جريمة اخفاء الاشياء المتحصلة من جناية أو جنحة تعكس مع جرائم أخرى كثيرة مثل عدم التبليغ (ف 209 و299) واخفاء المجرمين (ف 297) أو جثة قتيل (ف 272) والامتناع من التدخل للحيلولة دون وقوع جناية، أو جنحة تمس السلامة البدنية للأشخاص (ف 430) واخفاء طفل مخطوف (ف 478 ) ما يفرضه التضامن الاجتماعي من التعاون على مكافحة الجريمة وكشفها، والامتناع عن كل ما يساعد الجناة على اخفاء معالم جرائمهم أو تضليل العدالة التي تبحث عنهم.
وجريمة اخفاء الاشياء تهدف بصورة أخص إلى عدم تمكين محترفي اللصوصية والاستيلاء على أموال الناس بالباطل، من صرف ما يحصلون عليه أو يستفيدونه من أعمالهم الاجرامية، فكثيرا ما تكون الغنيمة غير صالحة مباشرة للاستهلاك الشخصي للجاني، أو تزيد عن حاجته الآنية فيعمد إلى بيعها، أو ايداعها، أو التبرع بها، أو ما إلى ذلك من وسائل التخلص من آثار الجريمة وفائض الانتاج.
ومن الأكيد أن تجريم الاخفاء والحالة هذه يحقق مضايقة مهمة للجناة ويجعلهم أكثر تعرضا لافتضاح أمرهم وضبطهم من السلطات المختصة، هذا وقد تعرض القانون الجنائي الجريمة الاخفاء في الفصول 571 – 574 وهي تطابق ف 460 و 461 من القانون الجنائي الفرنسي ليس في العقوبات وحدها بل حتى في الألفاظ والعبارات والاستثناءات.
وقد جاء في الفصل 571 من القانون الجنائي أن “من اخفى عن علم كل أو بعض الأشياء المختلسة أو المبددة، أو المتحصل عليها من جناية أو جنحة، يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى ألفي درهم، ما لم يكن الفعل مشاركة معاقبا عليها بعقوبة جناية طبقا للفصل 129.
إلا أنه إذا كانت العقوبة المقررة في القانون للجنحة التي تحصلت منها الأشياء أقل من العقوبة المشار إليها في الفقرة السابقة فإن هذه العقوبة الأخيرة تعوض بالعقوبة المقررة لمرتكب الجريمة الأصلية”.
واضاف الفصل 572 أنه “في الحالة التي تكون فيها العقوبة المطبقة على مرتكبي الجريمة التي تحصلت منها الأشياء المخفاة أو المبددة أو المتحصل عليها هي عقوبة جنائية فإن المخفى تطبق عليه نفس العقوبة إذا ثبت أنه كان يعلم وقت الاخفاء الظروف التي استوجبت تلك العقوبة حسب القانون. غير أن عقوبة الإعدام تعوض بالنسبة للمخفى بعقوبة السجن المؤبد”.
أولا – عناصر جريمة الاخفاء :
يتبين من الفصلين السالفي الذكر أن هذه العناصر هي : فعل مادي (الاخفاء)، ومحل الجريمة (أشياء متحصلة من جناية أو جنحة)، وقصد جنائي.
1) الفعل المادي “الاخفاء” :
لا يقصد بالاخفاء هنا مفهومه اللغوي الذي يعني ستر الشيء وابعاده عن الأنظار، وانما المقصود به تسلم الشيء والاحتفاظ به بنية امتلاكه أو بقصد حيازته المؤقتة فقط، يستوي بعد ذلك أن يواريه عن الأعين ويخفيه، أو يستهلكه، أو يظهره بصورة علنية كما إذا كان الشيء المخفى ثوبا أو سيارة فيستعملها ويتجول بيهما في الشوارع أو يعرض ما تحصل من جناية أو جنحة للبيع في الأسواق العمومية.
وهكذا يعتبر مرتكبا لجريمة الاخفاء من يتلقى الشيء المتحصل من جناية أو جنحة على أساس تملكه كما إذا تلقاه بالشراء أو القرض، أو وفاء لدين أو نفقة، أو أجرة عمل، أو ثمن مبيع، أو هدية، أو صداقا في عقد زواج، أو فدية في طلاق خلع، أو تعويضا عن ضرر لحق المخفي، أو غير ذلك من عشرات الأسباب التي يسلم فيها الشيء للمخفي بقصد تملكه وحيازته النهائية.
كما تتحقق الجريمة في حالة تلقي المخفي الشيء على أساس الحيازة المؤقتة كأن يتلقاه على أساس الوديعة أو الاعارة أو الكراء ، أو بصفته وكيلا عن الغير، أو نائبا قانونيا عنه، أو يقصد بيعه لفائدة من سلمه اليه أو لفائدة شخص آخر، أو غير ذلك من أسباب الحيازة المؤقتة أيا كان الهدف المتوخى من وراءها.
نعم لا تتحقق جريمة الاخفاء باليد العارضة كمن يختلس مبلغا من النقود أو بأخذه رشوة فيبعث أحد مستخدميه أو مرؤسيه ليودعه في حساب المختلس أو المرتشي في البنك، ومن يتسلم مواد بناء متحصلة من جناية أو جنحة بقصد استعمالها في بناء لمصلحة من دفعها اليه أو الغير وبنى بها فعلا، فالمستخدم أو المرؤوس والبناء في هذه الأمثلة لم تكن يدهم على النقود ومواد البناء الا يد عارضة لا يتحقق بها مفهوم الاخفاء.
كما لا يتحقق الاخفاء بمجرد وجود الشيء بالمحل الذي يسكن فيه الشخص أو يعمل فيه مثل الأشياء التي يأتي بها رفيق إلى محل السكنى المشترك، أو أحد الزوجين إلى بيت الزوجية “وذلك بشرط احتفاظ الزوج بالمنقول الذي أتى به باعتباره خاصا به، حيث إن لكل من الزوجين الحق في الاحتفاظ ببيت الزوجية بالأشياء الخاصة به اما إذا أطلق المعني بالأمر يد الزوج الآخر للتصرف في الشيء ولو باستعماله أو باستهلاكه المشترك تتوفر عناصر جريمة الاخفاء”.
وكذا رب العمل أو الشريك إلى محل عمل المستخدم أو الشريكين. فالرفيق في السكنى المشتركة، والزوج أو الزوجة ، والمستخدم والشريك لا يعتبرون مخفين لتلك الأشياء ما دامت لم توضع تحت حيازتهم، وكل ما يمكن أن يتابعوا به هو عدم التبليغ إذا توافرت شروطه .
وتقوم جريمة الاخفاء سواء تلقى المخفي الشيء من مرتكب الجناية أو الجنحة نفسه أو من الغير أيا كان هذا الغير مثل مخف آخر سابق أو الضحية، أو أي شخص آخر ولو كان حسن النية أي غير عالم بأن الشيء متحصل من جناية أو جنحة، كما أنه ليس ضروريا لقيام الجريمة استمرار احتفاظ المخفي بالشيء إلى حين اثارة المتابعة، وإنما يكفي أن تتحقق الحيازة، ولا يهم بعد ذلك أن يحتفظ به المخفي أو يستهلكه أو يخرجه من حيازته بأي تصرف كان ولو بارجاعه إلى الضحية.
2) محل الجريمة “أشياء متحصلة من جناية أو جنحة” :
النص القانوني استعمل كلمتي الاخفاء والاشياء، والاخفاء ينصرف إلى المنقولات دون العقارات، كما أن الأشياء لا تشمل الانسان، وبناء على ذلك فإن محل الجريمة يتعين أن يكون منقولا لا عقارا، فلا يعتبر مرتكبا لجريمة الاخفاء من يتلقى عقارا من شخص تملكه من جريمة تزوير مثلا، ولكن يرتكب جريمة الاخفاء من يشتري عقاراً بمبالغ تحصلت من جناية أو جنحة، أو يقبل أن يسجل باسمه عقارا بني أو اشتري بنفس الطريقة، إذ في كلا الصورتين يعتبر مخفيا للمبالغ التي دفعت.
والقانون تعرض للأشياء المختلسة أو المبددة أو المتحصلة من جناية أو جنحة، وبذلك تشمل الجريمة اخفاء الشيء الذي حصل عليه مرتكب الجناية أو الجنحة بذات الفعل المادي لجريمته مثل الاشياء التي سرقها ، أو اختلسها في خيانة الأمانة ، أو تسلمها رشوة ، أو فدية من الشخص المهدد إلى غير ذلك من الحالات الماثلة.
كما تشمل اخفاء الأشياء التي استفيدت من الجريمة كذلك دون أن تكون هذه الاستفادة متصلة ماديا بالفعل المادي أو التنفيذي للجريمة المرتكبة كالأجرة التي يأخذها مرتكب جريمة التزوير أو الاجهاض مثلا، وكذلك ثمن الاشياء المتحصلة من الجريمة أو ما عوضت به عموما، ونتاج الحيوان المستفاد من الجريمة.
وإذا أودع الجاني المبالغ التي اختلسها أو بددها أو تحصلت من الجريمة التي ارتكبها فإن من سحب شيئا من هذه المبالغ يعتبر مرتكبا لجريمة الاخفاء ، ولو أن البنك لا يسلم له ذات الأوراق النقدية أو نفس العملة التي تسلمها من صاحب الحساب، ولكن في كل الأحوال لا تتعلق جريمة الاخفاء الا بالاشياء المستفادة من الجناية أو الجنحة، أي الغنيمة التي غنمها مرتكبها من الأعمال التنفيذية لجريمته، فلا تقوم جريمة الاخفاء في حالة اخفاء الأدوات أو الوسائل التي ارتكبت بها الجريمة، أو الأشياء الحاملة لفعلها المادي كالوثائق والأوراق المزورة.
وأخيرا فإن النص يقضي صراحة بأن تكون الأشياء متحصلة من جناية أو جنحة فلا تقوم جريمة الاخفاء إذا كانت الأشياء المخفاة متحصلة من مخالفة، وبالأحرى إذا كانت متحصلة من فعل غير مجرم كما إذا كان مجرد خطأ أو غش أو تدليس مدني، أو كان ممنوعا قانونا ولكنه غير معاقب عليه كبيع الوصي أو المقدم لمال المحجور عليه دون اذن القاضي، ولكن جريمة الاخفاء تقوم، ولو استفاد مرتكب الجناية أو الجنحة من أحد موانع العقاب، كالصغر وفقدان الادراك والتمييز، أو من أحد الأعذار القانونية المعفية.
3) القصد الجنائي في جريمة الاخفاء :
ليس كل من تلقى أو احتفظ بأشياء مختلسة أو مبددة أو متحصلة من جناية أو جنحة يعتبر مرتكبا لجريمة الإخفاء، لأن هذه الجريمة عمدية، ولذلك يتعين أن يتوفر فيها القصد الجنائي، وهو الذي عبر عنه الفصل 571 بقوله “من اخفى عن علم”.
فلقيام جريمة الاخفاء إذن يجب أن يقوم الفاعل بالاخفاء وهو عالم بان هذا الشيء الذي يخفيه متحصل من جناية أو جنحة، ويستوي أن يعلم بذلك وقت تلقيه الشيء، أو يتم العلم فيما بعد ويستمر في حيازته وكتمانه، كما أنه بالنسبة لتطبيق العقوبة المنصوص عليها في الفصل 572 لا فرق بين أن يعلم بالظروف التي تضفي على الجريمة صفة الجناية عند تلقيه للمنقول، أو يعلم بها بعد ذلك، ويستمر في الاخفاء.
والعلم المطلوب لتوفر القصد الجنائي هو مجرد ادراك المخفي أن الشيء تحصل من فعل معاقب عليها جنائيا، وليس ضروريا أن يعلم بالتكييف القانوني للفعل هل هو سرقة مثلا أو خيانة أمانة أو رشوة أو استغلال نفوذ.
كما أنه ليس مطلوبا أن يتعرف على شخص مرتكب الجريمة أو الضحية كأن يتلقى الشيء من مخف سابق فلا يخبره بمن ارتكب الجريمة ومن هو ضحيتها، ومن باب أولى أن لا يشترط العلم بمكان ارتكاب الجريمة وتاريخها، مادام كل ذلك لا يرفع الصفة الاجرامية عن الفعل الذي تحصل منه الشيء المخفى.
وسبق أن رأينا أن جريمة الاخفاء تتحقق بمجرد حيازة الشيء والاحتفاظ به لأي سبب كان، لذلك فإنه لا يشترط أي قصد جنائي خاص كنية التملك، أو الاضرار بالضحية وإنما الجريمة تقوم بمجرد توافر القصد الجنائي العام بمفهومه السالف الذكر تلقى المخفي الشيء بقصد تملكه أو تلقاه على أساس الوديعة أو الرهن أو الكراء أو لاستعماله في غرض معين أو غير ذلك من الأسباب والدوافع.
ولكن يتعين لتحقق القصد الجنائي أن يتيقن المخفي بالمصدر الاجرامي للشيء فلا يكفي مجرد الظن أو الشك، لذلك لا يعتبر مرتكبا لجريمة الاخفاء من يشتري بضاعة أو يعرضها للبيع وان كان يعلم أنها بضاعة أجنبية وأن القانون لا يسمح باستيرادها، ذلك لأن القانون يمنع عادة الاستيراد بقصد الاتجار مما يسمح بامكانية دخول البضاعة دون أن تكون مهربة، نعم تقوم جريمة الاخفاء عندما يعلم المشتري أو البائع أن البضاعة مهربة.
هذا ويخضع اثبات القصد الجنائي للقواعد العامة للاثبات أمام القضاء الجنائي فقد يثبت باعتراف المخفي، أو بالشهود الذين حضروا اعلام المخفي قبل الاخفاء أو أثناءه، بأن الشيء سرق مثلا أو قدم رشوة، أو انتزع من صاحبه نصبا، على أنه في أغلب الحالات يتم الاثبات عن طريق القرائن مثل شراء المنقول بثمن بخس لا يبيع به المالك عادة، أو أية قرائن أخرى يطمئن اليها القاضي.
ثانيا – طبيعة جريمة الاخفاء :
إن جريمة الاخفاء ذات طبيعة مزدوجة فمن جهة هي جريمة مستمرة ومن جهة ثانية تعتبر جريمة واحدة وإن تعدد فيها المخفون بالتعاقب.
1) جريمة مستمرة :
ان التجريم يتعلق باخفاء الشيء والاحتفاظ به وليس بمجرد تلقيه من مرتكب الجريمة أو من الغير، ومن ثم وجب اعتبار جريمة الاخفاء جريمة مستمرة تبقى فيها الحالة الاجرامية قائمة إلى أن ينتهي الاخفاء وبالتالي لا يبدأ سريان التقادم إلا من اليوم الموالي لهذا الانتهاء… على أنه إذا تقادمت الجريمة التي تحصلت منها الأشياء المخفاة تعذرت متابعة المخفي وحده، وذلك لاختفاء صفة الجريمة عن الافعال مصدر الاشياء التي احتفظ باخفائها.
وهنا يثور التساؤل عن الوقائع التي ينتهي بها الاخفاء ليبدأ احتساب فترة التقادم ؟
ينتهي الاخفاء بارجاع الشيء إلى صاحبه أو بوضعه بين يدي السلطة المختصة أو باستيلاء هذه السلطة عليه قسرا أو بتسليمه إلى حائز جديد حسن النية، أو باستهلاكه بصورة تذهب به أعيانه كأكل الطعام، وابلاء الثوب أو غيره بالاستعمال، وبعبارة أخرى فإن الاخفاء ينتهي بنقل المخفي حيازة الشيء إلى الغير حسن النية، أو ينزع هذه الحيازة عنه قسرا مثل حجزه من السلطة أو سرقته، كما ينتهي باعدام المنقول موضوع الاخفاء، مثل اكله واتلافه واستعماله إلى أن يبلى فيستغنى عنه، أو بتلف الشيء وهلاكه.
ولكن الشيء المخفي لا يكون مصيره دائما هو أن يبقى قائما بذاته أو تنتهي حيازته بأحد الأسباب السالفة الذكر، بل أن الوقائع العملية تبرز الكثير من الفروض المستعصية الحل مثلا.
إذا اختلس شخص أو حصل من جريمة على مائة درهم فسلمها إلى المخفي الذي أدخلها إلى حسابه بالبنك أو وضعها في خزانة نقوده بالمنزل هل ينتهي الاخفاء بمجرد اضافة المائة درهم إلى المبالغ الموجودة في الحساب أو الخزانة باعتبار أن هذه الاضافة افقدت مائة درهم وجودها المتميز ولم تعد معروفة بذاتها لدى المخفي؟ أم ينتهي باخراج أول مبلغ يساوي على الأقل مائة درهم باعتباره المبلغ الموازي للمبلغ المخفى؟ أو يبقى الاخفاء قائما مادام لدى المخفي في الحساب أو الخزانة مبلغ كيفما كان ولو درهم واحد، لأن جريمة الاخفاء تتحقق باخفاء كل أو بعض ما تحصل من الجريمة ؟
وكذلك لو اشترى صاحب دكان منقولا مسروقا وخلطه بالعشرات من المنقولات المماثلة التي كانت في الدكان واستمر يبيع منها شيئا فشيئا، أو اشترى صاحب مخزن للحبوب قنطار زرع متحصل من جريمة وخلطه مع عشرات أطنان الزرع الموجودة بالمخزن، أو يقوم المخفي بفك اجزاء الدراجة أو السيارة المسروقة.
في مثل هذه الوقائع يصعب تحديد لحظة انتهاء الاخفاء وفقا لمعيار عام يسلم من النقد والمناقشة، ولعل هذا ما جعل بعض الفقهاء – وان عارضهم أغلب الفقه – يقولون إن جريمة الاخفاء جريمة وقتية لا مستمرة، وبالتالي يبدأ سريان التقادم فيها من اليوم الموالي لتلقي الشيء المتحصل من الجناية أو الجنحة.
وقد كان ينبغي للمشرع أن يتدخل بنص صريح لبيان وقت انتهاء الاخفاء في حالات خلط المنقول المثلي بمنقولات من جنسه، أو استعماله، أو تصنيعه بشتى الاشكال التي يمكن أن يتم بها هذا التصنيع أو التحويل.
وعلى كل فإن انتهاء الاخفاء لا يرتبط دائما بما يلحق المنقول المخفى من تغيير مادي أو ما يطرأ عليه من اختلاط أو اندماج بغيره من الأشياء والمواد فقد يبقى الشيء بهيأته السابقة دون أي تغيير ومع ذلك تنتهي وضعية الاخفاء بالنسبة اليه مثل ادخال قضيب حديد في اقامة بناء، وقد ينتهي الوجود المادي للمنقول ومع ذلك يستمر الاخفاء مثل وضع مبلغ نقود في الحساب بالبنك فالأوراق النقدية المودعة يتصرف فيها البنك ويكتفي بتقييد قيمتها في حساب المودع، ويعتبر الاخفاء مع ذلك مستمرا إلى أن تسحب هذه القيمة من الحساب.
وكذلك في حالة خلط أو ادماج المنقول في غيره، فخلط الزيت مثلا باخرى يملكها المخفي في وعاء ، أو أية غلة فلاحية بمثيلتها، لا ينتهي به الاخفاء، بينما ينتهي في حالة ادخال الاسمنت في البناء أو استعمال الصباغة في طلاء أو رسم لوحة، وليس هذا قاصرا على المثليات بل يشمل حتى القيميات فصهر سوار وصياغته خواتم لا ينهي الاخفاء بالرغم من اختفاء السوار الذي هو من القيميات.
ولهذا ينبغي للقاضي أن يحدد في كل قضية بظروفها وملابساتها ما إذا كان التصرف الذي قام به المخفي ينتهي به الاخفاء أم لا، ويسترشد في ذلك على الخصوص بما إذا كان التصرف المنجز قصد به استهلاك الشيء وانتهاؤه، أو مجرد اخفاء لمادته أو هيئته مع الاحتفاظ بقيمته الاقتصادية ضمن عناصر ذمته المالية.
2) جريمة واحدة :
ان جريمة اخفاء الاشياء المتحصلة من جناية أو جنحة هي جريمة واحدة وإن تعدد المخفون، لذلك إذا قام بالاخفاء عدة أشخاص في وقت واحد، أو في أوقات متعاقبة فإنهم جميعا يعتبرون مساهمين في الجريمة، لأن الاخفاء الذي يتعلق به التجريم فعل واحد، فلا تتعدد به الجريمة بتعدد الاشخاص الذين يقومون به في فترات متعاقبة مادام الشيء أو الأشياء المخفاة تحصلت من نشاط اجرامي واحد.
ويترتب على هذا التكييف أن التقادم لا يسري الا من تاريخ انتهاء الاخفاء لدى المخفي الأخير، كما أنه إذا كان مصدر الاشياء المخفاة جناية وعلم بذلك بعض المخفين دون البعض الآخر، فإن العقوبة المشددة طبقا للفصل 572 لا تطبق إلا على من توفر لديه العلم بظرف التشديد، لأن العلم ظرف شخصي، وتطبيقا للفصل 130 لا تسري الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف أو اعفاء من العقوبة إلا بالنسبة لمن تتوفر فيه من المساهمين والمشاركين.
ثالثا – عقوبة اخفاء الاشياء المتحصلة من جناية أو جنحة :
1) العقوبة الجنحية :
بمقتضى الفصل 571 تطبق عقوبة جنحية على المخفي إذا كان يعلم ان الشيء متحصل من فعل اجرامي ولكنه لا يعلم بأن هذا الفعل يكون جناية أي معاقبا عليه باحدى العقوبات الخمس المنصوص عليها في الفصل السادس عشر من القانون الجنائي.
والعقوبة الجنحية التي تطبق على المخفي إما الحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين الى ألفي درهم، وإما عقوبة الجنحة التي تحصلت منها الأشياء المخفاة إذا كانت هذه العقوبة أخف من عقوبة الحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى ألفي درهم.
ومؤدى هذا أن المخفي في كل الأحوال لا يعاقب بعقوبة أشد مما يعاقب به مرتكب الجريمة التي تحصلت منها الأشياء المخفاة، هذا وقد قيد الفصل 571 تطبيق احدى العقوبتين السابقتين بأن لا يكون فعل المخفي مكونا للمشاركة في جناية طبقا للفصل 129 المحددة لاعمال الاشتراك، ويستفاد من هذا القيد الأحكام التالية :
– ان المشاركة في الجريمة باحدى وسائل الاشتراك الواردة في ف 129 إذا قام باخفاء الاشياء المتحصلة منها يعتبر مرتكبا لجريمة الاخفاء إلى جانب الاشتراك، وبذلك لا يستثنى الا مرتكب الجريمة والمساهم فيها، فهما وحدهما اللذان لا تتحقق جريمة الاخفاء في حقهما إذا اخفيا الاشياء التي حصلا عليها من الجريمة التي ارتكباها.
– إذا اجتمع الاشتراك والاخفاء فإن الفاعل يتابع باحدهما وهو الوصف الأشد طبقا لمقتضيات الفصل 118 من القانون الجنائي والوصف الأشد هو الاشتراك، فإذا كانت الجريمة جنحة توبع بالمشاركة فيها، وكذلك إذا كانت جناية يتابع بالمشاركة فيها ولو لم يكن يعلم الظروف التي أضفت عليها صفة الجناية، وذلك مع تطبيق الأحكام المنصوص عليها في ف 130 المتعلقة بسريان الظروف العينية دون الشخصية على الشركاء.
نعم إن الفصل 571 اقتصر على المتابعة بالمشاركة إذا كانت الجريمة المتحصل منها الشيء جناية، ولم تتعرض للحالة التي تكون فيها هذه الجريمة جنحة، لكن القواعد العامة تقضي بتطبيق نفس الحكم المتعلق بالجناية، فما دام الفاعل قد شارك في الجنحة إلى جانب اخفاء الأشياء المتحصلة منها، فإنه لا مانع يحول دون متابعته بالمشاركة.
2) العقوبة الجنائية :
يعاقب المخفي بعقوبة الجناية التي تحصلت منها الأشياء المخفاة، إذا كان يعلم وقت الاخفاء الظروف التي اكتسبت منها هذه الجناية وصفها، فمثلا إذا كان الشيء متحصلا من سرقة مشددة طبقا للفصول 507 – 510 ، فإن المخفي يعاقب بنفس العقوبة المقررة لتلك السرقة متى كان يعلم بالظرف أو الظروف المشددة التي نقلتها من الجنحة إلى الجناية.
فإذا كان يعلم أن السارق كان حاملا لسلاح أثناء السرقة طبقت عليه عقوبة الفصل 507 من القانون الجنائي، وإذا علم أن السرقة ارتكبت ليلا أو من شخصين فأكثر خضع لعقوبة الفصل 510 وهكذا … والعلم بالوصف الجنائي للفعل المتحصل منه الشيء المخفى يستوي أن يتحقق منذ البداية عند تلقي المنقول المخفى أو يحصل بعد ذلك ويستمر الجاني في الاخفاء بعد هذا العلم.
هذا ، وقد قررت الفقرة الأخيرة من الفصل 572 أن الجناية التي تحصل منها الشيء المخفى إذا كان القانون يقرر لها عقوبة الاعدام ، فإن المخفي يخضع لعقوبة السجن المؤبد وهو الحكم الذي يقرره الفصل 461 من القانون الجنائي الفرنسي .
وأخيرا فإن الفصل 574 يقرر أن الاعفاء من العقوبة وتوقف المتابعة على الشكوى المنصوص عليهما في الفصل 534 – 536 بالنسبة للسرقة، يطبقان على جريمة الاخفاء، وبناء على ذلك لا يعاقب المخفي إذا كانت الأشياء المخفاة مملوكة لزوجه أو لفرعه ، بينما تتوقف متابعته على شكوى إذا كانت الأشياء المخفاة مملوكة لأحد أقاربه أو أصهاره إلى الدرجة الرابعة.
وقد نص الفصل 573 على أنه ” في حالة الحكم على المخفى بعقوبة جنحية، يجوز أيضا أن يحكم عليه بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المنصوص عليها في الفصل 40 من خمس سنوات إلى عشر”.
انتهى بحول الله وتوفيقه.