ظروف التشديد التي أوردها القانون الجنائي كلها تنقل السرقة من جنحة إلى جناية ، وهذا عكس ما فعله المشرع بالنسبة لجريمتي النصب وخيانة الأمانة ، حيث إن ظروف التشديد فيهما لا تغير وصف الجريمة وإنما تقتصر على رفع العقوبة مع الاحتفاظ بالوصف الأصلي للجريمة وهو الجنحة (انظر الفصل 540 فقرة ثانية و549 و 550 من القانون الجنائي ).
ولعل تشدد المشرع في السرقة خاصة راجع إلى خطورة هذه الجريمة على الأمن والطمأنينة الاجتماعية ، وهي خطورة تفوق كثيراً آثار النصب وخيانة الأمانة، هذا ويطلق القضاء على السرقة المرفقة بأحد ظروف التشديد مصطلح السرقة الموصوفة تمييزا لها عن السرقة العادية.
والقانون الجنائي قسم ظروف التشديد في السرقة إلى أربعة أنواع ترفع العقوبة بالتتابع على الشكل التالي : السجن من خمس إلى عشر سنوات، ثم السجن من عشر إلى عشرين سنة ، والسجن من عشرين إلى ثلاثين سنة ، وأخيرا السجن المؤبد.
أولا – الظروف المعاقب عليها بالسجن من خمس إلى عشر سنوات :
تضمن الفصل 510 ستة ظروف إذا اقترن أي واحد منها بالسرقة عوقب عليها بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، وهذه الظروف هي : استعمال العنف أو التهديد به أو التزي بغير حق بزي نظامي أو انتحال وظيفة من وظائف السلطة؛ وقوع السرقة ليلا؛ ارتكاب السرقة من شخصين أو أكثر؛ استعمال التسلق أو الكسر ، أو استخدام نفق تحت الأرض أو مفاتيح مزورة أو كسر الاختام؛ ارتكاب السرقة في أوقات الحريق أو الانفجار أو الانهدام أو الفيضان، أو الغرق أو الثورة أو التمرد أو أية كارثة أخرى؛ ارتكاب السرقة على شيء يتعلق بسلامة وسيلة نقل عمومية كانت أو خاصة.
1 – استعمال العنف أو التهديد به، أو التزي بغير حق بزي نظامي أو انتحال وظيفة من وظائف السلطة :
أ) العنف أو التهديد به :
يقصد بالعنف كل وسيلة مادية استعملها السارق ضد شخص المعتدى عليه لتعطيل مقاومته، أو منعه من الاستغاثة، وهكذا يشمل العنف الاعتداء بالضرب وغيره من أنواع الايذاء الجسدي، وتعطيل حركة المعتدى عليه أو تقييدها مثل تخديره، واغلاق الباب عليه في بيت، ووضعه في حفرة أو مكان يتعذر عليه مغادرته، وتوثيق أطرافه واستعمال القوة لأخذ المسروق منه أو تجريده من وسيلة دفاع، أو لمنعه من الاستغاثة بالتليفون إلى غير ذلك من وسائل العنف المادية.
والمهم ان يؤذي السارق جسم المعتدى عليه، أو يستعمل القوة ضده، أو يعطل ادراكه أو حركته، فعل ذلك بشخصه أو بواسطة حيوان مثلا أو نصب فخ أو غير ذلك .
اما إذا كان فعل السارق غير مؤذ لجسم الضحية ، ولا متسما بالقوة ضده، ولا معطلا لادراكه أو حركته ، فلا يعتبر عنفا، ولو أدى إلى حرمان الضحية من المقاومة ومنع السارق من اتمام سرقته، كما إذا وجد الحارس نائما ملقيا سلاحه فأخذه منه ، أو سقط السلاح من يد صاحب المنزل فإلتقطه السارق ، أو ابتعد مثلا بالقارب من الرصيف إلى وسط النهر أو البحر ، ثم أخذ يسرق منه فتعذر على صاحبه اللحاق به ومنعه من اتمام السرقة.
والتهديد بالعنف يتحقق كذلك إذا كان الشيء المهدد به، هو احدى صور العنف السالفة الذكر، ولا يتحقق بالتهديد بغير ذلك كإفشاء سرا، أو اعلان فضيحة، أو التبليغ عن جريمة، ولكي يعتبر العنف ظرفا مشدداً في السرقة ويعاقب عليه بالفصل 510 يجب أن تتوفر فيه الشروط التالية :
– أن يكون ضد انسان :
لم يقصد بالعنف في الفصل 510 مجرد استعمال القوة من طرف السارق لتسهيل أو اتمام استيلائه على المسروق، وانما المقصود منه استعمال العنف ضد الانسان خاصة ، ومن ثم فإن استعمال العنف ضد الحيوان أو الأشياء لا يعتبر ظرفا مشددا الا إذا كان يشكل كسرا خارجيا أو داخليا، أو كسراً للأختام.
فالمشرع حصر العنف ضد الاشياء كظرف مشدد في السرقة ، في الكسر وكسر الاختام، دون ما سوى ذلك، وبناء عليه فان العنف بمفهومه العام لا يشدد العقوبة إلا إذا استعمل ضد الانسان، وهكذا لا تعتبر السرقة بعنف إذا جرح السارق أو قتل الكلب الذي يحرس مكان السرقة، أو استعمل العنف بالضرب وغيره لارغام الحيوان المسروق على الخروج من مكانه، وبالأحرى استعمال القوة العضلية ضد الاشياء لنقلها أو ازالتها من مكانها مثلا ما لم ينتج عن ذلك كسر ولو داخلي أو كسر للأختام.
والعنف ضد الأشخاص يعتبر ظرف تشديد، أيا كان الشخص الذي استعمل ضده، سواء كان مالك المسروق أو حائزه أو حارسه مثلا أو كان غير هؤلاء ممن خشي السارق مقاومته أو ضبطه، حتى ولو كان المعتدى عليه لا يعتزم فعلا مقاومة السارق أو القاء القبض عليه كما إذا كان مجرد عابر سبيل. والتهديد بالعنف يتعين كذلك أن يكون موجها ضد الأشخاص، سواء كان ضد المجني عليه بالسرقة أو ضد أحد أقاربه أو الموجودين معه، أو ضد أي شخص آخر حاول أن يقاوم السارق أو يلقي عليه القبض، أو ظن السارق ذلك منه.
ويتحقق التهديد بالعنف كلما كانت الوقائع المادية توحي جديا بقدرة وعزم السارق على تنفيذ ما يهدد به من عنف، مثل التهديد بسلاح مزور أو فاسد أو فارغ من الذخيرة، والتهديد في مكان مظلم بسلاح أو أداة أو خطر ما، والحال أن كل ذلك لا وجود له. وتقدير جدية التهديد بالعنف يقاس بمعيار شخصي تراعى فيه الحالة الشخصية لضحية التهديد وظروفه الخاصة كالجنس والسن، والدراية وغير ذلك من العوامل المؤثرة على تقدير حقيقة وخطورة الوقائع المادية التي وقع بها التهديد.
– أن يرتكب العنف لتسهيل ارتكاب السرقة أو اتمامها :
النص يقول إذا اقترنت السرقة بالعنف، والاقتران يفيد من جهة المعاصرة الزمنية ومن جهة ثانية ارتكاب العنف بسبب السرقة ومن أجلها.
المعاصرة الزمنية : تتحقق كلما ارتكب العنف أثناء الاستعداد للسرقة، أو في وقت الاستيلاء على المسروق، أو أثناء الخروج به في هذه الفترات جميعا لا جدال في اعتبار العنف مقترنا بالسرقة، وانما يدق الحكم عند ارتكاب العنف أثناء الهروب بعد الفشل في تنفيذ السرقة، أو بعد الانتهاء من تنفيذ الجريمة والخروج بالمسروق.
إذا استعمل العنف خلال الهروب الذي تم قبل ارتكاب أعمال تتحقق بها محاولة السرقة، فلا مجال للكلام على الاقتران لأن محاولة السرقة ذاتها غير موجودة كما إذا وصل مريد السرقة إلى المحل الذي يريد سرقته، وقبل أن يقوم بأي عمل من أعمال المحاولة، شعر به الحارس أو صاحب المنزل، فهرب وأثناء هروبه لحق به هذا الأخير فاستعمل ضده العنف.
أما إذا استعمل العنف أثناء الهروب الذي تم بعد اعمال المحاولة، أو بعد اتمام تنفيذ الجريمة والخروج بالمسروق من المحل، فيبدو، أن يعتبر العنف ظرف تشديد إذا ارتكبه السارق وهو ما يزال في حالة من حالتي التلبس الواردتين في الفقرتين الأولى والثانية من المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية المتضمنة لحالات التلبس، وذلك بان استعمل العنف إثر انجاز اعمال محاولة أو تنفيذ السرقة مباشرة ، أو استعمله وهو ما يزال مطاردا بصياح الجمهور.
ففي هاتين الحالتين يكون العنف في الواقع متمما لأعمال السرقة وغير منفصل عنها وعلى العكس من ذلك لا يكون العنف ظرفا مشدداً في السرقة إذا استعمله السارق بعد انتهاء حالة التلبس، أو في حالة التلبس المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من م 56 السالفة الذكر وبالأحرى الفقرة الرابعة فمتى مر زمن على الانتهاء من تنفيذ الجريمة ولو كان قصيراً تعذر اعتبار العنف ظرفاً مشدداً في الأعمال التنفيذية للسرقة، ومجرد وجود المسروق بين يديه بعد هذا الزمن القصير إذا كان كافيا لاضفاء صفة التلبس على الجريمة فإنه غير كاف لاعتبار العنف المرتكب في هذا الوقت، مقترنا بالسرقة وبالتالي ظرفا مشددا فيها.
ارتكاب العنف من أجل السرقة : لا يكفي لتكييف الوقائع بالسرقة بعنف أن تتعاصر أعمال العنف مع وقائع السرقة، وانما يتعين بالإضافة إلى ذلك أن يكون الجاني قد استعمل العنف من أجل السرقة ، وبعبارة أوضح ، أن تكون السرقة لديه هي الغاية ، والعنف أو التهديد به مجرد وسيلة .
فيجب على النيابة العامة اذن في حالة المتابعة بالسرقة بعنف، أن تثبت أن القصد الجنائي الذي كان لدى المتهم قبل ارتكابه العنف، يتعلق بالسرقة، والنتيجة الاجرامية التي يهدف الحصول عليها هي الاستيلاء على المسروق، وانه استعمل العنف أو هدد به وسيلة لتحقيق هدفه هذا، أي استعمله فقط ليسهل الوصول إلى المسروق أو اتمام تنفيذ السرقة .
وإذا كان اعتبار كل من العنف والسرقة ، ارتكب بقصد مستقل ، أو ارتكب أحدهما وسيلة لتحقيق الثاني يرجع إلى قصد الفاعل وارادته الداخلية، فان في وسع النيابة العامة اثبات ارتكاب العنف من أجل السرقة بالقرائن التي في مقدمها تسلسل حدوث وقائع العنف والسرقة وملابساتها ، وعدم ثبوت أسباب أجنبية عن السرقة للعنف المرتكب وعلى كل حال فإن تكييف الوقائع بالسرقة بعنف ، يتطلب ثبوت استعمال العنف لهدف تسهيل السرقة أو اتمامها فلا يعتبر العنف ظرفا مشدداً إذا كانت السرقة هي التي ارتكبت من أجل العنف كمن سرق سلاحا بقصد الاعتداء به على الضحية ونفذ فعلا هذا الاعتداء.
وكذلك إذا ارتكب كل من السرقة والعنف بقصد مستقل أي انجز كهدف جنائي لا علاقة له بالآخر، ومن أمثلة ذلك أن يصادف السارق أثناء بحثه عن المسروق ، أو أثناء خروجه به غريما له فيعتدي عليه تصفية للحساب الذي بينهما وليس بقصد تسهيل السرقة أو اتمام تنفيذها، وكذلك لو اعتدى الجاني على الضحية بالعنف لسبب من الأسباب، وأثناء الاعتداء أو عقب الانتهاء منه يظهر له أن يسرق منه بعض ما يحمله، كنقود أو ساعة مثلا، فالجاني يعتبر مرتكبا لجريمتين، الايذاء العمدي والسرقة ، ولا يتابع بالسرقة بعنف حتى ولو واصل الاعتداء على الضحية بعد أن سرق منه بعض منقولاته ، متى ثبت أن مواصلته لهذا الاعتداء لم تكن بهدف اتمام السرقة ومنع الضحية من استعادة ما سرقه منه.
ونشير أخيراً إلى أن العنف أو التهديد به يكون ظرف تشديد متى ثبت ارتكابه بقصد تسهيل ارتكاب السرقة أو اتمام تنفيذها ، سواء صمم الجاني منذ البداية على أن يستعمل العنف للوصول إلى هدفه في السرقة أو كان يقصد السرقة بغير عنف ، غير أنه أثناء التنفيذ بدا له أن يستعمل العنف لتسهيل الوصول إلى المسروق أو اتمام السرقة .
– أن لا يكون للعنف وصف أشد :
الفصل 510 من القانون الجنائي يعاقب على السرقة بعنف بسجن من خمس إلى عشر سنوات، ولذلك فإن العنف يبقى مجرد ظرف تشديد في السرقة، إذا لم تكن نتائجه معاقبا عليها بعقوبة أشد مما يقرره ف 510، وذلك كما إذا نتج عن العنف موت الضحية سواء قصد الجاني القتل أو لم يقصده (الفصل 392، ف 403، و404 و 410 و413 من القانون الجنائي) أو عاهة دائمة (ف 402، 404، 412، 410 من ق.ج).
في هذه الحالات وما ماثلها يتابع الجاني بالوصف الجنائي نتيجة العنف بالاضافة إلى جريمة السرقة أو محاولتها، وليس بالسرقة المقترنة بعنف، وذلك تطبيقا للمبدأ العام المنصوص عليه في الفصل 118 من ق.ج الذب يقول ” الفعل الواحد الذي يقبل أوصافا متعددة يجب أن يوصف بأشدها” فالعنف هنا قابل لوصف ظرف مشدد في السرقة، وقابل لوصف آخر أشد كالقتل العمد. والايذاء الناجم عنه الحاق عاهة دائمة بالضحية، والخصاء… فتعين اخضاعه للوصف الأشد.
ب) التزيي بغير حق بزي نظامي :
الزي النظامي يشمل من جهة كل لباس نظم القانون مواصفاته، وجعله قاصرا على فئة ما من فئات الموظفين العموميين، كالجيش، ورجال الأمن، والقوات المساعدة، والدرك، ورجال السلطة، وموظفي الجمارك وحراس المياه والغابات، وأعوان الادارات العمومية، وموظفي الاشغال العمومية المكلفين بمراقبة الطرق، وغير هؤلاء.
ويستوي أن يكون الزي خاص بموظفين يمارسون سلطة ما، أو بموظفين لا يمارسون أية سلطة كأعوان الادارات العمومية، والحرس الجامعي، كما يشمل الزي النظامي من جهة ثانية كل زي موحد تستعمله الشركات والمؤسسات الخاصة لبعض أصناف مستخدميها، مثل مضيفات الطائرات والربابنة، وبعض عمال شركات النقل، وشركات توزيع الوقود، والمشروبات مثلا، متى استعان السارق بهذا الزي لتسهيل ارتكاب السرقة كدخول أماكن لا يسمح بدخولها لغير مستخدمي الشركة، أو حيازة أو نقل أشياء تقتصر حيازتها أو نقلها على هؤلاء المستخدمين.
هذا وقد حملنا على هذا التفسير الواسع للزي النظامي وعدم قصره على الأزياء الرسمية للموظفين العموميين – الأمران الآتيان :
الأول : أن المبرر لاعتبار التزي بغير حق بزي نظامي ، هو ما ينطوي عليه التصرف من الخداع والايحاء بالثقة، وبالتالي تسهيل السرقة، وهذا يتحقق في انتحال الزي الخاص بالموظف العمومي، والخاص بفئات المستخدمين في الشركات والمؤسسات الخاصة.
والثاني ان الفصل 510 في نصها الفرنسي اكتفت بكلمة Uniforme أي لباس موحد الشكل، وعلى العكس من ذلك فان الفصل 382 الخاصة بالعقاب على جنحة التزيي العلني بغير حق بزي نظامي استعملت عبارة uniforme reglementaire التي يمكن ترجمتها بجملة “موحد الشكل قانونيا”، مما يدل على أن المعنى المقصود بالزي النظامي في الفصل 382 قاصر على ازياء الوظائف العمومية بينما الوارد في 510 أوسع من ذلك يشمل كل أنواع الازياء الموحدة الشكل كانت خاصة بفئات الموظفين، أو بفئات من مستخدمي القطاع الخاص شريطة أن يكون انتحال هذا الزي في الحالين يقصد تسهيل السرقة.
وإذا كان اللباس الذي تزيى به السارق ليس مطابقا تمام المطابقة للزي النظامي ولكنه مشابه له فقط فانه يبدو اعتباره ظرفا مشددا بشرط أن يكون شبهه به قويا يصعب على الضحية ادراك ما بينهما من فرق، ذلك ان تشديد العقاب في الفصل 510 لم يقصد منه حماية الزي النظامي حتى تشترط التزي به هو ذاته ، وإنما الغاية من هذا التشديد هي مكافحة الخطورة الاجرامية التي ابان عنها الجاني بخداع الضحية عن طريق الاحتماء بالزي النظامي ، وهذه الخطورة تتحقق كلما كان الزي شبيها بالزي النظامي، لا يستطيع أغلب الناس التمييز بينهما بسهولة
ج) انتحال وظيفة من وظائف السلطة :
يتحقق هذا الظرف بالعناصر التالية: انتحال وظيفة؛ أن تكون الوظيفة من وظائف السلطة؛ الاستعانة بالانتحال على ارتكاب السرقة.
– انتحال وظيفة :
يتم الانتحال بالادعاء أو بالممارسة الفعلية غير القانونية لاحدى وظائف السلطة، ومجرد ادعاء الجاني انه يمارس وظيفة ما كاف لتحقق الانتحال، متى كان في ظروف وملابسات أدت إلى عدم اكتشاف الضحية لكذبه، وليس ضروريا أن يكون الادعاء مرفقا بقرائن خادعة قوية يثق بها أغلب الناس، وانما العبرة بالضحية ذاته، فمتى انخدع به فعلا تحقق الانتحال، حتى ولو كان الادعاء مجرداً من أية قرينة، ومع ذلك وثق به الضحية بسبب جهله وعدم درايته بالأمور مثلا.
ويستوي أن يصدر الادعاء من السارق نفسه أو من أحد المتواطئين، كما يستوي كذلك أن يكون ادعاء الوظيفة أمام ضحية السرقة مباشرة أو أمام غيره كالمستخدمين معه، أو أحد أفراد أسرته. والممارسة العملية قد تشكل انتحالا للوظيفة ولو لم يدع الجاني صراحة الوظيفة المنتحلة، كأن يمارس تفتيش أمتعة المسافرين في مركز جمركي دون أن تكون له الصفة فيختلس بعضها.
– أن تكون الوظيفة من وظائف السلطة :
ليس المقصود بالسلطة هنا معناها الضيق في القانونين الدستوري والاداري، وانما تشمل جميع الصلاحيات التي يسمح القانون بممارستها قسرا ازاء الأفراد، وبناء على ذلك يدخل في وظائف السلطة جميع الوظائف التي تخول من يتقلدها ممارسة بعض الصلاحيات القسرية ازاء الافراد، ولو لم تكن بیده سلطة بمفهومها الاداري الصرف.
وهكذا يعتبر من وظائف السلطة في مفهوم الفصل 510 أفراد الشرطة، والقوات المساعدة، وأعوان كتابة الضبط المكلفين يتنفيذ الأحكام، ورجال الجمارك، وحراس المياه والغابات، والموظفين المكلفين برقابة الموازين والأقيسة ومكافحة الغش، وغير هؤلاء ممن يملكون القيام باجراءات اجبارية في نطاق اختصاصهم ازاء الأفراد.
– الاستعانة بالانتحال على ارتكاب السرقة :
لكي يكون انتحال احدى وظائف السلطة ظرفا مشدداً في السرقة، يتعين أن يكون الجاني قد استعان بالوظيفة التي انتحلها على تسهيل ارتكاب السرقة أو حاول ذلك كما إذا تمكن بالوظيفة التي انتحلها من الدخول إلى المكان الذي اختلس منه أو من تفتيش أو فحص منقولات سهل عليه الاستيلاء على المسروق.
وعلى كل حال فإن انتحال الوظيفة يكون ظرفا مشدداً إذا اقتصر دوره على تسهيل عملية الاختلاس، بمعنى أن المال المنقول يجب أن يكون الجاني قد استولى عليه عن طريق الاختلاس بحيث لم يسلمه إليه الضحية أصلا أو وضعه بين يديه بصورة عرضية لفحصه مثلا أو ممارسة اجراء من الاجراءات التي تسمح بها الوظيفة المنتحلة.
اما إذا سلم الضحية المنقول إلى منتحل الوظيفة بارادته ونتيجة لانخداعه بهذا الانتحال ، فإن الفعل لا يكون سرقة، وانما يكيف بحسب الوقائع المرافقة للتسليم الاختياري، فقد تشكل الافعال انتحال وظيفة عمومية (ف 381 من ق.ج) والنصب أو النصب وحده (ف 540 من ق.ج) أو الغدر (ف 243 وما بعده) أو غير ذلك من الجرائم التي قد تتوفر عناصرها في الوقائع.
2 – وقوع السرقة ليلا :
الليل كظرف تشديد يقصد به الليل الطبيعي أي من غروب الشمس إلى شروقها، ولا يحدد بالوقت الذي تمنع فيه المسطرة الجنائية دخول المنازل وهو من الساعة التاسعة ليلا إلى السادسة صباحا.
فالليل اعتبر ظرفا مشدداً في السرقة لأنه وقت انتشار الظلام وسكون الأفراد إلى منازلهم للاستراحة من عناء النهار ، مما يجعل أعمال السطو فيه أشد ازعاجا وأكثر اقلاقا وأعمق اثارة للاضطراب النفسي ، ولذلك ينبغي تفسيره بوقته الطبيعي المعتاد أي من غروب الشمس إلى طلوعها ، ولا يؤثر في هذا التحديد أن تكون في مكان السرقة اثارة اصطناعية ، أو أن يكون الليل مقمرا ، إذ في كلا الحالين تبقى لليل عناصره الأساسية التي تميزه عن النهار.
3 – ارتكاب السرقة من شخصين أو أكثر :
ان ارتكاب الجريمة من أكثر من شخص واحد كان ينبغي أن يعتبر ظرف تشديد في جميع الجرائم، نظرا لما يتسم به تعدد الجناة من خطورة واضحة تبرز في التعاون على تنفيذ الأعمال الاجرامية التي قد يكون الفرد الواحد عاجزا عن القيام بها بمفرده، وما يحس به كل مجرم من تشجيع معنوي بوجود الآخرين معه، بالإضافة إلى ما يوفره التعدد من القدرة على مقاومة الضحية وغيره ممن يعترض طريق الجناة.
غير أن القانون المغربي لم يشدد العقاب بسبب تعدد الجناة الا في جرائم معدودة، منها جرائم العصيان (ف 302 من ق.ج) والاغتصاب (ف 487) وانزاع حيازة العقار (ف 570) والسرقة التي نحن بصددها ، ولم يعتبر التعدد ظرفا مشدداً حتى في جرائم الاعتداء على الأشخاص واكتفى بعلاج أحكام المساهمة الجنائية وفقا للاتجاه التقليدي المرتبط بالوقائع المادية دون النظر إلى ما تشكله المساهمة من خطورة اجرامية باعتبارها تشكل تعاونا جماعيا على خرق النصوص الجنائية وتنفيذ العمل الاجرامي.
هذا، وإن الفصل 510 صريح في أن ظرف التشديد يتحقق متى ارتكبت السرقة من شخصين أو أكثر، وفي الوقائع العملية كثيرا ما يقوم بتنفيذ عملية الاختلاس شخص واحد، ويقتصر دور رفيقه أو رفقائه على مساعدته في الأعمال المسهلة لانجاز الاختلاس مثل حراسة الطريق، والهاء الحارس أو رجل الأمن أو الضحية نفسه أثناء عملية السطو، وغير ذلك من الأعمال التي لا تدخل في العمل التنفيذي للاستيلاء على المسروق.
في مثل هذه الحالات إذا رجعنا إلى الفصل 128 و 129 من القانون الجنائي المتعلقتين بتحديد مفهوم كل من المساهمة والمشاركة، فإننا نعتبر من لم يساهم في العمل التنفيذي لواقعة الاستيلاء على المسروق، مجرد مشارك ، لأن عمله اقتصر على مساعدة الفاعل الأصلي على الاعمال التحضيرية أو الأعمال المسهلة لارتكاب الجريمة طبقا للفصل 129.
وفي حالة ارتكاب السرقة من شخص واحد، لا يتحقق ظرف التعدد ولو وجد معه شريك أو عدة شركاء، لأن هذا الظرف قاصر على تعدد المساهمين بناء على ذلك فإن تكييف أعمال من لم يساهم مباشرة في عملية الاستيلاء على المسروق بأنها مساهمة في السرقة أو مشاركة فيها، يتسم بأهمية بالغة حيث يترتب عليه اعتبار السرقة جنحة معاقبا عليها باحدى الفصلين 505 و 506 أو جناية يطبق عليها ف 510 من ق.ج.
والذي يميل اليه بعض الفقه هو عدم التقيد بالدلالة اللفظية للفصلين 128 و 129 للتمييز بين أعمال المساهمة، وأعمال المشاركة، وانما ينبغي الالتجاء إلى تحليل معنى المساهمة والمشاركة ذاتها.
فالمساهمة تعني توجيه الجاني إرادته إلى ارتكاب الجريمة والحصول على نصيبه من نتيجتها الاجرامية. بينما المشاركة بالاستعمال الوارد في القانون الجنائي تعني مجرد تقديم مساعدة إلى مرتكب الجريمة ، والمشارك لا يقصد ارتكاب الجريمة شخصيا بمعنى أنه لا يفكر في الجريمة ولا يتدبر عواقبها كمرتكب لها ، وانما تتوجه ارادته إلى مساعدة الفاعل دون اهتمام بالنتيجة الاجرامية وحتى إذا وجد لديه هذا الاهتمام كما في حالة الأمر أو التحريض فانه مع ذلك تبقى رغبته هي وقوع الجريمة لا تنفيذها بنشاطه الشخصي ولا يهم بعد ذلك أن يكون قد قام باعمال المساعدة مقابل أجر أو عمولة ، أو قام بها مجانا ، أو دفع هو عمولة إلى منفذ الجريمة .
4 – استعمال التسلق أو الكسر، أو نفق، أو مفاتيح مزورة، أو كسر الاختام للسرقة :
هذا الظرف يتعلق باستعمال وسائل غير عادية للوصول إلى المكان الذي يوجد فيه المسروق والتجاء السارق إلى هذه الوسائل يثبت مدى عزمه على تنفيذ الفعل الاجرامي باستعمال العنف ضد الاشياء ، واتباع طرق ذكية وصعبة للتغلب على الحواجز التي حرز بها الضحية المسروق ، وهذا لا يتم الا بعد التفكير والتدبير وهو ما يبرز الخطورة الاجرامية للسارق، فاستحق بذلك تشديد العقوبة .
أ) التسلق :
عرف الفصل 513 التسلق بمفهوم عام عندما قال “يعد تسلقا الدخول إلى منزل أو مبنى أو ساحة أو حظيرة أو أية بناية أو حديقة أو بستان أو مكان مسور، وذلك بطريق تسور الحوائط أو الأبواب أو السقوف أو الحواجز الأخرى“، بناء على ذلك فإن التسلق لا يقتصر على مفهومه الضيق وهو الصعود فوق جدران المنزل، وانما قصد به ما هو أعم من ذلك سواء من حيث المكان الذي يستعمل التسلق للوصول إليه، أو من حيث الحواجز التي يتحقق التسلق بتجاوزها، أو من حيث مفهوم التسلق ذاته.
فبالنسبة للمكان لا يقتصر على محلات السكنى أو المعدة لذلك، وإنما يشمل جميع الأماكن المحاطة بسور أو سياج، فالنص استعمل لفظ “مكان” ولم يستعمل المنزل مثلا أو ملحقات المنزل ، ولذلك يشمل المكان في الفصل 510 جميع الأماكن المحرزة بما في ذلك من بساتين وحقول متى كانت محاطة بحرز ، أنشأه المالك لتحصينها والحيلولة دون دخول الغير اليها ، كما يشمل المكان من جهة أخرى الخيام المؤقتة والسيارات وما اليهما.
وبالنسبة للحواجز فإنها تشمل كل ما يحرز به المالك ملكه لمنع المارين من تجاوزها، فيستوي أن يكون الحرز جداراً أو سياجا من أسلاك أو فروع أشجار مقطوعة، أو أشجار نابتة، أو خندقا ، أو قناة ماء ، أو غير ذلك، كل ما يشترط في الحاجز أن يكون قد انشأه المالك أو الحائز، أي أن يكون صناعيا لا طبيعيا، فالحواجز الطبيعية مثل النهر، والبرك المائية، والأشجار الكثيفة التي لم يتخذ منها المالك سياجا لملكه لا يعتبر تجاوزها تسلقا في مفهوم الفصل 510، كما يشترط في الحاجز أن يكون تجاوزه يتطلب بذل جهد ولو لم يكن الجهد كبيراً، أما إذا كان الحاجز يتجاوز ببساطة فلا يعتبر اجتيازه تسلقا.
وبالنسبة للتسلق فإنه يتحقق بكل وسيلة للتغلب على الحاجز والدخول منه إلى مكان السرقة، فيدخل في ذلك الصعود فوق الجدار أو البناء أو السياج والقفز فوق الحاجز، والوصول إلى المكان بالتدلي من بناء أو شجرة فوقه، وغير ذلك من وسائل دخول المكان عن طريق التغلب على حرزه، ولكن لا يتحقق التسلق إذا لم يبذل الجاني جهداً للتغلب على تخطي الحاجز، كما إذا وجد الباب مفتوحا، أو دفعه فانفتح، أو كان في الجدار أو السياج فتحة فدخل منها من غير تسلق.
ب) الكسر :
يقول الفصل 512 من ق.ج ” يعد كسرا التغلب أو محاولة التغلب على أي وسيلة من وسائل الاغلاق سواء بالتحطيم أو الاتلاف ، أو بأية طريقة أخرى تمكن الشخص من الدخول إلى مكان مغلق ، أو من أخذ شيء موضوع في مكان مقفل ، أو أثاث أو وعاء مغلق”.
لا يقتصر الكسر على وسائل الاغلاق العادية كالأبواب والنوافذ والاقفال ، وانما يشمل كل حالات استعمال العنف للتغلب على الحواجز التي أقامها المالك لمنع الدخول إلى المكان، فهدم جزء من الجدار وإحداث فتحة فيه أو في السقف، واتلاف جزء من السياج المحيط بالمكان كل ذلك يعتبر كسراً.
والنص يقول ان الكسر يتم بالتحطيم أو الاتلاف أو أية وسيلة أخرى تمكن الشخص من الدخول إلى مكان مغلق، وذلك مثل حل الاسلاك التي وقع بها الاغلاق ، واستعمال الضغط ضد الأبواب أو النوافذ ، أو الاقفال أو غيرها من وسائل الاغلاق متى ترك هذا الضغط أثراً على الشيء الذي استعمل ضده.
ولكن لا يبدو أن يعتبر كسراً مجرد حل الحبل، لا قطعه، الذي شدت به الباب أو حزمت به الحقيبة مثلا، لأن هذا الحل لا يخلف أثرا في الحبل فيتعذر اعتباره اتلافا أو كسرا ، وكذلك ازاحة مزلاج الباب من غير احداث تغيير في هيئته، أو بقاء آثار استعمال العنف فيه أو في الباب.
والفصل 510 تعرض للكسر الخارجي والداخلي، فالخارجي يقصد به الكسر الذي يمكن الجاني من الدخول إلى مكان السرقة كالجدار والأبواب والسياج والسقف أما الكسر الداخلي فهو الذي ينجزه السارق بعد دخوله إلى المكان ، ويشمل كل الحواجز التي يصادفها في الداخل فيكسرها ليصل إلى المسروق أو حيث يظن وجوده وذلك مثل الأبواب والنوافذ الداخلية ، والدوالب ، والخزائن ، والحقائب والصناديق ، وكل أثاث أو وعاء مغلق، كما يقول الفصل 512 من ق.ج.
ويستوي بطبيعة الحال أن يفلح السارق في الكسر والاستيلاء على المسروق ، أو لا يعثر على شيء بعد الكسر ، أو يعجز عن التغلب على وسيلة الاغلاق التي حاول تكسيرها، كما يستوي أن يكسر أداة الاغلاق داخل مكان السرقة أو يأخذ معه الوعاء أو الظرف ثم يكسره بعد الابتعاد به عن المكان الذي أخذه منه.
ومن الضروري أن نشير في الأخير إلى أن الكسر يعتبر ظرف تشديد إذا ارتكب للوصول إلى مكان السرقة أو إزالة الحواجز عن المسروق، أما إذا نجم الكسر عن أخذ المسروق أو نزعه من مكانه فإن السرقة تعتبر عادية لا يشددها الكسر الذي حدث معها ، لأن الكسر هنا نشأ عن نفس عملية الاختلاس ، فلا يصح أن يعتبر عنصرا مستقلا في السرقة وظرفا مشددا فيها، ومن أمثلة ذلك أن يسرق السارق بابا ، أو مرآة ، أو أنبوبا ، أو غير ذلك من الأشياء الثابتة ويحدث بها تكسيرا أثناء عملية نزعها من مكانها.
ج) استعمال نفق تحت الأرض لارتكاب السرقة :
يتحقق ظرف التشديد في هذه الحالة متى استعمل السارق مسلكا تحت الأرض للوصول إلى مكان السرقة سواء أحدثه هو لهذه الغاية، أو كان المسلك موجوداً مثل بواليع المياه المضافة والسراديب ، والمخابئ وغيرها.
د) استعمال مفاتيح مزورة لارتكاب السرقة :
لقد بين الفصل 514 المفاتيح المزورة فقال “تعد مفاتيح مزورة المخاطيف أو المفاتيح المقلدة أو الزائفة أو المغيرة أو التي لم يعدها المالك أو الحائز لفتح الأماكن التي فتحها السارق. ويعد كذلك مفتاحا مزورا المفتاح الحقيقي الذي احتفظ به السارق بغير حق”. فالمفتاح المزور إذن هو كل أداة يتمكن بها السارق من فتح القفل الذي أوصد به صاحب المحل باب محله ، أو منفذا من منافذه، دون أن يحدث في القفل أي خلل أو اتلاف والا كان الفعل كسراً ، وتشدد عقوبته على هذا الأساس.
وقد نص القانون صراحة على أنه يعتبر مفتاحا مزورا لتشديد العقوبة في السرقة ، المفتاح الحقيقي الذي احتفظ به السارق بغير حق ، مثل الحارس أو المكتري، أو الموظف الذي يحتفظ بمفتاح المنزل أو المكتب أو الخزانة مثلا بعد انتهاء الحراسة أو الكراء ، أو صلاحية العمل بالمحل المحتفظ بمفتاحه ، ويستوي أن يكون الاحتفاظ بالمفتاح ثم بسوء نية أم لا كنسيانه مثلا ، لأن المهم هو أن لا يكون له حق في استعماله لفتح المحل الذي سرق منه.
وفتح الاقفال بالمفاتيح المزورة بالرغم من الصيغة العامة التي ورد بها في النص فإنه في الواقع ما يزال قاصرا عن ملاحقة كل الوقائع العملية، وهكذا لا يعتبر استعمالا لمفاتيح مزورة، فتح الاقفال عن طريق ادارة الارقام السرية التي يغلق بها القفل، كما إذا كان السارق يعلم بها أو تمكن من ذلك صدفة وكذلك فتح القفل بالضغط على زر كهربائي، أو الكتروني، أو بمفتاحه الحقيقي الذي عثر عليه السارق أثناء تفتيشه للمكان، أو تمكن من ادخال يده من فتحة في الباب أو النافذة مثلا فأدار لسان القفل أو سحبه إلى غير ذلك من وسائل فتح الاقفال من غير استعمال الاداة التقليدية التي نسميها المفتاح .
هذا، ولكي يعتبر استعمال المفاتيح المزورة ظرفا مشدداً، يجب أن يتخذ فتح القفل وسيلة للوصول إلى المسروق كفتح قفل باب المنزل للدخول إليه بحثا عن المسروق، أو قفل خزانة أو صندوق أو حقيبة لاختلاس ما بداخلها، أما إذا كان القفل للمسروق نفسه وفتح للتمكن من اختلاسه فقط فلا يعتبر استعمال مفتاح مزور في ذلك ظرفا مشدداً، كمن يفتح بمفتاح مزور باب سيارة لسرقتها – لا تسرقة ما بداخلها – أو قيد دراجة أو دابة للاستيلاء عليها .
ه) كسر الاختام للسرقة :
الاختام تضعها السلطة العامة على الأبواب أو الصناديق أو أي ظرف بداخله أشياء يراد منع امتداد الأيدي إليها، ويكون الختم بالشمع أو الرصاص أو ما اليها وبشكل لا يمكن معه فتح المختوم عليه دون اتلاف الختم. وكسر الاختام يتحقق بكل وسيلة لاتلافها أو ازالتها كليا أو جزئيا من مكانها وقد نص الفصل 274 من ق.ج على أن “كل سرقة ترتكب بكسر الاختام يعاقب عليها باعتبارها سرقة ارتكبت بالكسر طبقا للشروط المقررة في الفصل 510 ” وبناء على ذلك فان الحاق أي تغيير بالختم نتيجة فتح السارق للمختوم عليه، يعتبر سرقة بالتكسير ويعاقب عليها بهذه الصفة.
هذا، وإن الظروف السابقة من التسلق ، والكسر ، واستخدام نفق ، أو مفاتيح مزورة وكسر الاختام ، تشكل ظروف تشديد متى استعملت لتسهيل عملية السرقة أو اتمامها ، فالنص يقول انها تعتبر كذلك إذا اقترنت بالسرقة والاقتران يعني استعمالها للوصول إلى المسروق أو أثناء عملية السطو إلى نهايتها بالخروج بالمسروق من مكان السرقة ، فاستعمال أي ظرف من تلك الظروف أثناء الخروج بالشيء المسروق يتحقق معه تطبيق ف 510 لأن نقل المسروق إلى خارج حرزه يدخل في الاعمال المادية لاتمام جريمة السرقة.
نعم إذا كان الفاعل قد خرج دون أن يأخذ معه مسروقاً ، فان استعماله حينذاك للتسلق أو الكسر وما اليهما ، لا يتحقق به ظرف التشديد، لأن كل ما ارتكبه هو محاولة السرقة التي انتهت بتوقفه الاضطراري عن مواصلة البحث عن المسروق، وبذلك يكون خروجه لاحقا لمحاولة السرقة، وليس اتماما لها، وبالتالي يكون التسلق أو الكسر المرتكب أثناء ذلك غير مقترن بتلك المحاولة حتى يكون ظرفا مشددا فيها .
5 – ارتكاب السرقة في أوقات الحريق ….
لقد شدد المشرع العقوبة للسرقة المرتكبة أثناء هذه الحوادث نظرا لما تكشف عنه من خطورة واضحة، فالجاني بدل أن يؤدي ما يفرضه عليه واجب التضامن الاجتماعي من تقديم المساعدة للضحايا للتخفيف عليهم من آثار الكوارث، يستغل حالة الاضطراب والفوضى وعجز الضحية عن حماية ملكه، فيقوم بالنهب والاثراء الجشع على حساب الضحايا المذعورين من هول الكارثة وآلامها، ولا شك أن هذا يبرز ما يضمره السارق من قساوة القلب، والأنانية الطاغية.
والكوارث التي يطبق عليها الفصل 510 تشمل كل الحوادث التي تثير الهلع والاضطراب وتجعل من تعرضوا لها يسعون إلى النجاة بانفسهم ويعجزون عن حماية ممتلكاتهم، أو لا يبالون بهذه الحماية خوفا على سلامتهم.
هذا وقد عاقب الفصل 594 بسجن من عشر إلى عشرين سنة مرتكبي النهب لمواد غذائية أو بضائع أو منقولات أخرى، إذا كانوا في جماعات أو عصابات واستعملوا القوة. كما عاقب الفصل 201 و 203 بالاعدام اعمال النهب المرتكبة في جنايتي الاعتداء والعصابة المسلحة. وبناء على ذلك فان الفصل 510 يطبق في الحالات التي لا ينطبق على الافعال المرتكبة وصف أشد.
6 – سرقة شيء يتعلق بسلامة وسيلة نقل :
تشمل وسائل النقل كل ما يستعمل لنقل الأشخاص أو الاشياء من سيارات وسفن وقاطرات وطائرات، وما إليها من عربات النقل، وسواء كانت وسيلة النقل هذه تعمل طليقة أو تعمل في خط محلي محدود مثل العربات الكهربائية التي تستعمل لنقل العمال أو الزوار مثلا في منجم أو مكان سياحي أو غير ذلك، أو لنقل الأشياء كالعربات والأشرطة المستعملة في المناجم.
والنص ربط التشديد بسرقة شيء يؤمن سلامة وسيلة نقل، كما يقول النص الفرنسي للفصل 510 وبناء على ذلك فإن السرقة التي يعاقب عليها بهذا النص هي التي تتعلق بأشياء يعرض اختلاسها وسيلة النقل لخطر ما، فلا يطبق الفصل 510 إذا نتج عن السرقة تعطيل وسيلة النقل في مكان وجودها مثل سرقة عجلات السيارة، أو البطارية، أو غير ذلك من الأدوات والأجزاء التي تصبح السيارة بدونها غير قادرة على السير اطلاقا، فمثل هذه الأشياء تؤمن عملها وتشغيلها ولا يقال انها تؤمن سلامتها.
نعم الاشياء التي تؤمن سلامة وسيلة النقل ويعرضها اختلاسها لخطر حوادث السير أو الطيران، تشدد العقوبة على سرقتها سواء كانت جزءا من وسيلة النقل أو كانت منفصلة عنها.
من أمثلة النوع الأول، سرقة بعض أضواء السيارة، أو الزر المتحكم في تغييرها أو ماسحات الزجاج ، أو زيت المحرك، أو سلاسل العجلات المستعملة للثلج أو غير ذلك من الأدوات والمواد والأجزاء التي يعرض اختلاسها السيارة لخطر الحوادث، ومن أمثلة النوع الثاني أي سرقة الأشياء المنفصلة عن وسيلة النقل، مواد اطفاء الحريق، والاشارات المنصوبة في الطرقات لتفادي أخطار الحوادث، والعجلة الاحتياطية في السيارة وما إلى ذلك .
وأخيراً فان الفصل 510 يتعلق بسرقة الأشياء التي تؤمن سلامة وسائل النقل ، أي بحالة قصد الجاني إلى مجرد اختلاس الشيء وتملكه، أما إذا قصد بأخذه تعريض وسيلة النقل للحادث، أو قتل شخص أو أشخاص معينين، فتطبق عليه حسب الأحوال النصوص الخاصة بالقتل العمد وتخريب وسائل النقل وتعريضها للحوادث.
ونشير في نهاية تعليقنا على الفصل 510 من القانون الجنائي إلى أن الظروف المنصوص عليها في كل فقرة من فقراتها تعتبر بمثابة ظرف واحد، ولذلك تطبق نفس العقوبة ولو اقترنت السرقة بأكثر من ظرف واحد، كما إذا اجتمع التسلق والكسر، واستعمال مفاتيح مزورة فهي كلها واردة في فقرة واحدة، وبالتالي تعتبر بمثابة ظرف واحد تخضع السرقة المقترنة بها للعقوبة المتراوحة بين خمس وعشر سنوات سجنا.
ثانيا – الظروف المعاقب عليها بسجن من عشر إلى عشرين سنة :
يقضي الفصل 509 بانه ” يعاقب بالسجن من عشر إلى عشرين سنة على السرقات التي تقترن بظرفين على الأقل من الظروف الآتية :
– استعمال العنف أو التهديد به أو تزي بغير حق بزي نظامي أو انتحال وظيفة من وظائف السلطة.
– ارتكابها ليلا.
– ارتكابها بواسطة شخصين أو أكثر.
– استعمال التسلق أو الكسر من الخارج أو الداخل، أو نفق تحت الأرض أو مفاتيح مزورة أو كسر الاختام للسرقة من دار أو شقة أو لغرفة ، أو منزل مسكون أو معد للسكنى أو أحد ملحقاته.
– إذا استعمل السارقون ناقلة ذات محرك لتسهيل السرقة أو الهروب.
– إذا كان السارق خادما أو مستخدما بأجر، ولو وقعت السرقة على غير مخدومه كمن وجدوا في منزل المخدوم ، أو في مكان آخر ذهب إليه صحبة مخدومه.
– إذا كان السارق عاملا أو متعلما لمهنة وارتكب السرقة في مسكن مستخدمه أو معلمه أو محل عمله أو محل تجارته، وكذلك إذا كان السارق ممن يعملون بصفة معتادة في المنزل الذي ارتكب فيه السرقة”.
سبق الكلام على الظروف الأربعة الأولى، غير أن الظرف الأخير منها يحتاج إلى توضيح لأنه مرتبط بقيد، لا يربطه به الفصل 510 السابق الكلام عليها، لذلك سنكتفي بالكلام على هذا الظرف الرابع وعلى الظروف الثلاثة الأخيرة التي لم يتعرض لها الفصل 510 من القانون الجنائي.
1- استعمال التسلق أو الكسر، أو نفق أو مفاتيح مزورة أو كسر الاختام للسرقة :
لا يختلف هذا الظرف هنا عنه في الفصل 510 إلا في قيد واحد يتعلق بمحل السرقة، فالفصل 510 كما رأينا استعمل لفظ المكان، وبذلك كان محل السرقة فيها عاما، بحيث يتحقق ظرف التشديد متى استعمل الكسر، أو التسلق ، أو النفق أو المفاتيح المزورة أو كسر الاختام ، أيا كان المكان الذي وقعت السرقة منه منزلا أو دكانا أو مكتبا ، أو ساحة أو حديقة أو بستانا أو حقلا أو غير ذلك.
أما في الفصل 509 فإن التسلق والظروف التي عطفت عليه، لا تكون ظرف تشديد إلا إذا كان المحل الذي وقع عليه السطو دارا أو شقة أو غرفة، أو منزلا مسكونا أو معدا للسكنى أو أحد ملحقاته ، فاستعمال التسلق وما عطف عليه للسرقة من غير هذه الأماكن، لا يطبق عليه الفصل 509 ولو توفر ظرف آخر كالليل أو تعدد السارقين مثلا، كما أن السرقة من هذه الأماكن ذاتها من غير استعمال التسلق أو الكسر… لا تطبق عليها الفقرة الرابعة من الفصل 509.
2 – استعمال ناقلة ذات محرك :
اشترط النص صراحة توافر أمرين لتحقق هذا الظرف ، وهما أن تكون وسيلة النقل المستعملة ذات محرك ، وان تستعمل لتسهيل السرقة أو الهروب من المحل الذي وقع عليه السطو، وبمقتضى الشرط الأول لا يطبق النص على الناقلات التي تسير بدون محرك، مثل الدراجة العادية والعربات اليدوية، أو التي تجرها الحيوانات، وكذلك القوارب التي لا تتوفر على محرك، كما لا يطبق النص من باب أولى على دواب الحمل .
وبالنسبة للشرط الثاني ، فإن وجود الناقلة لا يكون ظرفا مشدداً إلا إذا استعملت الناقلة لتسهيل ارتكاب السرقة ، أو وسيلة للهروب، كما إذا استعملت للوصول إلى مكان السرقة، أو لتجاوز عراقل في الطريق كما إذا كان مرور السارق راجلا لدخول مكان السرقة أو الخروج منه يثير انتباه الحارس أو الضحية، ومثل ذلك استعمالها للوصول بسرعة إلى المسروق أو للاقتراب من الضحية وخطف الشيء منه أو للهروب بالمسروق .
وعلى العكس من ذلك لا يتحقق ظرف استعمال الناقلة ذات محرك إذا استعملها السارق لاستهلاك المسروق كسرقة البنزين واستهلاكه في ناقلة ، أو استعمال الناقلة لا كوسيلة نقل ولكن كمجرد ظرف للاختباء فيها مثلا ، أو اقتصر على تشغيل محركها لاثارة الضوضاء حتى لا يسمع حسيسه الضحية أو الجيران، وكذلك إذا كان المسروق هو الناقلة ذاتها، ففي كل هذه الحالات لا تعتبر السرقة مرفقة باستعمال ناقلة ذات محرك .
3 – صفة خادم منزل أو مستخدم أو عامل أو متعلم مهنة :
هذان الظرفان يتعلقان بصفة شخصية في السارق ، فهما ظرفان شخصیان، عكس بقية الظروف الأخرى التي تعتبر كلها عينية، وإذا كان القانون المغربي قد اقتبس من القانون الفرنسي تشديد العقوبة في سرقة الخدم والعمال، إلا أنه لم يسر على نفس النهج في تعميم التشديد ، فالقانون الفرنسي (م. 386) يقرر عقوبة السجن من خمس إلى عشر سنوات، متى توفر في السارق وصف خدم منزل أو مستخدم بأجر، أو عامل ، أو متعلم حرفة .
أما القانون المغربي فمن جهة يقرر عقوبة اشد هي السجن من عشر إلى عشرين سنة ، ولكن من جهة ثانية يشترط أن تكون سرقة الخادم أو العامل مقترنة بأحد الظروف الخمسة الأولى الواردة في الفصل 509 وبناء على ذلك، فإن سرقة الخادم أو العامل في القانون المغربي تخضع للعقوبة العادية المنصوص عليها في الفصل 505 و 506 ، ولكن إذا اقترنت بالتسلق أو الكسر ، أو استعمال مفاتيح مزورة ، أو أحد الظروف الأخرى الواردة في الفصل 509 فإنها تعاقب بسجن من عشر إلى عشرين سنة.
هذا وقد تعرضت الفقرتان الأخيرتان من الفصل 509 إلى ثلاثة أنواع من الأشخاص الذين يخضعون للعقوبة المشددة، وهم خدم المنازل والمستخدمون بأجر، و العمال والمتعلمون لحرفة في منزل رب العمل أو ورشته أو محل تجارته، وكل من يعمل بصفة معتادة في المسكن الذي ارتكبت فيه السرقة .
فخدم المنازل والمستخدمون بأجر يشملون، كل الاجراء الذين يعملون في خدمة شخصية للمخدوم وأسرته ، كان العمل داخل المنزل كالطباخ، والخادمة، والمربية، والبستاني، والحارس، أو كان خارج المنزل كالسائق والسكرتير الخاص ومن اليهما.
وعلاقة الخدمة تثبت بالعمل المنتظم ، اما عمل يوم أو يومين في كل أسبوع مثلا فلا تقوم به علاقة الخدمة القانونية ولا يتحقق ظرف التشديد بالنسبة إلى هؤلاء، إلا إذا ارتكبوا السرقة في منزل مخدومهم أو في منزل آخر ذهبوا إليه صحبته، ويستوي في ذلك أن يكون المال المسروق لمخدومه أو للغير كما هو صريح النص، لذلك لا مجال في ظل القانون المغربي لشرط ارتكاب السرقة “اضرارا بالمخدوم” الذي اشترطته بعض التشريعات المقارنة.
والعامل ومتعلم الحرفة كما يقول النص ينصرف إلى العامل ومتعلم الحرفة في منزل رب العمل أو ورشته، أو محل تجارته، فالنص منقول عن القانون الفرنسي الذي وضع خصيصاً لحماية الصناع والحرفيين من السرقات التي يتعرضون لها من العاملين معهم داخل المحلات التي يمارسون فيها حرفتهم، كانت هذه المحلات هي منازلهم أو الورشات والدكاكين التي يمارسون فيها حرفتهم، ولذلك فإن القانون الفرنسي اضاف إلى العامل ومتعلم الحرفة Compagnon أي رفيق. والمقصود به الذي يعمل مع الضحية في نفس المحل ليس بصفته عاملا ولا متعلم حرفة، وإنما بصفة صانع في الاصطلاح الحرفي.
والأشخاص الذين يعملون بصفة معتادة في المسكن الذي سرقوا منه يشمل كل الذين لا ينتمون إلى الفئات السابقة من خدم المنازل والمستخدمين بأجر، والعمال ومتعلمي الحرفة في المحلات الحرفية ، وممن ينطبق عليه هذا الصنف مستخدمو الدولة أو البلديات والجماعات أو المؤسسات العامة أو الخاصة، الذين يعملون في منازل بعض سامي الموظفين أو المسؤولين في هذه المؤسسات.
وعلى كل حال إذا كان للقضاء الفرنسي اجتهاده في تحديد مفهوم كل فئة من الفئات السالفة الذكر، وعلى الخصوص مفهوم المستخدم باجر، فاننا نعتقد أن أي نقاش في الموضوع بالنسبة للقانون المغربي ، لا جدوى منه ، لأن هذا القانون كما سبقت الاشارة لم يجعل من صفة الخادم أو العامل أو متعلم الحرفة ، ظرف تشديد مستقلا ، ولذلك فإنه ينبغي أولا الفصل فيما إذا كانت هذه الصفة تستحق التشديد ، ثم تحديدها على أساس وقائع الحياة المعاشة اليوم، وليس بنقل مصطلحات وضعت في مجتمع معين منذ ما يقرب من قرنين من الزمن، وقبل أن يتحقق هذا يبقى الجدل مجرد لوك للألفاظ ، لا علاقة له بالمناقشة القانونية الهادفة ، والقائمة على التقييم والاستنتاج.
بقيت ملاحظة أخيرة وهي أن العقوبة المقررة في الفصل 509 لا تطبق الا إذا اجتمع ظرفان على الأقل من الظروف السبعة الواردة فيها، وأن كل فقرة من فقراتها يعتبر ما ورد فيها بمثابة ظرف واحد ، فالاجتماع لا يتحقق إذن إلا إذا كانت الظروف التي اجتمعت وردت في فقرات مختلفة، كالعنف والليل ، أو تعدد السارقين والتسلق، أما استعمال العنف مع انتحال وظيفة مثلا ، أو استعمال التسلق مع مفاتيح مزورة فيعتبر بمثابة ظرف واحد ، ولا يخضع السارق معه إلى عقوبة الفصل 509.
ثالثا – الظروف المعاقب عليها بسجن من عشرين إلى ثلاثين سنة :
تعرض لهذه الظروف الفصل 508 من القانون الجنائي الذي ينص على أن ” السرقات التي ترتكب في الطرق العمومية، أو في ناقلات تستعمل لنقل الأشخاص أو البضائع أو الرسائل، أو في نطاق السكك الحديدية ، أو المحطات أو الموانئ ، أو المطارات أو ارصفة الشحن أو التفريغ إذا اقترنت بظرف واحد على الأقل من الظروف المشددة المشار إليها في الفصل التالي يعاقب عليها بالسجن من عشرين إلى ثلاثين سنة”.
1 – تحديد مفهوم الطريق العمومي :
تعرض الفصل 508 للطرق العمومية والناقلات، والسكك الحديدية، والمحطات والموانئ والمطارات، وأرصفة الشحن أو التفريغ، ولعل تعيين حدود هذه الأماكن لا يثير مشاكل في التطبيق، باستثناء عبارة الطريق العمومي فانها تتطلب بعض البيان، ومن أجل ذلك أورد الفصل 516 تعريفا للطريق العمومي بقوله ” تعد طرقا عمومية الطرق والمسالك والممرات ، أو أي مكان مخصص لاستعمال الجمهور، الموجود خارج حدود العمران، والتي يستطيع كل فرد أن يتجول فيها ليلا أو نهارا دون معارضة قانونية من أي كان”.
ان الفكرة التي يقوم عليها تشديد العقوبة في السرقات التي تحدث في الطريق العام، هي مكافحة المجرمين الخطرين وأفراد العصابات الذين يقومون بأعمال النهب والسرقة عن طريق اصطياد الضحايا في الممرات والطرق التي يسلكونها، وعادة يختار هؤلاء المجرمون الطرق البعيدة عن العمران ليطمئنوا إلى انعدام الاغاثة ويأمنوا من اعمال المطاردة والملاحقة، وهذا ما حمل المشرع على اشتراط أن يكون الطريق أو المكان خارج حدود العمران، فما المقصود إذن بالطريق العمومي ؟ ومتى يعتبر واقعاً خارج حدود العمران ؟
– حسب الفصل 516 يعتبر طريقا عموميا كل ممر أو مسلك يحق لعموم الناس المرور فيه، بسيارات أو دواب أو راجلين، وكل مكان يحق لهم كذلك أن يأتوا إليه متى شاءوا.
وهكذا يشمل الطريق العمومي، طرق السيارات المفتوحة للعموم، ومسالك الدواب والراجلين التي تصل بين القبائل، أو بين القرى، أو يستعملها الناس للوصول إلى الأسواق أو المزارع أو المراعي أو غير ذلك من الأغراض، وكذلك الممرات التي تستعملها القوافل أو الافراد في الصحراء مثلا ولو لم تكن معالم الطريق العادي فيها واضحة، كما يشمل الطريق العمومي كل مكان يقصده الناس لقضاء مأرب من مآربهم، مثل منابع المياه، وأماكن الاصطياف.
والشرط الوحيد المطلوب في كل ما سبق أن يكون الطريق أو المكان مفتوحا في وجه استعمال الجمهور، ولو كان الأفراد الذين يستعملونه فعلا قليلين، فالمهم أن لا يكون استعماله قاصرا على مالكه، أو طائفة خاصة كفرقة من الجيش مثلا.
– قطع الطريق على المسافرين والمارة من أجل النهب يتم عادة كما أشرنا في الأماكن الخالية البعيدة عن المحلات الآهلة بالسكان، ولذلك قيد المشرع في الفصل 516 الطريق العمومي بكونه واقعا خارج حدود العمران، أي خارج المدن والمراكز السكانية والقرى.
2 – السرقات التي يطبق عليها التشديد في الأماكن الواردة في الفصل 508 :
ان تشديد العقوبة المنصوص عليه في ف 508 يرتبط في كل حالاته بالمكان الذي ارتكبت ضده السرقة، لذلك يمكن التساؤل عما إذا كانت كل سرقة حدثت ماديا داخل هذه الأماكن تطبق عليها ف 508 ؟ لا جدال في أن رفع العقوبة قصد بها حماية هذه الأماكن لأداء الخدمات والاغراض التي أنشئت من أجلها، ولذلك فإن أعمال السطو المعاقب عليها بالفصل 508 هي التي تستهدف الاشياء الموجودة في تلك الأماكن بمقتضى وظيفتها التي تؤدي بها خدماتها للعموم.
وهكذا تعتبر سرقة في الطريق العمومي متى استهدفت السرقة أشياء أثناء عبورها لهذا الطريق سواء كانت منقولة على الطريق بصورة مستقلة كالبضائع أو كان الضحية ينقلها معه تبعا كمبالغ النقود التي يحملها، وثيابه، ووسيلة النقل ذاتها من دابة أو دراجة أو سيارة أو غير ذلك.
اما إذا لم يكن الشيء منقولا على الطريق فلا تخضع سرقته الفصل 508 ولو وجد ماديا في هذا الطريق كالأشياء الثابتة فيه، أو الموجودة بجواره من محصولات زراعية أو حيوانات أو أي ممتلكات أخرى، وإذا كان الطريق العمومي مكانا يستعمله الجمهور كشاطئ سباحة، فإن السرقة فيه تعتبر سرقة في طريق عمومي متى وقعت على الأشياء التي يحضرها المصطافون معهم دون السرقة مثلا من دار موجودة في نفس الشاطئ.
والسرقة في الناقلات كذلك يطبق عليها الفصل 508 إذا حدثت أثناء أداء هذه الناقلات لوظيفتها في نقل الأشخاص أو الأشياء أو الرسائل سواء كانت تسير فعلا أو مجهزة للسير، تعلقت السرقة بأشياء محمولة على الناقلة، أو بأشياء في حيازة الراكبين في الناقلة، فسرقة مسافر لمسافر آخر بعد ركوب السيارة أو الطائرة أو السفينة تعتبر سرقة في ناقلة.
ولكن إذا لم تكن الناقلة في حالة نقل لأشخاص أو أشياء أو رسائل، ووقع السطو على أشياء بداخلها كالراديو مثلا أو بعض أجزائها كالعجلات والبطارية فإن ذلك لا يعتبر سرقة في ناقلة بمفهوم الفصل 508 وان خضع التشديد بسبب ظروف أخرى.
والأمر كذلك بالنسبة للمحطات والموانئ والمطارات وأرصفة الشحن والإفراغ، تطبق على السرقة فيها الفصل 508 إذا سطا السارق على الأشياء التي تمر بهذه الأماكن بمقتضى وظيفتها في استقبال البضائع والمنقولات، وارسالها أو نقلها أو توزيعها أو خزنها أو لأي غرض آخر، لأن هذه الأشياء هي التي أراد المشرع التشدد في العقاب عليها حماية للمتعاملين مع تلك المرافق.
ولا مجال لتطبيق الفصل 508 من القانون الجنائي إذا سرق عمال أو مستخدمو الميناء أو المطار بعضهم بعضا، أو وقع السطو على أشياء خاصة بالساكنين داخل الميناء أو الرصيف أو المحطة.
3 – لماذا الانتقال من عقوبة جنحية إلى ثلاثين سنة سجنا ؟
قيد القانون تطبيق العقوبة المنصوص عليها في الفصل 508 بوجود أحد الظروف المشددة الواردة في الفصل 509 ولم يقرر أية عقوبة أخرى في حالة انعدام تلك الظروف، ومقتضى ذلك أن السرقة في الأماكن التي تعرض لها ف 508 تخضع للعقوبة العادية المقررة في الفصل 505 و 506 ثم تنتقل مباشرة من هذه العقوبة الجنحية إلى عقوبة السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة. وهذا يثير ملاحظتين :
الأولى ان تشديد عقوبة السرقة في تلك الأماكن كان ينبغي أن يكون عاماً وفي جميع الحالات، مع التدرج طبعا في هذا التشديد تبعا لتفاوت خطورة الظروف التي تقترن بالسرقة، فحماية حرية التنقل والتجول في الطرق العمومية مثلا لا يقتصر على نوع دون نوع من السرقات، فلا تشدد العقوبة إلا إذا وجدت أحد الظروف الواردة في ف 509 ، بينما يختفي التشديد نهائيا إذا لم تقترن السرقة بأحد تلك الظروف.
وكان المنطق يفرض اعتبار السرقة في الأماكن السالفة ظرفا مشدداً مستقلا ثم يتدرج التشديد حسب وجود ظرف أو ظروف أخرى تقترن بالسرقة.
والملاحظة الثانية هي أن المشرع في عقاب السرقات التي تقع في الأماكن المفصلة في ف 508 انتقل مباشرة من عقوبة جنحية إذا كانت السرقة عادية إلى عقوبة سجن من عشرين إلى ثلاثين سنة في حالة اقتران السرقة بأحد ظروف ف 509 وهو ما لا نجد له مثيلا في تدرج عقوبات الجريمة الواحدة.
ولعل مما يوضح هذا أكثر أن نقارن بين سرقة في شارع وهو ليس طريقا عموميا وبين السرقة في طريق عمومي، فالسرقة في شارع تتدرج من عقوبة جنحية إذا كانت عادية إلى سجن من خمس إلى عشر سنوات إذا اقترنت بظرف مشدد واحد (ف 510) إلى سجن من عشر إلى عشرين سنة إذا اقترنت بظرفين (ف 509)، أما السرقة في طريق عمومي فتخضع لنفس العقوبة الجنحية إذا كانت عادية، ثم لسجن من عشرين إلى ثلاثين سنة إذا كانت مقترنة بظرف واحد أو بجميع ظروف التشديد المنصوص عليها في ف 509.
4 – هل يطبق ف 508 على سرقة الخدم والعمال ومتعلمي الحرفة ؟
إن نص الفصل 508 صريح في تطبيق العقوبة الواردة فيه متى اقترنت السرقة بأحد ظروف ف 509 التي من بينها توفر صفة الخادم أو العامل أو متعلم الحرفة في مرتكب السرقة، ومع ذلك نميل إلى القول بأن الظرفين الأخيرين من الفصل 509 لا يشملها الفصل 508 ويؤكد ذلك :
أ) أن صفة الخادم أو العامل أو متعلم الحرفة، تبرر تشديد العقوبة عندما تتم السرقة من محل المخدوم أو رب العمل أو من محل يذهب إليه السارق مع مخدومه، ولكن عندما ترتكب السرقة في طريق عمومي أو في ميناء أو في مطار مثلا فإنه لا يبدو هنالك سبب لتشديد العقوبة من أجل صفة الخادم أو العامل، لأن التشديد هنا قصد به حماية هذه الأماكن من السطو وليس حماية المخدوم أو رب العمل الذي يدخل إليها رفقة خادمه أو العامل معه في حرفته.
ب) أن صفة الخادم أو العامل بمفردها لا تكون ظرف تشديد، وكذلك مجرد السرقة في طريق عمومي ، أو في ناقلة أو في ميناء أو مطار تبقى خاضعة للفصلين 505 و 506 من القانون الجنائي.
وما دام كل من الظرفين لا يؤثر بمفرده على عقوبة السرقة، فان اجتماعهما كذلك لا ينقل السرقة من جنحة إلى جناية.
ويعتبر مجافيا لكل منطق ان نقول : سرقة الخادم جنحة ، والسرقة في الطريق العمومي جنحة، ولكن سرقة الخادم في طريق عمومي تعاقب من عشرين إلى ثلاثين سنة سجنا، إن أي عنصر جديد عيني أو شخصي لم يضف في الحالة الثالثة فأي مبرر يعتمد لنقل العقوبة من عامين أو خمس سنوات حبسا إلى ثلاثين سنة سجنا ؟.
رابعا – الظروف المعاقب عليها بالسجن المؤبد :
ينص الفصل 507 من القانون الجنائي على أنه ” يعاقب على السرقة بالسجن المؤبد، إذا كان السارقون أو أحدهم حاملا لسلاح، حسب مفهوم الفصل 303 سواء كان ظاهراً أو خفياً، حتى ولو ارتكب السرقة شخص واحد، وبدون توفر أي ظرف آخر من الظروف المشددة. وتطبق نفس العقوبة، إذا احتفظ السارقون، أو احتفظ أحدهم فقط بالسلاح في الناقلة ذات المحرك التي استعملت لنقلهم إلى مكان الجريمة أو خصصت لهروبهم “.
العقوبة الواردة في هذا الفصل هي أشد العقوبات التي عاقب بها المشرع جريمة السرقة لأن وجود السلاح مع الجاني يبرز ما لديه من عزم على الاعتداء على الأشخاص الذين قد يقاومونه، زيادة على الاعتداء على المال، وقد اشترط القانون ان يكون السلاح محمولا من السارقين أو أحدهم، أو محتفظا به في ناقلة ذات محرك استعملت لنقل السارق أو السارقين إلى مكان الجريمة أو خصصت لهروبهم منه.
ويستوي أن يكون حمل السلاح بصورة ظاهرة تمكن رؤيته أو يكون مخفيا تحت الثياب مثلا أو في الحذاء ، أو تم اخفاؤه بأي وسيلة أخرى مادام محمولا للسارق، كما يستوي أن يتعدد الأفراد المسلحون، أو لا يحمل السلاح غير فرد واحد حتى ولو كان معه رفاق لا علم لهم بتسلحه، لأن التسلح ظرف عيني يسري على جميع المساهمين والمشاركين ولو كانوا جاهلين به طبقا للفقرة الثالثة من ف 130 من ق.ج، أما إذا لم يكن السلاح محمولا من السارق شخصياً، فلا يطبق ف 507 إلا إذا كان السلاح في الناقلة الموصوفة في الفقرة الثانية منها.
وهكذا لا تطبق عقوبة السجن المؤبد إذا ترك السارق السلاح على دابة أو في عربة لا تتوفر على محرك، ولو استعمل الدابة أو العربة أو الدراجة للتنقل إلى مكان السرقة أو الهروب منه، ولكن ينبغي تقييد هذا بأن لا يكون السارق قادرا على استعمال السلاح فور الاحتياج اليه، بأن يبقي السلاح بعيدا عنه، أما إذا أبقاه في مكان قريب منه بحيث يتأتى له استعماله فورا متى احتاج إليه ، فانه يعتبر في هذه الحالة حاملا للسلاح، ولو تركه ماديا فوق دابة أو شجرة مثلا.