المجال التجاريقانونيات

النظريات التي اعتمدها المشرع كأساس لبناء القانون التجاري

1/ سياق نشأة النظريتين المادية والموضوعية :

يقسم الفقه الفرنسي المراحل التي مر منها تطور التجارة وقانون التجارة الفرنسي إلى مرحلتين أساسيتين:

تبدأ المرحلة الأولى بعصر لويس الرابع عشر، وتنتهي بالثورة الفرنسية، وفي هذه المرحلة تحققت فكرة تدوين أو تقنين القانون حيث تمكن الوزير كولبير (Colbert) من إقناع الملك لويس الرابع عشر بإصدار أمرين هامين حققا للبلاد الوحدة التشريعية، وذلك بالقضاء على تعدد الأنظمة والتقاليد والأعراف التي كانت تختلف من طائفة تجارية إلى أخرى.

وتبدأ المرحلة الثانية بالثورة الفرنسية وتنتهي بصدور مدونة نابليون “Code Napoleon” لسنة 1807، وتميزت هذه المرحلة على الخصوص بصدور قانون 2 و 17 مارس 1791 الذي أعلن الحرية التجارية كحق طبيعي وجوهري للإنسان، وبصدور قانون شابليه ” loi deChapelier” في 17 يونيه 1791 الذي ألغى نظام طوائف التجار، فكان هذا القانون الأخير بداية التحول نحو النظرية المادية أو الموضوعية التي تجعل قانون التجارة قانون الأعمال التجارية، على حساب النظرية الشخصية التي تجعل قانون التجارة قانون طائفة أو أشخاص التجار

وقد استمر منع إنشاء طوائف التجار إلى أن صدر قانون 1884 الخاص بحق تأليف النقابات المهنية، من أجل الدفاع عن مصالح المهن والحرف والصناعة والتجارة.

وتبين من الممارسة الطويلة أن قانون 1673 لم يعد كافيا لحماية التجارة من التلاعبات خاصة بعد أن اجتاحت فرنسا الأزمات المالية الخانقة والخطيرة، وهي أسباب دعت إلى إنشاء لجنة لمراجعة هذا القانون وأعدت هذه اللجنة مشروع الإصلاح الذي بقي جامدا في الرفوف ردحا من الزمن، ولم يتزحزح إلا بعد أن مست الأزمة والتلاعبات مشروعات أو مقاولات تموين جيش الامبراطور نابليون، فكان من أثر ذلك أن صادق نابليون على المشروع في 15 سبتمبر 1807 وهو الذي يعرف اليوم بمدونة نابليون.

– التعريف بالنظرية الشخصية :

يقصد بالنظرية الشخصية النظرية التي تجعل التاجر أساس بناء قانون التجارة وبعبارة أخرى، إن قانون التجارة لا يطبق سوى على طائفة معينة هي طائفة التجار، أما غير التجار فلا يخضعون لأحكام هذا القانون ولو قاموا بأعمال تجارية، فالقانون التجاري وفق النظرية الشخصية، لا يطبق إلا على فئة التجار، ولا يعتبر تاجرا من يمارس العمل التجاري إذا لم يكن منتميا لفئة التجار، لذا وجهت لها عدة انتقادات.

وتعود جذور هذه النظرية إلى نظام الطوائف الذي كان سائدا قبل الثورة الفرنسية، حيث كان قانون التجارة قانون طائفة معينة هي طائفة التجار، تلك الطوائف يرجع إليها الفضل في ابتداع كثير من الأعراف والعادات والنظم التجارية التي جعلت من قانون التجارة قانونا مهنيا un droit professionnel.

غير أن الأمر تطور بعد أن ألغي نظام الطوائف، وأعلنت الحرية التجارية، وبدأ تدخل الدولة بالتشريع والتأميم حتى في بعض الأنظمة ذات الاتجاه اللبيرالي للتخفيف من الفوارق الاجتماعية، والحد من سيطرة رأس المال الخاص على الاقتصاد القومي واستغلال الطبقات العاملة، بل إن بعض الدول أخذت بنظام الاقتصاد الموجه والاشتراكية كبديل للقضاء على الفوارق الاجتماعية، وسيطرة رأس المال الخاص على الاقتصاد الوطني، وذلك عن طريق تمليك الدولة والشعب كل وسائل الإنتاج الهامة والصناعة الثقيلة والمتوسطة، وتأميم التجارة الخارجية والمصارف وشركات التأمين وإحكام السيطرة على الصناعة الخفيفة والتجارة الداخلية،

وكل هذه العوامل والتطورات جعلت من قانون التجارة قانون مهنة التجارة والأعمال التجارية والمشروعات أو المقاولات الصناعية والتجارية والخدماتية العامة والخاصة وليس قانون طبقة أو فئة معينة

– التعريف بالنظرية الموضوعية :

يقصد بالنظرية المادية أو الموضوعية النظرية التي تجعل أساس قانون التجارة الأعمال التجارية، أي أن الأعمال التجارية هي وحدها التي تخضع لقانون التجارة، بصرف النظر عن الشخص الذي قام بها، سواء أكان تاجرا أو غير تاجر، فهذه النظرية تعتبر أن القانون التجاري يطبق على الأعمال التجارية، بغض النظر عمن يمارسها، سواء كان تاجرا أم غير تاجر. وقد تعرضت هذه النظرية للانتقاد لكونها تطبق القانون التجاري على غير التجار أيضا.

2/ النظرية المعتمدة في القانون التجاري القديم :

اعتمدت أول مدونة تجارية مغربية، سيرا على نهج مدونة نابليون النظرية الموضوعية أو نظرية العمل التجاري كأساس لبناء قانون التجارة المغربي وان طعمتها بالنظرية الشخصية أو نظرية المقاولة، وكان ذلك في المواد 1 و 2 و 3 من قانون 12 غشت 1913 التي ذكرت صراحة الأعمال التجارية، وشراء المنقول بنية البيع وشراء المنقول بنية الإيجار، وعمليات الصرف والأبناك والسمسرة، والإرساليات البحرية وكل شراء أو بيع الأجهزة أو أدوات أو مؤونة للسفن وغيرها.

وعمرت النظرية الموضوعية أو نظرية الأعمال التجارية في المغرب، في الحدود المرسومة أعلاه، زهاء ثلاث وثمانين سنة مدة كانت كافية لإدراك عدم جدوى نظرية الأعمال التجارية كأساس لبناء قانون التجارة لا في القرن العشرين ولا الحادي والعشرين أو الألفية الثالثة المقبلة، أسباب جعلت مدونة التجارة الجديدة تهجر نظرية الأعمال التجارية أو الموضوعية، وتستعيض عنها بالنظرية الشخصية في مفهومها الاقتصادي والمالي والاجتماعي، وليس الطائفي، وعبرت عنها بـ”الأنشطة” في المواد 6 و 7 و 8 و 11 من مدونة الجديد.

3/ النظرية المعتبرة في مدونة التجارة الصادرة سنة 1996 :

ويتبين في مفارقة غربية ومفروضة يستحيل التخلص منها سواء بني القانون التجاري على النظرية الموضوعية أو على النظرية الشخصية، فمدونة 1913 المنسوخة (أو الملغاة) بنت قانون التجارة على أساس النظرية الموضوعية وطعمتها بالنظرية الشخصية أو نظرية المقاولة ومدونة سنة 1996 أسست قانون التجارة الجديد على نظرية النشاط التجاري أو نظرية المقاولة وطعمتها بالنظرية الموضوعية أو نظرية العمل التجاري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى