تضم العقود التجارية مجموعة من العقود المرتبطة بالنشاط التجاري، منها ما تناولته المادة التجارية بالتعريف و التنظيم و يطلق عليها العقود التجارية المسماة، ومنها ما لم يتناوله المشرع في أي نص قانوني و تسمى بالعقود التجارية الغير مسماة.
أما المجموعة الأولى فهي التي حصلت الإشارة الى أحكامها الخاصة في مدونة التجارة، كما هو الحال بالنسبة للعقود التي تقع على الأصل التجاري والعقود الأخرى التي جاءت في الكتاب الرابع تحت عنوان العقود التجارية بمقتضى الفصول 336 إلى 544 بالإضافة إلى بعض العقود الأخرى التي نظمها المشرع في نصوص قانونية مختلف (عقد الشركة، عقد التأمين، عقد الفاكتورين …).
أما بخصوص المجموعة الثانية و التي لم يفرد لها المشرع أحكام خاصة بها إما لحداثتها أو لقلة انتشارها، فقد ارتبطت أساسا بمبدأ حرية التعاقد الذي ساهم في ظهور مجموعة من العقود الجديدة والتي تتماشى و حاجيات التجار وتتطور بتطور المعاملات التجارية، وتعرف هذه العقود تطبقا مهما على المستوى الداخلي و الدولي، كما هو الأمر بالنسبة لعقد الترخيص التجاري، أو ما يعرف بالفرنشيز، و عقد الاعتماد المستندي الذي يعتبر من أهم العمليات البنكية.
– عقد الترخيص التجاري: هي علاقة تعاقدية بين طرفين هما المانح franchiseur و الممنوح له franchise يلتزم بمقتضاها المانح بنقل المعرفة الفنية والتدريب للممنوح له، الذي يقوم بالعمل تحت اسم تجاري معروف أو شكل أو إجراءات مملوك أو مسيطر عليها من قبل المانح، وفي هذا العقد يقوم الممنوح له باستثمار أمواله الخاصة في عمل بحيث تكون مخاطر نجاح هذه العملية عليه و يتحملها وحده دون غيره.
– عقد الفرنشيز ترجم إلى عدد لا يستهان به من المصطلحات العربية، حيث نجد من يترجمه بعقد السماح أو عقد العرض أو عقد الامتياز التجاري، أو عقد التصريح، لكن المصطلح الأكثر شيوعا في الأوساط الفقهية العربية و المغربية على الخصوص هو مصطلح الترخيص التجاري.
– عقد الاعتماد المستندي : هو عقد يجمع في الغالب شركات الاستيراد والتصدير و هو عبارة عن علاقة قانونية يتعهد البنك بمقتضاها بفتح اعتماد لصالح شخص آخر بناء على طلب أحد عملائه بضمان مستندات تمثل بضاعة منقولة أو معدة للنقل أي أن المؤسسة البنكية مجرد وسيط بين المستورد و المصدر لضمان حق الطرفين.
و بعيدا عن هذا التقسيم الكلاسيكي الذي يعتمد على المعيار التنظيمي، هناك تقسيم حديث اعتمده الفقه التجاري الذي اهتم بمادة العقود التجارية نظرا لأهميتها و لدورها في الحياة التجارية و الذي اعتمد على موضوعات العقود التجارية وقسمها إلى أربعة طوائف من العقود :
أولا – عقود الوساطة التجارية :
ما من شك في أنه لا يمكن اليوم الحديث عن الميدان التجاري دون الحديث عن دور الوسطاء، فالوسيط ينتقل بين التجار لربط الاتصال بينهم، و التقريب بين إرادتهم، فهو كثيرا ما يقابل الطالب بالعارض، وبفضله يتحقق تداول الثروات، لذلك فالتاجر يكون مجبر على إبرام مجموعة من العقود مع هؤلاء ليقربوه إلى غيره من المنتجين و الموزعين والمستهلكين، وتتنوع الوساطة التجارية بتنوع العقود التي ترد عليها وبتنوع الدور الذي يقوم به هؤلاء الوسطاء لإبرام هذه العقود.
وتعد كل من السمسرة والوكالة بالعمولة والوكالة التجارية من أبرز صور الوساطة التي نظمها المشرع في الكتاب الرابع من مدونة التجارة، وتتميز هذه الفئة من الوسطاء بكونها تمارس عملها على وجه الاستقلال لكونهم لا يرتبطون بشركة معينة او تاجر معين، وإنما يقومون بأعمال الوساطة لإبرام صفقات تجارية لحساب الغير.
1) السمسرة :
السمسرة هي عملية تقريب بين شخصين في صفقة معينة لإتمامها، ويقتصر دور السمسار على كل ما من شأنه أن يؤدي إلى انعقاد العقد، كالعثور على من يقبل التعاقد والدخول في المفاوضات بين الطرفين، مقابل حصوله على عمولة غالبا ما تكون عبارة عن نسبة مئوية من قيمة الصفقة.
وقد أفرد المشرع المغربي لعقد السمسرة مجموعة من المواد في مدونة التجارة، والتي استهلها بتعريفه في الفقرة الأولى من المادة 405 بقوله” السمسرة عقد يكلف بموجبه السمسار من طرف شخص بالبحث عن شخص آخر لربط علاقة بينهما قصد إبرام عقد”.
2) الوكالة بالعمولة :
الوكالة بالعمولة هي كل تعهد من شخص يسمى الوكيل بالعمولة بالقيام بالأعمال التجارية باسمه لحساب موكله مقابل عمولة ويلجأ التاجر إلى الوكيل بالعمولة في الحالات التي لا يستطيع فيها التعاقد باسمه لأن الغير لا يقبل التعاقد معه، إما لأنه حديث العهد بالتجارة او لافتقاد الثقة بينهما، أو لأي سبب آخر، فيلجأ إلى الوكيل بالعمولة للاستفادة من الثقة والخبرة التي يتمتع بها هذا الأخير في السوق
وقد نظم المشرع المغربي هذه العملية في الكتاب الرابع من مدونة التجارة، وعرفها من خلال المادة 422 على أنها “عقد يلتزم بموجبه الوكيل بالقيام باسمه الخاص بتصرف قانوني لحساب موكله “.
3) الوكالة التجارية :
الوكالة التجارية هي عملية وساطة يتولى فيها شخص يسمى الوكيل التجاري بالتفاوض و التعاقد باسم و لحساب تاجر مقابل مبلغ من المال متفق عليه، و لا تعتبر الوكالة كعملية تجارية إلا إذا مارسها شخص معين على سبيل الاعتياد أو الاحتراف.
و على الرغم من عدم ذكر المشرع المغربي في المادة السادسة للوكالة التجارية كنشاط من الأنشطة التجارية فإنه نظمها في الكتاب الرابع بمقتضى المواد 393 إلى 404، حيث عرفها من خلال المادة 393 بقوله “الوكالة التجارية عقد يلتزم بمقتضاه شخص و دون أن يكون مرتبطا بعقد عمل، بالتفاوض أو بالتعاقد بصفة معتادة، بشأن عمليات تهم اشرية أو بيوعات، أو بصفة عامة جميع العمليات التجارية باسم والحساب تاجر أو منتج او ممثل تجاري آخر يلتزم من جهته بأدائه أجرة عن ذلك”.
ثانيا – عقود الخدمات التجارية :
تعتبر عقود الخدمات التجارية من أغلب صور الأعمال التجارية التي جاءت بها المادة السادسة من مدونة التجارة فهي تشمل عقود النقل بنوعيه على الأشياء وعلى الأشخاص، وتنظيم الملاهي العمومية و البريد و الموصلات و عمليات التأمين التي تربط بين شركة التامين و المؤمن لهم، وعمليات البناء و الأشغال العمومية.
و على خلاف بعض التشريعات المقارنة فإن المشرع المغربي لم يتناول من خلال مدونة التجارة سوى عقد النقل، بينما تناولت بعض القوانين الخاصة تنظيم بعض العقود كما هو الحال بالنسبة لمدونة التأمينات التي نظمت عقد التأمين بقسط ثابت، والقانون البحري الذي بدوره نظم عقد التأمين البحري.
فالتأمين نوعين : تأمين تجاري بقسط ثابت تقوم به شركات تتخذ شكل شركة المساهمة في سوق التأمين بقصد الحصول على الربح. ويمتاز هذا النوع من التأمين بثبات قسط التأمين الذي يلتزم المؤمن له بدفعه للمؤمن لتغطية الخطر المؤمن منه أي أن القسط المتفق عليه لا يجرى عليه أي تغيير بحسب المخاطر التي تتحقق أو درجة جسامتها بل يظل ثابت خلال المدة المحددة للتأمين بحيث لا يجوز للمؤمن مطالبة المؤمن له بأكثر من القسط المتفق عليه، طالما أن الخطر المؤمن منه لم يطرأ عليه أي تغيير، وهذا خلافاً للتأمين التعاضدي الذي يكون فيه الاشتراك الذي يلتزم به أحد اشخاصه متغاير تبعاً للمخاطر التي تتحقق أو درجة جسامتها فكلما زاد مقدار التغطية زادت تبعاً له حصة العضو.
و النوع الثاني : هو تأمين تعاوني أو تعاضدي ينبني على اتفاق بين مجموعة من الأشخاص تجمعهم حرفة أو مهنة أو طائفة أو غير ذلك على أن يلتزم كل شخص منهم بدفع مبلغ من المال في صورة اشتراكات أو غيرها، فإذا تعرض أحدهم لخطر معين من المحتمل أن يتعرضوا له جميعا، صرف له المبلغ المحدد من مجموع الاشتراكات وإذا لم تكن كافية لتغطية هذا المبلغ التزم كل منهم بالمساهمة في تغطيته، ويبقى هذا النوع غير خاضع المدونة التجارة.
ثالثا – العقود البنكية والتمويلية :
تخضع مؤسسات الائتمان في المغرب إلى مجموعة من القوانين التشريعية و التنظيمية، و لعل أبرزها ما بات يعرف بالقانون المحدث للبنوك التشاركية والذي صدر بمقتضى الظهير رقم 1.14.193 بتاريخ الأول من ربيع الأول 1436 (24 دجنبر 2014)،
ويضم هذا القانون مختلف العمليات التي تدخل في نشاط الأبناك وشركات التمويل في تعاملها مع زبنائها، بحيث إن الابناك تقوم بدور مهم في منح الائتمان بمختلف صوره كالقرض و الخصم ومنح الاعتمادات وعمليات الإيداع، وهذه المعاملات البنكية ترتبط ارتباطا جوهريا بنشاطها الأصلي، وتأخذ شكل عقود بنكية نظمها المشرع المغربي،
بالإضافة إلى الائتمان الإيجاري في الكتاب الرابع من مدونة التجارة بعدما كانت هذه العقود وليدة العمل البنكي في غياب أساس قانوني تستند عليه، هذا العقد الذي بمقتضاه تقوم مؤسسة تمويلية مرخص لها بهذا الشأن بشراء ما يحتاج إليه المستثمر أو المقاولة من معدات وآلات وأدوات النقل أو عقار في اسمها مشيد أو في طور التشييد بعد اختيار المستفيد من العملية المورد و ما يحتاج إليه، والاتفاق في نفس الوقت مع هذا الأخير على كل الموصفات التي يرغب فيها وتاريخ التسليم، وتقوم مؤسسة الائتمان بشراء ما ذكر في اسمها بعدما تتعاقد مع المستعمل على كراء ما اشترته لفائدته بمدة معينة،
غالبا ما تكون هذه المدة تغطي الثمن الذي اشتري به الشيء و هامش الربح ويقع الاتفاق مسبقا على أداء المستفيد دفعات مالية خلال مدة استعمال الآلة ومقدار كل الأقساط المتفق عليها وزمان و مكان الوفاء بها، وعلى عدم فسخ عقد الكراء طيلة المدة المتفق عليها في العقد.
و بعد انتهاء مدة العقد يبقى أمام المستعمل “حق إرجاع الشيء المكترى إلى مؤسسة الائتمان الإيجاري، وحق رفع خيار الشراء مقابل ثمن يتم الاتفاق عليه بين الطرفين، وحق تجديد عقد الكراء”.
و من العقود الجديدة التي جاء بها القانون البنكي عقد شراء الفواتير (factoring) الذي تلتزم بموجبها إحدى مؤسسات الائتمان بتحصيل ديون تجارية وتعبئتها إما عن طريق شراء الديون المذكورة وإما عن طريق التصرف كوكيل للدائن مع ضمان حسن إنجاز العملية في هذه الحالة الأخيرة.
ولا يمكن الحديث عن العقود البنكية دون أن نتطرق إلى أحد أهم العقود البنكية على المستوى الدولي، فالمؤسسة البنكية تلعب دور مهم في عملية التصدير والاستيراد وذلك بما تقدمه من مساعدات مالية للمهتمين بالتجارة الخارجية في شكل قروض أو تسهيلات مالية، كما انها تعتبر القناة التي تمر عبرها جميع العمليات التي تهم البيوعات الدولية، وتعتبر أيضا الوسيطة و الضامنة بين المقاولات والبنوك الأجنبية، وهذا ما يعرف بعقد الاعتماد المستندي.
رابعا – عقود الرهن التجاري :
لعل من أهم اهتمامات التاجر في العصر الحديث هو السعي للحصول على التمويلات اللازمة لنمو وازدياد حجم أنشطته التجارية، سواء أمكن الحصول عليها من دائنين عاديين او من مؤسسات بنكية.
إلا أنه وبالنظر إلى تزايد عدد الافلاسات من جهة والحماية التي يقدمها التشريع الحديث للمدين من جهة ثانية فقد أصبحت المطالبة بتقديم ضمانات عينية للوفاء بالدين من بين الاجراءات الروتينية التي يطلبها الدائن و خصوصا إذا كان هذا الأخير عبارة عن مؤسسة بنكية فإنها تشترط مجموعة إضافية من التأمينات العينية على مدينيها مخافة أن تتعرض إلى مزاحمة باقي الدائنين عند الاستحقاق.
و بالرجوع إلى المنظومة التجارية بأكملها لابد من أن نسجل وجود عدة أموال يمكن ان تحقق الحماية الفعلية للدائنين بالنظر إلى كون المشرع اهتم بهذا الجانب على مستوى جميع القوانين المرتبطة بتمويل المشاريع، وهته الأموال لها دور مهم في الحياة الاقتصادية للتجار، كما هو الحال بالنسبة للأصول التجارية والقيم المنقولة و الأوراق التجارية.
و في هذا الإطار تبرز أهمية الرهن التجاري كأفضل السبل للحصول على التمويلات اللازمة للمقاولة خصوصا الرهن التجاري دون انتقال الحيازة، كما هو الأمر بالنسبة لرهن الأصل التجاري و رهن أدوات و معدات التجهيز ورهن القيم المنقولة.