لقد استأثر موضوع القانون الدستوري باهتمام الكثير من الدارسين والفلاسفة والباحثين، وكان من نتائج هذا الاهتمام تعدد وجهات النظر في هذا الموضوع . وقد أدى هذا الأمر إلى وجود عدة تعاريف أعطيت لمصطلح القانون الدستوري وتختلف هذه التعاريف في مضمونها بالنظر لاختلاف الزوايا التي يتم من خلالها النظر إلى موضوع الدراسة وعموما فقد تبنى الفقه عدة معايير لتعريف القانون الدستوري وهي : المعيار التاريخي والمعيار اللغوي والمعيار الشكلي ثم المعيار الموضوعي.
وبالرجوع إلى محتويات التعاريف التي أعطيت لمصطلح القانون الدستوري بناءا على هذه المعايير، يمكن القول بأن المعايير الثلاثة الأولى وهي : المعيار التاريخي والمعيار اللغوي ثم المعيار الشكلي، هي معايير منتقدة، تجانب الصواب، ولا تصلح كأساس لإعطاء تعريف دقيق لمفهوم القانون الدستوري.
ويبقى المعيار الموضوعي هو المعيار المفضل من قبل أغلبية الفقه القانوني وطبقا لهذا المعيار، فجميع الموضوعات المتعلقة بنظام الحكم تعتبر دستورية ومن اختصاص القانون الدستوري سواء وردت في الوثيقة الدستورية أم لم ترد فيها، وهذا يعني أن القانون الدستوري لا يهتم فقط بالمؤسسات المنصوص عليها رسميا بمتن الدستور، بل يتعداها ليشمل القوى المجتمعية الأخرى، أو ما يسمى أحيانا بالهيئات الواقعية.
فموضوع القانون الدستوري إذن هو الدولة والحكم، وتنظيم العلاقات بين من يتولون في المجتمع السياسي مهمة التسيير والقيادة، وبين من هم موضوع التسيير والقيادة، أو بعبارة أخرى بين الحاكمين والمحكومين وعلى هذا الأساس يمكن تعريف القانون الدستوري بأنه مجموعة القواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة، وترسم قواعد الحكم فيها وتضع الضمانات الأساسية لحقوق الأفراد، وتنظيم سلطاتها العامة، مع بيان اختصاصات هذه السلطات.
وكخلاصة لما سبق يمكن القول بأن القانون الدستوري هو مجموع القواعد القانونية المتعلقة بشكل الدولة وبطبيعة نظام الحكم فيها، وباختصاص السلطات العامة، وعلاقاتها ببعضها من جهة وعلاقاتها مع الجماعات والأفراد من جهة ثانية حفاظا على حقوق وحريات المواطنين. وإذا كانت القاعدة القانونية تتميز بارتباطها واقترانها بعنصر الجزاء الذي يكفل إطاعتها واحترامها، الشيء الذي يجعلها متميزة عن غيرها من القواعد الأخرى كقواعد الأخلاق والآداب، فإن الخلاف قد ثار بخصوص طبيعة قواعد القانون الدستوري، هل تتميز هذه القواعد بوجود جزاء يضمن احترامها والامتثال لأحكامها أم لا؟
يتحدث الأستاذ عبد الهادي بوطالب عن هذا الخلاف في ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: استخلص استنتاجا سلبيا أكد بمقتضاه أن القانون الدستوري ليست له طبيعة قانونية وأنه مجرد قواعد أدبية لا إلزام لها، ولا يترتب على مخالفتها أي جزاء.
الاتجاه الثاني: يؤكد الطبيعة القانونية للقانون الدستوري، ومن أجل ذلك يلغي من تعريف القانون ركني الجزاء والإلزام ليندمج فيه القانون الدستوري.
الاتجاه الثالث: وهو أوجه الاتجاهات أكد الطبيعة القانونية للقانون الدستوري مع اشتراط ركني الجزاء والإلزام في تعريف القانون.
ونخلص إلى تأكيد الطبيعة القانونية للقانون الدستوري، وإلى كون قواعده تتمتع بجميع خصائص القانون، فقواعد القانون الدستوري هي قواعد اجتماعية عامة ومجردة، وهي أيضا قواعد ملزمة، وكل مخالفة لها أو انتهاك لمقتضياتها يترتب عنه جزاء.