إذا كان الأصل ألا ينعقد عقد الزواج إلا بإتمام الفتى والفتاة 18 سنة كاملة، فإنه استثناء أجازت مدونة الأسرة لقاضي الأسرة المكلف بالزواج النزول عن هذا السن والسماح لمن هم دونه بالزواج، حيث خوله المشرع سلطة تقديرية واسعة في الإذن بزواج القاصر، وذلك بواسطة مقرر معلل يبين فيه المصلحة التي ستتحقق للقاصر من وراء زواجه.
ولقد حدد المشرع الأسري الضوابط والمعايير التي يجب على القاضي مراعاتها عند بته في ملف زواج القاصر، وذلك من أجل الوقوف على هذه المصلحة. وقد نصت المادة 20 من مدونة الأسرة عليها كما يلي:” لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19 أعلاه، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخيرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي. مقرر الاستجابة لطلب الإذن بزواج القاصر غير قابل لأي طعن”.
وهكذا أجازت المدونة الجديدة زواج الفتى أو الفتاة دون سن 18 سنة المنصوص عليها في المادة 19 إذا توافرت الشروط التالية:
أولا : موافقة وإذن قاضي الأسرة بزواج الفتى أو الفتاة.
يتضح من خلال المادة 20 أعلاه أن المشرع المغربي فرض ضرورة الحصول على إذن قاضي الأسرة المكلف بالزواج من أجل إبرام عقد زواج القاصر بهدف حماية هذا الأخير. لكن ومن أجل منح الإذن بزواج القاصر يقتضي الأمر إتباع مجموعة من الإجراءات الخاصة، وتتمثل في ضرورة تقديم طلب كتابي إلى قاضي الأسرة المكلف بالزواج، بحيث يطلب فيه الولي القانوني للقاصر الإذن له بتزويج القاصر الذي هو تحت ولايته،
ويشتمل هذا الطلب على هوية القاصر وهوية نائبه الشرعي، بحيث يوقع هذا الأخير رفقة القاصر، وتجب الإشارة إلى أن الطلب لا يقبل إن قدم شفاهيا خلافا لمقتضيات الفصل 31 من قانون المسطرة المدنية الذي يجيز رفع الدعوى أمام المحكمة الابتدائية بين المقال المكتوب الموقع عليه من طرف المدعي أو وكيله أو بواسطة تصريح يدلي به المدعي شخصيا.
ويجب أن يتم تحديد المصلحة والأسباب المبررة لهذا الزواج في هذا الطلب، بالإضافة إلى الإدلاء بنسخة من عقد الولادة تحدد سن الفتى أو الفتاة بالضبط أو شهادة طبية تؤكد توفر الطالب على علامات البلوغ عند الاقتضاء وبعد ذلك يتم إحالة طلبات الإذن بزواج القاصر على قسم قضاء الأسرة، بحيث تسجل في سجل معد لذلك وتفيد حسب الترتيب التسلسلي لتلقيها. بالإضافة إلى تاريخ ورودها، بعد ذلك يفتح لكل طلب ملفا خاصا من أجل إحالته على قاضي الأسرة المكلف بالزواج ليبت فيه.
ثانيا : يتعين على القاضي بيان الأسباب الداعية إلى السماح بهذا الزواج
وبيان مصلحة القاصر وهذه المصلحة متروكة لتقدير القاضي يستشفها ويستنتجها من ظروف كل حالة على حدة، ففكرة المصلحة هي فكرة نسبية تختلف من شخص لآخر تبعا لظروفه الشخصية والموضوعية ولعل هذه المصلحة تتجلى في كون هذا الزواج سيؤدي إلى تحصين القاصر وحمايته حيث يشكل خوف أبوي القاصر عليه من الضياع والفساد أحد أوجه هذه المصلحة، كما جاء الأمر في تصريح لأبوي القاصر والذي ورد فيه “….. إنهما يرغبان في تزويج ابنتهما القاصر خوفا عليها من الضياع والفساد…. ولما فيه من مصلحة في ذلك…”. كما قد تقتضي مصلحة القاصر عدم منح الإذن حتى وإن دفع الولي بالخوف من العنت. ذلك أن القاضي قد يرى خلاف ذلك خاصة إذا كانت القاصرة في سن مبكر.
ثالثا :يتعين على قاضي الأسرة قبل الإذن بالزواج دون السن القانونية للزواج أن يستمع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي
ويبدو من خلال هذا الشرط بأن إذن الأبوين معا أو النائب الشرعي ليس أمرا لازما بخلاف ما كان عليه الحال في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، حيث كان الفصل التاسع يشترط لزوما موافقة الولي حتى إذا امتنع وتمسك كل برغبته رفع الأمر إلى القاضي.
فقاضي الأسرة المكلف بالزواج يقوم بهذا الإجراء، وذلك حتى يقف عند المصلحة المتوخاة من وراء هذا الزواج، فهذا الاستماع يفيده مبدئيا في تكوين فكرة حول الزواج المطلوب وأطرافه وفرص تحقق نجاحه، كما أنه يمنح للقاضي صورة تقريبية عن السن الحقيقي للقاصر في حالة وقوع خطأ مادي في سجلات الحالة المدنية وإدلاء القاصر بعقد ولادة يتضمن بأنه دون أهلية الزواج، وهكذا يتأتى له البحث في هذه المسألة من خلال المقارنة بين مختلف الوثائق الإدارية المدلى بها أو من خلال الاطلاع على كناش الحالة المدنية.
رابعا : يتعين على قاضي الأسرة أن يأمر بإجراء خبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي.
للتأكد من مدى قدرة الفتى أو الفتاة على تحمل الأعباء المادية والمعنوية الناجمة عن الزواج والمسؤوليات المترتبة عليه، والجدير بالذكر أنه من الناحية العملية غالبا ما يتم الاعتماد على الخبرة الطبية من أجل منح الإذن بزواج القاصر, وتجدر الإشارة إلى أن قناعة القاضي هي الأساس في منح الإذن، وبالتالي فإن تقرير الخبير لا يلزمه في شيء، وإنما هو مجرد إمكانية منحها المشرع للقاضي من أجل الاعتماد عليها في بناء قناعته ليست إلا فسلطة القاضي التقديرية في هذا المجال جد واسعة حيث يمكن للقاضي رفض طلب زواج القاصر الذي أثبتت الخبرة الطبية قدرته على الزواج، ويمكن للقاضي الاستغناء عن الخبرة الطبية ببحث اجتماعي قد يأمر بإجرائه إذا اقتضت الضرورة ذلك.