دآب الفقهاء على تقسيم القانون إلى قسمين رئيسيين هما القانون العام والقانون الخاص، ولعل المعيار الراجح للتفرقة بين القسمين يكمن في فكرة السلطة العامة، فالقواعد المنظمة للسلطة العامة وتحكم علاقاتها ببعضها وبالأفراد تعد من القانون العام، أما القواعد المنظمة لعلاقات الأفراد فتعد من قواعد القانون الخاص. والذي يهمنا في هذا الصدد هو معرفة موقع قانون الشغل ضمن فروع القانون، هل ينتمي إلى القانون العام أم إلى القانون الخاص؟
رغم أن الأصل هو اعتبار قانون الشغل فرعا من فروع القانون الخاص، إلا أن بعض الفقه اعتبره من فروع القانون العام بالنظر إلى طغيان القواعد القانونية الأمرة فيه، فقد بدأ قانون الشغل كأحد فروع القانون الخاص، حيث اقتصر في أول الأمر على تنظيم عقد الشغل، واتسع نطاقه بعد ذلك ليشمل علاقات العمل الجماعية، كما ازداد تدخل الدولة في شؤون العمل بإنشاء مكاتب التشغيل وتفتيش أماكن العمل والتصديق على الأنظمة الداخلية للمؤسسات، وأضحت الكثير من الأمور الخاصة بالعمل موضوعا للقرارات الإدارية. نتيجة لذلك، انكمش مبدأ سلطان الإرادة الذي كان يطبع علاقات الشغل في السابق، لتصبح جل هذه العلاقات متعلقة بالنظام العام، وباتت القواعد الأمرة صاحبة السيادة في هذا المقام.
وذهب جانب من الفقه إلى التأكيد على أن قانون الشغل هو فرع من فروع القانون الخاص، لأن المحور الأساسي لهذا القانون هو تنظيم روابط العمل الخاصة، وهذه العلاقات لا ترتبط بحق السيادة في الدولة أو تنظيم السلطات العامة فيها، بحيث لا تظهر هذه الأخيرة باعتبارها صاحبة السيادة بل باعتبارها مسؤولة عن تنفيذ القانون، كما أنه صار مألوفا اتساع نطاق القواعد الآمرة في القانون الخاص، وهو أمر لن يغيرطبيعة هذه الفروع القانونية.
وذهب فريق آخر من الفقهاء إلى اعتبار قانون الشغل قانونا مختلطا ينتمي إلى القانون العام والي القانون الخاص على السواء، إذ رغم انتماء قانون الشغل إلى القانون الخاص لقيامه على أساس وجود علاقة من علاقات العمل الفردية الخاصة، فإن بعض نظمه وقواعده التي تمخض عنها تطوره الحديث تتعلق بالقانون العام كتنظيم مكاتب التشغيل الخاصة بالعاطلين عن العمل، وتفتيش أماكن العمل، والتحكيم في منازعات الشغل الجماعية، ووضع جزاءات عن مخافة قواعده وأحكامه.
وعلى الرغم من هذا الخلاف بين الفقهاء، يمكن القول: إن قانون الشغل يشكل فرعا متكاملا له ذاتيته ويقوم على أصول ومبادئ خاصة تهيمن على قواعده وأحكامه، وهو ما جعله يحتل مكانة بارزة ضمن فروع القانون الأخرى بالنظر لاحتوائه على قواعد من القانون العام وقواعد من القانون الخاص. فأين تتجلى إذن علاقة قانون الشغل ببعض الفروع القانونية الأخرى؟
قانون الشغل نشأ في أحضان القانون المدني، فعقد العمل شأنه في ذلك شأن باقي العقود المدنية، يخضع كقاعدة عامة لنظرية الالتزامات والعقود، إلا أن التطورات التي عرفها هذا القانون خصوصا بعدما اتسع نطاقه ومضمونه، جعلته يستقل عن القانون المدني، فتم وضع قانون خاص شامل ينظم علاقات الشغل من خلال قواعد تتسم مع طبيعته. إلا أن نمو واستقلال قانون الشغل لا يعني انفصاله بشكل نهائي عن القانون المدني، بل لا يزال هذا الأخير يعتبر الشريعة العامة التي يتم الرجوع إليها في مالا نص فيه في قانون الشغل وبما لا يتعارض مع قواعده.
إضافة إلى القانون المدني، بدأت أحكام وقواعد القانون الإداري تتداخل مع قواعد قانون الشغل خصوصا بعدما شرعت السلطات العامة في إضفاء نوع من النظام العام على قانون الشغل، ورغم هذا التدخل فإن العديد المجالات التنظيمية للعمل تبقى خاضعة للتفاوض الحر، سواء في إطار عقد العمل أو عن طريق الاتفاقيات الجماعية. وقد أدى هذا التدخل التدريجي للدولة في العديد من مجالات العمل، إلى اعتماد عقوبات وجزاءات متنوعة تضفي الحماية على أحكام قانون الشغل وقواعده، بحيث تظهر العلاقة بين قانون الشغل والقانون الجنائي من خلال الطابع العقابي الذي بدأت تتخذه أحكام قانون الشغل سواء عن طريق الإحالة على القانون الجنائي أو إدراج بعض المقتضيات العقابية داخل قانون الشغل نفسه.