضاربة في مجال كراء السكن، مما قد يتسبب في تضخم أزمة السكن في بلادنا.
وقد لاحظ المشرع المغربي بأن شراء العقارات مثل شراء المنقولات أصبح في عصرنا هذا يقوم بدوره على السرعة والمضاربة وتحقيق أرباح طائلة، وأمام إلحاح الاجتهاد الفقهي على اعتباره عملا تجاريا قرر المشرع أن يعتبره كذلك، على أن يقوم بدوره على شرط الاعتياد أو الاحتراف.
وقد ابعدت المدونة من مجال قانون التجارة المضاربات العقارية المتعلقة بالأكرية، ربما مساهمة وتشجيعا على حل أزمة السكن، وتوفير السكن الاقتصادي اللائق على الأقل للمواطن، اعتبارات قد تحفز المنعشين العقاريين على الاستثمار في مجال العقار المخصص للسكن، وهكذا فلا تعتبر مقاولة تجارية ولا نشاطا تجاريا “مقاولة شراء العقارات بنية إكرائها على حالها أو بعد تغييرها، ومقاولة اكتراء العقارات من أجل إكرائها من الباطن”.
ويشترط لاكتساب المقاولة العقارية صفة تاجر (المقاولة الفردية أو الجماعية المملوكة على الشياع)، وكذا النشاط والمقاول القائم به الشروط الأربعة التالية (م 6)” أن يحصل شراء، وأن يرد الشراء على عقارات، وأن يكون شراء العقارات بنية بيعها على حالها كشراء عمارة أو دار أو أرض بنية بيعها بذاتها أو على حالها أو شراء عقارات بنية بيعها بعد تغييرها كشراء قطعة أرضية وتشييد منزل أو فيلا أو عمارة عليها بنية بيعها، والممارسة الاعتيادية أو الاحترافية لهذا النشاط العقاري” وإذا توفرت هذه الشروط كانت المقاولة العقارية تجارية وخضعت لالتزامات التجار شأنها شأن المقاولات العقارية التي تتخذ شكل شركة.
ممارسة نشاط التزويد بالمواد والخدمات على سبيل الاعتياد أو الاحتراف يعتبر عملا تجاريا تكتسب به الصفة التجارية، ويقصد بعملية التزويد بالمواد تعهد شخص معين بتوريد أشياء معينة إلى الغير بصفة دورية ومنتظمة، لمدة محددة، أو مستمرة، كتوريد الأغذية إلى المدارس والأحياء الجامعية، والمستشفيات، وتوريد الورق إلى مطابع الصحف والدوريات وتوريد الماء والكهرباء إلى المستهلكين.
والتزويد بالخدمات هو التعهد بصيانة الآلات والتجهيزات كمصاعد العمارات، وتزويد المشتركين في الصحف والمجلات بالأعداد الصادرة منها والتعهد بتقديم خدمات النظافة والصيانة للشركات والمؤسسات العمومية.
توزيع الماء والكهرباء والغاز بصفة اعتيادية أو احترافية، يعد عملا تجاريا، ويضفي على من يمارسه الصفة التجارية، وقد كانت الدولة تحتكر هذه المواد الحيوية بالنسبة للمواطنين، ثم قامت بعد ذلك بتفويتها إلى شركات خاصة في جل المدن المغربية، وقد أصبح توزيع الماء والكهرباء من قبل هذه الشركات عملا تجاريا بنص المدونة.
2) الأنشطة المتعلقة بالصناعة:
يشترط لاعتبار أعمال وأنشطة التنقيب عن المناجم والمقالع واستغلالها تجارية أن تأتي في شكل مقاولة، وبصيغة المادة 6 بند 4 من مدونة التجارة أن تقع ممارستها على وجه الاعتياد أو الاحتراف.
لا تتطلب المادة 6 من مدونة التجارة لاعتبار هذه المقاولة تجارية وسائر أعمالها وأنشطتها تجارية، والمقاول المستغل أو المستثمر تاجرا سوى شرطين ” أن يتعلق النشاط بالتنقيب عن المناجم والمقالع واستغلالها، و الممارسة الاعتيادية أو الاحترافية على شكل مقاولة”.
ولم يأت اعتبار مقاولات المناجم والمقالع واستغلالها مقاولات تجارية، سواء في التشريع المغربي أو التشريع المقارن، صدقة أو فجأة، بل مر من مراحل طويلة وصراع فقهي وقضائي وتشريعي حاد ومرير تفرض الدراسة بيان تطوره وإشكالاته ومختلف الآراء بشأنه ولو كانت متناقضة أو متعارضة، صراع بين مؤيدي إصباغ الصبغة التجارية على هذا النشاط أو المقاولة والرافضين للصفة التجارية، القائلين بمدنية هذه المقاولة وهذا النشاط.
كان استغلال أو استثمار المناجم المعدنية والمقالع سواء ما تعلق منها بمقالع الرمال والأملاح والأحجار «المحاجر» والذهب والفضة والزنك وغيرها، وكذا استغلال البحر في الأصل عملا أو نشاطا مدنيا، والمقاولات التي غرضها هذا النوع من النشاط أو الأعمال مقاولات مدنية.
ولقد صدر في المغرب القانون رقم 08.01 المتعلق باستغلال المقالع، ويتكون من عدة مواد (من 1 إلى 63) و عرفت المادة 1 المقلع بكل مكمن طبيعي لمواد معدنية غير مدرجة في صنف المعادن بمقتضى نظام المناجم الجاري به العمل ويخضع لأحكام هذا القانون كل استغلال للمقالع يباشر لغرض تجاري أو لأجل استعمال المواد المعدنية المستخرجة لأغراض غير إنجاز المنشأة التي تستخرج المواد المذكورة من محرمها (م 2) وتعد المقالع ملكا لأصحاب الأرض (م 3) ويتوقف استغلال المقالع على الحصول على رخصة استغلال تسلمها الإداري (م 11)، ووضعت المواد 47 إلى 50 العقوبات الإدارية منها الإعذار ووقف الاستغلال وسحب رخصة الاستغلال إلى جانب إغلاق المقلع إن شرع في الاستغلال دون رخصة مع التعويض، ومع جواز الاستعانة بالقوة العمومية.
وخصصت إلى جانب ذلك العقوبات الجنائية وهي الحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة من 50.000 إلى 500.000 درهم (م 55) لارتكاب الأفعال المعددة فيها، وعقوبات حبسية وغرامات أخرى (م 56 و 57)، والاقتصار على الغرامات (م 58 و 59 و 60) فقط.
تعتبر الصناعة نوعا من أنواع النشاط التجاري بصراحة المادة 6 من مدونة التجارة شريطة ممارسة أعمال التصنيع ممارسة اعتيادية أو احترافية، والصناعة تفيد تحويل المواد الأولية أو نصف مصنعة إلى منتوجات قابلة لاستهلاك الجمهور، كتحويل الدقيق إلى فطائر والنسيج إلى لباس والمعادن إلى حلي والزيتون إلى زيت وهكذا.
وتعتبر جميع الأعمال الصناعية نشاطا تجاريا سواء قام المقاول بشراء المواد الأولية بنفسه أو توصل بها من الزبناء وطالبي المواد المصنعة، ويلاحظ على المشرع المغربي التأكيد على اعتبار الصناعة نشاطا تجاريا سواء في البند رقم 1 من م 6 بعبارة ” تهيئة المنقولات بتهيئة أخرى” أو في البند رقم 5 من نفس المادة بعبارة” النشاط الصناعي”.
ويلاحظ أن المشرع أصبغ الصبغة التجارية على الصناعة مرتين الأولى من خلال مقاولة شراء المنقولات المادية أو المعنوية بنية بيعها أو تأجيرها بذاتها أو بعد تهيئتها بهيئة أخرى، أي تحويل هيئتها صناعيا على هيئة أخرى، كتحويل الحديد إلى سيارات والصوف أو القطن إلى ملابس ( ف 1 م 6) شريطة أن يكون المنقول المحول مسبوقا بشراء بنية البيع أو التأجير، الثانية من خلال مقاولة الصناعة بصرف النظر عما إذا كانت الأشياء المحولة مسبوقة بالشراء بنية البيع أو التأجير أم لا (ف 5 م 6).
ويتميز في الأخير المقاول الصانع التاجر عن العامل، إذ أن العامل لا يعد تاجرا لكونه يرتبط مع المقاول بعقد شغل أو عمل يجعله تابعا له ويعمل تحت إشرافه و رقابته، وهكذا يكون تعاقد المقاول مع العامل أو الأجير، عملا مختلطا تجاريا بالنسبة للمقاول الصانع ومدنيا أو عقد عمل بالنسبة للأجير، وقد يخضع بهذه الصفة لقانون مزدوج مدونة التجارة، و قانون الالتزامات، وكذلك لمدونة الشغل، وذلك طبقا م 4 من مدونة التجارة التي جاء فيها ” إذا كان العمل تجاريا بالنسبة لأحد المتعاقدين ومدنيا بالنسبة للمتعاقد الآخر، طبقت قواعد القانون التجاري في مواجهة الطرف الذي كان العمل بالنسبة إليه تجاريا، ولا يمكن أن يواجه بها الطرف الذي كان العمل بالنسبة إليه مدنيا، ما لم ينص مقتضى خاص على خلاف ذلك”.
وبخصوص المقاولات الحرفية لم يكن القانون المغربي الملغى يعتبر العمل الحرفي عملا تجاريا لكون الحرفي يعتمد على مجهوده الشخصي حتى وإن استعان بعدد قليل من العمال وبآلة بسيطة، لأن الحرف أنذاك كانت تقوم أساسا على المهارة اليدوية للصانع.
لكن مدونة التجارة أدخلت الحرف ضمن الأنشطة التجارية نظرا لتطور القطاع الحرفي، ولتمكين الحرفيين من التمتع بالحقوق التجارية، مثل اكتساب الأصل التجاري، وحماية الحق في الكراء التجاري، لذلك أصبح هذا القطاع ضمن القطاعات التجارية، والحرفي أصبح تاجرا، وعليه قضت محكمة النقض أن صانع الأسنان يقوم بعمل حرفي هدفه تحقيق الربح والمضاربة ويكسب القائم به صفة تاجر.
نصت على تجارية هذا النوع من المقاولات لأول مرة في تاريخ المغرب التشريعي مدونة التجارة لسنة 1996، وذلك بصيغة النشاط الحرفي “L’activité artisanale” طبقا للفقرة الخامسة من المادة السادسة من المدونة، ويشترط لاعتبار المقاولة الحرفية أو النشاط الحرفي مقاولة تجارية شرطان “الممارسة الاعتيادية أو الاحترافية، وأن تمارس هذه المقاولة نشاطا حرفيا”.
ينص التشريع المغربي لأول مرة على تجارية مقاولة أو نشاط الطباعة والنشر بجميع أشكالها ودعائمها (المادة 6 ف 11)، ويشترط لإسباغ السبغة التجارية على هذا النوع من النشاط شرطان أساسيان هما ” أن يتعلق الأمر بالطباعة والنشر بجميع أشكالها ودعائمها، وأن تمارس أنشطة أو أعمال الطباعة والنشر على وجه الاعتياد أو الاحتراف، أي أن تتخذ شكل مقاولة”.
أما الطباعة والنشر اللتان لا تتخذان شكل مقاولة فتبقى أنشطة مدنية مهما درت على أصحابها من الأرباح، إن كانت هناك أرباح كأن يقوم أحد المؤلفين في المسرح أو القصة أو علم الاجتماع أو الأدب أو القانون أو الاقتصاد بطبع مؤلفاته ونشرها سواء على نفقته أو على نفقة الغير، ويترتب عن هذا المبدأ بقاء الإنتاج الفكري La production intelectuelle يجميع أشكاله عملا ونشاطا مدنيا، وكذا المهن الحرة والوظائف الإدارية وغيرها.
يعتبر الإنتاج الفكري والفني والاستكشافي عملا مدنيا، بمعنى أن بيع ثمار العقل والفكر والروح والقريحة والإلهام والابتكار والاختراع لا يعد عملا تجاريا لانعدام الركن الأساسي الذي هو الشراء، فهذه الإبداعات والابتكارات هبة الله إلى عباده، ذلك أن بيع الكاتب لمؤلفه أو قصته والشاعر لديوانه، هو بيع لم يسبقه شراء الحروف والألفاظ والمعاني والأفكار.
ولا يسوغ للموظف أن يتعاطى أي عمل أو نشاط يدر عليه ربحا ولو كان نشاطا مدنيا، ومن باب أولى يحرم عليه القيام بالأنشطة التجارية (المادة 15 من قانون الوظيفة العمومية)، ويمنع عليه منعا كليا ومهما كانت وضعيته، أن تكون له مباشرة أو بواسطة ما أو تحت أي اسم كان في مقاولة موضوعة تحت مراقبة الإدارة أو المصلحة التي ينتمي إليها أو على اتصال بها، مصالح من شأنها أن تمس بحريته (المادة 16 من النظام العام للوظيفة العمومية)، لما في ذلك أيضا من تأثير على الوظيفة وخلق شبهة استغلال النفوذ وقضاء المأرب الخاصة تحت غطاء السلطة أو المصلحة العامة.
اعتبر المشرع المغربي البناء والأشغال العمومية عملا تجاريا بمقتضى البند رقم 12 من المادة 6 من مدونة التجارة نظرا لما يتسم به هذا الميدان بدوره من مضاربة وأرباح خيالية ولسيطرته على أشغال البنية التحتية في مختلف المعمور.
وضمن مهام هذه المقاولات تدخل عمليات تجزئة العقارات وبناء الدور والعمارات وعمليات ترميمها، وكذلك بناء الطرق والسدود والجسور والسكك الحديدية وغيرها، وتجدر الإشارة في هذا الإطار إلى وجود أعمال بناء تقليدية في المجتمع المغربي، حيث يكون البناء بمجهوده ومجهود المساعدين المحدودين هو عماد هذه الأعمال، مما يجعلها مستبعدة من الطابع التجاري، لأنها تفتقد عنصر الوساطة في التداول والمضاربة على اليد العاملة.
ولم تكن الظروف التاريخية تسمح لمدونة التجارة القديمة ل 12 غشت 1913 المنسوخة المأخوذة عن مدونة نابليون لسنة 1807، أن تتعرض ولو بالإشارة إلى هذه المقاولات، لذلك جاءت المادة 2 من هذه المدونة خالية من ذكرها، إلا أن المدونة الجديدة لسنة 1996 أدخلت هذه المقاولة بصراحة (الفقرة 12 من المادة 6) ضمن المقاولات أو الأنشطة التجارية، وبالصياغة العامة التالية “البناء والأشغال العمومية” لا فرق بين مقاولات تقوم بتقديم اليد العاملة الفنية أو تقديم الأدوات والأشياء اللازمة للبناء أو الاثنين معا.
ويشترط لاعتبار مقاولات البناء والأشغال تجارية شرطان هما ” أن يتعلق النشاط بالبناء والأشغال العمومية ( المادة 6 ف 12)، و الممارسة الاعتيادية أو الاحترافية لهذا النشاط ( المادة 6)”، ويترتب على هذين المعيارين أن أعمال البناء والأشغال العمومية العارضة أو المنفردة لا تعد نشاطا ولا عملا تجاريا ما لم يقم بها تاجر، وتتعلق بأعماله التجارية ( المادة 10 من المدونة)، والأعمال التجارية التبعية.
3) الأنشطة المتعلقة بالخدمات:
– الوكالة التجارية :
رغم أن مدونة التجارة لم تذكر الوكالة التجارية بصراحة ضمن الأنشطة التجارية المذكورة في المادة 6، فإنها مذكورة ضمنيا ضمن أعمال الوساطة، وهي جزء منها.
والوكالة التجارية هو عقد يلتزم بمقتضاه شخص، ودون أن يكون مرتبطا بعقد عمل، بالتفاوض أو بالتعاقد بصفة معتادة بشأن عمليات تهم أشرية أو بيوعات، وبصفة عامة جميع العمليات التجارية باسم ولحساب تاجر أو منتج أو ممثل تجاري آخر يلتزم من جهته بأداء أجرة عن ذلك، وخلافا لقواعد الوكالة العادية، فعقد الوكالة التجارية لا يكفي فيه تراضي الطرفين “الوكيل والموكل”، وإنما لابد لإثباته من الكتابة.
كما أن الوكيل التجاري يستحق أجرا أو عمولة عن عمله إما بمقتضى العقد أو بمقتضى أعراف المهنة، ولا يمكن افتراض أنها بغير أجر، لأن الوكيل تاجر كلما احترف عمل الوكالة، كما أنه يستحق تعويضات عن الضرر اللاحق به من جراء إنهاء العقد رغم كل شرط مخالف، وهو ملزم في هذه الحالة بتوجيه إشعار إلى الموكل يخبره بنيته في المطالبة بالتعويض، ما لم يكن الإنهاء ناجما عن فعل الوكيل أو خطئه الجسيم أو بسبب قوة قاهرة، ويمكن للوكيل التجاري أن يمثل عدة موكلين، دون أن يلتزم بموافقة أي منهم، غير أنه لا يجوز له أن يمثل عدة مقاولات متنافسة.
– السمسرة :
تميزت مدونة التجارة الجديدة لسنة 1996 على خلاف مدونة سنة 1913 القديمة المنسوخة، بتعريف السمسرة في المادة 405 قائلة “السمسرة عقد يكلف بموجبه السمسار من طرف شخص بالبحث عن شخص آخر لربط علاقة بينهما قصد إبرام عقد”، فالسمسرة عقد يهدف إلى التقريب بين شخصين غير متعارفين لإتاحة فرصة إبرام اتفاق بينهما، أو التوسط بينهما في مفاوضات التعاقد، مقابل أجرة تكون عادة نسبة مائوية من قيمة الصفقة.
ويستنتج بأن السمسار يقتصر دوره على التقريب بين المتعاقدين، وهو لا يمثل أحدهما كما هو الأمر في الوكالة التجارية، لذلك فهو لا يوقع العقد بوصفه طرفا فيه، وتنتهي مهمته باتفاق الطرفين ما لم ينص العقد أو العرف على خلاف ذلك، وتعتبر السمسرة نشاطا تجاريا على أساس مبدأ الاعتياد أو الاحتراف، خلافا لما كان عليه الأمر في ظل القانون التجاري الملغى، والذي يعتبرها عملا تجاريا بالطبيعة.
– الوكالة بالعمولة :
هي عقد بمقتضاه يتم توكيل شخص للتعاقد مع الغير باسمه الخاص ولحساب موكله، و يخضع عقد الوكالة بالعمولة للمقتضيات العامة المتعلقة بالوكالة، وكذلك للمقتضيات الخاصة الواردة في مدونة التجارة.
تتميز الوكالة بالعمولة عن الوكالة العادية في أن الوكيل العادي يبرم العقد باسم موكله ولحسابه، وبالعكس هنا تتشابه الوكالة التجارية بالوكالة العادية، وعليه فإن ما يترتب عن هذا العقد من حقوق والتزامات تنصرف إلى الموكل، أما الوكيل بالعمولة فإنه يتعاقد باسمه، ولكن لحساب موكله أو مفوضه، هو طرف في العقد، لذلك ليست هناك علاقة مباشرة بين الموكل والمتعاقد الآخر خلافا للوكالة العادية وبالتالي لا يلتزم الموكل ولا تكون للمتعاقد مع الوكيل بالعمولة دعوى ضده.
والوكالة العادية ذات صفة مدنية، أما الوكالة التجارية كما الوكالة بالعمولة فإنها تكون تجارية إذا تكررت على سبيل الاعتياد أو الاحتراف.
أدخلت مدونة التجارة الجديدة ( المادة 6 ف 10) مقاولات استغلال المستودعات والمخازن العمومية لأول مرة ضمن تعداد الأنشطة أو المقالات التجارية خلافا لمدونة 1913 الملغاة وأفردت لها تنظيما خاصا ودقيقا في المواد 341 إلى 354. ويشترط لإصباغ الصبغة التجارية على هذه المقاولة شرطان هما “أن يتعلق النشاط باستغلال المستودعات والمخازن العمومية،و أن تكون ممارسة النشاط أعلاه على وجه الاحتراف أو الاعتياد، أي في شكل مقاولة”.
وقد أحدث هذه المستودعات والمخازن العمومية بمقتضى الظهير المؤرخ في 23 من شعبان 1333 موافق (6 يوليوز 1915) لما لها من أهمية وفائدة في الحياة التجارية والصناعية والاقتصادية والخدماتية، ويقصد بالمخازن العمومية والمستودعات الأماكن التي تعد خصيصا لإيداع وخزن المواد الأولية أو الخام والأشياء المصنوعة والبضائع والغلل وغيرها من المنتوجات ولحراستها والمحافظة عليها مقابل أجرة، توفيرا لنفقات النقل المرهقة، أو انتظار الوقت الملائم لتصريفها دون تحمل أعباء نقلها.
ويمكن لكل شخص يملك الوسائل المادية اللازمة، ولكل شركة تجارية أو صناعية، أو للائتمان أن تحصل على رخصة لإنشاء هذه المخازن بعد استشارة الغرفة الفلاحية أو الصناعية أو التجارية، وتقديم كفالة.
لقد تعرضت المدونة القديمة ل 12 غشت 1913 المنسوخة لهذا النوع من المقاولات لأهميته وقت وضعها، إلا أن هذا التعرض جاء مبتورا وناقصا اقتصر على مقاولة ” تعاطي أشغال الوكالات ومكاتب الأعمال”، وبمعنى آخر، فإن المدونة القديمة كانت تميز هي الأخرى بين نوعين من أشغال الوكالات ومكاتب الأعمال، أشغال الوكالات ومكاتب الأعمال الحرفية أو في شكل مقاولة وكانت تجارية، وأشغال الوكالات ومكاتب الأعمال العارضة أو المنفردة، أي التي لم تأت في شكل مقاولة، وكانت نشاطا أو عملا مدنيا.
وحافظت المدونة الجديدة لسنة 1996 على ذات النهج، إلا أنها وسعت دائرة هذا النوع من المقاولات بإدخال مقاولات جديدة لتطور بعض الأنشطة وازدهارها في الوقت الحاضر واعتماد الناس عليها ورجال الأعمال والمستثمرين والمقاولين كالأسفار والإعلام والإشهار، وهو ما نصت عليه الفقرة الثالثة عشرة من المادة 6 من المدونة ” مكاتب ووكالات الأعمال والأسفار والإعلام والإشهار “.
ويشترط لاعتبار هذه المقاولات تجارية شرطان هما “أن يتعلق الأمر بنشاط مكاتب ووكالات الأعمال أو الأسفار أو الإعلام أو الإشهار ( المادة 6 ف 13 من المدونة)، والممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأنشطة أعلاه، بمعنى أن تأتي في شكل مقاولة”.
وتعتبر هذه المقالات من أهم مقاولات تقديم الخدمات وأصبغت عليها الصبغة التجارية، على الرغم من كونها لا تهدف إلى تداول الثروات والخيرات من أجل المضاربة، ويرجع السبب الرئيسي الذي حفز التشريعات على اعتبارها تجارية إلى ثقة الناس فيها واعتمادهم عليها في إشباع حاجياتهم اليومية وقضاء مصالحهم، ولحاجة رجال الأعمال المستثمرين كذلك إليها في هذا القرن، قرن السرعة والدعاية والإشهار والإعلام والأسفار، ولأنها أيضا تستعمل وسائل التجارة من ائتمان ودعاية وغيرها”.
تعد مقاولة البيع بالمزاد العلني من أقدم المقاولات لارتباطها بالتراث وبحضارة الأمم وعشاق التاريخ، وتملك هذه المقاولات زبناء خاصين غارقين في البذخ والثراء، لا يهمهم، رغبة في التميز عن الآخرين، وهي مقاولات تنتشر خاصة في الدول الأوربية الغنية ومدنها الكبرى كلندن وباريس وبرلين ونيويورك، وفي أمريكا الشمالية واليابان، وتحقق أرباحا مهولة تفوق الخيال علل لا يمكن معها لأي تشريع أن يتردد في إسباغ الصفة التجارية عليها.
ويعد لهذه الأسباب ذكرها في المدونة الجديدة لسنة 1996 من بين الأنشطة أو المقاولات المعددة في المادة 6 من باب تحصيل الحاصل ( المادة 6 ف 16 من المدونة)، ويشترط لاعتبار هذه المقاولة إلى جانب شروط أخرى تجارية شرطان هما ” أن يتعلق الأمر بنشاط البيع بالمزاد العلني، والممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للنشاط أعلاه”.
ويقصد بالمحلات أو المقالات المعدة للبيع بالمزاد العلني المقاولات التي تفتح في وجه العموم، أي التي تستقبل عامة الناس الذين يشكلون طبقة الأغنياء أو البورجوازية خاصة بقصد أن تبيع لهم السلع أو التحف أو الاثنين معا بالمزاد العلني aux enchères، وتقاس عليها كذلك مؤسسات المناقصة aux rabais وقد تتخذ هذه المقاولات شكل شركات أو مكاتب للدلالة كما هو الشأن في بيع الأثاث والتحف.
وضعت مدونة التجارة الجديدة حدا للتناقض الذي كان سائدا بين مدونة التجارة القديمة لسنة 1913 والنظام البنكي، فالمدونة الأولى كانت تعتبر عمليات الصرف والأبناك من الأعمال التجارية الأصلية بالطبيعة أو العارضة أو المطلقة تأسيسا على النظرية الموضوعية أو نظرية الأعمال التجارية ( الفقرتان 4 و 5 من المادة الثانية من المدونة القديمة)، أما النظام البنكي فكان يفرض ولا يزال أن تمارس الأنشطة البنكية في شكل مساهمة (المادة 29 من ظهير 16 يوليوز 1993).
ولم يتغير الأمر بعد صدور القانون الجديد رقم 34.03 لسنة 2006 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها الذي نسخ وعوض ظهير 1993 (بمقتضى المادة 149) حيث جاء كذلك في المادة 28 منه لا يجوز أن تؤسس مؤسسات الائتمان الموجودة مقارها الاجتماعية بالمغرب إلا في شكل شركة مساهمة ذات رأس مال ثابت باستثناء المؤسسات التي حدد لها القانون نظاما خاصا.
ويشترط تبعا لذلك، لتكون عمليات البنوك تجارية أربعة شروط هي التالية ” أن يكون النشاط بنكيا، وأن يمارس هذا النشاط على وجه الاعتياد أو الاحتراف، أي على شكل مقاولة، و أن تتخذ المقاولة شكل شركة مساهمة، وأن يتم قيد الشركة في السجل التجاري ( المادة 7 من القانون رقم 17.95 والمادة 37 من مدونة التجارة).
التأمين عقد يلتزم بمقتضاه المؤمن أن يؤدي إلى المؤمن له مبلغا ماليا أو مرتبا، أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث، أو تحقق الخطر المبين في العقد، والذي لحق بالمضمون في شخصه أو أمواله، وذلك في نظير أقساط مالية يؤديها المؤمن له على شكل دفعات طيلة مدة العقد.
لقد نصت على هذه المقاولة لأول مرة، وفي صياغة عامة لا تفرق بين أنواع التأمين، مدونة التجارة لسنة 1996، ويشترط لاعتبار هذه المقاولة تجارية شرطان هما ” أن يتعلق الأمر بنشاط أو عملية للتأمين بالأقساط الثابتة طبقا للمادة 6 من مدونة التجارة، وأن تمارس المقاولة نشاط التأمين بالأقساط الثابتة على وجه الاعتياد أو الاحتراف”، وقد جعل المشرع التأمين بالاقساط الثابتة ضمن الأنشطة التجارية كلما تمت مزاولته عن طريق الاعتياد أو الاحتراف.
وقد ميزت بعض التشريعات المقارنة بين نوعين من التأمين وهما “التأمين التبادلي أو التعاضدي أو التعاوني”، وهو في نظرها عمل مدني، لأن المقصود منه هو التعاون والتكافل بين مجموعة من الأشخاص يتعرضون لخطر معين، فيلتزم كل منهم بدفع مبلغ معين بهدف تلاقي آثار الخطر، وهكذا يؤمن بعضهم بعضا بشكل تعاوني وتبادلي و”التأمين بالأقساط الثابتة”، اعتبرته عملا تجاريا، لأنه يهدف إلى الربح ويقوم على أداء المؤمن أقساطا ثابتة منذ إبرام العقد وطيلة إبرامه، وأما بعض التشريعات المقارنة فقد اعتبرت جميع أنواع التأمين تجارية.
في حين أن المشرع المغربي في مدونة التجارة لم يشر صراحة إلى تلك التفرقة، لكنه أشار إلى نوع واحد، فنص على تجارية التأمين بالأقساط الثابتة، إن قام الشخص بمزاولته على سبيل الاعتياد أو الاحتراف، أي إن كان في شكل نشاط منظم، مما يفيد أن التأمين التعاوني ذو طابع مدني.
تعتبر مقاولات النقل أهم مقاولات أو مشروعات تقديم الخدمات les entreprises de services، وقد نصت على تجارية هذه المقاولة في صياغة عامة “النقل” المادة 6 ف 6 من المدونة.
وقد تفادت المدونة الجديدة هذه النواقص والنقائص عندما ذكرت كلمة (النقل) دون نعت أو تخصيص، بمعنى أن النقل في المغرب يعد تجاريا إذا أتى في شكل مقاولة، سواء كان بحريا أو في الأنهر أو بريا أو جويا، وتكون هكذا مقاولات النقل على الماء، أي في الأنهر والأودية تجارية، وكذا مقاولات النقل على البحار والبحيرات، “أن يتعلق النشاط بالنقل، و الممارسة الاعتيادية أو الاحترافية”.
ولا يعتبر النقل من الأعمال التجارية إلا إذا أتى في شكل مقاولة، وبمعنى آخر، يعد من الأعمال التجارية الحرفية أو على وجه الاعتياد، سواء أكان الناقل شخصا طبيعيا ذاتيا أو اعتباريا معنويا، وسواء أكان النقل بريا أرضيا، وسواء كانت وسيلته القطار أو السيارات أو العربات التي تجرها الدواب أو الحافلات التي تسير بالكهرباء أو البخار، أو كان مائيا أو بحريا أي سواء وقع في الأنهار والممرات المائية، أو في البحار أو البحيرات، أو وقع في خليج أو مضيق أو بوغاز،
وأيا كانت وسيلته، سواء كانت السفن أو المراكب أو القوارب أو غيرها من الوسائل الجديدة أو التي ستستجد مستقبلا، أو كان جويا أو هوائيا، وسواء كانت وسيلته الطائرات أوالبالونات أو الصواريخ أو غيرها من المراكب الفضائية، وسواء كان الناقل مالكا لوسيلة النقل أو غير مالك لها، وسواء كانت المقاولة على ملكه أو مستأجرا لها، أو له حق امتياز فحسب، وسواء تعلق النقل بالأشخاص أو البضائع أو الحيوانات أو غيرها.
وقد خصصت مدونة التجارة الجديدة لسنة 1996 لعقد النقل المواد من 386 إلى 443 وقسمت القسم السادس الذي يضمها إلى ثلاثة أبواب مخصصة “الباب الأول الأحكام عامة، والثاني لنقل الأشياء، والثالث لنقل الأشخاص”.
كانت مدونة التجارة المغربية ل 12 غشت 1913 المنسوخة من بين المدونات التي نصت صراحة، وبالرغم من قدمها على تجارية هذه المقاولة، وبعبارة ثانية، فإن تنظيم نشاط أو أعمال الملاهي العمومية لا يكون في نظرها تجاريا إلا إذا أتى في شكل حرفة أو مقاولة.
أما النشاط أو العمل العارض أو المنفرد فلا يعتبر نشاطا تجاريا ولا يخضع لقانون التجارة طبقا للمادة 2 ف 3 من المدونة القديمة، ولم تخرج مدونة التجارة لسنة 1996 عن هذا النهج الذي يجعل نشاط الملاهي العمومية نشاطا تجاريا حرفيا أو على وجه الاعتياد، وجسدت تجارية هذه المقاولة ف 15 من م 6 من المدونة الجديدة ويشترط لإصباغ الصبغة التجارية على هذه المقاولة، وطبقا لمقتضيات المادة 6 من “أن يتعلق الأمر بتنظيم نشاط الملاهي العمومية، والممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للنشاط أعلاه”.
ويراد بمقاولات الملاهي العمومية المحلات أو الأماكن المعدة للترفيه الفكري أو البدني مقابل أجرة، أي المقاولات المفتوحة في وجه العموم واستقبال عامة الناس من أجل الترفيه والتسلية والراحة كدور السينما والمسارح ومحلات الرقص والغناء والموسيقى والملاعب الرياضية الاحترافية، سواء تعلقت برياضة كرة المضرب أو كرة القدم أو اليد أو غيرها، وسباق الخيل والألعاب البهلوانية والسحرية والسيرك والحدائق المأجورة سواء كانت للحيوانات أو الأسماك أو غيرها، والمسابح والفنادق والمقاهي والمطاعم وغيرها.
ويشترط لاعتبار الملهى العمومي مقاولة تجارية إلى جانب توفر الشرطين السابقين، أن يكون الملهى عاما أو عموميا، وأن يكون الهدف منه تحقيق الربح، ويظهر من هذه الشروط أن الملاهي الخصوصية أو الخاصة لا تعد محلات تجارية، كالملاهي الخاصة بأعضاء ناد لهواة الفن السينمائي أو المسرحي، والملاعب الرياضية الخاصة بالهواة، والمسارح الجامعية، وبمعنى آخر، إن الملهى يفقد الصفة التجارية إذا كان خاصا أو كان لا يهدف إلى تحقيق ربح وتقسيمه.
كان البريد والمواصلات من القطاعات الحيوية المحتكرة أنشطتها من طرف الدولة إلى أن تم تحريرها وتفويتها إلى شركات القطاع الخاص، حيث تم إحداث مؤسسة بريد المغرب، وشبكة اتصالات المغرب، وشركة أورونج، وشركة إنوي، وغيرها، وقد اعتبرت َم 6 من مدونة التجارة أن ممارسة أعمال البريد والمواصلات يعد عملا تجاريا متى مورس على سبيل الاعتياد أو الاحتراف، وبالتالي يضفي الصفة التجارية على من يمارسها، فيكتسب حقوقا، وتفرض عليه التزامات.
هذه هي الأعمال التجارية الثمانية عشرة التي نصت عليها المادة السادسة على سبيل التمثيل، والتي تكسب ممارسها، إن مارسها على سبيل الاعتياد أو الاحتراف صفة التاجر، ونضيف عملا تجاريا آخر ذكرته المادة السابعة من مدونة التجارة، ويخص الأمر العمليات المتعلقة بالسفن والطائرات واستغلالهما.
4) العمليات المتعلقة بالسفن والطائرات واستغلالهما :
نصت المادة السابعة من مدونة التجارة على أنه “تكتسب صفة تاجر أيضا بالممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأنشطة التالية: كل عملية تتعلق بالسفن والطائرات وتوابعها، كل عملية ترتبط باستغلال السفن والطائرات وبالتجارة البحرية والجوية”.
ويشترط لاعتبار المقاولات البحرية تجارية شرطان هما ” أن يتعلق النشاط الذي تمارسه المقاولة بالسفن وتوابعها أو باستغلالها أو بالتجارة البحرية، و الممارسة الاعتيادية أو الاحترافية”، ولا تعتبر، تبعا لذلك، تجارية كل الأنشطة أو العمليات البحرية العارضة أو المنفردة، ولا تخضع لقانون التجارة والقانون التجاري البحري إلا بنص صريح، بل تعد أنشطة مدنية، وتخضع لمدونة قانون الالتزامات والعقود.
وقد عمد قانون التجارة المغربي لأول مرة في تاريخه إلى تعداد المقاولات الجوية من بين المقاولات أو الأنشطة التجارية في المادة 7 من مدونة التجارة، خلافا للمدونة القديمة لسنة 1913 المنسوخة التي اقتصرت على ذكر مقاولات النقل البري أو المائي، والمقاولات البحرية في المادة 3.
ولا يمكن اعتبار موقف المدونة القديمة غريبا، لأن الطيران والطائرات لم تكن لهما أية أهمية تذكر في وقت وضع هذه المدونة الأخيرة، ولكن الزمن والتكنولوجية تغيرا وجعلا من الطائرة أسرع أداة لنقل الأشخاص والبضائع وغيرهما، وأهم وسيلة لجني الأرباح، مما جعل المدونة التجارية الجديدة تعتبر مقاولة تجارية، أو نشاطا تجاريا، كل مقاولة تمارس على وجه الاعتياد أو الاحتراف عمليات تتعلق بالطائرات وتوابعها، وكل عملية ترتبط باستغلال الطائرات وبالتجارة الجوية.
ثانيا – الأعمال التجارية غير الاصلية :
1) الأعمال التجارية بالمماثلة :
هناك بعض الأعمال المستجدة في الواقع، وأضيفت إلى عداد الأعمال التجارية بتأييد من الاجتهادين الفقهي والقضائي قبل النص القانوني، ومن ضمنها البورصة وشراء وبيع الأصل التجاري والتمويل بالإيجار.
لم ينص المشرع المغربي على البورصة ضمن تعداد الأعمال والأنشطة التجارية خلافا لبعض التشريعات المقارنة ، ومع ذلك فعملها عمل تجاري بناء على معيار القياس، وهناك نوعين من البورصة، بورصة القيم، وبورصة سمسرة البضائع، والمعروفة باسم البورصة التجارية.
فبورصة القيم في سوق مالية منظمة بقانون يتم فيها تداول القيم المنقولة، أي الأسهم والسندات وشهادات الاستثمار التي تصدرها الشركات، ويقتصر فيها التعامل على السماسرة والوسطاء المرخصين بذلك، و هيمن على سوق المال نوعان من الشركات،
” الشركة المسيرة” المكلفة بإدارة سوق القيم، وهي التي تحمل اسم “بورصة الدار البيضاء”، بعد أن انتقل نظام التسيير في المغرب من مؤسسة عمومية إلى شكل شركة مساهمة، و “شركات البورصة” وهي شركات مساهمة تحتكر إبرام المعاملات السمسرة والوساطة، وتعتمد بناء على رخصة يسلمها الوزير المكلف بالمالية بعد استطلاع رأي الهيئة المغربية لسوق الرساميل، وتعتبر الوسيط الوحيد في البورصة.
مقاولات البورصة التجارية : لا تقتصر تسمية بورصة خلافا لما هو شائع على بورصة القيم المنقولة فقط، وإنما هناك أنواعا أخرى من البورصات المعروفة على الصعيد العالمي، وهي عبارة عن أسواق كبيرة ومنظمة يتم فيها تداول بضائع وسلع مثلية أو متجانسة بكميات كبيرة وعن طريق وسطاء أو سماسرة مرخص لهم بذلك، ومنها “بورصة البضائع” يتم فيها تداول كميات كبيرة من البضائع ذات أهمية إستراتيجية، كالقمح والسكر والقطن، والمعادن، كالحديد وغيرها، و “بورصة المعادن النفيسة” وهي سوق منظمة كذلك لتداول سلع نفيسة كالذهب والفضة والألماس وغيرها.
وينحصر دور البورصة التجارية في سمسرة البضائع والمواد المعدنية والتأمينات البحرية على السفن، وعليه تمنع من ممارسة سمسرة القيم المنقولة منعا كليا ، لأنها لا تدخل في مهام بورصة القيم المنقولة.
يتكون هذا النشاط من ثلاثة أنواع من العقود، وهي ” عقد الائتمان الايجاري للمنقول، وعقد الائتمان الايجاري للعقار، وعقد الائتمان الايجاري للأصل التجاري”، وهو من العقود المركبة، بحيث يشمل عقد البيع وعقد الكراء في نفس الوقت وعلاقاته المتداخلة بين عدة أطراف: شركة الائتمان الإيجاري، والمستفيد، والبائع.
وقد ظل عقد الائتمان الإيجاري معمولا به من دون قواعد تنظمه لمدة طويلة قبل أن ينظمه المشرع المغربي، وظل خلال هذه الفترة يخضع لاتفاق الأطراف، كما يخضع لمعيار القياس في تحديد طبيعته التجارية من حيث موضوعه علما بأن مؤسسات الائتمان الإيجاري تخضع للقانون التجاري بناء على معيار الشكل، لأنها تتخذ شكل شركات مساهمة.
وقد عرفت المادة 431 من مدونة التجارة الإئتمان الإيجاري كما يلي “كل عملية إكراء للسلع التجهيزية أو المعدات أو الآلات التي تمكن المكتري، كيفما كان تكييف تلك العمليات من أن يتملك في تاريخ يحدده مع المالك كل أو بعض السلع المكراة لقاء ثمن متفق عليه يراعي فيه جزء على الأقل من المبالغ المدفوعة على سبيل الكراء”.
2) الأعمال التجارية الشكلية :
الأعمال التجارية الشكلية هي الأعمال التي يعتبرها المشرع تجارية بالنظر إلى الشكل الذي تفرغ فيه، بغض النظر عن موضوعها أو صفة الشخص القائم بها، إذ العمل هنا يكتسب الصفة التجارية لمجرد إفراغه في شكل قانوني معين.
وتعتبر كذلك هذه الأعمال أعمالا تجارية عرفية، لأنها وجدت كأعراف وعادات انبثقت عن الممارسة العملية قبل أن يقننها المشرع، ومن هذه الأعمال الأوراق التجارية، والشركات التجارية ماعدا شركة المحاصة، فكل هذه الأعمال اعتبرها المشرع تجارية لمجرد شكلها، ولو لم تتوفر فيها مقومات العمل التجاري من مضاربة أو وساطة أو تداول.
تنص المادة 9 من مدونة التجارة على أنه يعد عملا تجاريا بصرف النظر عن المادتين 6 و 7 الكمبيالة والسند لأمر الموقع ولو من غير تاجر، إذا ترتب في هذه الحالة عن معاملة تجارية. ويلاحظ سكوت المشرع عن ذكر الشيك، رغم أنه أدرج ضمن الأوراق الموصوفة بأنها تجارية.
وقد ثار خلاف فقهي حاد حول هذا الموضوع، إلا أن قانون المحاكم التجارية نص في المادة 5 الفقرة 3 على أن الدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية – والشيك يدخل ضمنها- تختص بها المحاكم التجارية.
وسوف نقتصر على معالجة الكمبيالة في هذا المقام لعدم إثارتها لأي إشكال في مجال الأعمال التجارية الشكلية، أما السند لأمر فإنه ليس عملا تجاريا شكليا مطلقا، وإنما يشترط لتجاريته إن صدر من غير تاجر، أن يترتب عن معاملة تجارية، وكذلك قاس الاجتهاد الفقهي الشيك على السند لأمر.
– الكمبيالة :
الكمبيالة هي ورقة تجارية تعتبر أداة للوفاء والائتمان، وحتى تقوم صحيحة لابد فيها من بيانات شكلية جوهرية حددها المشرع في المادة 159 من المدونة. ولتعريفها فهي “ورقة تجارية تتضمن أمرا صادرا من شخص يسمى الساحب، ويوجه إلى آخر يسمى المسحوب عليه من أجل أداء مبلغ معين من النقود إلى شخص ثالث يسمى المستفيد بمجرد الاطلاع، أو في تاريخ معين أو قابل للتعيين”.
إن توقيع الكمبيالة يعد عملا تجاريا تجاه كل الموقعين عليها بصرف النظر عن صفتهم أو الهدف من توقيعها، لأنها عمل تجاري شكلي، ويخضعون في ذلك لقواعد تسمى قواعد القانون الصرفي، لأنها وجدت في الأصل لتؤدي وظيفة صرف النقود، والالتزام الناشئ عنها يسمى التزاما صرفيا يتميز بالقسوة والشدة عن الالتزام العادي سواء كان مدنيا أو تجاريا.
وقد وجدت لتؤدي وظيفة الوفاء والإئتمان معا، لذلك فإنها تمنح من أجل الوفاء بدين أو من أجل ضمان الالتزام الأصلي بخلاف الشيك الذي أراده المشرع أن يكون مثل النقود، لذلك جرم استخدامه للإئتمان أو إعطائه كضمانة.
– الشركات التجارية :
عرف المشرع الشركة باسم الشركة التعاقدية تمييزا لها عن الشياع أو شبه الشركة بأنها ” عقد بمقتضاه يضع شخصان أو أكثر أموالهم أو عملهم أو هما معا لتكون مشتركة بينهم بقصد تقسيم الربح الذي قد ينشأ عنها.
وتنص المادة 2 من القانون رقم 5.96 على ما يلي “تعتبر الشركات موضوع الأبواب الثاني والثالث والرابع من هذا القانون شركات تجارية بحسب شكلها وكيفما كان غرضها، ولا تكتسب الشخصية المعنوية إلا من تاريخ تقييدها في السجل التجاري… تعد شركة المحاصة شركة تجارية إذا كان غرضها تجاريا”.
يستخلص من النص ملاحظتين، الأولى أن الشركات موضوع الأبواب الثاني والثالث والرابع وهما شركة التضامن والتوصية بنوعيها والمسؤولية المحدودة شركات تجارية بحسب شكلها لا بحسب غرضها، أي حتى ولو كان غرضها مدنيا، بحيث ينظر إلى شكلها التجاري دون العمل الذي تقوم به حتى ولوكان مدنيا، والثانية أن شركة المحاصة ليست شركة تجارية شكلية، لأنها خفية ولا تظهر للعموم وإنما تكون تجارية بحسب غرضها، أي إذا كان غرضها أو موضوعها تجاريا، إذ يشترط أن تقوم بنشاط تجاري على سبيل الاعتياد أو الاحتراف، أما شركة المساهمة فإنها بدورها تجارية شكلية.
إذن فالشركات من حيث صفتها التجارية نوعين “شركات تجارية من حيث الغرض” وهي شركات المحاصة، وهي لا تتوفر على الشخصية المعنوية، ولا تكون معلنة للجمهور، وتكون تجارية إذا كان غرضها تجاريا ومدنية إذا كان غرضها مدنيا، و”شركات تجارية من حيث الشكل” وهي شركات المساهمة، والتضامن والتوصية بنوعيها والمسؤولية المحدودة، وهي دائما تجارية بغض النظر عن موضوعها، أي حتى ولو كان موضوعها مدنيا.
وهناك تصنيف آخر أكثر أهمية في دراسة الشركات، وهو ” شركات أشخاص” وهي شركات التضامن والتوصية البسيطة والمحاصة، يكون فيها الاعتبار الشخصي للشركاء نظرا لتأثرها بما يحدث للشركاء، و “شركات أموال” وهي شركات المساهمة وذات المسؤولية المحدودة والتوصية بالأسهم، ولا يكون فيها الاعتبار الشخصي للشركاء وإنما للحصص والأسهم التي يملكونها، وتكون قابلة للتداول.
والسؤال المطروح في هذا المجال، هو: ما هي صفة الشركاء، هل يعتبرون تجارا بدورهم أم لا ؟
الجواب بحسب نوع الشركة، ف”شركة التضامن” تكون فيها المسؤولية مطلقة وبالتضامن، وعليه فإن الشركاء كلهم تجارا، أما “شركات المساهمة والمسؤولية المحدودة” فالشركاء فيها لا يحملون صفة تجار، لأنها تعتمد على تداول الأموال لا على الأشخاص المشاركين، و”شركات التوصية” يتم التمييز فيها بين شركاء متضامنين يكونوا مسؤولين مسؤولية مطلقة وهم تجارا، وآخرون موصين لأن مسؤوليتهم تكون محدودة بحسب حصصهم وبالتالي ليسوا تجارا.
3) الأعمال التجارية المختلطة :
تعد الأعمال التجارية المختلطة من المواضيع التي تطرح صعوبات وإشكالات نظرية وتطبيقية، لأنها ليست نوعا مستقلا من الأعمال التجارية، وإنما هي أعمال تجارية أصلية أو تبعية منظورا إليها من جهة الأشخاص القائمين بها. فما المقصود بالعمل التجاري المختلط ؟
العمل المختلط هو العمل الذي يكون تجاريا تجاه أحد المتعاقدين، ومدنيا تجاه المتعاقد الآخر، ومثاله شراء تاجر المحصول زراعي من فلاح بنية بيعه، فالعمل هنا تجاري من جهة المشتري (التاجر)، ومدني من جهة البائع (الفلاح)، أو شراء شخص سيارة من تاجر السيارات بقصد استعمالها، فالعمل تجاري من جهة البائع (التاجر)، ومدني من جهة المشتري، لأنه مستهلك لم يشتر بنية البيع، وهذه الازدواجية في الصفة تترتب عنها نتائج قانونية مهمة نتطرق لها في التالي.
إن التساؤلات التي تطرحها ازدواجية الصفة في العمل المختلط تتعلق بالاختصاص القضائي، والأحكام القانونية المطبقة، وطرق الإثبات.
في حالة وقوع نزاع بين الطرفين التاجر وغير التاجر، بشأن العمل المختلط، هل يتم رفع الدعوى أمام المحكمة التجارية؟ أم أمام المحكمة الابتدائية باعتبارها ذات الولاية العامة؟
لا تختص المحكمة التجارية في المغرب بالنظر في العمل أو النشاط المختلط الذي يكون تجاريا من جانب أحد الأطراف، ومدنيا من جانب الطرف الآخر ما لم يتفق التاجر وغير التاجر على إسناد الاختصاص إلى المحاكم التجارية، وذلك طبقا للمادة 5 من القانون القاضي بإحداث المحاكم التجارية التي جاء فيها ” …. يمكن الاتفاق بين التاجر وغير التاجر على إسناد الاختصاص للمحكمة التجارية فيما ينشأ بينهما من نزاع بسبب عمل من أعمال التاجور” .
ويكون اختصاص المحكمة الابتدائية ( العادية أو المدنية) في هذا المجال أوسع من اختصاص المحكمة التجارية، إذ تنظر المحكمة الأولى في القضايا المدنية الصرفة والمختلطة مالم يتفق على خلاف ذلك، أما المحكمة التجارية فتختص بالنظر فقط في القضايا التجارية من الجانبين ( المادة 5 من القانون رقم 53.95) واستثناء في القضايا المختلطة إن وقع الاتفاق بين التاجر وغير التاجر على ذلك.
ويستفاد مما سبق أنه في حالة عدم الاتفاق فإنه يمنح الاختيار للطرف المدني بين أن يرفع دعواه أمام المحكمة المدنية أو التجارية بناء على مبرر أنه غريب عن الميدان التجاري، وأن القضاء التجاري استثنائي وغير مألوف بالنسبة له، أما التاجر فليس مخيرا، وإنما عليه مقاضاة غير التاجر أمام المحكمة المدنية.
4) الأعمال التجارية بالتبعية :
يقصد بالأعمال التجارية التبعية تلك الأعمال التي تكون مدنية بطبيعتها، إلا أنها تفقد هذه الصفة وتصبح تجارية بالتبعية، لقيام تاجر بها، وتعلقها بأنشطته التجارية، وقد سدت المادة 10 من مدونة التجارة الجديدة هذه الثغرات وبلورت النظرية في صياغة قانونية بسيطة وسليمة، إذ جاء فيها: “تعتبر تجارية كذلك الوقائع والأعمال التي يقوم بها التاجر بمناسبة تجارته ما لم يثبت خلاف ذلك”.
و تستنبط من المادة 10 عديد من العناصر التالية:
1- إن المشرع حصر نظرية الأعمال التجارية التبعية في الإطار الشخصي أو النسبي الذي يجعل وجود شخص التاجر ضروريا لإعمال نظرية العمل التجاري التبعي، ويساير هذا النهج التحول الذي طرأ على التشريع المغربي الذي انتقل من النظرية الموضوعية أو نظرية العمل التجاري ( المطعمة بالنظرية الشخصية) إلى النظرية الشخصية المجسدة في المقاولة (الاعتياد أو الاحتراف على ممارسة النشاط التجاري)، الأمر الذي قاد إلى اندثار الأعمال التجارية الأصلية بالطبيعة، أو الأعمال التجارية المطلقة أو العارضة.
2- لا يكفي ليكون العمل تجاريا بالتبعية أن يمارس من قبل شخص تاجر، بل لابد في الحقيقة من شرط ثان لا غنى عنه، وهو أن يتعلق العمل الممارس من طرف التاجر بنشاطه التجاري، وبعبارة أخرى، إن هناك شرطين لا شرطا واحدا، وكل ما في الأمر أن شخص التاجر مفتاح قفل الدخول إلى الأعمال التجارية التبعية لاندثار الأعمال التجارية الأصلية بالطبيعة أو المطلقة أو العارضة.
3- إن نظرية الأعمال التجارية التبعية قائمة على قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس وبمعنى آخر، إن كل عمل يقوم به تاجر يفترض أنه بمناسبة تجارته ما لم يثبت خلاف ذلك.
4- إن نظرية الأعمال التجارية التبعية تستغرق الأعمال أو التصرفات القانونية، كإبرام عقود لتأمين المقاولة التجارية، أو قروض لتمويلها، والوقائع المادية “les faits” كالجرائم وأشباه الجرائم ( العمل غير المشروع) المرتكبة من طرف التجار بمناسبة نشاطهم التجاري.