لقد وفر المشرع للمتعاملين في إطار القوانين العقارية الجديدة مجموعة من الضمانات، إلا أن هذه الضمانات تصطدم بالعديد من الإكراهات التي تحول وأهداف هذه القوانين، وإذا كان إدماج المشرع للعقار غير المحفظ في حل أزمة السكن جاء استجابة لضعف الرصيد العقاري، فإن هذا الأمر لا يخلو من صعوبات، هذا بالإضافة إلى المشاكل المرتبطة بالتمويل.
1 / الإكراهات القانونية والواقعية التي تحول دون فعالية القوانين العقارية الجديدة :
أ – مظاهر القصور في قوانين التعمير المغربية :
لقد كان الهدف من صدور قانون 12.90 المتعلق بالتعمير، وقانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية هو تجاوز ثغرات قوانين التعمير القديمة والتخفيف أو الحد من السكن العشوائي وغير القانوني إلا أن هذه القوانين هي الأخرى شابتها مجموعة من الثغرات يمكن ذكر بعضها على الشكل التالي:
– انفراد الإدارة المكلفة بالتعمير بإعداد وثائق التعمير دون إشراك الجماعات المحلية وهو ما يطرح عدة مشاكل عند التطبيق، تتمثل في عدم ملائمة هذه الوثائق للواقع، هذا فضلا عن تعدد المتدخلين في إعداد هذه الوثائق وتنفيذها.
– افتقار بعض المدن المغربية لوثائق تعمير تنظم المجال العمراني بها مما يساهم في انتشار السكن العشوائي وغير القانوني.
– جعل تحريك الدعوى العمومية بشأن مخالفة قوانين التعمير بيد رئيس المجلس الجماعي الذي له أيضا سحب الشكايات والتخلي عن المتابعة وهو إجراء يعتبر عرقلة واضحة في زجر المخالفات يجعل القضاء لا يضع يده إلا على المخالفات التي تريدها الإدارة وليس غيرها.
– ضعف الجزاءات الزجرية في قوانين التعمير والتي لا تتجاوز عقوبات مالية مفروضة على المخالفين، الأمر الذي يشجع المضاربين أكثر على تجاوز ومخالفة قوانين التعمير.
– حرية التعاقد في الميدان العقاري وغياب إقرار إجبارية العقود الرسمية في المعاملات العقارية حيث إن السكن غير اللائق والتجزئات السرية والمضاربة العقارية وجدت في العقود العرفية التي كثيرا ما تفتقد للشروط القانونية للتعاقد.
– المشاكل والمنازعات المرتبطة بالرخص الضمنية حيث اعتبر المشرع في قانون 12.90 أن سكوت المجلس الجماعي عن رفض أو قبول طلب الترخيص يجعل رخصة البناء مسلمة عند انقضاء شهرين من تاريخ إيداع طلب الحصول عليها، وبمرور ثلاثة أشهر إذا تلق الأمر برخصة التجزيء.
ونظرا لهذه النواقص التي شابت قوانين التعمير المغربية فقد تم وضع مشروع قانون التعمير رقم 04.04 الذي وضع سنة 2004 وكذا مشروع مدونة التعمير لسنة 2007 والذي جاء بمجموعة من المستجدات أهمها الرفع من العقوبات الزجرية في حق مخالفي مقتضياته.
فالإضافة إلى العقوبات المالية تم إقرار عقوبات حبسية تبعا لخطورة المخالفة وللتخفيف من حدة المنازعات والمشاكل التي قد تنجم عن تحرير عقود البيع والقسمة والإيجار المتعلقة بالتجزئات العقارية فقد أوكل المشرع هذه المهمة إلى الموثقين والعدول على سبيل الحصر، تفاديا للعقود العرفية التي تطرح العديد من المشاكل.
وللحد من المنازعات التي طالما اقترنت بالرخصة الضمنية بعد انصرام أجل ثلاثة أشهر من تقديم طلب الإذن في القيام بتجزئة دون جواب من الإدارة كما هو منصوص عليه في المادة 8 من القانون رقم 25.90 أو بمرور أجل شهرين من تقديم طلب الحصول على رخصة البناء كما جاء في المادة 48 من القانون رقم 12-90 فإن مشروع مدونة التعمير اعتبر سكوت رئيس المجلس الجماعي بمثابة رفض لطلب التجزيء أو البناء.
ورغم أهمية هذا المشروع والمستجدات التي جاء بها فمن شأن المصادقة عليه كما هو دون مراجعة بعض بنوده أن يخلق جملة من المشاكل حيث تم إعداده من طرف الوزارة المكلفة بالتعمير، دون إشراك الجماعات المنتخبة وكان نتيجة ذلك تقزيم دور هذه الأخيرة في ضبط مخالفة التعمير ومراقبة المجال العمراني حيث تم وضع سلطاتها المتعلقة أساسا بتسليم رخص البناء أو التجزيء تحت رقابة “وكالات التعمير”، كما تم التوسيع من دور وزارة الداخلية في ضبط مخالفات التعمير وهو الأمر الذي من شأنه أن يجعل الهاجس الأمني هو الغالب على تدبير المجال العمراني.
ب – المعيقات التي تعترض أهداف القوانين العقارية الجديدة (00.18-00.44-00.51) :
لقد جاءت القوانين العقارية الجديدة خدمة لقضية أساسية وهي حل أزمة السكن ومن أجل ذلك اعتمدت مجموعة من الآليات وأقرت العديد من الضمانات، يأتي في مقدمتها حصر الجهات المؤهلة لتحرير العقود المتعلقة بالملكية المشتركة، وبالعقارات في طور الإنجاز، والإيجار المفضي إلى تملك العقار في الموثقين العصريين والعدول والقضاة بناء على أحكام قضائية والمحامين الصادر بشأنهم لائحة عن وزير العدل تخولهم صلاحية تحرير هذه العقود.
والأمر الذي أثار استغراب أحد الفقه هو تمييز المشرع المغربي بين المحامون المقبولون للترافع أمام المجلس الأعلى والمحامون غير المقبولين للترافع أمام المجلس الأعلى فيما يخص تحرير العقود العرفية المتعلقة بهذه القوانين.
فالمحامي المقبول للترافع أما المجلس الأعلى مؤهل تلقائيا للقيام بهذه المهمة وبدون ترخيص، أما المحامي غير المقبول للترافع أمام المجلس الأعلى فحتى يستفيد من ذلك يجب أن يكون مقيدا بلائحة الأشخاص المؤهلين لتحرير العقود ما دام أنه ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة يخولها قانونها تحرير العقود.
وهذا التمييز غير مبرر ولا يقوم على أي أساس منطقي فالمحامون وبحسب المادة 30 من القانون المنظم لمهنة المحاماة لهم صلاحية تحرير العقود العرفية كيفما كان نوعها بدون تخصيص، الأمر الذي يكون معه المقتضى الوارد في القوانين العقارية الجديدة والقاضي بالتقييد التلقائي للمحامي المقبول لدى المجلس الأعلى في اللائحة السنوية دون المحامي العادي مخالفا لما تنص عليه هذه المادة.
كما نصت هذه القوانين على ضرورة تصحيح الإمضاءات بالنسبة للعقود المحررة من طرف المحامين لدى رئيس كتابة الضبط للمحكمة الابتدائية التي يمارس المحامي عمله بدائرتها وهو ما يتناقض مع مقتضيات الفص 53 و 348 من قانون المسطرة المدنية التي خولت كتابة الضبط صلاحية تسليم نسخ مصادق على مطابقتها للأصل من الأحكام الصادرة عن المحكمة التي يعملون بها ولا تدخل المصادقة على الإمضاءات ضمن اختصاصهم.
كما أن كتاب الضبط لا يمكنهم القيام بكل هذه المهام وإلا سيتطلب منهم الأمر خلق مصلحة جديدة داخل كتابة الضبط.
كما أن إسناد اختصاص المصادقة على الإمضاءات لكتاب الضبط يتعارض مع القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي الذي يجعل اختصاص الإشهاد على صحة الإمضاء لرؤساء المجالس الجماعية، وهو الأمر الذي يجب العمل به في ظل التشريعات العقارية الجديدة أي إسناد اختصاص المصادقة على الإمضاءات بالنسبة للعقود المحررة من طرف المحامين إلى رؤساء المجالس الجماعية وليس لكتاب الضبط.
وإذا كان المشرع المغربي قد أحاط عمليات التعاقد في إطار القوانين العقارية الجديدة بمجموعة من الضمانات، فعلى مستوى بيع العقار في طور الإنجاز مثلا قام بفرض إبرام عقد البيع على مرحلتين عقد ابتدائي أولا ثم عقد بيع نهائي بعد سداد كافة الأقساط المتفق عليها فإن هذا الأمر يجعل المستفيد من العقار مالكا مفترضا لا مالك حقيقيا مما يحول دون توفر عنصر الاطمئنان في الملكية رغم ما يوفره التأمين من ضمانات في هذا الإطار.
أما بالنسبة للقانون رقم 51.00 المتعلق بالإيجار المفضي إلى تملك فهو الآخر يقوم على مرحلتين مثله في ذلك مثل عقد بيع العقار في طور الانجاز ولكن بطريقة أخرى ، حيث يستمر المكتري في أداء الأقساط الشهرية باعتبارها سومة كرائية إلى حين حلول تاريخ الخيار وهنا يكون للمكتري حق الأسبقية في الإقتناء بأدائه لمبلغ محدد مسبقا إلا أن الإشكال المثار في هذا الإطار والذي يؤدي على إضعاف ضمانات هذا القانون هو عدم أحقية المكتري في استرجاع أقساط الكراء المدفوعة مسبقا إذا لم يعد قادرا على الاستمرار في العلاقة التعاقدية.
وإذا كان المشرع المغربي من خلال إصداره القانون 18.00 المتعلق بالملكية المشتركة قد حاول ما أمكن تجاوز الثغرات التي كان يثيرها القانون القديم 16 نونبر 1946 فإن هذا القانون هو الآخر لقي عدة عراقيل ساهمت في عرقلة أهدافه الاقتصادية والاجتماعية وترتبط أساسا بعدم الإلمام الدقيق بهذا القانون وعدم تأقلم الملاك مع هذا النوع الجديد من السكن والعلاقات التي تنجم عنه ، خاصة أمام التحول من العيش في سكن عائلي مستقل إلى سكن جماعي يجمع العشرات من الأسر في عقار مبني واحد.
وهو الأمر الذي دفع البعض إلى الحديث عن جحيم السكن المشترك بسبب كثرة النزاعات الاجتماعية، والصراعات اليومية بين قاطني العمارات تكون أحيانا لأسباب تافهة عنوانها الأبرز ضعف ثقافة الجوار لدى السكان أو رفض بعضهم تسديد مستحقات الحراسة والأمن أو التنظيف والصيانة ، واستغلال السطح أو مواقف السيارات.
ومن ثم يمكن القول مع الأستاذ عبد الحق صافي : إن نجاح فكرة السكن الجماعي ترتبط إلى حد بعيد بتوفير عقلية الملكية المشتركة فكل تجمع يتأثر بسلوك كل واحد من أعضائه، فيجب أن يمتنع كل مالك محل عن فعل ما يعتبره محرما بالنسبة لغيره من الملاك وتمكينهم من فعل ما يعتبره مباحا له.
ويجب كذلك أن يبرهن مجموعة الملاك المشركين عن حسن تفاهم وعلاقات الجوار بينهم على الرغبة في التعاون على عمل مشترك، وتحمل تبعاته بصورة متبادلة.
2 / الإكراهات المرتبطة بإدماج العقار غير المحفظ في حل أزمة السكن والمشاكل المرتبطة بالتمويل :
من المستجدات التي جاءت بها القوانين الجديدة هو إدماجها للعقار غير المحفظ لحل أزمة السكن وهي إن كانت خطوة إيجابية لتجاوز ضعف الرصيد العقاري، إلا أنها لا تخلوا من خطورة، ونظرا لمشاكل التمويل التي لقيها المستثمرون في قطاع السكن فقد أدى ذلك بالمشرع إلى إصدار قانون 10.98 المتعلق بتسنيد الديون الرهنية لتجاوز مشاكل التمويل غير أن هذا القانون انتهى بأزمة في الدول الغربية الأمر الذي أدى إلا إعادة النظر فيه.
أ – إدماج العقار غير المحفظ في حل أزمة السكن :
من المشاكل التي واجهت الساهرين على إعداد القوانين العقارية الجديدة هي ضعف الرصيد العقاري اللازم لتنفيذ أهداف هذه القوانين ، وهو ما دفع الدولة على إدماج العقار غير المحفظ في صلب التنمية للتخفيف من حدة أزمة السكن خاصة وأنه يمثل نسبة مهمة من الرصيد السكني في الدائرة الاقتصادية.
ورغم أهمية هذه الخطوة لأنها تروم إشراك العقار غير المحفظ في صلب التنمية وحل أزمة السكن إلا أنها لا تخلو من مشاكل ومجازفات وذلك نظرا لأنها ترسخ الطابع الإزدواجي في النظام العقاري بين عقار محفظ وغير محفظ في الوقت الذي تتم فيه المناداة بضرورة تعميم نظام التحفيظ العقاري، هذا فضلا عن المنازعات التي تطرحها العقارات غير المحفظة خاصة بما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق وتضارب الآراء والاجتهادات حولها مما جعل منها ضمانة ضعيفة للبنوك في منح الائتمان.
ونعتقد أنه بصدور مدونة الحقوق العينية والتي تطبق على العقارات المحفظة وغير المحفظة ستضع حدا للعديد من المشاكل التي كان يطرحها العقار غير المحفظ.
ب – المشاكل المرتبطة بالتمويل :
إن ضمان تنفيذ القوانين العقارية الجديدة لأهدافها ، وخصوصا المساهمة في حل أزمة السكن يتطلب أساسا توفير السيولة اللازمة للمستثمرين من أجل إنشاء وحدات سكنية وذلك عبر القروض التي تمنحها مؤسسات الائتمان لهم غير أن ارتفاع الطلب على القروض المرتبطة بهذه المشاريع فاقت الموجودات المالية لهذه المؤسسات.
وهو الأمر الذي استدعى التدخل لتوفير احتياطي مالي كاف لإنجاز الوحدات السكنية اللازمة من خلال اعتماد تقنية تسنيد الديون الرهنية التي نظمها المشرع بمقتضى القانون رقم 10.98، هذه التقنية التي تروم إعادة النظر في جمود الضمانات البنكية المرتبطة بالعقار لتوفير سيولة مالية تدعم الائتمان قصد إعادة تمويل القروض السكنية وبالتالي إنعاش قطاع السكن عموما.
فتقنية تسنيد الديون الرهنية، تقوم على الديون الممثلة لقروض مضمونة برهون عقارية من الرتبة الأولى والممنوحة للأغراض التالية:
– تملك المساكن الفردية أو إصلاحها أو توسيعها.
– بناء أو تملك مساكن معدة للاستئجار.
– البناء الفردي للمساكن .
وإذا كان لهذه التقنية أهميتها في حل أزمة السكن فإنها قد أبانت عن عدم فعاليتها في الدول الغربية وانتهت بأزمة للرهن العقاري بدأت بإقدام البنوك على منح قروض دون التأكد ما إذا كان المقترضون يتمتعون بمصداقية ائتمانية.
ونظرا لأن البنوك قد اعتمدت في وثيقة الرهن على أسعار فائدة متغيرة مع مضاعفة أسعارها كغرامة تأخر المدين في الأداء، فقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى توقف عدد كبير من المقترضين عن سداد قروضهم العقارية، فلجأت البنوك إلى الحجز على العقارات وعرضها للبيع.
ولما كانت عدد المحجوزات مرتفعة فقد ساهم ذلك في انخفاض أثمنة العقارات، ومن ثم عدم تمكن البنوك من استرجاع ديونها الأمر الذي عجل بإفلاسها.
ولما كانت البنوك غالبا ما تلجأ إلى تقنية تسنيد الديون الرهنية التي موجبها تبيع القروض في شكل سندات إلى المستثمرين، وتبرم عقود تأمين مع شركات التأمين قصد سداد قيمة السندات في حالة إفلاس البنك ، فإن الأزمة قد انتقلت إلى كل من المستثمرين وشركات التأمين فتعرضوا بدورهم للإفلاس.
كما بقيت الأزمة تنتقل إلى معظم الشركات التي لم تستطع الحصول على قروض لتمويل مشاريعها فكانت النتيجة أزمة مالية عالمية لم تسلم منها حتى أعظم الدول الاقتصادية فكيف الأمر بالنسبة للاقتصاد المغربي الذي ما زال يبني نفسه الأمر الذي يقتضي ضرورة إعادة النظر في تقنية تسنيد الديون الزهنية وفي مسطرة منح القروض من طرف البنوك.