المجال التجاريدراسات قانونية

آثار عقد التأمين

عند إبرام عقد التأمين، ينشأ آثار قانونية تلزم الأطراف المتعاقدة بالالتزام بتنفيذ التزامات متبادلة. ويعد الالتزام بتنفيذ هذه التزامات أمراً ضرورياً، إذ أن عدم التنفيذ يؤدي إلى تعرض الطرف المخل للجزاءات القانونية المقررة في حال الإخلال. علاوة على ذلك، قد تمتد آثار العقد لتشمل الغير، وهم المستفيدون من التأمين.

أولا // إلتزامات المؤمن له :

ينشئ عقد التأمين في ذمة المؤمن له عدة التزامات حددتها المادة 20 من مدونة التأمينات على النحو التالي:

– دفع قسط التأمين أو الاشتراك في المواعيد المتفق عليها بين الأطراف.

– الإفصاح عن جميع الظروف المعروفة لديه عند إبرام العقد، والتي قد تؤثر في قدرة المؤمن على تقدير المخاطر التي يتحملها.

– أن يوجه للمؤمن في الآجال المحددة في العقد التصريحات التي قد تكون ضرورية للمؤمن من أجل تحديد مبلغ قسط التأمين، إذا كان مبلغ هذا القسط متغيرا

– أن يصرح للمؤمن، طبقا للمادة 24 بالظروف المنصوص عليها في بوليصة التأمين و التي ينتج عنها تفاقم الخطر.

– أن يشعر المؤمن بكل حادث من شأنه أن يؤدي إلى إثارة ضمان المؤمن وذلك فور علمه بالحادث وبحد أقصى خلال خمسة أيام من وقوعه.

1 // الالتزام بدفع قسط التأمين :

يعد الالتزام بدفع قسط التأمين من أهم الالتزامات التي يفرضها عقد التأمين على عاتق الطرف المذعن، حيث يُعتبر القسط المساهمة المالية التي تُدفع لغرض تغطية الخطر المؤمن منه. وعادةً ما يكون المدين المباشر بدفع القسط هو المؤمن له، إلا أنه يجوز لأشخاص آخرين، مثل المستفيد من التأمين، أن يتولوا دفع هذا القسط بدلاً من المؤمن له.

يتم احتساب القسط بناءً على مبدأ “تناسب القسط مع الخطر”، أي أن مبلغ القسط يرتبط مباشرة بمستوى الخطر الذي يتم التأمين ضده. لذلك، فإن أي تغيير يطرأ على الخطر، سواء بالزيادة أو النقصان، يؤدي إلى تعديل مبلغ القسط بما يتناسب مع هذا التغيير، بحيث يتبع القسط في التغيير نفس الاتجاه الذي يسير فيه الخطر.

فصل المشرع أحكام الالتزام بدفع قسط التأمين من خلال المادة 20 وما يليها من مدونة التأمينات، ويمكن تلخيص هذه الأحكام في نقطتين أساسيتين: الأحكام الخاصة بأداء قسط التأمين (أ)، والمسطرة المتبعة في حالة الإخلال بهذا الالتزام (ب).

أ – الأحكام الخاصة بأداء قسط التأمين :

تقضي المبادئ العامة في الالتزامات بأن الدين يُطلب ولا يُحمل، وهو المبدأ الذي كان معمولاً به في قانون التأمين القديم. إلا أن المشرع استثنى من ذلك القسط الأول، حيث قرر أن هذا القسط يجب أن يكون محمولاً.

في مدونة التأمينات الجديدة، تخلَّى المشرع عن الطريقة التقليدية لاستخلاص الأقساط، ونص في المادة 21، الفقرة الأولى، على أنه: “يُؤدى قسط التأمين في موطن المؤمن أو الوكيل الذي عينه لهذا الغرض، ما لم ينص العقد على خلاف ذلك.”

وبالتالي، فإن المؤمن له هو الذي عليه السعي لأداء القسط في موطن المؤمن أو موطن وكيله عند حلول الأجل المحدد لذلك باتفاق الطرفين، أو في أبعد تقدير خلال العشرة أيام التالية لتاريخ استحقاقه.

يتم دفع هذا القسط إما نقدًا أو عن طريق شيك أو كمبيالة أو حوالة بنكية، ويجب على المؤمن أو من ينوب عنه تسليم المؤمن له أو ممثله مخالصة تثبت دفع المبلغ. أما بالنسبة لإثبات دفع القسط، فإنه يتبع القواعد العامة في الإثبات، وغالبًا ما يتم ذلك من خلال الإيصال الذي يقدمه المؤمن للمؤمن له. ومع ذلك، يمكن إثبات دفع القسط في الحالات التي لا يتجاوز فيها المبلغ عشرة آلاف درهم باستخدام البينة والقرائن.

في حال دفع المؤمن له قسط التأمين دفعة واحدة في بداية السنة، ثم انتهى عقد التأمين لأي سبب قبل مرور كامل مدة التأمين، يحق للمؤمن له مطالبة المؤمن بإعادة الجزء من القسط الذي يعادل الفترة التي لم يعد فيها التأمين ساريًا. وهذا يأتي في إطار مبدأ قابلية القسط للتجزئة الذي اعتمده المشرع المغربي.

ب – جزاء الإخلال بالتزام الوفاء بالقسط :

تختلف تبعات الإخلال بالالتزام بدفع القسط بين التأمين على الحياة والتأمين على غير الحياة.

  • – المسطرة المتبعة في حالة عدم أداء الأقساط في التأمين على غير الحياة :

تقتضي خصوصية التأمين أن يكون قسط التأمين محمولًا وليس مطلوبًا، وبالتالي فإن تأخر المؤمن له عن دفع القسط أو تراجعه عن الوفاء به يتيح للمؤمن المطالبة بالسداد بعد مرور عشرة أيام من تاريخ استحقاق القسط، وفقًا لإجراءات وشروط خاصة تتناسب مع طبيعة التأمين. بناءً على ذلك، نص المشرع المغربي على مجموعة من الإجراءات الخاصة بعقد التأمين تهدف إلى تقديم جزاء أكثر مرونة من الجزاء الذي تقتضيه القواعد العامة، والذي يتمثل في المطالبة بالتنفيذ الجبري أو طلب الفسخ مع التعويض. فإجراءات الجزاء العامة قد لا توفر حماية كافية للمؤمن، حيث يتعين عليه اللجوء إلى الدعوى القضائية مع التزامه بتغطية الخطر حتى يتم الفصل في الدعوى.

وفي هذا السياق، نصت المادة 21 من قانون التأمينات على مجموعة من المراحل التي يجب على المؤمن اتباعها قبل إيقاف التغطية.

فبعد مرور عشرة أيام من تاريخ استحقاق قسط التأمين، يتعين على المؤمن إرسال إنذار بالأداء إلى المؤمن له. يتخذ هذا الإنذار شكل رسالة مضمونة الوصول، تُوجه إلى آخر عنوان معروف للمؤمن له أو إلى من يمثله في دفع قسط التأمين. ويجب أن تتضمن هذه الرسالة ” التنصيص بشكل صريح على أن الرسالة تعتبر إنذارًا؛ و التذكير بمبلغ قسط التأمين المستحق وتاريخ استحقاقه؛ و تضمين نص المادة 21 من مدونة التأمينات”.

ويحق للمؤمن توقيف الضمان بعد مرور عشرين يومًا من تاريخ إرسال الإنذار، وتُحسب المدة من اليوم التالي لإرسال الإنذار. إذا صادف اليوم الأخير من المدة عطلة، يتم تمديدها إلى أول يوم عمل يليها. وفي حال كان المؤمن له يقيم خارج التراب الوطني، يُضاعف هذا الأجل ليصبح أربعين يومًا. وتعد هذه الأجال من النظام العام، لذا يُلغى أي شرط ينص على تقصير هذه المدة أو إعفاء المؤمن من توجيه الإنذار.

من المهم الإشارة إلى أن مرحلة توقيف الضمان لا تعني إلغاء عقد التأمين، بل يستمر العقد في إنتاج بعض آثاره، خاصة فيما يتعلق بالتزام المؤمن له بدفع الأقساط. أما التزام المؤمن بتقديم الضمان فيتوقف إذا اختار المؤمن ذلك. فقد ترك المشرع أمر توقيف الضمان لاختيار المؤمن، كما نصت المادة 21، الفقرة 2، على أنه “يحق للمؤمن توقيف الضمان…”.

ويمكن أن يستعيد العقد آثاره اعتبارًا من اليوم التالي لسداد الأقساط، وذلك في الساعة الثانية عشرة ظهرًا، في حال رغبة المؤمن له في الاستمرار في التأمين ودفع الأقساط المستحقة عليه. وإذا لزم الأمر، يتم دفع مصاريف المتابعة والتحصيل أيضًا.

وفيما يخص مرحلة فسخ العقد أو المطالبة القضائية بتنفيذه، فإنه بعد انقضاء عشرة أيام من تاريخ توقيف الضمان، أي بعد مرور ثلاثين يومًا من تاريخ الإنذار، يكون أمام المؤمن خياران:

الخيار الأول: المطالبة بفسخ العقد من خلال توجيه رسالة مضمونة إلى المؤمن له لإخطاره بفسخ العقد. في هذه الحالة، يُنتج الفسخ آثاره بنهاية اليوم الثلاثين الذي يلي تاريخ توجيه الإنذار، أي بعد مرور مهلة العشرة أيام من توقيف الضمان، وعندها يحق للمؤمن مباشرة حق الفسخ.

الخيار الثاني: اللجوء إلى المحكمة للمطالبة بتنفيذ عقد التأمين، حيث يمكن للمؤمن أن يطالب المؤمن له بتنفيذ التزامه بدفع القسط المستحق، مع تضمين المصاريف. كما يمكنه المطالبة بالتعويض إذا كانت هناك مبررات لذلك.

أما إذا قرر المؤمن عدم اتخاذ أي من الخيارين المذكورين، فإن الضمان يظل موقوفًا إلى أن يستجيب المؤمن له ويدفع القسط المستحق أو حتى تنتهي مدة العقد.

  • – خصوصية الجزاء المترتب عن عدم أداء القسط في التأمين على الحياة :

عرف المشرع المغربي في المادة 1 من مدونة التأمينات عقد التأمين على الحياة بأنه ” عقد يضمن المؤمن بمقتضاه تعويضات يتوقف تسديدها على بقاء المؤمن له على قيد الحياة أو وفاته وذلك مقابل دفعات مالية تسدد مرة واحدة أو بصفة دورية”.

يختلف هذا النوع من التأمين عن غيره من التأمينات الأخرى من حيث أنه يعتمد على فكرة الرسملة والادخار. حيث يتم تجميع الأقساط التي يدفعها المؤمن له بشكل دوري إلى المؤمن طوال فترة معينة أو طوال حياة الشخص المؤمن عليه. وفي المقابل، يقوم المؤمن بدفع مبلغ من المال للمؤمن له أو للمستفيد، ويتكون هذا المبلغ بشكل أساسي من الأقساط المدفوعة بالإضافة إلى الأرباح التي يتم تحقيقها من استثمار تلك الأقساط خلال الفترة المتفق عليها في العقد أو عند حدوث الخطر المؤمن منه.

وبناءً على ذلك، إذا تخلف المؤمن له عن دفع قسط التأمين، لا يمكن اتباع نفس الإجراءات المستخدمة في التأمين على غير الحياة، حيث إن ذلك قد يسمح للمؤمن بفسخ العقد والاحتفاظ بالمبالغ التي تم تجميعها لحساب المؤمن له. وهو أمر لا يتماشى مع مبدأ الادخار الذي يعد جوهر التأمين على الحياة.

من هنا، خصص المشرع جزاءً خاصًا يتناسب مع طبيعة التأمين على الحياة، حيث نصت المادة 86 من قانون التأمينات على أنه: ‘ إذا لم يؤد قسط أو جزء منه داخل العشرة (10) أيام من استحقاقه، يوجه المؤمن إلى المكتتب رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل يخبره بأنه بعد انتهاء أجل عشرين (20) يومًا من تاريخ توجيه هذه الرسالة، فإن عدم أداء هذا القسط أو الجزء وكذا الأقساط التي يكون استحقاقها قد حل خلال الأجل المذكور، يؤدي إما إلى فسخ العقد في حالة انعدام أو عدم كفاية قيمة استرداد رأس المال أو الإيراد المضمون، وإما إلى تخفيض رأس المال أو الإيراد المذكورين’.

2 // الالتزام بتقديم البيانات التعاقدية :

نظرًا لأن عقد التأمين يعد من عقود حسن النية، فإن الإدلاء بأي بيانات غير صحيحة أو مغلوطة أو غير كافية أو السكوت عن بعض المعلومات يترتب عليه آثار قانونية هامة.

أ – مضمون الالتزام بتقديم البيانات التعاقدية :

يتضح من خلال استقرائنا لنص المادة 20 من قانون التأمينات أن المؤمن له يلتزم بالتزامين: الأول يكون وقت إبرام العقد، والثاني اثناء سريان العقد.

  • – البيانات الواجب التصريح بها وقت إبرام العقد :

يلتزم المؤمن له في مرحلة التعاقد بتنوير إرادة الطرف الآخر (المؤمن)، وذلك عبر تزويده بكافة المعلومات الضرورية التي تمنحه فكرة دقيقة وصحيحة عن ظروف الخطر الذي يرغب في التأمين عليه. إذ على الرغم من أن المؤمن قد يمتلك معلومات عامة حول الحوادث والخسائر المتعلقة بأنواع التأمين المختلفة، إلا أنه يفتقر إلى التفاصيل الدقيقة والظروف الخاصة بكل خطر على حدة، وهذه المعلومات لا يعرفها إلا طالب التأمين نفسه.

وهكذا يجب على المؤمن له أن يفصح عن البيانات التي تعد أساسية لتمكين المؤمن من تقدير الخطر، على أن تكون هذه المعلومات معروفة له. وقد أقرّت المحاكم الفرنسية بأن المعيار في تحديد البيانات الواجب الإفصاح عنها يعتمد على مدى تأثير تلك البيانات على قرار المؤمن. بشكل عام، يمكن تصنيف هذه البيانات إلى نوعين: بيانات موضوعية وبيانات شخصية.

البيانات الموضوعية هي جميع المعلومات المرتبطة بالخطر المؤمن منه، وما يحيط به من ملابسات وظروف تؤثر في تقدير القسط أو في قرار قبول تغطية الخطر من عدمه. وتختلف هذه البيانات حسب نوع التأمين:

ففي التأمين من المسؤولية عن حوادث السير، يجب على المؤمن له أن يصرح بنوع العربة، وصانعها، وقوة محركها، وتاريخ شرائها، والغرض الذي ستستخدم من أجله؛ ويجب على المؤمن له في التأمين على الحياة أن يصرح بعمره الحقيقي، وكل البيانات المتعلقة بحالته الصحية والمهنية؛ وفي التأمين على الأشياء يُطلب من المؤمن له تحديد طبيعة الشيء المؤمن عليه، مثل شكله، وزنه، المواد التي صنع منها، قيمته، والغرض الذي أعد له، وكل ما من شأنه أن يؤثر في احتمال تحقق الخطر وبالتالي في تحديد قسط التأمين.

– والبيانات الشخصية هي المعلومات المتعلقة بالحالة الشخصية للمؤمن عليه، مثل الحوادث التي قد يكون قد ارتكبها وأدت إلى إلغاء التأمين، وعدد المرات التي سُحبت فيها رخصة قيادته، ومدى عنايته واهتمامه بالشيء المؤمن عليه.

بناءً على ذلك، يتعين على المؤمن له أن يصرح بجميع المعلومات التي تكون معروفة لديه أو التي كان يجب عليه معرفتها لتنوير إرادة المؤمن. في حال عدم الإفصاح عن هذه المعلومات، يُعتبر المؤمن له مقصرًا ويتحمل نتائج ذلك. كما أن هذا الالتزام لا يقتصر على مرحلة التعاقد فقط، بل يمتد طوال مدة التعاقد.

  • – البيانات الواجبة التصريح بها أثناء سريان العقد :

لا يقتصر التزام المؤمن له بالإدلاء بالبيانات على مرحلة التعاقد فقط، بل يمتد ليشمل طيلة مدة العقد. يجب على المؤمن له أن يصرح بأي تغييرات قد تطرأ على الخطر المؤمن منه. السبب وراء هذا الالتزام هو أن الظروف الجديدة قد تجعل التزام المؤمن بتغطية الخطر أشد عبئًا مما كان عليه عند التعاقد. وبالتالي، قد يؤدي ذلك إلى عدم قبول تغطية الخطر إذا كانت تلك الظروف موجودة أثناء التعاقد، أو على الأقل قد يكون من غير الممكن قبول التأمين بنفس القسط أو بنفس الشروط التي تم الاتفاق عليها في البداية.

المشرع بين حالتين فيما يتعلق بالظروف المستجدة. فإذا كانت هذه الظروف ناجمة عن فعل المؤمن له نفسه، فإنه يُلزَم بالإفصاح عنها مسبقًا للمؤمن بواسطة رسالة مضمونة. أما إذا كانت الظروف المستجدة خارجة عن إرادة المؤمن له، فإنه يُلزَم بالإفصاح عنها للمؤمن بواسطة رسالة مضمونة خلال مدة لا تتجاوز ثمانية أيام من تاريخ علمه بها.

ويبقى التأمين سارياً حتى يتخذ المؤمن أحد المواقف الثلاثة المنصوص عليها في الفقرة الثالثة من المادة 24 من مدونة التأمينات، وهي: الإبقاء على العقد بنفس الشروط، أو الإبقاء عليه مع زيادة في القسط، أو فسخ العقد.

ب – الإخلال بالالتزام بتقديم البيانات التعاقدية :

تختلف الآثار القانونية المترتبة عن الإخلال بالالتزام بالإفصاح عن البيانات المتعلقة بالخطر، حسب ما إذا كان هذا الإخلال ناتجًا عن حسن نية أو عن سوء نية.

  • – الإخلال بالالتزام بالبيانات عن حسن نية :

نص المشرع في الفقرة 1 من المادة 31 من مدونة التأمينات على انه : ” لا يؤدي الإغفال أو التصريح الخاطئ من طرف المؤمن له الذي لم تثبت سوء نيته إلى بطلان التأمين”. وعلى هذا الأساس، فإن إغفال الإدلاء ببعض البيانات التعاقدية، أو الإدلاء بها بصورة غير صحيحة أو غير كافية، دون أن يُثبت سوء نية المؤمن له، يبقي العقد صحيحًا. ومع ذلك، يختلف الجزاء المترتب على الإخلال بهذه البيانات بناءً على وقت اكتشاف الإخلال:

في حالة اكتشاف الكتمان أو التصريح الخاطئ قبل حدوث الخطر، يكون للمؤمن الخيار بين الاستمرار في العقد مع زيادة القسط بما يتناسب مع الخطر، أو فسخ العقد خلال عشرة أيام من إبلاغ المؤمن له بذلك عبر رسالة مضمونة، مع ارجاع جزء من القسط المدفوع عن الفترة التي لم يعد فيها التأمين ساريًا.

أما إذا تم اكتشاف الإخلال بعد وقوع الحادث، فيتم تطبيق مبدأ التناسب، حيث يتم تخفيض مبلغ التعويض بناءً على الفرق بين الأقساط المدفوعة وتلك التي كان يجب على المؤمن له دفعها في حال كان قد صرح بكل المخاطر بدقة.

وفي بعض دعاوى المسؤولية، يميل القضاء إلى إلزام شركة التأمين بدفع التعويض الكامل للمصابين في الحادث المؤمن منه، ثم الرجوع بعد ذلك على الشخص أو الجهة المسؤولة عن دفع الجزء الزائد من التعويض.

  • – الإخلال بالالتزام بالبيانات عن سوء نية :

إن إخفاء المعلومات أو تقديم بيانات غير صحيحة أو مغلوطة بنية سيئة، سواء أثناء التعاقد أو خلال مدة سريان عقد التأمين، يؤدي إلى بطلان العقد مع احتفاظ المؤمن بالأقساط المدفوعة له، وحقه في المطالبة بجميع الأقساط المستحقة كتعويض عن الأضرار التي لحقت به. وقد اشترط المشرع اعتبار العقد باطلاً في حال تسبب هذا الإخلال في تغيير موضوع الخطر أو تقليص أهميته بالنسبة للمؤمن، حتى وإن لم يكن لهذا التغيير في الخطر الذي تم إخفاؤه أو تغييره أي تأثير على الحادث الذي وقع.

3 // الالتزام بإشعار المؤمن عند تحقق الخطر :

يفرض هذا الالتزام على المؤمن له أن يُخبر المؤمن بأسرع وقت ممكن بوقوع الحادث الذي يؤدي إلى تفعيل ضمان المؤمن، وذلك بمجرد علمه بوقوع الحادث. وفي حالة إخلال المؤمن له بهذا الالتزام، يظل من حق المؤمن أن يعفى من مسؤوليته في تعويض المؤمن له.

أ – مضمون الالتزام بالإشعار عن تحقق الخطر :

عند وقوع الخطر المؤمن عليه، يتعين على المؤمن له إعلام المؤمن بتفاصيل الحادث، بما في ذلك تاريخ وقوعه، مكانه، والأطراف المتسببة فيه إن وجدت، وأي معلومات أخرى قد تساعد في توضيح الظروف المحيطة بالحادث. تعتبر هذه المعلومات ضرورية بالنسبة للمؤمن لأنها تتيح له اتخاذ التدابير اللازمة لحماية مصالحه. يجب أن يتم هذا الإبلاغ خلال فترة لا تتجاوز خمسة أيام، ما لم ينص القانون أو العقد على مهلة مختلفة أو في حالة وجود قوة قاهرة أو حادث فجائي.

من بين الفترات المحددة استثنائيًا، هناك مهلة يومين (48 ساعة) للإبلاغ عن وفاة الماشية، ويوم واحد (24 ساعة) للإبلاغ عن السرقة. إذا صادف اليوم الأخير من المهلة يوم عطلة، يتم تمديدها إلى يوم العمل التالي. كما سمح المشرع بتمديد المهلة القانونية البالغة خمسة أيام للتصريح بموجب بوليصة التأمين، ولكنه منع تقليصها لأن ذلك قد يضر بمصلحة المؤمن له.

ب – جزاءات الإخلال بالالتزام بالإشعار عن تحقق الخطر :

لم تشر مدونة التأمين إلى نص يحدد الأثر المترتب على إخلال المؤمن له بالإبلاغ عن وقوع الخطر وتقديم المستندات اللازمة لذلك. ومع ذلك، يسترشد الفقه والقضاء بالقواعد العامة في المسؤولية العقدية، التي تمنح المؤمن الحق في المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق به بسبب إخلال المؤمن له بالتزامه. وبالتالي، يحق للمؤمن تخفيض مبلغ التعويض المستحق للمؤمن له بما يتناسب مع الضرر الذي أصابه نتيجة لهذا الإخلال. ويتم ذلك من خلال إجراء المقاصة بين مبلغ التعويض المستحق للمؤمن له والمبلغ الذي يحق للمؤمن استرداده كتعويض عن الضرر الواقع عليه.

ويظل ذلك ما لم يتضمن عقد التأمين شرطًا ينص على سقوط حق المؤمن له في الحصول على مبلغ التعويض كأثر مترتب على إخلاله بالتزامه بالإبلاغ عن وقوع الخطر وتقديم المستندات اللازمة التي تثبت وقوعه.

يعد شرط السقوط هذا جزاءً اتفاقيًا يتيح للمؤمن التحلل من التزامه بضمان الخطر المؤمن منه، رغم تحقق الحادث، في حال لم يقم المؤمن له بأداء أحد التزاماته. وبذلك، يظل عقد التأمين ساريًا ويترتب عليه الحقوق والالتزامات المتفق عليها، لكن يسقط حق المؤمن له في المطالبة بالتعويض عن الحادث الذي وقع والذي لم يتم الإبلاغ عنه أو تقديم المستندات المتعلقة به.

وبما أن سقوط الحق في التأمين يُعتبر عقوبة مدنية، فقد اشترط المشرع المغربي ضرورة تضمين هذا الشرط صراحة في بوليصة التأمين وكتابته بأحرف بارزة؛ وإلا كان هذا الشرط باطلاً.

في إطار حماية المؤمن لهم من الشروط التعسفية، وضع المشرع المغربي بعض القيود على شرط سقوط الحق في التعويض وفقًا للمادة 35 من مدونة التأمينات. وعليه، يُعتبر شرط سقوط الحق في التعويض باطلاً في الحالات التالية:

– إذا نص الشرط على سقوط حق المؤمن له في حال خرقه للنصوص التشريعية أو التنظيمية، إلا إذا كان هذا الخرق يشكل جريمة أو جنحة مرتكبة عمدًا.

– إذا نص الشرط على سقوط حق المؤمن له لمجرد تأخره في إبلاغ الحادث للسلطات أو في تقديم الوثائق المطلوبة.

أما في حال عدم التصريح بالحادث نتيجة إهمال أو سهو أو جهل بالالتزام بالتصريح، دون أن يثبت وجود تعمد أو سوء نية، فإن عقد التأمين يظل ساريًا، ويستمر الضمان، مع تمكين المؤمن من المطالبة بتعويض يتناسب مع الضرر الذي لحق به بسبب عدم إعلامه بالحادث ضمن الأجل المحدد.

ثانيا // إلتزامات المؤمن :

يتحمل المؤمن بموجب عقد التأمين التزامًا رئيسيًا بدفع مبلغ التعويض للمؤمن له أو للمستفيد وفقًا للاتفاق المحدد عند تحقق الخطر المؤمن منه. بالإضافة إلى ذلك، يلتزم المؤمن بدفع قيمة النفقات التي اضطر المؤمن له إلى إنفاقها من أجل التخفيف من الضرر أو منعه نتيجة تحقق الخطر.

1 // الالتزام بدفع مبلغ التأمين :

بمجرد تحقق الخطر المؤمن منه، يصبح مبلغ التأمين مستحق الأداء، ويتعين على المؤمن دفعه في الأجل المتفق عليه، إذ يُعتبر هذا المبلغ مقابل التزام المؤمن له بدفع الأقساط. وعادةً ما يكون مبلغ التأمين مبلغًا ماليًا يُدفع للمؤمن له أو لشخص آخر مُعين في العقد، سواء كان ذلك له شخصيًا أو بصفته المضرور، كما في التأمين ضد المسؤولية.

ولكن لا يوجد ما يمنع من أن يتفق طرفا عقد التأمين على أن يتولى المؤمن إصلاح الأضرار الناجمة عن تحقق الخطر، أو تقديم تعويض عيني للمؤمن له في حال تحقق الضرر، مثل إعادة بناء العقار المتهدم أو تعويض الشيء المسروق بما يماثله.

على الرغم من أن المشرع المغربي لم يحدد أجلًا محددًا لتنفيذ المؤمن لالتزامه بدفع مبلغ التأمين، إلا أن عقود التأمين غالبًا ما تنص على أن يتم الدفع في غضون شهر من تاريخ المصالحة أو من تاريخ صدور حكم نهائي في الموضوع، ما لم يكن الحكم مشمولًا بالنفاذ المعجل.

وفي حال عدم الاتفاق على أجل لدفع مبلغ التأمين، يتعين على المؤمن الوفاء بالتزامه في أجل معقول، حتى لا يتضرر المؤمن له. وإذا تأخر المؤمن عن الدفع دون مبرر، يحق للمؤمن له المطالبة بالتعويض عن التأخير.

2 // التزام المؤمن بأداء نفقات توقي الضرر :

يلتزم المؤمن أيضًا بدفع جميع النفقات التي تكبدها المؤمن له لتخفيف آثار الحادث، بشرط أن تكون هذه النفقات ضرورية ومرتبطة بالخطر المؤمن منه. على سبيل المثال، تشمل النفقات التي يتم دفعها لإنقاذ الأشياء الثمينة من منزل تعرض للحريق إذا كان الخطر المؤمن عليه هو حريق المنزل، أو النفقات التي تحملها المؤمن له لإنقاذ المحاصيل الزراعية من الغرق في التأمين ضد الفيضان.

وقد حدد المشرع المغربي هذا الالتزام بالنفقات في المادة 63 من مدونة التأمينات، التي تنص على أن “يتحمل المؤمن المصاريف المرتبة عن كل متابعة بالمسؤولية موجهة ضد المؤمن له عدا اتفاق مخالف”. وفي حال نشوء نزاع حول استحقاق هذه النفقات أو تحديد قيمتها، فإن تقدير ذلك يعود إلى قضاء الموضوع. ويمكن للمحكمة، بناءً على طلب المؤمن له، أن تقرر تعويضًا عن التأخير في تنفيذ الالتزام، وفقًا لأحكام المسؤولية العقدية.


مراجع معتمدة :

  • فؤاد معلال: الوسيط في قانون التأمين، دار الآفاق المغربية من الأولى 2011.
  • عبد الرزاق السنهوري: الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء السابع مجلد الثاني ط 1964.
  • يوسف الزوجال: المنظومة الحمائية للمستهلك في عقود الخدمات، عقد التأمين نموذجا، دار الأمان، 2013.
  • محمد الشواي : محاضرات في العقود التجارية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى