خصصت مدونة الأسرة للتطليق بسبب العيب خمسة مواد ( من المادة 107 إلى المادة 111 ) وجلها أحكام جديدة بالنسبة لحق الزوجة في إنهاء الرابطة الزوجية بسبب عيب في الزوج إذ لم تحدد المدونة عيوبا خاصة بالزوج وأخرى خاصة بالزوجة كما كان عليه الوضع في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، وأصبح النص عاما للعيوب والأمراض التي قد تصيب الزوج أو الزوجة على حد سواء ما دامت تؤثر على استقرار الحياة الزوجية.
وبالرجوع إلى أحكام الفقه الإسلامي نجد بأن الفقه قد أطنب في شرح هذه العيوب واختلف حول الأخذ بالتطليق للعيب، فمنه من يجيز الرد للعيب ومنه من لا يجيز ذلك، وهناك من الفقه من اعتدل واتخذ مذهبا وسطا.
الفقرة الأولى : تعريف التطليق بسبب العيب
نصت المادة 107 من مدونة الأسرة على أنه “تعتبر عيوبا مؤثرة على استقرار الحياة الزوجية وتخول طلب إنهائها:
1. العيوب المانعة من المعاشرة الزوجية
2. الأمراض الخطيرة على حياة الزوج الآخر أو على صحته التي لا يرجى الشفاء منها داخل سنة”.
الزواج في الإسلام مبني على المودة والرحمة والمعاشرة والتساكن بدليل قوله تعالى “وَمِنْ ايَاتِهَِ أَنْ خَلَقَ َلكُم مِن أَنْفِسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (سورة الروم، الآية 21)، فإذا كان بالزوجة علة من العلل الخلقية أو مرض من الأمراض البدنية فقد جعل الإسلام للرجل سبيلا لإنهاء هذه العلاقة بالطلاق، كما جعل الإسلام للمرأة أيضا سبيلا على الرجل إذا كان به علة أو عيب من العيوب لا تستطيع المقام معه فمن حقها رفع دعوى للقضاء قصد التطليق لهذا العيب.
والمقصود بالعيوب الزوجية هو النقصان البدني أو الخلل العقلي في أحد الزوجين من شأنه أن يجعل الحياة الزوجية مضطربة وغير مستقرة ويمنع من تحصيل مقاصد الزواج والتمتع بالحياة الزوجية .
ذهب الإمام مالك وهو مذهب أهل السنة على أن العيوب الزوجية التي تخول طلب الطلاق ثلاثة أنواع، عيوب خاصة بالرجل وأخرى خاصة بالمرأة وأخرى مشتركة بينهما.
أولا : عيوب خاصة بالرجل : بالنسبة لعيوب الرجل فهي : الجب والخصاء والعنة.
1 – الجب : وهو قطع الذكر والأنثيين (استئصال العضو التناسلي).
2 – الخصياء: المخصي هو من سلت خصيتاه.
3- العنين : وهو من لا قدرة له على الجماع أو ارتخاء في العضو يمنع القدرة على الاتصال.
ثانيا : عيوب خاصة بالمرأة :وهي عيوب تمنع من الوطئ أو من لذته وتسمى داء الفرج لدى النساء وهي الرتق، والقرن والعفل، والإفضاء والبخر.
1- الرتق : بفتح الراء والتاء هو انسداد موضع الجماع من الفرج بحيث لا يمكن دخول الذكر.
2 – القرن : سكون الراء وفتحها وهو عظم أو لحم سميك ينبت في الفرج.
3 – العفل : هو لحم يبرز في القبل، وقيل رغوة في الفرج تمنع لذة الوطئ.
4 – الإفضاء : وهو اختلاط مسلكي البول ومسلك الجماع.
5 – البخر : رائحة كريهة تنبعث من فرج المرأة.
ثالثا : عيوب مشتركة بين الرجل والمرأة :وهذه العيوب حصرها بعض الفقه في الجنون، والجذام، والبرص، والعذيطة والعقم:
1 – الجنون : مرض يصيب الإنسان ويحدث له اختلال على مستوى قوته العقلية.
2 – الجذام: وهو داء يتأكل منه اللحم ويتساقط
3 – البرص : بياض شديد يظهر في الجلد على شكل بقع
4 – العذيطة: وهو خروج الغائط عند الجماع
5 – العقم : عدم الإنجاب.
والملاحظ بأن العديد من العيوب المشار إليها سابقا سواء كانت خاصة بالرجل أو خاصة بالمرأة أو بهما معا أصبح بفضل تطور العلوم الطبية الحديثة وجود علاج ناجع لها إما عن طريق التدخل الجراحي أو الأدوية والعلاجات الأخرى المتطورة، وحسنا فعلت مدونة الأسرة عندما لم تحدد هذه الأمراض واكتفت بالنص على وجود مرض يكون مانعا من المساكنة الشرعية، بحيث لايتأتى أداء الوظيفة الجنسية على الوجه الأكمل أو كون المرض خطيرا على حياة الزوج الآخرأو صحته
وما أكثر هذه الأمراض في عصرنا هذا من ذلك مرض فقدان المناعة المكتسبة (السيدا) ومرض الزهري (النوار) ومرض التهاب الكبد الفيروسي أو إن يكون المرض مؤذيا ويدخل في ذلك كلإعاقة ذهنية والمدمن على المخدرات والسكر الطافح، وكذلك الأمراض المانعة من المعاشرة الزوجية بحيث لا يتأتى أداء الوظيفة الجنسية على الوجه المرغوب … الخ.
الفقرة الثانية : شروط التطليق للعيب:
نصت على هذه الشروط المادة 108 من مدونة الأسرة بقولها: يشترط لقبول طلب أحد الزوجين إنهاء علاقة الزوجية للعيب
1. ألا يكون الطالب عالما بالعيب حين العقد.
2. ألا يصدر من الطالب ما يدل على الرضى بالعيب بعد العلم بتعذر الشفاء”، وتضيف المادة 111 بأنه : ” يستعان بأهل الخبرة من الأخصائيين في معرفة العيب أو المرض”، وعلى ضوء ما سبق نستنتج بأنه يتعين توافر الشروط التالية من أجل إنهاء العلاقة الزوجية سواء بطلب من الزوج أو بطلب من الزوجة في حالة وجود العيب بالزوج الآخر:
أولا // يجب أن لا يكون الطالب عالما بالعيب حين العقد:
طبقا للمادة 108 من مدونة الأسرة فإنه يشترط بقبول طلب أحد الزوجين بإنهاء العلاقة الزوجية للعيب عدم العلم بالعيب أو بالمرض وهذا حق مشترك بين الزوجين، لأنه إذا علم بالعيب أو المرض فهذا يعتبر رضى به بل وحتى بعد إبرام العقد إذا ظهر ما يفيد بأنه قبل بالعيب بعد العلم به ومعرفة نوعه وتعذر شفائه لأن سكوته دليل الرضى.
ثانيا // يتعين ثبوت العيب المحتج به:
يتعين على الزوج الذي يدعي عيبا أو مرضا بالزوج الآخر إثبات ذلك بجميع وسائل الإثبات وقد أشارت المادة 111 في مدونة الأسرة إلى استعانة المحكمة بأهل الخبرة من الأخصائيين في معرفة العيب أو المرض ،أي الإحالة على الخبرة الطبية المتخصصة للتأكد من حقيقة المرض أو العيب ونوعه ودرجة خطورته على الطرف الآخر، ومن ثم اعتبار المرض أو العيب مانعا من المعاشرة الزوجية أو كون المرض يشكل خطورة على حياة الزوج الآخر أو على صحته، و أنه لا يرجى الشفاء منه داخل مدة سنة كما تقضي بذلك المادة 107 من مدونة الأسرة.
و رغم أن المشرع المغربي قد تطرق إلى إمكانية لجوء المحكمة إلى الخبرة الطبية للتأكد من وجود العيب من عدمه، إلا أن الأمر لا يخلو من طرح بعض الإشكاليات العملية كما في الحالة التي يرفض فيها الزوج المرفوع ضده دعوى التطليق للعيب الخضوع لهذه الخبرة، فهل يمكن اعتبار رفضه بمثابة إقرار ضمني بوجود العيب الذي يدعيه الزوج الآخر ؟
الأكيد أنه غالبا ما يتعذر على الزوج المتضرر (طالب التطليق) إثبات وجود العيب وخاصة حينما يتعلق هذا العيب بمرض أو عاهة لا يمكن للعموم الاطلاع عليهما، ولا يمكن الكشف عنهما إلا بعد خلع الثياب أو الخضوع لفحوصات و تحاليل طبية معينة وذلك حسب كل حالة على حدة. ولذلك فإن إلقاء عبء إثبات العيب على كاهل الزوج المتضرر تعسف في حقه، و مادام أن المشرع لم يرتب أي جزاء بخصوص الزوج الذي يرفض الخضوع للخبرة، فإنه يمكن للمحكمة أن تفسر هذا الرفض على أنه إقرار ضمني بوجود العيب.
ثالثا // يتعين تأجيل المريض أو المصاب بالعيب مدة سنة:
حددت مدونة الأسرة للمريض أو المصاب بعيب من العيوب الزوجية الذي لا يرجى شفاءه أجلا وهو سنة وذلك طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 107 ، وهو مذهب الأئمة الأربع وأصله ما روى عبد الرزاق والبيهقي عن ابن المسيب قال: قضى عمر بن الخطاب في العنين الذي لا يستطيع النساء أن يؤجل سنة، فإن قدر عليها وإلا فرق بينهما ولها المهر وعليها العدة” وروي ذلك أيضا عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم.
الفقرة الثالثة : آثار التطليق للمرض أو العيب:
يترتب عن التطليق للمرض أو العيب مجموعة من الآثار الشرعية والقانونية، وقد نصت المادتان 109 و 110 من مدونة الأسرة على أحوال الصداق وماله حال التطليق للمرض أو العيب، وهكذا نميز بين حالتين :
الحالة الأولى – عدم استحقاق الزوجة للصداق :
نصت المادة 109 على أنه: “لا صداق في حالة التطليق للعيب عن طريق القضاء قبل البناء. ويحق للزوج بعد البناء أن يرجع بقدر الصداق على من غرر به أو كتم عنه العيب قصدا”.وعليه لا تستحق الزوجة صداقا إذا كان التطليق قد حصل للعيب قبل البناء بالزوجة إذا لم يعلم بالعيب قبل العقد وجدير بالإشارة أن مدونة الأسرة تضمنت حكما مماثلا في المادة 32 بمناسبة حديثها عن الصداق في عقد الزواج، إذ نصت في إحدى الفقرات على أنه لا تستحق الزوجة الصداق قبل البناء إذا وقع رد عقد الزواج بسبب عيب في الزوجة، أو كان الرد من الزوجة بسبب عيب في الزوج.
الحالة الثانية – استحقاق الزوجة للصداق:
بعد البناء، الزوجة لا تحرم من الصداق، فإذا حصل التطليق بعد العقد والبناء لزمه الصداق كاملا وله أن يرجع بقدره على من غرر به أو كتم عنه العيب قصدا من ولي وغيره … ( الفقرة الأخيرة من المادة 109) وهذا هو مذهب الإمام مالك ودليله ما روى مالك والدار قطني والبيهقي وابن منصور أن عمر رضي الله عنه قال: “أيما رجل تزوج امرأة فدخل بها فوجد بها برصا أو مجنونة أو مجذوبة فلها الصداق بمسيسه إياها، وهو له على من غره منها” ، وفي رواية عن علي رضي الله عنه قال: “أيما امرأة نكحت وبها برص أو جنون أو جذام أو قرن، فزوجها بالخيار ما لم يمسها، إن شاء أمسك وإن شاء طلق، وإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها”.
وطبقا للمادة 110 من مدونة الأسرة فإن الزوجة تستحق نصف الصداق إذا علم الزوجب العيب قبل العقد وطلق قبل البناء ففي هذه الحالة تطبق نفس أثار الطلاق قبل البناء.