المجال التجاريدراسات قانونية

اسباب انقضاء عقد التأمين

عقد التأمين يعد من العقود المستمرة، حيث تمتد التزامات الأطراف المتعاقدة على فترة زمنية قد تصل إلى ثلاثين سنة. إلا أن هذا لا يمنع أي طرف من الأطراف من طلب إنهاء العقد قبل التاريخ المتفق عليه. إضافة إلى ذلك، قد يتدخل القانون ليتيح لكل طرف إنهاء التزاماته العقدية قبل انتهاء المدة المتفق عليها في بوليصة التأمين.

أولا // انقضاء عقد التأمين بانتهاء مدته :

يُبرم عقد التأمين لمدة محددة تنقضي بانتهاء تلك المدة، كما هو الحال مع سائر العقود الزمنية. وعادةً ما تُذكر هذه المدة في بوليصة التأمين. في تأمين الأضرار، يُحدد المتعاقدان عادةً مدة العقد بسنة واحدة تبدأ من وقت إبرام العقد. أما في التأمين على الأشخاص، وبالخصوص التأمين على الحياة، فإن المدة عادةً ما تكون أطول من سنة واحدة.

وعلى الرغم من أن الأصل في تحديد مدة التعاقد يعود إلى حرية الأطراف المتعاقدة، إلا أن المشرع المغربي، في إطار حماية الأطراف من أي ارتباط طويل في عقود التأمين، قد وضع عدة قيود على هذه الحرية. وقد تم تحديد هذه القيود في المادة السادسة من مدونة التأمين، وبالاستناد إلى هذه المادة يمكن استخلاص النقاط التالية:

يحق للأطراف الانسحاب من عقد التأمين بعد مرور 365 يوماً من تاريخ الاكتتاب، باستثناء التأمينات على الحياة. يتم الفسخ في هذه الحالة من خلال إخطار بالفسخ يُوجه من الطرف الراغب في الفسخ إلى الطرف الآخر، ويجب أن يتم هذا الإخطار خلال المدة المحددة في العقد، التي تتراوح بين ثلاثين (30) وتسعين (90) يوماً. وقد أوجب المشرع التنصيص على هذا الحق في كل عقد تأمين تتجاوز مدته سنة واحدة.

كما أوجب تحديد مهلة الإخطار بالفسخ في العقد لتكون على الأقل ثلاثين يومًا ولا تتجاوز تسعين يومًا. وفي حال عدم الإشارة إلى ذلك، يحق للمكتتب، على الرغم من أي شرط مخالف، فسخ العقد دون تعويض في كل سنة في التاريخ الذي يصادف تاریخ سريان مفعوله بواسطة إخطار بالفسخ مدته ثلاثون يومًا.

ولزيادة حماية المؤمن له، ألزم المشرع أيضًا بكتابة مدة العقد بحروف بارزة أعلى توقيع المكتتب في كل عقد تأمين تتجاوز مدته السنة، ونص على أنه في حالة عدم الإشارة إلى مدة العقد أو عدم كتابتها بحروف بارزة، يُعتبر العقد مكتتبًا لمدة سنة واحدة.

في التأمين على الحياة، يجوز للمؤمن له إنهاء العقد في أي وقت، بغض النظر عن مدة العقد، حيث لا يجوز إجباره على دفع الأقساط للأسباب التي تم الإشارة إليها سابقًا. وينتج عن هذا الفسخ منح المؤمن له حق استرداد رأس المال أو الإيراد المضمون. إذ يحق للمؤمن له أيضًا طلب إنهاء عقد التأمين على الحياة قبل حلول أجله، وبالتالي استرداد ما تم توفيره لصالحه حتى تاريخ إنهاء العقد، وذلك وفقًا للشروط المنصوص عليها في المادة 89 من نفس المدونة.

نص المشرع على إمكانية التجديد الضمني لعقود التأمين، بشرط الإشارة إلى ذلك في بوليصة التأمين، على أن لا تتجاوز مدة التجديد سنة واحدة. ويستفاد من هذا أن عقد التأمين المراد تجديده هو عقد محدد المدة، مما يستوجب انقضاء المدة المحددة في العقد الأصلي بشكل كامل. ولا يتم التجديد إلا إذا تمسك المؤمن له بذلك قبل انتهاء العقد. أما إذا رفض المؤمن له تجديد العقد، فإنه لا يتم تجديده، بغض النظر عن وجود أي شرط مخالف.

ثانيا // انتهاء عقد التأمين بفسخه :

يتم فسخ عقد التأمين إما بقوة القانون أو بناءً على إرادة الأطراف المعنية.

1 – الفسخ بقوة القانون :

ينفسخ عقد التأمين بقوة القانون في الحالات التي ينص عليها قانون خاص، ومن بين هذه الحالات:

أ – التسوية القضائية للمؤمن :

نصت المادة 27 من قانون التأمينات على أنه ينتهي عقد التأمين بعد مرور ثلاثين يومًا من إعلان التصفية القضائية للمؤمن. وفي هذه الحالة، يحق للمؤمن له المطالبة باسترجاع قسط التأمين المدفوع عن الفترة التي لم يعد خلالها التأمين ساريًا.

أما بالنسبة للعقود الجارية مثل عقود التأمين على الحياة أو الرسملة وما في حكمها، فيتم تحديد دين كل مستفيد في مبلغ يعادل الاحتياطي الحسابي لكل عقد، الذي يتم احتسابه دون إضافة أي زيادات استنادًا إلى القواعد التقنية لتعريفات الأقساط المعمول بها عند إبرام العقد، وذلك اعتبارًا من يوم صدور حكم التصريح بالتصفية القضائية. (المادة 96 من مدونة التأمينات).

ب – سحب رخصة ممارسة التأمين :

كما تم الإشارة سابقًا، فإن المؤمن هو شركة تتخذ شكل شركة مساهمة وتمارس نشاط التأمين بناءً على ترخيص من الجهة الإدارية المختصة. وفي حال تم سحب هذا الترخيص من الشركة، فإن أثر ذلك يشمل جميع العقود التي أبرمتها الشركة مع المؤمن لهم، حيث تتوقف هذه العقود بقوة القانون اعتبارًا من الساعة الثانية عشرة ظهرًا من اليوم العشرين بعد تاريخ نشر القرار الإداري القاضي بسحب الترخيص في الجريدة الرسمية. وفي هذه الحالة، يحق للمؤمن لهم استرجاع جميع الأقساط المتعلقة بالفترة الممتدة من تاريخ الفسخ حتى تاريخ حلول الأجل المحدد في العقد.

إلا أن المشرع المغربي استثنى من هذا المبدأ بعض أنواع عقود التأمين، حيث نص على أن عقود التأمينات البحرية، والتأمينات على الحياة، والتأمينات الزواجية أو المهرية، وتأمينات الرسملة، وتأمين تملك العقارات بواسطة تكوين إيرادات عمرية، وتأمين القروض أو الكفالات، تظل سارية المفعول حتى يصدر قرار إداري يحدد تاريخ توقف سريان هذه العقود أو يقر بتحويلها كليًا أو جزئيًا إلى مقاولات تأمين أخرى، أو يقر بتمديد آجالها أو بتخفيض المبالغ المدفوعة في حالات الحياة أو الوفاة. كما قد يشمل ذلك تحديد الأرباح الممنوحة وقيم الاسترداد، بحيث تقلص قيمة التزامات المقاولة إلى المبلغ الذي يمكن لوضعها المالي تغطيته. (م 267 من م التأمينات).

ج – هلاك الشيء المؤمن عليه نتيجة واقعة غير مؤمن عليها :

نص المشرع في المادة 46 من قانون التأمين على أنه في حال هلاك الشيء المؤمن عليه هلاكًا كليًا نتيجة واقعة لا تدخل ضمن الخطر المؤمن منه، فإن عقد التأمين ينفسخ بقوة القانون بسبب استحالة تنفيذ العقد. وفي هذه الحالة، يتعين على المؤمن أن يعيد للمؤمن له الجزء من القسط المدفوع عن الفترة التي لم يعد فيها ضمان الخطر ساريًا.

د – التسخير الناقل الشيء المؤمن عليه :

نصت المادة 33 من قانون التأمين في فقرتها الأولى على أنه في حالة التسخير الناقل لملكية الشيء المؤمن عليه، فإن عقد التأمين ينفسخ بقوة القانون إذا طال التسخير الشيء كله. أما إذا اقتصر التسخير على جزء من الشيء المؤمن عليه، فيتم تقليص نطاق العقد ليشمل فقط الجزء المتبقي. ويبدأ سريان هذا التغيير من يوم انتقال ملكية الشيء. وفي هذه الحالة، يتعين على المؤمن أن يعيد للمؤمن له جزء القسط المدفوع مسبقًا عن الفترة التي لم يعد فيها ضمان الخطر ساريًا.

ه – تفويت ملكية الناقلة المؤمن عليها :

تنص الفقرة الأولى من المادة 29 من قانون التأمينات على أنه في حالة نقل ملكية عربة برية ذات محرك تخضع للتأمين الإجباري على السيارات، يتم إلغاء عقد التأمين الذي يغطي المسؤولية المدنية للمالك السابق بشكل تلقائي، وذلك اعتبارًا من تاريخ تسجيل العربة باسم المالك الجديد. أما إذا كانت العربة لا تخضع للتسجيل، فيتم فسخ عقد التأمين بعد مرور ثمانية أيام من تاريخ التفويت.

2 – الفسخ بإرادة المؤمن :

توجد عدة حالات يمكن للمؤمن من خلالها فسخ عقد التأمين بإرادته، ومن أبرزها.

أ – عدم أداء قسط التأمين من طرف المؤمن له :

تطرقنا في مقال آخر (شاهد المقال) إلى أن دفع قسط التأمين من قبل المؤمن له يقابله التزام المؤمن بتغطية تبعات الخطر المؤمن عليه. إلا أنه في حال عدم دفع هذا القسط في الوقت المتفق عليه، يحق للمؤمن، بعد استنفاد جميع الوسائل المنصوص عليها في المادة 21 من قانون التأمينات، فسخ عقد التأمين. ومن المهم الإشارة إلى أن هذا الفسخ يُعد خيارياً بالنسبة للمؤمن، حيث يمكن له أن يقرر الاستمرار في تعليق التغطية إلى حين انتهاء مدة العقد.

ب – إخلال المؤمن له بالتزامه بالإدلاء بالبيانات التعاقدية :

يلزم القانون المؤمن له، بتقديم جميع البيانات الضرورية المتعلقة بالخطر سواء عند إبرام العقد أو خلال فترة سريانه. وإذا قام بإخفاء تلك البيانات أو قدم معلومات مغلوطة، فإن عقد التأمين يصبح باطلاً، ويحق للمؤمن الاحتفاظ بالأقساط المدفوعة، بالإضافة إلى المطالبة بالأقساط المستحقة التي لم يتم دفعها بعد كتعويض عن الخسائر التي تعرض لها، وذلك كعقوبة عن سوء نية المؤمن له.

أما إذا لم يُثبت وجود سوء نية من قبل المؤمن له، فإن المؤمن يكون أمام خيارين: الأول هو زيادة قسط التأمين، بشرط موافقة المؤمن له على ذلك. أما الخيار الثاني، فهو فسخ العقد بعد مرور عشرة أيام من إرسال إشعار إلى المؤمن له بواسطة رسالة مضمونة.

ج – تفاقم المخاطر المؤمن عليها أثناء سريان العقد :

في حالة تزايد الخطر المؤمن عليه لأي سبب من الأسباب، يكون أمام المؤمن خياران: الأول هو زيادة القسط بشرط موافقة المؤمن له، أما الثاني فهو فسخ العقد مع الاحتفاظ بالحق في المطالبة بالتعويض إذا كان اشتداد الخطر ناتجاً عن فعل المؤمن له.

د – انتقال ملكية الشيء المؤمن عليه :

في حالة تفويت الشيء المؤمن عليه، منح المشرع المغربي للمؤمن ولمن انتقلت إليه ملكية الشيء المؤمن عليه الحق في فسخ عقد التأمين المبرم على ذلك الشيء.

ه – تحقق الخطر المؤمن عليه :

أجاز المشرع المغربي في جميع عقود التأمين، باستثناء التأمين من المسؤولية المدنية الناتجة عن استعمال عربة ذات محرك، تضمين عقد التأمين شرطًا يمنح المؤمن الحق في فسخ العقد بعد وقوع الخطر المؤمن منه وتسويته. في هذه الحالة، يجب على المؤمن توجيه إشعار إلى المؤمن له بذلك عبر البريد المضمون. ولا ينتج الفسخ أثره القانوني إلا بعد مرور ثلاثين يومًا من تاريخ توصل المؤمن له بالإشعار.

3 – الفسخ بإرادة المؤمن له :

أ – وفاة المؤمن له :

عند وفاة المؤمن له، تنتقل الأشياء المؤمن عليها إلى ورثته، وفي هذه الحالة، يكون لهؤلاء الورثة الخيار بين الاستمرار في تنفيذ العقد، حيث يلتزمون بدفع أقساط التأمين على نحو تضامني، أو طلب فسخ عقد التأمين إذا عجزوا عن دفع الأقساط أو إذا كانت شروط العقد لا تناسبهم. وفي الحالة الأخيرة، لا يعتبر العقد مفسوخًا إلا من تاريخ توصل المؤمن بإشعار من الورثة برغبتهم في فسخ العقد، ويتم ذلك عبر رسالة مضمونة.

ب – زوال الظروف المشددة لوقوع الخطر :

إذا تم تحديد الأقساط بناءً على ظروف خاصة بالخطر، وكانت هذه الظروف قد ذكرت في عقد التأمين، ثم زالت أثناء سريان العقد، فإن للمؤمن له الحق في المطالبة بتخفيض الأقساط بما يتناسب مع حجم الخطر الجديد. وفي حال عدم موافقة المؤمن على هذا التخفيض خلال مدة عشرين يومًا من تاريخ تقديم طلب المؤمن له، الذي يتم عبر رسالة مضمونة الوصول أو إشعار مشهود عليه بوصل، فإنه يحق للمؤمن له فسخ العقد رغم أي شرط مخالف لذلك.

ج – حجز الشيء المؤمن عليه :

في حالة حجز الشيء المؤمن عليه، يحق للمؤمن له أيضًا المطالبة بفسخ عقد التأمين، وذلك بعد إعلام المؤمن بوقوع الحجز بواسطة البريد المضمون.

د – تحقق الخطر المؤمن عليه :

قد تتعدد العقود التي تربط المؤمن والمؤمن له، وفي هذا السياق، منح المشرع للمؤمن الحق في فسخ عقد التأمين في حالة تحقق الخطر المؤمن عليه. في المقابل، أعطى المشرع للمؤمن له نفس الحق في فسخ العقود التي أبرمها مع المؤمن في حال قرر المؤمن فسخ أحد العقود بسبب تحقق الخطر المؤمن منه.

وقد نص المشرع على هذه المسألة في الفقرة الثالثة من المادة 26 من قانون التأمينات، حيث أوجب على المؤمن أن يتضمن في عقد التأمين شرطًا يمنح المؤمن له الحق في فسخ العقود الأخرى التي قد تربطه بالمؤمن، وذلك في حالة قيام المؤمن بفسخ أحد عقوده نتيجة تحقق الخطر المؤمن منه.

ويجب على المؤمن له ممارسة هذا الحق خلال مدة ثلاثين يومًا من تاريخ فسخ العقد من قبل المؤمن. يمكن للمؤمن له أن يقوم بذلك إما بتقديم تصريح في المقر الاجتماعي للمؤمن مقابل وصل، أو من خلال محرر غير قضائي، أو عبر رسالة مضمونة الوصول، ما لم ينص العقد على وسيلة تبليغ أخرى. ويترتب على الفسخ أثره القانوني بعد انقضاء ثلاثين يومًا من تاريخ توصل المؤمن بالإشعار الموجه له من المؤمن له.


مراجع :

  • محمد الشواي: محاضرات في العقود التجارية.
  • محمد أوغريس: عقد التأمين في التشريع المغربي دار قرطبة للطباعة والنشرة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1989.
  • فؤاد معلال: الوسيط في قانون التأمين، دار الآفاق المغربية من الأولى 2011.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى