القيود الاتفاقية هي القيود التي تضعها الأطراف المتعاقدة في العقد وذلك بهدف تقييد حقوق المالك ومنعه من التصرف في عقاره، ويطلق الفقهاء على هذا النوع من القيود الاتفاقية “الشروط المصاحبة” ، كأن يبيع شخص عقارا له وينص في عقد البيع على شرط يمنع بموجبه المشتري من التنازل عن العقار لمصلحة الغير، فهل مثل هذه الشروط صحيحة، وهل يجوز تقييد حرية المالك في التصرف في عقاره عن طريق التعاقد ؟
إن القضاء والفقه في فرنسا وفي غياب نص في القانون المدني استقرا على اعتبار مثل هذه الشروط مقبولة، وهو التوجه نفسه الذي أقرته مجموعة من التشريعات الحديثة حيث نصت الفقرة الأولى من المادة 823 من القانون المدني المصري على انه “إذا تضمن العقد أو الوصية شرطا يقضي بمنع التصرف في مال، فلا يصح هذا الشرط ما لم يكن مبنيا على باعث مشروع، ومقصورا على مدة معقولة ….”
وهذه الفقرة هي نفسها الفقرة الأولى من الفصل 778 من القانون المدني السوري، وهو نفسه ما أقره قانون الموجبات والعقود اللبناني من خلال الفصل 227 والفصلان 505 و 506 حيث أقر صراحة القيود الاتفاقية شرط أن يكون في هذه القيود مصلحة لأحد المتعاقدين وأن يكون قيد عدم التصرف مؤقتا ومحددا بمدة.
أما القانون المغربي قبل صدور مدونة الحقوق العينية لم يتعرض للقيود الاتفاقية شأنه في ذلك شأن القانون الفرنسي، فلا وجود لأي نص صريح يجيزها سواء في قانون الالتزامات والعقود أو في ظهير 19 رجب الملغى، غير أن الفقه استند إلى مجموعة من النصوص للقول بأن المشرع المغربي أقر مبدأ صحة القيود الاتفاقية، منها الفصل 492 من قانون الالتزامات والعقود الذي ورد فيه “بمجرد تمام البيع، يسوغ للمشتري تفويت الشيء المبيع وذلك ما لم يتفق العاقدان على خلافه”.
انطلاقا من هذا الفصل يتبين أن عقد البيع المتضمن قيدا يمنع المشتري من التصرف في الشيء المبيع، عقدا صحيحا مع صحة القيد.
كما أن هناك نصوص أخرى يستشف منها أن المشرع المغربي أقر مبدأ صحة القيود الاتفاقية كالفصل 285 من مدونة الأسرة الذي ينص على أنه ” يصح تعليق الوصية بالشرط وتقييدها به إن كان الشرط صحيحا، والشرط الصحيح ما كان فيه مصلحة للموصي أو للموصى له لغيرهما ولم يكن مخالفا للمقاصد الشرعية”.
فالشرط الذي يعتبر باطلا هو شرط منع التصرف المؤبد لأن فيه مخالفة للقواعد الشرعية أما شرط عدم التصرف الموقوف على مدة معينة فليس فيه أي مخالفة للقواعد الشرعية ومن تم يقع صحيحا كصحة العقد الذي بني عليه.
وهذا ما يمكن كذلك أن نستنتجه من الفصل 69 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري كما وقع تغييره وتتميمه بالقانون رقم 14-07، حيث أشار صراحة إلى القيد الذي يرد على الحق في التصرف في الحق العيني.
وبصدور مدونة الحقوق العينية يمكن القول أنها وضعت حدا لهذا الغموض التشريعي حول صحة القيود الاتفاقية وسايرت التشريعات الحديثة في إقرار هذه القيود من خلال المادة 14 التي نصت على أنه ” يخول حق الملكية مالك العقار دون غيره سلطة استعماله واستغلاله والتصرف فيه، ولا يقيده في ذلك إلا القانون أو الاتفاق وذلك شرط أن يكون القيد غير مخالف للقانون أو النظام العام وأن يكون مما يحقق المنفعة المشروعة لأحد المتعاقدين أو للغير مع اقتصار القيد على مدة معقولة”.