موانع الإرث
المانع لغة الحائل بين شيء وشيء آخر. و اصطلاحا ما يلزم من وجوده عدم الحكم، مع قيام السبب وتحقق الشرط ولا يلزم من عدمه وجود الحكم ولا عدمه لذاته، فالمانع وصف بمقتضاه ينتفي الإرث عن الشخص الذي قام به سببه، ومن قام به مانع من موانع الإرث يعتبر محجوبا بالوصف ،وقد أشارت مدونة الأسرة إلى موانع الإرث في المواد 328 و 331 و 332 و 333.
الشك:
تحدثت المدونة عن مانع الشك في المادة 328 بقولها: “إذا مات عدة أفراد وكان بعضهم يرث بعضا، ولم يتم التوصل إلى معرفة السابق منهم. فلا استحقاق لأحدهم في تركة الآخر، سواء كانت الوفاة في حادث واحد أم لا”.
فهذه المادة صريحة في أن جهل موت السابق من اللاحق من الورثة، سواء كان الموت بسبب حادث سير، أو بسقوط هدم أو غرق أو غير ذلك، فلا إرث بينهم، لعدم علم من مات أولا ممن مات أخرا، والقاعدة الشرعية: “لا ميراث مع الشك”.
فجهل التأخير والتقدم في الموت من موانع الإرث، فكل واحد من الجماعة التي ماتت يرثها من هو حي من ورثته.
فلو مات رجل وزوجته وثلاثة بنيه من زوجته المذكورة، تحت هدم أو غرق أو قصف، وجهل السابق منهم، وترك الأب زوجة أخرى، وتركت الزوجة الهالكة ابنا لها من غير زوجها الهالك معها، فللزوجة الربع (1/4) وما بقي للعاصب، ومال الزوجة الهالكة لابنها الحي من غير زوجها الهالك معها.
عدم الاستهلال:
أشارت إلى هذا المدونة في المادة 331 ” لا يستحق الإرث إلا إذا تبثث حياة المولود بصراخ أو رضاع ونحوهما”.
إذا ولد الجنين ميتا لم يرث ولم يُورث، وإذا ولد حيا وعلمت حياته بعد وضعه بصراخ أو حركة بيئة، أو عطاس صاحبه خروج الريح، ورث وورث.
ولا يخفى أن هذه المادة تتضمن الإشارة إلى مانع من موانع الإرث وهو عدم الاستهلال، وقد سبقت الإشارة إلى هذا عند الحديث عن الشرط الثاني من شروط الإرث.
اختلاف الدين:
نصت المادة 332 على ما يلي: “لا توارث بين مسلم وغير مسلم، ولا بين من نفى الشرع نسبه”.
فلا توارت بين مسلم وغير مسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يرث المسلم الكافر) فأهل الملل لا نرثهم ولا يرثوننا، وهذا مذهب جمهور الصحابة والأئمة الأربعة. أما ارث المسلم من غير المسلم، فقد كرس الجمهور نفس المبدأ وهو منع التوريث عملا بعموم الأحاديث، وخالفهم في ذلك معاذ بن جبل، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن المسيب، والإمامية.
فالاختلاف في الدين عند جمهور الفقهاء يمنع التوارث متى تحقق وجوده وقت موت الموروث، فإذا زال هذا المانع قبل قسمة التركة، فالحنابلة والامامية، يرون أن هذا الاختلاف لا يمنع الميراث.
إن الوارث إذ كان مخالفا في الدين لموروثه لا يرث، لأن المخالفة في الدين مانعا من الإرث، فلا يرث غير المسلم المسلم ، وكذا لا يرث المسلم غيرالمسلم، لا بقرابة ولا بزواج. وبعض القوانين تعبر باختلاف الديار كما في المادة 6 من قانون الأحوال الشخصية المصري: لا توارث بين مسلم وغير مسلم”.
ويتوارث غير المسلمين بعضهم من بعض، واختلاف الدارين لا يمنع من الإرث بين المسلمين، ولا يمنع بين غير المسلمين، إلا إذا كانت شريعة الدار الأجنبية تمنع من توريث الأجنبي عنها”.
أما المشرع التونسي فحصر موانع الإرث في القتل العمد فقط، وهو السبب الذي خصه بالذكر بعينه، مما يعني إقصاءه لغيره من الموانع.
جاء في الفصل 88 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية: “القتل العمد من موانع الإرث، فلا يرث القاتل سواء أكان فاعلا أصليا أم شريكا أو كان شاهد زور أدت شهادته إلى الحكم بالإعدام وتنفيذه”.
فالمشرع التونسي كرس حرية المعتقد بموجب الفصل الخامس من الدستور التونسي، والفصل الثامن عشر من العهد الدولي، كما أن الفصل الرابع من مجلة الالتزامات والعقود التونسية نص على أن ” اختلاف الأديان لا يترتب عليه فرق في أهلية التعاقد”.ونص الفصل 174 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية على انه “تصح الوصية مع اختلاف الدين بين الموصي والموصى له” .
اللعان:
وهو مراد المدونة بقولها: ” ولا بين من نفى الشرع نسبه” فإذ تم اللعان بين الزوجين، انتفى عن الملاعن الذي لاعن فيه، ولم يبق بينهما نسب، فلا يتوارثان، إذ لا أب لابن اللعان، لانقطاع نسبه لأبيه باللعان، وانتفاء الارث باللعان هو لأجل انتفاء سببه، وهو الزوجية، فنسبه لامه ثابت لثبوت الواقعة المادية وهي واقعة الولادة، فهو لا يرث إلا أمه وأخاه من أمه، والسدس أقصى ما يرثه فيها، وهي ترثه إن مات.
الزنا:
لا توارث بين الزاني وولد الزنا، إذ لا نسب شرعيا بينهما، نعم يرث ولد الزنا أمه وترثه بلا خلاف.
والملاحظ أن مدونة الأحوال الشخصية الملغاة كانت تنص على هذا المانع، أي مانع الزنا بصريح النص 228 ” … ولا بين ولد الزنا والزاني”، في حين أن مدونة الأسرة غيرت المبنى واحتفظت بالمعنى من خلال إعادة صياغة المادة 332 التي أشارت إلى هذا المانع بقولها: “… ولا بين من نفى الشرع نسبه”.
وحاصل القول في هذه المسألة، هو أن جمهور الفقهاء ذهبوا إلى أن نسب ولد الزنا يثبت من أمه فقط، وقالوا إن النسب نعمة والزنا جريمة، فلا يصح أن تكون سببا لنعمة ثبوت النسب. وقد خالف في ذلك الإمام إسحاق ابن راهويه أحد شيوخ الإمام مالك فقال: انه يثبت نسبه منه إذا إستلحقه به، ولو صرح بأنه ابن له من الزنى واختار هذا القول الإمام ابن تيمية، ورواية عن الإمام أبي حنيفة والحسن بنسيرين، وذلك حرصا على الولد، وحفاظا له من الضياع.
ونص الفصل 152 من مجلة الأحوال الشخصية التونسية صراحة على انه: ” يرث ولد الزنا من الأم وقرابتها وترثه الأم وقرابتها”. وعلاقة بهذا الفصل صدر القانون عدد 75 لسنة 1998 والذي أكد فيه المشرع التونسي أن البنوة الطبيعية هي التي لا تستند إلى زواج، ورتب عن ذلك الآثار القانونية، منها اللقب العائلي والنفقة والحضانة والولاية دون الميراث، وقبل صدور هذا القانون لم يعتن المشرع التونسي بمسالة البنوة الطبيعية، أو البنوة خارج إطار الزواج.
وللنسب الأصيل مكانة في الإسلام، فهو في قمة المكونات الإنسانية من المنظور الشرعي، لذا اعتبر جمهور الفقهاء، غير الحنفية النسب أحد عناصر الكفاءة بين الزوجين، لما له من انعكاس على الأولاد والآباء والأمهات والأسرة نفسها .
ونشير إلى أن أغلب التشريعات الغربية قد تأثرت بالديانة المسيحية التي تخول إلحاق الابن الطبيعي بنسب أبيه، فيثبت له الحق في النفقة دون الحق في الميراث، وينقسم الأولاد حسب القوانين الأوربية في زمننا هذا إلى ثلاثة أقسام: الولد الشرعي. الولد بالتبني. الولد الطبيعي.
وقد تحدث القانون المدني الفرنسي عن الصفات المطلوبة للإرث، وفي إثبات صفة الوارث، من خلال المواد 725 إلى 730-5 وفي مسألة مانع اختلاف الدين نقاش فقهي ليس هذا محله.
القتل:
وهو ما نصت عليه المادة 333 من مدونة الأسرة بقولها: “من قتل موروثة عمدا، وإن أتى بشبهة، لم يرث من ماله، ولا ديته، ولا يحجب وارثا. من قتل موروثة خطأ ورث من المال، دون الدية وحجب”.
تناولت هذه المادة الكلام عن واحد من موانع الإرث، وهو القتل العمد العدوان، وبهذا تكون مدونة الأسرة المغربية قد سايرت ما اتفق عليه جمهور الفقهاء، فهي لم تحد على هذا الاتفاق الحاصل في الفقه الإسلامي، فما ذكرته المدونة هنا هو المقرر في الفقه المالكي، قال الشيخ خليل في مختصره الفقهي: ” ولا قاتل عمدا عدوانا وإن أتى بشبهة بمخطئ من الدية”.
فالقتل نوعان عمد وخطأ. فالقاتل عمدا أو عدوانا لا يرث أصلا، لا من المال الذي كان يملكه موروثة قبل القتل، ولا من المال الذي يدفعه القاتل صلحا ودية عن القتل إن رضي أهله بذلك. وسواء كان للقاتل شبهة أم لا، فإذا أتى بشبهة ترفع عنه الحد والعقاب، مثل دعوى الأب حيث رمى ابنه بحديدة أو نحوها فقتله، أنه قصد تأديبه ولم يقصد قتله، فهذه شبهة ترفع الحد عن الأب فقط ولكنه لا يرث من ابنه شيئا، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يرث القاتل”. أما لو قتل موروثه خطأ، أو الجاري مجراه، فإنه يرث من المال الذي كان عنده قبل القتل، ولا يرث من الدية التي تحكم بها المحكمة لفائدة الورثة.
وإنما منع القاتل من الميراث، لأجل الفعل الذي قصده، واستعجاله الحصول على الميراث بارتكابه وسيلة غير مشروعة، وهي قتل مورثه بغير وجهه ،للقاعدة الشرعية: “من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه”.
فكل من استعجل الحصول على شيء قبل حلول وقت سببه الشرعي وسلوكه وسائل غير مشروعة، أو مشروعة في الظاهر، ولكن بقصد غيرمشروع، فانه يحرم من الحصول على ذلك الشيء، عقابا له، أو معاملة له بعكس قصده السيئ.
ورغم الاتفاق الفقهي المبدني حول اعتبار القتل مانعا من موانع الإرث فإن ذلك التطابق التام بين مختلف الآراء الفقهية، فالفقهاء اتفقوا حول المبدأ، واختلفوا حول التفاصيل والجزئيات المتعلقة بمفهوم القتل المانع من الإرث، فالمالكية اعتبروا أن القتل المانع من الإرث هو القتل العمد العدوان، سواء كان بطريق المباشرة أو التسبب، أما الأنواع الأخرى من القتل، وهي التي لا يجب فيها القصاص أو الدية، لا تعتبر مانعة من الميراث كالقتل بحق. وكذا القتل من غير المكلف، كالمجنون والمعتوه أو الصبي الذي لم يبلغ الحلم، لا يمنع من الميراث.
ونشير إلى أن الأحكام التي تبناها الفقه المالكي، بخصوص مسألة القتل كمانع من موانع الوارث، تتطابق إلى حد كبير مع ما تبنته كثير من التشريعات العربية والغربية، فمن التشريعات العربية المشرع المصري في المادة الخامسة من ق. ح. ش.” من موانع الإرث قتل المورث عمدا ….”
والفصل الثامن والثمانون من م.ح.ش. التونسية ” القتل العمد من موانع الإرث…”.
والفصل مائة وخمسة وثلاثون من ق ح ش الجزائري، والفصلان مائتان وثلاثة وعشرون، ومائتان وأربعة وستون من ق ح ش السوري.
ومن التشريعات الغربية التشريع الفرنسي في المواد 725 إلى 730-5 المشار إليها سابقا.
وحاصل القول في هذه المسألة، هو أن مدونة الأسرة المغربية، رغم صراحة المادة 333 في إقرار القتل المانع للإرث، فقد أثارت سؤالين، الأول يتعلق بالمحاولة، والثاني يتعلق بالوضع القانوني للقاتل، هل يؤثر في الورثة الآخرين أم لا؟
فبخصوص السؤال الأول نرى بان المادة المذكورة تشمل كل من توفر فيه القصد الجنائي، كما تشمل المشارك والأمر به، وفاعل القتل باختياره، وإذا وقع شك في القتل هل هو خطا أم عمد يحمل على العمد، ويلحق بالقتل الخطأ، القتل نتيجة بعض الألعاب الرياضية، والقتل بسبب حادث سير يفاجأ به الراكب.
كما يمكن القول بان مانع القتل هو نقطة التقاء اغلب القانون الغربية بالفقه الإسلامي بوجه عام، والفقه المالكي بوجه خاص، أما بقية الموانع الأخرى فمازالت موضع جدل واختلاف.
وتسهيلا من الفقهاء على الطلبة في استيعاب هذا العلم، وضبط مسائله وتحصيلها، وضعوا مصطلحات ورموزا ذات دلالة فقهية ومنها رمزهم لموانع الإرث بقولهم: ” عش لك رزق “. (ع: عدم الاستهلال، ش: الشك ل: اللعان ك: الكفر و: الرق. قبل إلغائه، ز: الزنا).
ومما تقدم نرى أن جزاء عدم الأهلية للإرث كعقوبة مدنية ذات طبيعة شخصية، ينبغي تفسيرها تفسيرا ضيقا، بحيث لا يمكن أن تمتد إلى ابعد مما تضمنته النصوص الشرعية والتشريعية.