موقف الفقه الإسلامي من التطليق للغيبة
اختلف الفقهاء بصدد هذه المسألة ويمكن رد الخلاف إلى مذهبين:
مذهب الأحناف والشافعية: ويرى هؤلاء بأن الزوجة ليس لها الحق في طلب التفريق بسبب غيبة الزوج عنها ولو طالت غيبته، وحجتهم في ذلك أنه لم يقم دليل شرعي يدل على أن الغيبة سبب من أسباب التفريق بين الزوجين.
المذهب الثاني لفقهاء المالكية والحنابلة: وعندهم يجوز التفريق بين الزوجين إذا غاب الزوج وتضررت الزوجة من هذه الغيبة حتى ولو ترك لها مالا تنفق منه مدة غيبته، وحجتهم قوله تعالى “فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٌ” (سورة البقرة، الآية 229) وقوله عز وجل “ولاتُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا” ( سورة البقرة الآية 229)، وأن إقامة المرأة بعيدة عن زوجها مدة طويلة مع محافظتها على العفة والشرف أمر قد لا تحتمله الطبيعة البشرية وهذا ضرر بالغ بالزوجة ، والضرر يزال لقوله صلى الله عليه وسلم “لا ضرر ولا ضرار” ، ورفع الضرر يكون بالتفريق بين الغائب وزوجته إذا امتنع عن الحضور أو نقلها إلى البلد الذي يقيم فيه.
موقف مدونة الأسرة من التطليق للغيبة
نصت المادة 104 من مدونة الأسرة على الإجراءات الواجب إتباعها من أجل رفع دعوى التطليق للغيبة، كما أن المادة 105 تحدثت عن الغائب المجهول العنوان.
أولا // إجراءات التطليق للغيبة:
تناولت المادة 104 من مدونة الأسرة مسطرة التطليق للغيبة بالنص على أنه: “إذا غاب الزوج عن زوجته مدة تزيد عن سنة أمكن للزوجة طلب التطليق. تتأكد المحكمة من هذه الغيبة ومدتها ومكانها بكل الوسائل. تبلغ المحكمة الزوج المعروف العنوان مقال الدعوى للجواب عنه، مع إشعاره بأنه في حالة ثبوت الغيبة ستحكم المحكمة بالتطليق إذا لم يحضر للإقامة مع زوجته أو لم ينقلها إليه”.
وهكذا يتضح لنا بأن مدونة الأسرة أعطت الحق للزوجة التي غاب عنها زوجها مدة أكثر من سنة بأن تطلب من المحكمة التطليق لهذا السبب سواء كان غياب الزوج بعذر مقبول كالسفر إلى دولة أخرى للعمل بها أو كان الغياب بدون عذر مقبول، وهذا خلاف ما كانت تقضي به الفقرة الأولى من الفصل 57 من مدونة الأحوال الشخصية السابقة والتي كانت تشترط عدم وجود المبرر والعذر للغياب. وتتأكد المحكمة من حقيقة الغيبة ومدتها الزمنية بجميع وسائل الإثبات فإذا كان للزوج عنوان معروف ومعلوم أو محل إقامة محدد فإن المحكمة تبلغه مقال الدعوى من أجل الجواب عليه مع إشعاره بأنه في حالة الثبوت الفعلي لهذه الغيبة ستحكم المحكمة بالتطليق ما لم يحضر للإقامة مع زوجته أو ما لم يعمل على نقلها إلى المكان الذي يتواجد فيه. وهكذا قضت ابتدائية قصبة تادلة في الحكم 2005/414 في الملف 2005/9/260 بتاريخ 2005/1/2 بأن : “غيبة المدعى عليه الزوج غيبة اتصال لأكثر من سنة يجعل من الزوجة محقة في طلبها التطليق استنادا إلى أحكام مدونة الأسرة”
ثانيا // الغائب المجهول العنوان:
نصت المادة 105 من مدونة الأسرة على أنه: “إذا كان الغائب مجهول العنوان اتخذت المحكمة بمساعدة النيابة العامة ما تراه من إجراءات تساعد على تبليغ دعوى الزوجية إليه، بما في ذلك تعيين قيم عنه، فإن لم يحضر طلقتها عليه”.
وفقا للمقتضيات السابقة إذا كان الزوج الغائب لا يعرف عنوانه فيعتبر مجهول العنوان، فإن المحكمة تتخذ بمساعدة النيابة العامة التي تتوفر على وسائل تمكنها من معرفة عنوان الزوج وما إذا كان فعلا مجهول العنوان باستعانتها بضباط الشرطة القضائية وكذا السلطة المحلية من أجل تبليغ دعوى الزوجة الرامية إلى طلب التطليق للغيبة والإعلان عبر أمواج الإذاعة الوطنية مع تعيين قيم عنه، حتى يتأتى له إبداء رأيه في الدعوى المقامة ضده قبل إصدار الحكم بالتطليق فإذا لم يحضر الزوج رغم كل الإجراءات السابقة للإقامة مع زوجته أو نقلها إليه قضت المحكمة بتطليق زوجته طلقة بائنة.
و قبل أن تنهي حديثنا بخصوص التطليق للغيبة لا بد من الإشارة إلى أن المشرع المغربي استثنى هذا النوع من التطليق من مسطرة الصلح، وذلك في المادة 113 من مدونة الأسرة، وهو ما نعتبره خطأ تشريعيا، ذلك أنه إذا كان من المتعذر إجراء الصلح مع الزوج الذي تعذر الاهتداء إلى عنوانه، فإنه لا مانع من إجراء الصلح إذا حضر الزوج أمام المحكمة ، وإلى أن يتدخل لمشرع الصد هذه الثغرة نرى بأن تقوم المحكمة بهذه المحاولة وخاصة أنها ترمي إلى حماية الأسرة.
التطليق بسبب حبس الزوج أو سجنه
نصت المادة 106 من مدونة الأسرة على أنه: “إذا حكم على الزوج المسجون بأكثر من ثلاث سنوات سنا أو حبسا، جاز للزوجة أن تطلب التطليق بعد مرور سنة من اعتقاله، وفي جميع الأحوال يمكنها أن تطلب التطليق بعد سنتين من اعتقاله” ، ونفس المقتضى نص عليه المشرع الجزائري في المادة 53 من قانون الأسرة.
تعتبر أحكام هذه المادة من المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة لأن مدونة الأحوال الشخصية الملغاة لم تكن تتضمن نصا مماثلا يسمح للزوجة طلب التطليق بسبب حبس أو سجن الزوج الأمر الذي جعل القضاء المغربي يستجيب أحيانا لطلب الزوجة معتمدا على الضرر كأساس لقبول دعوى التطليق بسبب سجن الزوج أو الغيبة أو الهجر أو عدم الإنفاق… الخ، وأحيانا أخرى كان القضاء يرفض طلب الزوجة، حيث اعتبرت بعض المحاكم “غياب الزوج عن بيت الزوجية وإخلاله بالمساكنة الشرعية سببا غير كاف للحكم بتطليق الزوجة من زوجها للضرر، وأن مدة أربع سنوات ليس بالأمر الشاق على المدعية، خصوصا وقد قضى منها المدعى حوالي سنتين تقريبا ولم يبق إلا سنتين مما يجعل طلبها غير مبرر بالشكل الكافي والمنسجم مع مقتضيات الفصل 56 مما يتعين معه التصريح بعدم قبوله” وهذا ماجاء ضمن حكم المحكمة الإبتدائية ببني ملال رقم 88/125 بتاريخ 1989/3/6.
أما في الفقه الإسلامي فنجد الفقه الحنفي والشافعي يقول بالتطليق بسبب حبس الزوج ويرى مالك وأحمد رضي الله عنهما أن للمرأة حق طلب التطليق لحبس زوجها لأن حبسه يوقع الضرر بها كما هو الحال في الغيبة..
وبالرجوع إلى المادة 106 فإن مدونة الأسرة حسمت الخلاف القضائي الذي كان قائما حول أحقية زوجة المسجون في التطليق من عدمها وأصبح الوضع الحالي يخول لزوجة المحبوس أو المسجون لمدة ثلاث سنوات أو أكثر وكان الحكم نهائيا، ويشترط المشرع لسماع دعوى الزوجة مرور مدة سنة من الاعتقال قياسا على الحكم المتعلق بطلب التطليق للغيبة في إطار المادتين 104 و 105 من مدونة الأسرة . كما يمكن للزوجة تقديم الطلب بعد مرور سنتين من تاريخ اعتقاله سواء صدرحكم أو لم يصدر.