يتم التمييز بين أنواع الدساتير إما من حيث الشكل أي مصدر القواعد الدستورية وإما من حيث طريقة وكيفية تعديلها، فإذا كان هذا المصدر هو النصوص المكتوبة وصف الدستور بانه دستور مكتوب وإذا كان مصدرها هو العرف وصف الدستور بأنه دستور عرفي.
الدساتير المدونة والدساتير العرفية:
يرجع أساس التمييز بين الدستور المدون والدستور العرفي، الى مصدر القواعد القانونية الواردة في الدستور، فإذا كان هذا المصدر مكتوبا نكون أمام دستور مكتوب ، وإذا كان المصدر غير مكتوب أو غير مدون نكون أمام دستور عرفي.
1) الدساتير المدونة :
الدساتير المدونة أو المكتوبة هي تلك التي يضع أحكامها المشرع الدستوري، وتسجل أحكامها وقواعدها في وثيقة رسمية واحدة أو في عدة وثائق ، ويعتبر دستور الولايات المتحدة الأمريكية الصادر سنة 1776 أول دستور مكتوب في العالم، يليه دستور الثورة الفرنسية الصادر سنة 1791 ، وبعد ذلك عمت فكرة الدساتير المكتوبة جل دول العالم، ويرجع السبب في انتشار الدساتير المكتوبة إلى انتشار الفكر الديمقراطي والحركات التحريرية وتقرير مبدأ السيادة الشعبية بهدف الحد من السلطات المطلقة للملوك.
ومن أهم إيجابيات تدوين الدساتير، سهولة الرجوع إلى أحكامها ومقتضياتها، زيادة على تحقيق الثبات والاستقرار لمقتضيات الدستور، وجعل هذه المقتضيات تتمتع بقيمة قانونية تسمو وتعلو على سائر القواعد القانونية الأخرى في الدولة، ويعد الدستور المكتوب أيضا من أهم ضمانات حماية حقوق الأفراد وحرياتهم، كما يعد من أهم معايير الدولة القانونية مع الأخذ طبعا بعين الاعتبار الطريقة وضعه.
وتدوين الدساتير، يضفي على أحكامها أيضا نوعا كبيرا من الوضوح والثبات، ويجعلها في مأمن من تدخل المشرع العادي الذي لا يمكنه المساس بمقتضياتها، حيث أن كل تعديل أو مراجعة لمقتضيات الدساتير المدونة يجب أن يتم بمقتضى الطريقة والإجراءات الخاصة المنصوص عليها في هذه الدساتير.
غير أن تدوين الدستور لا يعني عدم إمكانية وجود قواعد عرفية دستورية إلى جانب الدستور المكتوب، حيث يلعب العرف الدستوري دورا كبيرا إلى جانب الدستور المكتوب في جل الأنظمة الدستورية المعاصرة.
2) الدساتير العرفية:
الدستور العرفي هو ذلك الذي يستمد أحكامه من غير طريق التشريع، أي ذلك الذي تتكون أحكامه وقواعده عن طريق العرف الذي ينشأ تلقائيا دون تدخل من المشرع الوضعي من أجل معالجة أمور ومسائل تتعلق بنظام الحكم في الدولة.
يجب عدم الخلط بين مفهومي العرف الدستوري والدستور العرفي، فالدستور العرفي هو مجموعة من القواعد والأحكام الدستورية التي توجد في إطار دولة لا تتوفر على دستور مكتوب كالدستور الإنجليزي مثلا.
أما العرف الدستوري فيراد به مجموع القواعد الدستورية العرفية التي توجد إلى جانب القواعد الدستورية المكتوبة في إطار دولة لها دستور مكتوب ويجب أن تتوفر في العرف الدستوري مجموعة من الشروط والأركان أهمها الركن المادي بما يقتضيه من شروط مثل التكرار والعمومية والثبات والمدة الوضوح،
ثم الركن المعنوي الذي يعني الإيمان بإلزامية العرف الدستوري وبترتيب الجزاء عن كل مخالفة لمقتضياته وقد يكون العرف الدستوري، إما عرفا مفسرا، أو مكملا، أو منشئا أومعدلا، وهناك نقاش قانوني وفقهي كبير بخصوص العرف الدستوري.
ويعد الدستور الإنجليزي أبرز مثال للدستور العرفي، غير أن وجود دستور عرفي في إطار دولة ما لا يحول دون إمكانية وجود بعض القواعد والأحكام الدستورية المكتوبة والمقننة بمقتضى قوانين دستورية مكتوبة كما لا يحول الدستور العرفي دون إمكانية تدوين وكتابة مجموعة من القواعد العرفية الدستورية، هذا مع العلم بأن تدوين تلك القواعد لا يسبغ عليها صفة الدستور المكتوب.
ويعتبر هذا التقسيم بين أنواع الدساتير المبني على شكلها أو مصدرها، تقسيما نسبيا، غير مطلق مبني على الأغلب الأعم من القواعد الدستورية في بلد من البلدان فمن ناحية، إن وصف دستور دولة ما بأنه” عرفي” لا يمنع من وجود بعض القواعد الدستورية المدونة في وثيقة مكتوبة واحدة أو وثائق متعددة كما أن الدستور ” المكتوب” لا يتناقض مع وجود قواعد دستورية نشأت عن العرف إلى جانب النصوص المكتوبة، تسد ثغراتها وتضيف إلى أحكامها.
ويؤكد الفقه على دور العرف في دول الدساتير المكتوبة حيث أنه “أي العرف” من شأنه أن يخفف من جمود الدستور ويجعله متلائما مع ما يحدث من تطورات اجتماعية وسياسية واقتصادية ، ولهذا فهذا التقسيم في واقع الأمر وحقيقة الحال قد فقد أهميته نتيجة أخذ جل الدول بفكرة الدساتير المكتوبة، تكاد تكون إنجلترا هي المثل الوحيد للدستور غير المدون، هذا مع العلم بأنها تتوفر على مجموعة من القواعد الدستورية المكتوبة.
الدساتير المرنة والدساتير الجامدة:
يتأسس هذا التقسيم على أساس طريقة أو أسلوب تعديل الدساتير، فإذا كانت تتطلب إجراءات خاصة لتعديلها، فهي تعد دساتير جامدة، وإذا كانت لم تتطلب أية إجراءات خاصة في ذلك فهي دساتير مرنة، وتتجلى قيمة وأهمية هذا التقسيم في مجال الرقابة على دستورية القوانين.
1) الدساتير المرنة:
يعرف الدستور المرن بأنه ذلك الدستور الذي يمكن تعديله ومراجعته دون اتباع إجراءات خاصة مختلفة عن تلك التي تتبع في حالة القوانين العادية، وبعبارة أخرى الدستور المرن هو ذلك الدستور الذي يمكن للبرلمان تعديله بنفس الإجراءات التي يعدل بها التشريعات العادية التي يصدرها ، وكنتيجة لذلك فقواعد الدستور توجد في نفس المرتبة القانونية إلى جانب القانون العادي فلا فرق بينهما من حيث القيمة القانونية.
ويعتبر الدستور الإنجليزي من أهم أمثلة الدساتير المرنة في العصر الحديث، حيث أن البرلمان الإنجليزي يستطيع أن يغير قواعد الدستور بنفس الطريقة التي يعدل بها القوانين العادية، غير أن ما يجب الانتباه إليه هو أنه ليس هناك أي تلازم حتمي بين الدساتير العرفية والدساتير المرنة، فليست كل الدساتير العرفية، دساتير مرنة.
كما أن التفريق والتمييز بين الدساتير الجامدة (الصلبة) والدساتير المرنة ، يستتبع التذكير بأن التمييز بين القوانين العادية والقوانين الدستورية، لا يتحقق إلا بالنسبة للدساتير الصلبة، أما في الدول ذات الدساتير المرنة فإن هذه التفرقة ليست لها أية قيمة قانونية، كما أن هذا التفريق لا يتخذ أساسا له موضوع أو محتوى القاعدة القانونية، بل الشكل الذي وضعت به والذي ستعدل على أساسه.
وبصفة عامة فالدول ذات الدساتير المرنة هي التي لا تقيم أي ترتيب هرمي وتسلسلي بين القواعد القانونية الدستورية والقواعد القانونية العادية، بل تجعلهما في نفس المرتبة ويتمتعان بنفس القيمة القانونية، ويعدلان بنفس الإجراءات والشروط، وفي إطار هذه الدول لا تطرح مسألة مراقبة مدى دستورية القوانين.
2) الدساتير الجامدة :
تسمى أيضا بالدساتير الصلبة، ويقصد بها الدساتير التي لا يمكن تعديل مقتضياتها باتباع نفس الإجراءات التي تعدل بها القوانين العادية، وإنما تتطلب ضرورة اتباع إجراءات خاصة منصوص عليه في الدستور ذاته، وتختلف عن تلك المتبعة لتعديل القوانين العادية ويترتب عن ذلك أن القوانين العادية لا يمكنها أن تعدل مقتضيات الدستور.
وتتجلى أهمية إتباع مسطرة خاصة في تعديل هذه الدساتير، في الرفع من شأن الدساتير الصلبة و صيانة مضمونها والمحافظة على مبدأ تدرج القوانين Hierarchie des Lois لأن في هذه الدول لا يتم اعتماد واحترام الترتيب الهرمي للقواعد القانونية المعمول به حاليا في أغلب الأنظمة الدستورية المعاصرة، والذي يجعل القواعد تتسلسل من حيث قيمتها ومرتبتها القانونية على الشكل الآتي: أولا “الدستور” ، ثانيا “القوانين التنظيمي” ، وثالثا “القوانين العادية” ، ورابعا “المراسيم” و خامسا “القرارات”.
ويترتب على اعتماد هذا الترتيب الهرمي إعمال مبدأ الرقابة على دستورية القوانين الذي يعد من المقومات الأساسية للدساتير المكتوبة والصلبة، وتتجسد هذه الأهمية أيضا في استحالة خرق المشرع العادي للدستور، عبر مراجعته أو تعديله بقانون عادي … بسبب سمو القاعدة الدستورية على القاعدة القانونية، وبحكم أن الشرعية الدستورية تقتضي أن يعدل ويراجع الدستور الصلب وفق المسطرة التي يوضع بها أصلا.
وتعد الدساتير الجامدة، أسمى قانون في الدولة، وهي فوق الجميع، ويجب على الجميع حكاما ومحكومين الالتزام بمقتضياتها وهي أيضا من أهم ضمانات حقوق الأفراد وحرياتهم، ومن أهم دعائم ومقومات دولة القانون. L’Etat de Droit ، ومن أمثلة الدساتير الجامدة دستور المملكة المغربية والدستور الحالي للجمهورية الفرنسية، ودستور الولايات المتحدة الأمريكية، وأمام كثرة إيجابيات ومزايا هذا النوع من الدساتير فقد رجحه أغلبية فقهاء القانون الدستوري على غيره من الدساتير ولهذا اخذت به معظم الدول المعاصرة.