المجال الأسريقانونيات

الآثار المالية للحضانة

تترتب على إسناد الحضانة عدة آثار ذات طابع مالي. فخلال الزواج، تعتبر الحضانة من واجبات الأبوين ويبقى الأب هو المكلف بالإنفاق على الأم والأولاد طبقا لمقتضيات كل من المادتين 194 و 189 من مدونة الأسرة. وإذا انقضت العلاقة الزوجية وأسندت الحضانة إلى الأم، فإنها تستحق أجرة الحضانة وأجرة الرضاع، كما أن المحاكم تقضي للأولاد بتوسعة الأعياد وكذلك بتوفير سكني لهم.

1 – أجرتا الحضانة والرضاع

لا تستحق الأم أجرة الحضانة في حال قيام الزوجية أو خلال عدة الطلاق الرجعي لأن الزواج في هذه الحالة يبقى قائما حكما وبالتالي تبقى المطلقة على ذمة مطلقها ولا تنتهي العلاقة الزوجية إلا بخروجها من عدتها ومن ذلك التاريخ أي بعد العدة تستحق أجرة حضانتها عن أبنائها. أما في حالة الطلاق أو التطليق وإسناد الحضانة إلى الأم أو لغيرها من النساء (كأمها)، فإن أجرة الحضانة ومصاريفها تقع على المكلف بنفقة المحضون وهي غير أجرة الرضاعة والنفقة.

وتستحقها الحاضنة من تاريخ صدور الحكم بها وكذلك أينما حلت وارتحلت، سواء كانت تعيش بالمغرب أو خارجه، بمعنى أنها تستحق أجرة الحضانة طالما تحمل هذه الصفة كحاضنة. فالمشرع عندما اعتبر هذا الاختلاف بين أجرة الحضانة وغيرها، فإنه كان يقصد من وراء ذلك استقلال الخدمة التي تقدمها الحاضنة لمحضونها وعدم اختلاطها مع غيرها من الواجبات.

فاستحقاق الحاضنة لأجرة الحضانة يستلزم الأداء الفعلي لهذه الخدمة، أي أن يكون المحضون في كنفها لأنه في بعض الأحوال تسند الحضانة إلى الأم وتهاجر خارج أرض الوطن تاركة المحضون لأحد أفراد أسرتها كأمها أو أختها أو خالتها، الأمر الذي يدفع الأب إلى المطالبة بإسقاط الحضانة عنها، فثبوت مكوث المطلوب نفقته وأجرة حضانته مع والده طيلة فترة معينة يحول دون أحقية الأم في المطالبة بذلك، ويبرر طلب الأب بإسقاطها والمحكمة لما قضت برفض طلب إسقاط نفقته وحضانته عن هذه المدة تكون قد حملت الطاعن الواجب مرتين وأقامت بذلك قضاءها على غير أساس، إذ لا فرق أن يكون التواجد عند والده مبرراً أو غير مبرر،

كما أن بلوغ المحضون سناً متقدماً (16 سنة مثلا) يجعله قادراً على خدمة نفسه لأنه من المقرر فقها أن مناط استحقاق أجرة الحضانة هو الخدمة المقدمة للمحضون لعجزه عن ذلك عملا بقول الشيخ خليل: ” ولا شيء لحاضن لأجلها”.

غير أن المشرع لم يتطرق في مدونة الأسرة إلى طلب الزيادة في أجرة الحضانة، ولكن مع تقدم المحضون في السن، فإن بعض الخدمات التي تقدمها الأم الحاضنة يستغنى عنها تدريجياً حيث يصبح المحضون قادراً على القيام بها شخصياً دون الاعتماد في ذلك على غيره (الأكل والشرب…)، أي أن مجهود الأم الحاضنة يتقلص ويصبح المحضون ذكراً أو أنثى مستقلا بشؤونه وبالتالي يكون طلب الزيادة في أجرة الحضانة غير مبرر، ما عدا إذا ظهرت بالمحضون إعاقة تستوجب أعباء إضافية مما يخول للأم الحاضنة طلب الزيادة في أجرة الحضانة.

وسكوت الحاضنة عن طلب أجرة الحضانة منذ تاريخ الطلاق وعدم وجود مايبرر سكوتها طيلة هذه المدة يجعلها في حكم المتبرعة، ولقد نقضت محكمة النقض القرار الإستئنافي الذي قضى بهذه الأجرة منذ وقوع الطلاق إلى تاريخ الطلب بعلة أنها لا تتقادم دون بيان السند القانوني الذي اعتمدت عليه المحكمة في هذا القرار(قرار 21 فبراير 2007، مجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 68) .

فأجرة الحضانة التي لم تطالب بها الحاضنة خلال وقتها تدخل في حكم المتبرعة بها ولا يقضى لها بهذه الأجرة إلا من تاريخ رفع الدعوى (قرار 11 نونبر 2016 ) وليس عن المدة السابقة على تاريخ رفع المقال الافتتاحي، غير أن أداء أجرة الحضانة ينتهي ببلوغ المحضون سن الرشد القانوني أو بإتمام الخامسة والعشرين بالنسبة لمن يتابع دراسته، كما أن زواج الأم الحاضنة يعفي الأب من أجرة الحضانة بل حتى من تكاليف سكنى المحضون.(المادة 175 من مدونة الأسرة).

وإضافة إلى ما سبق، تستحق الأم الحاضنة كذلك أجرة عن الرضاع متى طلقت،(انظر المادة 196 من مدونة الأسرة) لأن المادة 54 من مدونة الأسرة تقضي بأن من الحقوق الواجبة على الأم إرضاعها لأطفالها عند الاستطاعة، مما يعني إسقاط أجرة الرضاع بعدم الاستطاعة.

غير أن المشرع قد سكت عن تبيان كيفية تقدير كل من أجرة الحضانة وأجرة الرضاع، بل ترك المسألة ضمن مجال السلطة التقديرية لقاضي الموضوع، مالم يكن هناك اتفاق بشأنهما بين الحاضنة والأب، كما أنه ليس هناك ما يمنع من التبرع بأجرة الحضانة أو الرضاع، وليس هنالك ما يمنع أيضا من جعلهما مقابلا للخلع.

وبخصوص نفقة المحضون، نصت المادة 167 من مدونة الأسرة على استقلال النفقة عن أجرة الحضانة وعن أجرة الرضاع، غير أنه بالرجوع إلى المقتضيات الخاصة بالنفقة نجد أن المشرع قد نظم نفقة الأب على أولاده (المواد من 198 إلى 202)، بالإضافة إلى الأحكام المضمنة في المواد من 187 إلى 193 من مدونة الأسرة، وكما يمكن للأم أن تخالع بأجرة الرضاع وبأجرة الحضانة، يمكن لها أيضا أن تخالع بنفقة أولادها إن كانت موسرة(المادة 119 من مدونة الأسرة).

وبالإضافة إلى هاتين الأجرتين، غالبا ماتقضي المحاكم بتوسعة الأعياد ضمن الضروريات المنصوص عليها في المادة 189 من المدونة وذلك بالرغم من غياب نص فيها، ويمكن الحكم بهذه التوسعة الخاصة بالأعياد الدينية فقط مستقلة عن مشتملات نفقة الأولاد أو مدمجة بها، علماً بأنه يجب إبرازها في الحكم كسائر مشتملات النفقة وذلك لتفادي كل التباس أو إيهام.

2 – سكنى المحضون:

لم يعد يعتبر سكنى المحضون عنصرا من عناصر النفقة، بل أصبحت تكاليف السكنى مستقلة في تقديرها عن النفقة وأجرة الحضانة وغيرهما. ولقد ذهبت محكمة النقض إلى أن استحقاق تكاليف سكنى المحضون ورد في المادة 168 من مدونة الأسرة مطلقا دون تقييد بسن معين للمحضون مراعاة لحقوقه. فعلى الأب أن يهيء لأولاده محلا لسكناهم أو أن يؤدي المبلغ الذي تقدره المحكمة لكرائه مراعية في ذلك أحكام المادة 191 وما بعدها، ولا يفرغ المحضون من بيت الزوجية إلا بعد تنفيذ الأب للحكم الخاص بسكنى المحضون، تفاديا لتعريضه للتشرد والضياع.

فالأحقية في سكنى الحضانة مقررة لفائدة جميع الأولاد الذين هم في سن الحضانة، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، لا فرق في ذلك بين انحلال ميثاق الزوجية سواء بالطلاق أو التطليق أو الفسخ، كما أن المشرع فرض للمحضون واجب السكنى بدون تمييز في السن لأن المادة 168 من المدونة لما اعتبرت سكني المحضون مستقلة في تقديريها عن النفقة وأجرة الحضانة، لم تشترط في المحضون سنا معينا حتى يستفيد من هذا الحق بل جاءت على إطلاقها دون قيد ولا شرط، وفي ذلك مراعاة لحقوق المحضون، بمعنى أن المحضون، سواء كان رضيعاً أو غير رضيع، تنطلق تكاليف سكناه وجوباً على أبيه من ولادته إلى حين بلوغه سن الرشد القانوني للذكر والأنثى على حد السواء (18 سنة)،

غير أن بعض محاكم الموضوع خرجت عن هذا الاتجاه وتبنت إجتهاداً ضيقاً ومخالفاً لمقتضيات المادة 168 من مدونة الأسرة عندما قضت بأن ” مسكن الرضيع المحضون في مدة الرضاع هو حجر أمه ولاحق للحاضنة – سواء أما أو غيرها في تكاليف سكنى الرضيع المحضون”( مثلا محكمة الإستئناف بالجديدة، قرار صادر بتاريخ 18 يناير 2005) ، ولكن محكمة النقض نقضت القرارات التي تبنت هذا التأويل حيث ذهبت إلى القول إن القرار المطعون فيه لما قضى برفض طلب واجب سكن المحضون بعلة أنه لازال في حضن أمه معتمدة في ذلك الإجتهاد حيث لا اجتهاد مع النص، تكون قد خرقت القانون ولم تجعل لقضائها أساساً سليماً”( قرار مؤرخ في 7 دجنبر 2005).

كذلك سبق لمحكمة النقض أن قضت بعدم إفراغ المحضون من بيت الزوجية إلا بعد تنفيذ الأب للحكم الخاص بسكنى المحضون، كما أنها قضت أيضاً بأن البنت لا تعتبر محتلة لبيت أبيها دون سند قانوني ولا هي ملزمة قانوناً باللجوء إلى القضاء للمطالبة بالحق في السكني، بل يكفيها الدفع بحقها في الدعوى الرامية إلى حرمانها منه لا سيما أن الأب لم يضع رهن إشارتها مسكناً بديلا أو أدى لها الأجر الكافي لتكتري به مسكناً آخر،( قرار صادر بتاريخ 19 يناير 2005) كما أن الحاضنة تستمد شرعية تواجدها ببيت مطلقها بعد انتهاء العدة من كونها حاضنة لأبنائها القاصرين من مطلقها ولا محتلة له.

فالمادة 168 من المدونة تقضي باستقلالية واضحة بين مصاريف سكنى المحضون وبين أجرة النفقة والحضانة وغيرها من التكاليف الأخرى، كما أنها لم تتطرق إلى أحقية الحاضنة في الاستفادة من السكن، ولكن ما دامت الحضانة تعني خدمة المحضون من طرف الحاضنة بكيفية مستمرة، فإنه لا يتصور أن يكون لهذه الأخيرة مسكناً مستقلاً عن مسكن المحضون، بل تكون الحاضنة ملازمة لهذا الأخير وبالتالي تستفيد معه بالتبعية من السكن المخصص له دون أن تساهم في تكاليفه فالحاضنة تقاسم المحضون في السكن الذي أعده الأب عينياً، أو بأداء مستحقاته الكرائية دون استغلاله في أغراضها الشخصية أو التنازل عنه للغير، بل يمنع عليها القيام بما يمكن أن يتعارض مع مصلحة المحضون.

ويلاحظ أن مضمون التزام الأب بسكنى المحضون تتحكم فيه سلطة القضاء، حيث أصبح الأب مخيرا بين إعداد سكن خاص بأولاده وأمهم الحاضنة عليهم، أوأداءه لهم مقابل الكراء الذي توافق عليه المحكمة إن رأته منصفا أو تعيد تقديره في إطار سلطتها التقديرية متى تبين لها خلاف ذلك. فتكاليف سكنى المحضون تعتبر من جنس النفقة وبالتالي تسري عليها جميع المزايا التشريعية المقررة للنفقة فالإمساك عمداً عن الوفاء بهذه التكاليف من جانب الملزم بها يطاله التجريم بموجب المادة 480 من القانون الجنائي.

غير أن هناك حالات يعفى فيها الأب من التزام إسكان المحضون : يسر المحضون، زواج البنت المحضونة، زواج الحاضنة، وفاة المحضون، إعسار الأب،كون البدل في الخلع شاملا لسكنى المحضون، التزام الغير بالإنفاق على المحضون، نفي نسب الإبن المحضون عن أبيه بموجب حكم قضائي نهائي، اختيار المحضون حضانة أبيه إذا أتم خمسة عشر من عمره لأن هذه الحضانة تقتضي المساكنة.

إضافة إلى ما سبق، تقضي المحاكم وتؤيدها في ذلك محكمة النقض بتوسعة الأعياد الدينية التي تعتبر في العديد من الأحكام من الضروريات عادة وعرفاً، غير أنه لا يوجد توحيد في الإجتهاد القضائي بخصوص هذه الأعياد حيث تستعمل بعض المحاكم صراحة مصطلح “عيد الفطر وعيد الأضحى”، في حين تستعمل محاكم أخرى مصطلح “الأعياد الدينية بصفة عامة، والحال أن هذا المصطلح يتضمن كل أعياد التقويم الهجري(عيد الفطر، عيد الأضحى، عيد المولد النبوي…)، كما أن هناك بعض المحاكم تعتبر المبالغ المحكوم بها بمناسبة الأعياد الدينية داخلة في مقدار النفقة وبالتالي لا يمكن الحكم بها بصفة مستقلة، أي أن هذه الأعياد لا تفرد بواجب خاص بناء على حصرية مشمولات النفقة المحددة في المادة 189 من المدونة.

ولما كان من المقرر فقها وقضاء أنه لا يمكن للشخص أن يحمل في آن واحد صفة المدعي والمدعى عليه، فإنه أجيز للحاضنة أن تطالب الأب بنفقة أبنائه الذين لا يتوفرون على الأهلية القانونية لمباشرة حقوقهم مادام الأمر يتعلق بجلب النفع لهم ولا يتعارض ذلك مع الولاية المخولة للأب (قرار 21 فبراير 2007) ، ولكن إذا كان الأبناء المطلوبة نفقتهم قد بلغوا جميعا سن الرشد القانوني، فإنه لا يجوز التقاضي نيابة عنهم دون توكيل وإلا اعتبرت إقامة الدعوى من الأم دون توكيل خرقاً لمقتضيات الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية (قرار 31 مارس 2007).

كذلك تقضي مدونة الأسرة بأنه لا يقبل طلب الزيادة في النفقة الواجبة للمحضون على أبيه أو التخفيض منها قبل مرور سنة على تحديدها إلا في ظروف استثنائية كما نصت على ذلك المادة 192 التي يتضح منها أنه كما يمكن للأم أن تطلب الزيادة في نفقة المحضون، يحق للأب أن يطلب بدوره التخفيض منها لأن هذا النص يخاطب صاحب المصلحة في الدعوى، وبخصوص هذه المسألة، ذهبت محكمة النقض إلى أن الأحكام الصادرة بالنفقة تعتبر أحكاماً وقتية لا تخول لأصحابها مراكز ثابتة بل تجوز مراجعتها كلما تغيرت الظروف التي أدت إلى صدورها (قرار صادر بتاريخ 6 فبراير 2008).

وإذا كان الأب مؤمنا أو كل من الزوجين ، تؤدى التعويضات العائلية إلى الشخص المعهود إليه بحضانة الأولاد في حالة انفصال الزوجية وفق ما ينص عليه الظهير الصادر بتاريخ 27 يوليوز 1972 المتعلق بالضمان الاجتماعي، والمرسوم المؤرخ في 29 يناير 1958 المحدد لشروط صرف التعويضات العائلية للموظفين والعسكريين والعاملين لدى الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية، غيرأن تنازل المطلقة عن حضانة أبنائها في عقد الطلاق يجعل الأب مستفيد من استمرار حصوله على التعويضات العائلية عن الأطفال المحضونين (المحكمة الإدارية بفاس، حكم صادر بتاريخ 25 دجنبر 2001).

وأخيراً، إن الأب يستمر في أداء نفقة أولاده إلى حين سقوط الفرض شرعاً أو تغيير الحكم القاضي بها بآخر، كما أن الحكم بسقوط الحضانة لا يترتب عنه سقوط النفقة التي يبقى للمنفق الرجوع بها على الملزم بها قبل تنفيذ الحكم بإسقاط الحضانة، غير أن النفقة وغيرها من الواجبات التي يتقاضاها الولد المحضون تسقط بوفاة أبيه المطلوب بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى