رهن أدوات ومعدات التجهيز عبارة عن ضمان ينصب على أدوات ومعدات التجهيز دون التخلي عن حيازتها، يقدمه مشتريها إلى البائع أو المقرض الذي دفع الثمن إلى البائع، تأمينا لاستيفاء الدين عند تاريخ الاستحقاق تحت طائلة التنفيذ على الشيء المرهون عند الاقتضاء.
ولقد كان المشرع الفرنسي من بين السباقين إلى تنظيم رهن أدوات ومعدات التجهيز تحت الحاجة الملحة إلى تجديد وعصرنة الصناعة الفرنسية التي تاكلت وتقادمت بعد الحرب العالمية الثانية، حيث صدر قانون 18 يناير 1951 لمساعدة التجار والصناع في الحصول على الائتمان التجاري، فسمح لهم بالاقتناء والتسلم الفوري لأدوات ومعدات التجهيز مؤجلة الأداء مقابل إنشاء رهن على هذه الأدوات دون تجريدهم من حيازتها لفائدة البائع أو المقرض الذي يقدم الأموال اللازمة لأداء الثمن للبائع.
ومن هذا القانون، استقى المشرع المغربي الأحكام المنظمة لرهن أدوات ومعدات التجهيز المنصوص عليها في المواد من 355 إلى 377 من مدونة التجارة وكما هو الشأن بالنسبة لرهن السيارات والطائرات والسفن، فإن رهن أدوات ومعدات التجهيز لا يتطلب تخلي المدين عن الحيازة.
إنه تأمين يوجد في مرتبة وسطى بين الرهن الرسمي الذي يبقي الحيازة بين يدي المدين والرهن الحيازي الذي يمنع المدين الراهن من التصرف في المال المرهون، ولا ينعقد الرهن إلا بإتباع شكليات تتجلى في الكتابة والإشهار الذي يتم عن طريق القيد في سجل خاص تمسكه المحكمة التجارية التي تستغل الأدوات المرهونة بدائرتها، وبمجرد القيد ينشأ الامتياز لفائدة الدائن المرتهن وما يترتب عليه من حق الأفضلية وحق التتبع.
أولا – أركان إنشاء الرهن :
1) الأركان الموضوعية المتطلبة في انعقاد رهن أدوات ومعدات التجهيز :
ينشأ رهن أدوات ومعدات التجهيز بمقتضى عقد، لذلك يجب أن يخضع للأحكام العامة كسائر العقود إلى جانب الأحكام الخاصة الواردة بمدونة التجارة، وهكذا، ومن دون الدخول في تفاصيل الأحكام العامة ينبغي توضيح بعض المقتضيات كما يلي:
يعتبر رضا الطرفين الركن الأساسي أو الدعامة التي ينبني عليها عقد رهن أدوات ومعدات التجهيز، فالعقد لا ينعقد إلا بتراضي الطرفين على الرهن، أي تطابق الإيجاب والقبول، ويشترط أن يكون الرضا خاليا من أية شائبة يمكن أن تهدد العقد في وجوده أو في صحته.
إضافة إلى ذلك، يتعين أن تتوفر في مانح الرهن أهلية الأداء وليس أهلية الإدارة أو أهلية التبرع فقط، وإذا لم يكن أهلا للتصرف في ماله، فالعقد يكون باطلا بطلانا نسبيا لمصلحته، أما بالنسبة للدائن المرتهن، فلا تلزم فيه أهلية التصرف، ويكفي فيه التمييز أو أهلية التعاقد ما دام الرهن يعد من الأعمال النافعة له نفعا محضا.
أما سبب عقد الرهن، فهو تأمين استيفاء الدين المضمون في أجل الاستحقاق، فما قبل مالك الأدوات والمعدات الرهن إلا من أجل الوفاء بالدين المضمون في تاريخ الاستحقاق، وسيتبين من النقطة الموالية طبيعة هذا الدين ومحتواه.
الحقوق أو الديون التي يعقد الرهن دون التجرد من الحيازة لأجل ضمالها محدودة في نوعها، فلا ينبغي أن يوفر الرهن فرص الحصول على الائتمان إلا بالنسبة للبيوعات التي يعقدها المهنيون أو التجار، وبالفعل فالرهن يتقرر لضمان نوعين من الحقوق هما حق البائع على الثمن الذي بيعت به الأدوات أو معدات التجهيز المهني، وحق المقرض الذي يقدم الأموال اللازمة لأداء الثمن للبائع.
وفي ذلك تنص المادة 355 من م.ت على أنه ” إن أداء ثمن اقتناء أدوات ومعدات التجهيز المهنية يمكن أن يضمن سواء فيما يخص البائع أو فيما يخص المقرض الذي يقدم الأموال اللازمة لأداء الثمن للبائع وذلك برهن يقتصر على الأدوات أو على المعداة المشتراة”.
ويضمن الرهن كذلك حقوق من يوجد في وضعية مماثلة لوضعية المقرض وفقا لما تنص عليه الفقرة 6 من المادة 356 من م ت التي جاء فيها ما يلي “يعتبر بمثابة مقرضي الأموال الضامنون الذين يتدخلون بصفة كفلاء أو مانحين لضمان احتياطي أو مظهرين عند منح قروض التجهيز، ويحلون محل الدائنين بقوة القانون، ويجري نفس الحكم على كل من يظهر أو يخصم أو يضمن احتياطيا أو يقبل الأوراق المنشأة مقابل الديون المذكورة “.
ويلاحظ أن المادة 355 من م.ت تعطي انطباعا على أن الرهن المنصوص عليه في هذه المادة لا يقبل التطبيق على الأدوات والمعدات التي تستخدم في النشاط التجاري أو الصناعي، وأن مجال تطبيقها يقتصر على أدوات ومعدات التجهيز المهني كالأدوات اللازمة لتجهيز مكاتب المحامي وعيادات الأطباء وغيرها من المهن الحرة، لكن ولو أن المادة 355 من م.ت وصفت المعدات والأدوات بصفة “المهنية”، فإن هذه العبارة تؤخذ بالمفهوم الواسع إذ تنطبق حتى على أدوات ومعدات التجهيز التي تستخدم في المتاجر أو المصانع،
وما يدل على ذلك هو ما ورد بالمادة 357 من م.ت التير الزمت بمقتضى الفقرة الأخيرة، المشتري الذي يكون مقيدا في السجل التجاري بصفته ممارسا لنشاط صناعي أو تجاري، أن يقوم بتقييد هذا الرهن في السجل التجاري الذي تمسكه المحكمة المقيدة فيه مقاولته، وهو ما أكدته المادة 360 من م.ت التي تنص على أنه ” إذا كان المشتري مقيدا في السجل التجاري قيد الرهن كذلك في السجل التجاري …”. يضاف إلى ذلك أن أصحاب المهن الحرة غير ملزمين مبدئيا بالتقييد في السجل التجاري.
عندما يقوم صاحب الحق المضمون بالرهن بتحويل حقه في الانتفاع بالرهن إلى الغير، يجب أن يجري هذا الحلول مبدئيا، بواسطة اتفاق صريح وتجب الإشارة كذلك إلى هذا الحلول بطرة التقييد أو التقييدات، إذا كان المشتري تاجرا، خلال العشرين يوما من تاريخ المحرر الرسمي أو العرفي المثبت لذلك عند تسليم نظير من المحرر المذكور أو نسخة منه إلى كتابة الضبط، وفي هذه الحالة، تتحول الكفالات بقوة القانون إلى الدائنين، وكذلك الحال بالنسبة لكل من يظهر أو يخصم أو يقبل الكمبيالات المنشأة مقابل الدين المذكور.
وإذا ما نشأت نزاعات بين أصحاب التقييدات المتتابعة وجبت تسويتها طبقا لمقتضيات الفصل 215 من ق. ل.ع، ومعنى ذلك أنه في الحالة التي لا يستوفي فيها الدائن إلا جزء من دينه يشترك مع الغير الذي وفاه له في مباشرة حقوقهما ضد المدين كل بقدر حصته.
ويمكن إنشاء أوراق قابلة للتداول في مقابل الدين المضمون، ومن أجل تسهيل تداولها، وجد المشرع نفسه ملزما بالأخذ في الاعتبار الحلول المقررة في مجال الأوراق التجارية، وبذلك نص في م 362 من م.ت على أن الاستفادة من منافع الرهن تنتقل بقوة القانون إلى الحملة المتتابعين للأوراق المذكورة، ومع ذلك لا يجوز إنشاء هذه الأوراق إلا إذا تم التنصيص على ذلك في محرر الرهن وتمت الإشارة إليه في الجداول المعدة لتقييد الرهن، وإذا أنشئت عدة أوراق في مقابل الدين المضمون، وجبت ممارسة الامتياز المرتبط بهذا الدين من طرف المتابع الأول لحساب جميع الدائنين وبالنسبة لمجموع الدين.
إذا كان الرهن محدودا فيما يتعلق بالديون المضمونة، فإنه محدود كذلك فيما يتعلق بالأموال القابلة للرهن، إذ لا يمكن أن يقع إلا على أدوات أو معدات التجهيز المهني الجديدة أو المستعملة، ومعنى ذلك أن الرهن يجب أن ينصب على الأموال المخصصة للإنتاج وليس للاستهلاك.
وتجدر الإشارة، من جهة، إلى أن المال المخصص للتجهيز المهني ليس كذلك بطبيعته، إذ أن نفس المال يمكن أن يدخل أو لا يدخل في مجال الأدوات أو المعدات المخصصة للتجهيز المهني، وذلك بحسب المجال الذي استخدم فيه، ومثال ذلك آلة كهربائية منزلية، فهي ليست أداة للتجهيز المهني في حد ذاتها، وإن وصفها يتحدد بالغرض من استعمالها، ومن ثم، عندما يقتنيها شخص ما بهدف استعمالها لأغراض منزله، فهي لا تعتبر أداة للتجهيز المهني، ولكنها تعتبر كذلك بالنسبة لصاحب الفندق.
ومن جهة ثانية، لا يقتصر مفهوم أدوات ومعدات التجهيز المهني على كل ما يتعلق بالصناعة أو التجارة فقط، وإنما يشمل كذلك كل ما يرتبط بالفلاحة والحرف والمهن الحرة، وفي هذا الصدد اعتبر القضاء الفرنسي الجرار الذي يقتنيه المقاول في البناء من بين أدوات الورش التي يجوز رهنها دون التخلي عن حيازتها.
لقد استثنى المشرع المغربي صراحة بمقتضى المادة 376 من م.ت، من نطاق تطبيق أحكام رهن أدوات ومعدات التجهيز المهني السيارات المنظمة بمقتضى الظهير الشريف الصادر في (17 يوليوز 1936) المتعلق ببيع السيارات بالسلف، والسفن البحرية المنظمة بمقتضى الظهير الشريف الصادر في (31 مارس 1919) المعتبر بمثابة قانون للملاحة التجارية، وكذا المراكب المخصصة للملاحة النهرية، والطائرات المشار إليها في المرسوم رقم 261.161 الصادر في (10 يوليوز 1962) بشأن تنظيم الطيران المدني.
2) الشروط الشكلية المتطلبة في انعقاد رهن أدوات ومعدات التجهيز :
إذا كان الأصل في إبرام العقود هو الرضائية، والاكتفاء بتطابق الإيجاب والقبول، فإن المشرع اشترط الكتابة في رهن أدوات ومعدات التجهيز كشرط يجب أن يفرغ فيه الرضا حتى يرتب آثاره القانونية، ولا يهم إن اتخذت الكتابة صورة رسمية أو عرفية وفقا للفقرة الأولى من المادة 355 من م.ت التي جاء فيها ما يلي ” يتم الرهن بموجب محرر رسمي أو عرفي”.
والكتابة ليست شرطا للإثبات فحسب، بل هي شرط لانعقاد العقد، أو هي ركن لانعقاده يترتب البطلان على تخلفه، وقد استعمل المشرع مصطلح المحرر كمرادف لعبارة “الورقة” التي تستعمل كأداة لانعقاد أو إثبات العقد تمييزا لها عن العقد ذاته الذي هو اتفاق بين إرادتين على إحداث أثر قانوني.
وترجع أهمية الكتابة إلى أنها ضرورية في غياب نقل الحيازة إلى الدائن المرتهن، فهي تحمي الدائن لأنها تجعله متأكدا من ملكية المدين الراهن للأدوات أو المعدات موضوع الرهن ومن أهليته، وتساعده على إثبات كل ما يتعلق بنطاق الرهن في حالة حدوث نزاع بينه وبين المدين الراهن.
وتمثل قاعدة كتابة عقد رهن أدوات ومعدات التجهيز خروجا على القاعدة العامة في الرهن التجاري الذي يثبت بكافة طرق الإثبات سواء فيما بين المتعاقدين أو بالنسبة للغير أيا كانت قيمة الدين المضمون بالرهن، ويمكن تفسير ذلك برغبة المشرع في تفادي النزاعات المحتمل وقوعها حول نطاق الرهن، إضافة إلى أن تقييد الرهن في السجل التجاري يستوجب أن يكون العقد مكتوبا، فالكتابة هي الخطوة الأولى في سبيل الشهر.
ويجب أن يضمن الرهن في محرر البيع إذا تم لفائدة البائع، أو في محرر القرض إذا تم لفائدة المقرض الذي يقدم الأموال اللازمة لأداء الثمن للبائع، ويجب أن يشير العقد تحت طائلة البطلان إلى أن المبالغ التي دفعها المقرض كان موضوعها أداء ثمن الأدوات المشتراة، كما يجب أن يتضمن المحرر جردا بالأدوات المشتراة، وإعطاء وصف دقيق لكل منها من اجل تمييزها عن الأدوات الأخرى التي قد تكون من نفس الطبيعة وفي ملك المقاولة المدينة.
ويتعين الإشارة في المحرر كذلك إلى المكان الذي يجب أن توضع فيه تلك الأدوات بصفة ثابتة، وإذا كانت قابلة للانتقال من مكان إلى آخر وجبت الإشارة إلى ذلك أيضا في المحرر، وغني عن البيان أن العقد يجب أن يتضمن اسم الدائن واسم المدين وموطنهما وعناوينهما، وبيان مقدار الدين المضمون بالرهن، وأجل استحقاقه، وما إذا كان منتجا للفوائد، وسعرها وتاريخ سريالها.
اشترط المشرع أن يبرم عقد الرهن تحت طائلة البطلان، في أجل أقصاه 30 يوما تحسب من يوم تسليم الأدوات أو المعدات بالأماكن التي يجب أن تنصب بها، ومعنى ذلك أن إبرام العقد يأتي بعد تسليم المعدات، كما أن التسليم الذي يتم بمكان آخر غير المكان المتفق عليه من شأنه أن يسقط أجل 30 يوما الذي يصبح غير إلزامي ما لم يتفق الطرفان معا على تغيير مكان التسليم، وهنا يسري الأجل من يوم التسليم الذي تم بالمكان الجديد المتفق عليه، ولا شك أن البطلان المترتب على عدم احترام الأجل المذكور يصيب الرهن دون عقد القرض وعقد البيع.
ويبدو أن أجل الشهر الموالي لتسليم المعدات كاف لإبرام الرهن، خاصة وأن التسليم لا يتم عادة إلا بعد التغلب على جميع العقبات وتسوية جميع أوجه الاختلاف المحتملة بين الطرفين، ولذلك لا ينبغي إبقاء سيف الأجل الطويل مسلطا على عنق المشتري يتحكم فيه الدائن وقت ما شاء، إضافة إلى ذلك، فإن الرهن يضمن في محرر البيع إذا تم لفائدة البائع، كما أنه يضمن بمحرر القرض إذا تم لفائدة المقرض الذي يقدم الأموال اللازمة لأداء الثمن للبائع،
وأن هذا المحرر يجب أن يتضمن جميع المواصفات الخاصة بالمعدات المرهونة، وبيان المكان الذي ستوضع فيه، وتاريخ التسليم وغيره من البيانات، ولذلك فالمبدأ هو أن يبرم الرهن وقت إبرام عقد البيع أو عقد القرض، وبالتالي لا ينبغي إطالة أمد إبرام الرهن في الفرضية التي يبرم فيها بعد تسليم المعدات.
ومهما كان الأمر، فإن المشرع وضع حلا للحالة التي يتم فيها إبرام الرهن في تاريخ لاحق لتاريخ تسليم المعدات، ولكن ماذا لو تم إبرام الرهن قبل تسليم المعدات وهي فرضية غير مستبعدة بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة 356 من م.ت.
بالفعل، تثار صعوبة من الناحية العملية إذ غالبا ما يمنح الرهن للمؤسسة المقرضة التي ترتضي الائتمان من أجل شراء المعدات قبل تسليمها، بل أحيانا قبل صنعها، من الصعب إذن إن لم يكن من المستحيل الإشارة في المحرر إلى مواصفات المعدات، إضافة إلى ذلك يمكن وضع المعدات في مكان أو تسليمها في تاريخ مختلفين عن المكان والتاريخ اللذان تم الاتفاق عليهما أصلا؛ في هذه الفرضية يقع التسليم بعد محرر الرهن.
لا تسعفنا ف الأخيرة من م 356 من م.ت في إعطاء حل لهذه الصعوبة لأنها تتكلم فقط عن الرهن الذي يبرم بعد تسليم المعدات، ولذلك، يثار التساؤل التالي: هل يقع الرهن باطلا على أساس أن التسليم تم في مكان مخالف للمكان المحدد في العقد، أم على أساس أن التسليم حصل بعد التاريخ المحدد في العقد؟ هل يمكن أن تصبح الديون حالة الأجل بقوة القانون، أم يمكن إبرام رهن جديد على المعدات بالمواصفات والشروط الجديدة، أم يمكن إجراء تعديل على هامش التقييد الأصلي؟
يرى بعض الفقه أنه ما دام المدين والدائن قبلا بالتغييرات التي حصلت فلا سبيل لإبطال العقد، أما فرضية إبرام عقد جديد فهي مستبعدة كذلك، بقيت إذن إمكانية انجاز قيد معدل للقيد الأصلي، وما دام المشرع أجاز إمكانية إبرام الرهن بعد التسليم، واشترط أن يتم إبرامه خلال أجل أقصاه 30 يوما، فإنه في حالة وقوع التسليم بعد الرهن، يجب تمكين الطرفين من تسوية الوضعية ومنحهما أجلا لذلك، ومن ثم إلزام المدين بإعلام الدائنين المرتهنين بتاريخ ومكان التسليم، وإلزام الدائن بالقيام داخل أجل مماثل من يوم التوصل بالإشعار بإجراء قيد تكميلي على هامش القيد الأصلي، تحت طائلة عدم الاحتجاج بالرهن على الغير.
يجب، تحت طائلة البطلان تقييد الرهن خلال أجل أقصاه عشرون يوما من تاريخ المحرر المنشئ في سجل خاص بكتابة ضبط المحكمة التي تستغل الأدوات المرهونة بدائرتها، وإذا كان أجل التقييد قصيرا فهو أمر مبرر بضرورة المحافظة على مصالح طرفي الرهن والغير على حد سواء، فما بين تاريخ إنشاء الرهن وتاريخ التقييد في السجل الخاص قد تقع بعض الحوادث التي تؤثر سلبا على حقوق البعض، وقد يبادر المدين إلى التصرف في المعدات أو استبدالها بأخرى أقل جودة، وقد يرتب عليها حقوقا لفائدة الغير، وبما أن أموال المدين تشكل ضمانا عاما للدائنين، فقد يبادر أحد الدائنين ولو نشأ دينه قبل اقتناء المعدات المذكورة بالتنفيذ على هذه المعدات.
وفي هذا الأجل القصير حماية أكيدة للغير الذي يتعامل مع المدين بعد الرهن ويتفاجأ برهن سابق غير مقيد، كما قد يتواطؤ المدين الراهن والدائن المرتهن على تأخير إجراء القيد لإيهام الغير بأن المعدات غير مرهونة لتيسير سبل الاقتراض على المدين، ولذلك فالأفضل للجميع الإسراع بشهر الرهن من خلال قيده في السجل الخاص بذلك تحت طائلة البطلان.
وإذا كان المشرع يقصد، عند سن مدونة التجارة، بالمحكمة الابتدائية التي تستغل بدائرتها المعدات المرهونة المحكمة الابتدائية، فالمقصود بها الآن المحكمة التجارية بعد صدور القانون رقم 53.95 المحدث للمحاكم التجارية.
فمكان إجراء القيد بصفة عامة هو المكان الذي توجد به المعدات وإذا تعلق الأمر بشركة، فالإشهار يتم كذلك بكتابة ضبط المحكمة التجارية التي يوجد بدائرتها المقر الاجتماعي للشركة، وينص المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 357 من مدونة التجارة على أن المشتري إذا كان مقيدا في السجل التجاري بصفته ممارسا لنشاط صناعي أو تجاري، يجب أن يقيد الرهن في السجل التجاري الذي تمسكه المحكمة المقيدة فيه المقاولة.
ويتضح من المادة 358 من م.ت أن الدائن المرتهن هو الذي يلزم بالمبادرة بإجراء التقييد لأنه هو المعني بالدرجة الأولى بالرهن، وبالتالي من مصلحته الإسراع بالقيد، ومع ذلك لا يوجد ما يمنع المدين من اتخاذ المبادرة بإجراء التقييد، ولا ينبغي الجمع أو الخلط بين أجل عشرين يوما الخاص بالتقييد وأجل الثلاثين يوما المحتسب من تاريخ التسليم والخاص بتحرير العقد المنشئ للرهن.
إن التقييد بالسجل الخاص الممسوك لدى كتابة ضبط المحكمة التجارية التي تستغل الأموال المرهونة بدائرتها، يعطي إذن قوة وفعالية للضمان، ويحفظ للدائن المرتهن حق الأفضلية على غيره من الدائنين، ويخوله مزية الاحتجاج بحقوقه في مواجهة المدين والأغيار على السواء، ويلعب دور الحيازة في الرهن الحيازي، ويحمي كذلك حقوق الأغيار.
مما يعني أن الامتياز الناشئ عن الرهن لا يرتب مفعوله إلا بالتقييد، فالتقييد له أثر منشئ للحق، ومتى تم تقييد الرهن أصبح الامتياز موجودا وثابتا، وإذا لم يتم تقييده خلال الأجل المحدد اعتبر الرهن باطلا من أساسه، وهو أثر قانوني خطير يضيع معه امتياز الدائن المرتهن الذي لا يمكنه الاحتجاج بهذا الامتياز في مواجهة الغير، ولن يكون له في مواجهة المتعاقد معه على الرهن إلا حقا شخصيا.
وتوجب المادة 358 من م.ت على الدائن المرتهن عند طلب التقييد أن يدلي، شخصيا أو بواسطة الغير، بنسخة من محرر البيع أو القرض المنشئ للرهن إذا كان عرفيا أو بنظير منه إذا كان رسميا، إلى كتابة ضبط المحكمة التجارية التي تستغل بدائرتها الأدوات المثقلة بالرهن داخل أجل عشرين يوما من تاريخ المحرر المنشئ.
ويدلي كذلك الدائن بجدولين محررين على ورق عادي ويمكن تعويض احدهما بمجرد إشارة بذلك على نسخة أو نظير المحرر، ويشتمل الجدولان على الاسم الشخصي والعائلي والموطن لكل من الدائن والمدينرومهنتهم، وتاريخ العقد وطبيعته، ومبلغ الدين المصرح به في السند والشروط المتعلقة بالفوائد والاستحقاق، والمميزات الأساسية للمعدات (العلامة – الصنف – رقم السلسلة…) والمكان الذي يجب أن تنصب به المعدات أو الإشارة، عند الاقتضاء بأن هذه المعدات قابلة للانتقال، والموطن المختار من طرف الدائن المرتهن في دائرة المحكمة المطلوب التقييد في كتابة ضبطها.
أما فيما يتعلق بالمصاريف التي يجب أداؤها لانجاز التقييد، فإنه استنادا إلى المادة 62 من الظهير الشريف رقم 1.84.54 الصادر بتاريخ 27 أبريل 1984 المتعلق بالرسوم القضائية في المجالات المدنية والتجارية والإدارية، يتبين أن من يقوم بإيداع عقد رهن أدوات ومعدات التجهيز يجب أن يؤدي رسما قضائيا ثابتا محددا في مبلغ 150 درهما، إضافة إلى مبلغ نسي قدره 0,50 من مبلغ القرض، وتسري نفس الأحكام على كل تعديل يلحق العقد المودع.
وبمجرد ما يتلقى كاتب الضبط الوثائق المشار إليها، ينقل مضمون الجدولين في سجل خاص ويسلم لطالب التقييد نظير العقد مع أحد الجدولين بعد أن يشهد في أسفله على إتمام إجراءات التقييد.
ويمارس كاتب الضبط، قبل إتمام التقييد نوعا من الرقابة للتأكد من مختلف البيانات مثل العنوان وصفة الموقع على عقد الرهن، ومدى مطابقة رسم السجل التجاري لاسم المدين الراهن والتحقق من تاريخ العقد للتأكد من أن الإيداع تم داخل أجل العشرين يوما من تاريخ العقد، والتأكد كذلك من البيانات العامة للعقد، ومن أداء الدائن المرتهن للرسوم القضائية.
ويجوز لأي شخص أن يحصل من كتابة الضبط بالمحكمة المختصة إما على لائحة بالتقييدات الموجودة بشأن أدوات ومعدات التجهيز مع البيانات المتعلقة بالأسبقية وبالتشطيب الجزئي أو الكلي، أو بحلول بعض الدائنين محل البعض في الدين كله أو بعضه، وإما شهادة تقتصر على إثبات وجود أو عدم وجود تقييدات اتخذت على الأصل التجاري أو على أدوات ومعدات التجهيز.
تقييد الرهن في السجل الخاص بكتابة المحكمة التجارية التي تستغل الأموال المثقلة بالرهن بدائرتها لا يحفظ الرهن سوى لمدة خمس سنوات من تاريخ التقييد بدل عشر سنوات التي كان معمولا في ظل ظهير 22 نونبر 1956 المتعلق برهن أدوات ومعدات التجهيز والملغى بمقتضى المادة 733 من م.ت، ومن ثم يعتبر القيد الأصلي لاغيا إذا لم يجدد خلال الخمس سنوات، ويضمن التقييد إلى جانب الدين الأصلي فوائد سنتين، وينتهي مفعوله إذا لم يتم تجديده قبل انصرام الأجل المذكور.
والمادة 367 من م. ت تنص على أنه ” ويجوز تجديده بخمس سنوات أخرى”، فحسب بعض الفقه يجوز تجديد القيد إما بخمس سنوات أو أقل أو أكثر، أما فيما يتعلق بعدد مرات التجديد فالمشرع ساكت على عكس التشريع الفرنسي الذي حصر التجديد في مرتين، وهو ما يعني جواز التجديد في القانون المغربي ولو لمرة واحدة، ولا يشترط في ذلك إلا مراعاة إجراء التجديد قبل انصرام أجل خمس سنوات وتاريخ استحقاق الدين المضمون.
ويتعين على كاتب الضبط، عندما يتلقى طلب التجديد، أن يتأكد من أن التجديد تم قبل انصرام أجل خمس سنوات من تاريخ التقييد الأول ويشير في طرة التقييد الأول للرهن إلى تاريخ التجديد، ومدة التجديد، ثم يسلم إلى الدائن المرتهن أحد جدولي تجديد الرهن يشهد في أسفله على إجراء التجديد ويحفظ الجدول الآخر الذي يحمل ذات البيانات بكتابة الضبط.
وتجدر الإشارة إلى أن المادة 367 من م.ت لم تحدد ما إذا كان انتهاء مفعول التقييد لعدم التجديد يؤدي إلى التشطيب التلقائي أو لابد من تقديم طلب من لدن صاحب المصلحة، ويرى بعض الفقه، عن حق، أن التشطيب من لدن كاتب الضبط هو الذي ينسجم مع فلسفة المشرع في جعل التشطيب التلقائي وسيلة لتنقية السجل التجاري من مختلف الشوائب، وهذا لا يمنع صاحب المصلحة طبعا من المطالبة بالتشطيب على التقييد الذي لم يتم تجديده قبل انصرام أجل الخمس سنوات.
ثانيا – آثار رهن أدوات ومعدات التجهيز :
ينشأ الرهن باستجماعه لجميع أركانه الموضوعية والشكلية، ويترتب عليه منع المدين من القيام بالتصرفات الضارة بالدائن المرتهن أو المساس بالأشياء موضوع الرهن، كما يترتب على الرهن نشوء امتياز لفائدة الدائن المرتهن :
1) الأعمال الممنوع على المدين القيام بها :
بما أن حيازة الأدوات أو المعدات المرهونة تبقى بيد الراهن مما يسمح له بالاستمرار في الاستغلال رغم الرهن، فإنه يخشى أن يأتي بعض الأعمال التي من شأنها إنقاص ضمان الدائن المرتهن بشكل كبير من قبيل إساءة الاستغلال أو تبديد الأشياء المرهونة أو إتلافها أو تغييرها أو نقلها.
ولذلك وضع المشرع بعض الأحكام التي ترمي إلى إلزام الراهن بالمحافظة على الأدوات والمعدات المرهونة، فنص في المادة 377 من م.ت على عقاب المدين أو حائز الأموال المرهونة الذي يقوم عمدا بإتلافها أو محاولة إتلافها، أو يختلسها أو يحاول اختلاسها، أو يغيرها أو يحاول تغييرها بأي وجه من الوجوه، وقصد بذلك حرمان الدائن من التمتع بحقوقه، وذلك بعقوبة حبسية تتراوح بين ستة أشهر وسنتين وبغرامة يتراوح قدرها بين 2.000 درهم و 10.000 درهم.
ويعاقب بنفس العقوبة كل من أتى عملا تدليسيا من شأنه حرمان الدائن من الامتياز المخول له على الأشياء المرهونة، أو إضعاف هذا الامتياز، ويمكن إثبات التغيير الذي يصيب الشيء المرهون، أمام القضاء الزجري، بجميع وسائل الإثبات، ويمكن كذلك مساءلة المدين الذي يقبل إنشاء رهن على ما اشتراه من أدوات ومعدات، ويقوم بتسليمها للغير بدون علم البائع أو رضائه.
يبقى المدين في رهن أدوات ومعدات التجهيز حائزا لهذه الأشياء المرهونة، وبالتالي يستمر في استغلالها فيما أعدت له، ومع ذلك لا يجوز له بيعها كلها أو بيع بعضها قبل الوفاء بالدين المضمون أو استرداد المبالغ المضمونة إلا إذا وافق الدائن المرتهن على البيع، وإذا تعذر ذلك، وجب الحصول على إذن من قاضي المستعجلات بالمحكمة التجارية، وإذا خالف المدين هذه الشروط فباع الأموال المثقلة بالرهن كلها أو بعضها، فانه يتعرض للعقوبات المنصوص عليها في المادة 377 من م.ت.
يؤدي قيام المدين بنقل المعدات أو الأدوات المرهونة بدون إعلام المدين إلى مخاطر كبيرة، فقد يترتب على هذا النقل نقصان قيمة المعدات وبالتالي إضعاف التأمينات المقررة لصالح الدائن المرتهن، كما أن هذا الأخير يهمه معرفة المكان الذي توجد به المعدات المرهونة حتى يتمكن عند الاقتضاء، من التنفيذ عليها أو معاينة حالتها وما قد يكون لحقها من تلف أو اختلاس أو غيره.
ولذلك فرضت المادة 366 من م.ت على المدين الذي يرغب في نقل المعدات المرهونة من المكان الذي وضعت فيه لأول مرة بصفة ثابتة إلى مكان آخر، أن يعلم الدائنين المقيدين قبل خمسة عشر يوما على الأقل، بنيته نقل المعدات وبالعنوان الجديد الذي يعتزم استغلالها به وإذا أخل المدين بالتزامه بالإعلام تصبح الديون المقيدة مستحقة الأداء فورا.
وكذلك الحال، إذا قام المدين بنقل المعدات بدون موافقة الدائن المرتهن، ونشأ عن النقل نقصان في قيمة المعدات، يصبح الدين المضمون مستحق الأداء فورا وفقا لما تنص عليه الفقرة 4 من المادة 111 من م.ت التي أحالت عليها المادة 366 من نفس المدونة.
وتفرض المادة 366 من م.ت على الدائنين المرتهنين في خلال الخمسة عشر يوما من تاريخ الإعلام المبلغ إليهم، أو الخمسة عشر يوما الموالية لعلمهم بالنقل، أن يقوموا بتقييد العنوان الجديد على هامش التقييد الموجود، ويجب عليهم أيضا، إذا نقلت المعدات لتستغل بدائرة محكمة أخرى، أن يطلبوا إعادة التقييد الأول إلى تاريخه الأصلي مع الإشارة إلى العنوان الجديد في سجل هذه المحكمة، ويكون للقيد المذكور نفس الأثر القانوني للقيد الأول حتى لا يضار الدائن بنقل المعدات، لأنه لا دخل لإرادته في هذا الإجراء.
ورغم أن المادة 366 لا تشير إلى أي جزاء بالنسبة للدائن الذي أغفل القيام بهذه الإجراءات ، فإنها أحالت إلى المادة 111 من م.ت، وبناء على هذه المادة يسقط حق الدائن الذي أغفل القيام بتلك الإجراءات وتسبب بتقصيره هذا في إلحاق الضرر بالأغيار الذين وقع تغليطهم بشأن المركز القانوني للمدين.
وغني عن البيان أن الدائن المرتهن لا يلتزم بالقيام بهذه الإجراءات إلا إذا أعلم بالنقل من طرف المدين أو علم به، ومن ثم فإن الدائن الذي لم يتم إعلامه بالنقل أو لم يعلم به لا يتعرض لأي جزاء، ولا يفقد حق الامتياز بسبب إغفال تقييد العنوان الجديد على هامش التقييد الموجود.
إذن، وفقا للمادة 366 من م.ت يصبح الدين المضمون برهن أدوات ومعدات التجهيز مستحق الأداء فورا، ومن ثم يسقط حق المدين الراهن في الأجل، وذلك في حالتين اثنتين، هما حالة نقل المعدات المثقلة بالرهن من المكان الذي وضعت فيه بصفة ثابتة دون إعلام الدائنين المقيدين، ثم حالة نقل المعدات المثقلة بالرهن بدون موافقة الدائنين المرتهنين، شريطة أن يترتب على النقل في هذه الحالة الأخيرة نقصان في قيمة المعدات.
سقوط الأجل في هاتين الحالتين مبرر لأن النقل يؤثر في حقوق الدائن المرتهن وينتقص من ضمانه الخاص المقرر على مال معين هو المعدات أو الأدوات، ومع ذلك هناك اختلافات بين الحالتين، ففي الحالة الأولى يحل أجل الديون بقوة القانون، أما في الحالة الثانية فالأجل لا يسقط بحكم القانون بل يتعين رفع الأمر إلى القضاء للحكم بسقوط الأجل.
2) امتيازات الدائن المرتهن :
يترتب على الرهن المستجمع لكافة الأركان والشروط الموضوعية والشكلية امتيازات لفائدة الدائن المرتهن لضمان استيفاء حقه عند حلول الأجل، تتمثل هذه الامتيازات في حق الأولوية (أ) وحق التتبع (ب) :
عندما يحل أجل الدين دون أن يؤديه المدين، ويمارس البائع إجراءات التنفيذ على الشيء المرهون لاستيفاء حقه، فإنه يستوفي حقه بالأولوية على الدائنين العاديين والدائنين المقيدين، ذلك أن الرهن يرتب لفائدة الدائن المرتهن حقا عينيا على الشيء المرهون هو حق الرهن، وهذا الحق يعطي للدائن حق امتياز على الشيء المرهون هو حق الأولوية.
ورغبة من المشرع في تقوية حقوق بائعي أدوات ومعدات التجهيز، جعل من حق الأولوية وسيلة جد فعالة لأنه ضحى، في سبيل تعزيز امتياز بائع الأدوات والمعدات بعدة امتيازات لها مرتبة مفضلة في إطار القواعد العامة من قبيل الدائن المرتهن برهن رسمي، وامتياز الخزينة وامتياز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وصناديق القرض الفلاحي، وامتياز بائع الأصل التجاري الذي يدخل المال المثقل في استغلاله، وكذا امتياز الدائن المرتهن على مجموع الأصل المذكور، المقيد قبل تقييد رهن أدوات ومعدات التجهيز.
وعلى العكس من ذلك، فإن امتياز الدائن المرتهن لمعدات وأدوات التجهيز تسبقه في المرتبة امتيازات المصاريف القضائية، وامتياز مصاريف المحافظة على الشيء، والامتياز الممنوح للمأجورين بمقتضى الفقرة الرابعة من الفصل 1248 من ق.ل.ع.
ولكي يتمكن الدائن المرتهن من الاحتجاج بالرهن المنصب على أدوات ومعدات التجهيز تجاه كل من الدائن المرتهن رهنا رسميا وبائع الأصل التجاري والدائن المرتهن على مجموع الأصل التجاري الذين سبق تقييدهم يجب عليه أن يبلغ لهؤلاء الدائنين، وفق قانون المسطرة المدنية، نسخة من المحرر المنشئ للرهن، ويتعين انجاز هذا التبليغ تحت طائلة البطلان، خلال الشهرين المواليين لإبرام الرهن.
وهكذا، إذا كان وعاء الأولوية في عقد رهن أدوات ومعدات التجهيز هو هذه الأدوات ذاتها التي يستطيع الدائن المرتهن التنفيذ عليها بمقتضى حق الرهن فإنها قد تخصص لخدمة عقار فتصبح عقارا بالتخصيص وفي هذه الحالة يستمر امتياز الدائن المرتهن قائما عليها.
وبالفعل، استبعد المشرع بمقتضى المادة 364 من م.ت، تطبيق المادة 159 من ظهير 19 رجب 1333 على الأدوات والمعدات المرهونة التي ترصد لخدمة العقار، ومعنى ذلك أن تحول هذه الأدوات إلى عقارات بالتخصيص لا يعني فقدان الدائن المرتهن لامتيازه عليها، ثم إن الرهن الرسمي المنصب على العقار لا يشملها استثناء من أحكام الفصل 159 المذكور والذي حلت محله المادة 167 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية.
وكذلك الحال في حالة التزاحم بين الدائن المرتهن لأدوات أو معدات التجهيز وبائع الأصل التجاري الذي تدخل تلك المعدات المرهونة في استغلاله، فالدائن الأول له امتياز على الدائن الثاني الذي يمارس إجراءات بيع الأصل التجاري، وقد اشترط المشرع، للاحتجاج بحق الرهن تبليغه إلى بائع الأصل التجاري خلال الشهرين المواليين لإبرام الرهن تحت طائلة البطلان، أي أن الدائن المرتهن لا يمكنه الاحتجاج بحق الرهن وبامتيازه في مواجهة بائع الأصل التجاري ما لم يبلغه إليه خلال الأجل المذكور.
ونفس القواعد تسري على التزاحم بين الدائن المرتهن لأدوات ومعدات التجهيز والدائن المرتهن على مجموع الأصل التجاري الذي تدخل تلك المعدات في استغلاله.
وتجدر الإشارة إلى أنه إلى جانب إمكانية اعتبار أدوات ومعدات التجهيز عقارا بالتخصيص، فإن مالك العقار قد يضع هذه المعدات في عقاره الذي يستغل به التجارة أو الصناعة، فلا تكون تلك المعدات مخصصة لخدمة العقار في حد ذاته، وإنما مخصصة لخدمة نشاط تجاري أو صناعي وبالتالي تقبل الرهن في استقلال عن العقار وتعتبر عنصرا ضمن عناصر الأصل التجاري.
وغني عن البيان أن الاحتجاج بحق الرهن يستوجب تقييد الرهن في السجل الممسوك لدى كتابة ضبط المحكمة التجارية التي تستغل بدائرتها الأموال المرهونة، وتنحصر مدة الامتياز في خمس سنوات فقط تبتدئ من تاريخ انجاز التقييد، وينتهي مفعول الامتياز إذا لم يتم تجديد القيد قبل انتهاء الخمس سنوات المذكورة، ويضمن الامتياز إلى جانب الدين الأصلي فوائد سنتين.
للدائن المرتهن كقاعدة عامة حق تتبع الشيء المرهون والتنفيذ عليه في أي يد انتقل إليها إذ لا يستلزم حق التتبع بقاء الشيء المرهون في ملكية أو في حيازة الراهن، ولا يثار حق التتبع أصلا إلا إذا انتقل الشيء المرهون إلى يد الغير، وبذلك فحق التتبع مسخر في واقع الأمر لحماية حق الأولوية الذي هو جوهر حق الرهن، وحق الأولوية يظل مهددا إذا لم يعضد بحق التتبع.
تسري هذه الأحكام على الدائن المرتهن لأدوات ومعدات التجهيز بالرغم من أن المشرع لم ينص على حق التتبع صراحة ضمن المقتضيات المنظمة لرهن أدوات ومعدات التجهيز خلافا لما سلكه بالنسبة للدائن المرتهن للعقار.
ولكن المشكل الذي يثار عمليا هو أن الغير يصعب عليه معرفة ما إذا كانت هذه المعدات مرهونة أو غير مرهونة من جهة، ويصعب على الدائن المرتهن نفسه معرفة اليد التي انتقلت إليها الأشياء المثقلة بالرهن من جهة ثانية، وهو ما يعرقل تفعيل حق التتبع واقتضاء الدين المرهون بالأولوية على باقي الدائنين.
ثالثا – التنفيذ على الشيء المرهون :
في حالة عدم وفاء المدين بالدين في تاريخ الاستحقاق أو في حالة حلول الدين، يحق للدائن المرتهن التنفيذ على الشيء المرهون واستيفاء حقه من ثمن البيع (1)، وتختلف صور تحقيق الرهن بحسب الغرض الذي خصصت له المعدات (2) :
1) حالات المطالبة بالتنفيذ على الشيء المرهون :
تثار مسألة التنفيذ على الشيء المرهون في عدة حالات يمكن إجمالها فيما يلي:
– عندما يحل أجل الدين المضمون بالرهن على معدات وأدوات التجهيز دون أن يتم الوفاء به من قبل المدين الراهن، ومعنى ذلك أنه لا يمكن للدائن المرتهن التنفيذ على الشيء المرهون إلا إذا حل أجل الدين المضمون ولم يؤديه المدين.
– عندما يقوم المدين بنقل المعدات من المكان الذي وضعت فيه بصفة ثابتة إلى مكان آخر دون توجيه إعلام إلى الدائن المرتهن، ففي هذه الحالة يحل أجل الدين المقيد بقوة القانون.
– عندما يتقرر حجز تنفيذي على المعدات المثقلة بالرهن، فلا شك أن حقوق الدائن المرتهن لأدوات ومعدات التجهيز ستتضرر بسبب الحجز التنفيذي الواقع على هذه المعدات، ولذلك فمصلحة الدائن تقتضي اعتبار الدين حالا.
– عندما تتعرض المعدات أو الأدوات المرهونة للتلف أو السرقة ففي هذه الحالة كذلك يصبح الدين مستحق الأداء فورا ويفقد المدين مزية الأجل بعد استصدار الدائن المرتهن أمرا بذلك من قاضي المستعجلات.
2) صور وإجراءات تحقيق الرهن :
إذا لم يتوصل الدائن المرتهن بمبلغ الدين المضمون في تاريخ الاستحقاق أو تحققت إحدى حالات حلول الدين المشار إليها سابقا، أمكنه متابعة إجراءات تحقيق الشيء المرهون حسب الشروط المنصوص عليها في المواد 370 و 371 و 372 من م.ت، وتختلف صور وإجراءات تحقيق الرهن باختلاف الغرض الذي خصصت له المعدات المرهونة، أي بحسبما إذا أعدت لغرض صناعي (أ) أو فلاحي (ب) أو بحسبما إذا بيعت مع عناصر أخرى للأصل التجاري (ج) :
من أجل إضفاء فعالية أكثر على رهن ومعدات التجهيز، وتحقيقا لعوامل السرعة والثقة التي يرتكز عليها عالم الأعمال، ومن أجل تيسير سبل اقتضاء الحقوق المضمونة بالرهن التجاري غير الحيازي، عمل المشرع على تبسيط إجراءات التنفيذ على الشيء المرهون.
وبالفعل إذا تعلق الرهن بأدوات أو معدات مخصصة للاستعمال الصناعي وحل أجل الدين ولم يوفيه المدين، أو تحققت إحدى حالات حلول الدين المنصوص عليها في م 366 و 369 و 373 من م. ت، أمكن للبائع أو المقرض الذي قدم الأموال اللازمة لأداء الثمن للبائع، أن ينفذ على الشيء المرهون عن طريق بيعه بالمزاد العلني، وكل شرط مخالف لهذا المقتضى يكون عديم الأثر.
ولهذه الغاية يرفع الدائن المرتهن دعوى إلى قاضي المستعجلات لإصدار أمر يعاين فيه عدم تنفيذ المدين لالتزامه أو تحقق إحدى حالات حلول الدين، ويأذن بالتالي ببيع الأموال المرهونة عن طريق المزاد العلني، وينم تنصيص المشرع على عرض النزاع على قاضي المستعجلات عن رغبته في تبسيط الإجراءات قصد تمكين الدائن المرتهن من اقتضاء حقه بسرعة، ولهذا السبب أيضا لم ينص على إمكانية استئناف الأمر الصادر عن قاضي المستعجلات.
وعندما تباع المعدات بالمزاد العلني يستوفي الدائن حقوقه مباشرة من محصول البيع بعد خصم المصاريف، وإذا كان محصول البيع يفوق المبالغ المستحقة للدائن المرتهن، يودع الفرق بكتابة ضبط المحكمة لفائدة كل من له الحق في ذلك، وفي حالة العكس يبقى المشتري، أي المدين الراهن، مدينا بالباقي.
ويمكن للدائن المرتهن خلال ثلاثين يوما تحتسب من تاريخ انجاز البيع، وبعد إثبات حقوقه على ثمن الأموال المرهونة، أن يقيم دعوى ضد المقترض أو المظهرين أو الضامنين الاحتياطيين لمطالبتهم بباقي الدين، وإذا لم يرفع الدعوى داخل الأجل المذكور يسقط حقه في الرجوع عليهم.
إذا ورد الرهن على معدات مخصصة لاستعمال فلاحي، ولم يؤد المدين مبلغ الدين عند تاريخ الاستحقاق، أو تحققت إحدى حالات حلول الدين كما هي منصوص عليها في المواد 366 و 369 و 373 من م.ت، أمكن للدائن المرتهن مقرضا كان أو بائعا، في إطار المادة 371 من م.ت أن يتقدم بطلب إلى قاضي المستعجلات من أجل معاينة عدم تنفيذ المدين لالتزاماته، وكل اتفاق يقضي بالتنفيذ على الشيء المرهون دون إتباع هذه الإجراءات يقع باطلا.
وعندما يعاين قاضي المستعجلات عدم تنفيذ المدين لالتزاماته أو تحقق إحدى حالات حلول الدين يأمر باسترجاع الدائن للمعدات المرهونة، ويعين بمقتضى نفس الأمر خبيرا أو عدة خبراء ليحددوا قيمة المعدات بتاريخ استردادها، وبالرغم من أن الدائن المرتهن لا يمكنه ممارسة حق الحبس لأن المعدات المرهونة لا توجد بحوزته، فإن المشرع سمح له بالاستئثار بهذه المعدات كمقابل لدينه بالقيمة التي يحددها الخبراء.
يمكنه إذن أن يحتفظ بالمعدات لنفسه إذا قبل المبلغ الذي حدده الخبير أو الخبراء فيتفادى بذلك مشاركة من يمكنه أن يقدم عطاء أكبر كثمن هذه المعدات حالة بيعها بالمزاد العلني، وفي هذه الحالة تخصم تلك القيمة من مبلغ الدين، ومع ذلك فطلب الاستئثار هذا ليس إلا مجرد إمكانية لأنه يتوقف على قبول المدين الراهن.
وإذا لم يقبل أحد الأطراف المبلغ الذي حدده الخبير أو الخبراء، يتم عندئذ بيع الأشياء المرهونة بالمزاد العلني، ويلاحظ بهذا الصدد أن المشرع لم يحدد الجهة التي يمكن التصريح أمامها بقبول أو عدم قبول المبلغ الذي حدده الخبير أو الخبراء، ولم يحدد كذلك أجل وكيفية إتمام التصريح وكذا الجهة التي تقرر البيع بالمزاد العلني، وما إذا أمكن الطعن بالاستئناف ضد أمر قاضي المستعجلات أم لا.
يعتقد بعض الفقهاء أنه من أجل تسهيل وتسريع الإجراءات، يستحسن أن ينص الأمر القاضي بإجراء خبرة لتقييم المعدات على أجل معين يدلي كل طرف خلاله بمستنتجاته على ضوء الخبرة يضمنها في ذات الوقت تصريحه بقبول أو عدم قبول الثمن المحدد في تقرير الخبير، وعلى ضوء هذه المستنتجات يصدر قاضي المستعجلات أمرا ثانيا إما بتخصيص المعدات للدائن المرتهن بالقيمة المحددة في الخبرة أو بالبيع بالمزاد العلني للمعدات المرهونة.
وإذا كانت قيمة المعدات المحددة بواسطة الخبرة والمقبولة من قبل الطرفين، أو كان ثمن البيع بالمزاد العلني يفوق مبلغ الدين، ينتفع المدين الراهن بالفرق، ما لم يتعرض دائن آخر على دفعه، وإذا لم يكن المحصول كافيا لتغطية الدين المضمون بالرهن يبقى المدين الراهن مدينا بالفرق، وفي هذه الحالة الأخيرة يمكن للدائن المرتهن الرجوع على المقترض أو المظهرين أو الضامنين الاحتياطيين بعد إثبات حقوقه على الأموال المرهونة.
ويلاحظ أن المشرع لم يحدد أجلا للدائن المرتهن للمطالبة بباقي الدين خلافا لما فعله في حالة الرهن المنصب على المعدات المخصصة للاستعمال الصناعي إذ حدد أجل الرجوع في ثلاثين يوما تحتسب من تاريخ انجاز البيع.
يتعين على الدائن المرتهن لأدوات ومعدات التجهيز، الذي يتابع إجراءات تحقيق الرهن الامتثال قبل البيع لمقتضيات المادة 113 من م.ت التي تجيز لكل دائن يباشر إجراء حجز تنفيذي على الأصل التجاري، وكذا للمدين المتخد ضده هذا الإجراء، أن يطلب من المحكمة التي يقع بدائرتها الأصل التجاري بيع أصل المدين المحجوز عليه جملة مع المعدات والبضائع التابعة له.
ومعنى ذلك أنه عندما يتبين للدائن الذي يباشر إجراء حجز تنفيذي أو للمدين نفسه إمكانية الحصول على ثمن أكبر إذا بيع الأصل التجاري برمته مقارنة بثمن البيع الذي يمكن أن ينتج عن التحقيق الجزئي لمختلف عناصر الأصل التجاري أمكنه المطالبة بالتحقيق الشامل، أي بيع الأصل التجاري جملة مع المعدات التابعة له.
وهكذا، فان المعدات المثقلة بالرهن عندما يراد بيعها مع عناصر أخرى للأصل التجاري، يعين لها ثمن خاص عند افتتاح المزايدة أو ثمن خاص إذا ألزم دفتر التحملات المشتري بأخذ تلك الأموال بعد تقرير الخبراء، أكد المشرع على نفس المقتضيات في الفقرة الثالثة من المادة 120 من م.ت.
ويجب أن يبلغ البيع إلى صاحب الامتياز في موطنه المعين في التقييد خلال الخمسة عشر يوما قبل التاريخ المعين للبيع حيث يمكنه أن يطلب إخراج الأشياء المرهونة لفائدته لإقامة دعوى الفسخ إذا تعلق الأمر بالبائع أو صاحب الامتياز أو من حل محلهم، أو يمكنه في جميع الحالات المطالبة بمتابعة البيع طبقا لأحكام المادتين 370 و 371 من م.ت.
وإذا لم يطلب إخراج تلك الأموال المرهونة، تخصص المبالغ المحصلة من بيعها قبل كل توزيع للمستفيدين من التقييدات في حدود مبلغ أصل الدين والمصاريف والفوائد التي تضمنها التقييدات، مقابل وصل بذلك من طرف الدائن المنتفع من الامتياز.
رابعا – التشطيب على الرهن :
انطلاقا من نص المادة 374 من م.ت، يتبين أن التشطيب على الرهن يتم بإحدى الوسيلتين الآتيتين: إما برضا الطرفين (1) أو بواسطة حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به (2) :
1) التشطيب المبني على رضاء الطرفين :
يتم التشطيب على رهن أدوات ومعدات التجهيز برضا الطرفين وذلك بواسطة شهادة رفع اليد يدلي بها الدائن المرتهن لقسم السجل بالمحكمة التي تم تقييد الرهن بدائرتها، وبناء على هذه الوثيقة يقوم كاتب الضبط بالتشطيب الكلي أو الجزئي على القيد. ويستوفى على التشطيب رسم قضائي حدد في 50 درهما طبقا لما تم التنصيص عليه في الفصل 63 من الظهير الشريف رقم 1.84.54 المتعلق بالرسوم القضائية في المجالات المدنية والتجارية والإدارية.
2) التشطيب المبني على حكم قضائي :
قد يكون هناك موجب قانوني للتشطيب على الرهن، كأن يؤدي المدين كامل الدين المضمون بالرهن في تاريخ الاستحقاق، ومع ذلك يرفض الدائن المرتهن التشطيب على الرهن، ففي هذه الحالة سمح المشرع للمدين الراهن، بمقتضى الفقرة الثالثة من المادة 374 من م.ت، برفع دعوى أصلية بالتشطيب على الرهن أمام المحكمة التي تم التقييد بدائرتها، ولا يشطب كاتب الضبط على القيد إلا بحيازة الحكم القاضي بالتشطيب لقوة الشيء المقضي به.
يتم التشطيب على الرهن عن طريق التنصيص عليه من طرف كاتب الضبط في طرة التقييد، ويسلم شهادة التشطيب لمن يطلبها من الأطراف.
المراجع :
– المهدي شبو: الدليل العملي في السجل التجاري.
– يوسف افريل: الرهن الرسمي العقاري “ضمانة بنكية للدائن المرتهن”.
– عبد المجيد غميجة: رهن أدوات ومعدات التجهيز.
– بوعبيد عباسي: العقود التجارية.
– مدونة التجارة.
– قانون المسطرة المدنية.
– ظهير الإلتزامات والعقود.