يتميز القانون التجاري بعدة خصائص، أهمها خاصيتين أساسيتين، وهما “السرعة والائتمان”.
أولا : ماهية السرعة
البيئة التجارية تتسم بالسرعة، لأن التجارة تهدف إلى تحقيق الأرباح في أقل زمن ممكن فكلما تكررت المعاملات التجارية، وارتفعت وتيرتها، وإلا وارتفعت نسبة الأرباح من جهة، وانتفع الناس برواج السلع واستهلاكها وتواجدها في السوق على الدوام.
وهو ما أخذه المشرع بعين الاعتبار، حيث سن مجموعة من الأحكام تراعي خصوصية السرعة التي تتميز بها المعاملات التجارية، من قبيل إقرار حرية الإثبات، وتقصير مدة التقادم وتشديد مهلة الميسرة، وتنظيم التحكيم.
على خلاف الحياة المدنية التي تقسم بالبطء والثبات، فبعض العقود قد تبرم مرة أو مرات محدودة في حياة المرء، مثل عقد الكراء، أو عقد الزواج والطلاق، وغيرها من العقود، لذا وضع المشرع للمعاملات المدنية أحكام تستجيب لطبيعتها من قبيل إقرار قاعدة الكتابة لإثبات المعاملات المدنية التي تفوق قيمتها عشرة آلاف درهم.
– الأحكام التي سنها المشرع التجاري مراعاة لخاصية السرعة :
1- قاعدة حرية الإثبات :
الإثبات هو إقامة الحجة والدليل أمام القضاء على واقعة معينة، وقد أقر المشرع للتاجر الحرية لإثبات دينه بأي وسيلة من وسائل الإثبات، وهذا ما نصت عليه المادة 334، حيث ورد فها “تخضع المعاملات التجارية لحرية الإثبات”، على خلاف الإثبات في الحياة المدنية، فهو إثبات مقيد، يرتكز على الكتابة، إذ اشترط المشرع توثيق الدين بالكتابة في حالة تجاوز مبلغ الدين 10000 درهم.
2- التشديد في منح مهلة الميسرة :
مهلة الميسرة هي مهلة يمنحها القاضي للمدين الذي يمر بظروف عسيرة تجعله غير قادر على الوفاء بدينه في موعد الوفاء، شريطة ألا يلحق ضررا جسيما بالدائن، وقد نصت المادة 231 على أنه لا يمنح أي إمهال قانوني أو قضائي إلا في الأحوال المنصوص عليها في المادة 196 والمادة 207، ويتبين من هذه المادة أن الأصل هو عدم منح أي إمهال إلا استثناء،
على خلاف المعاملات المدنية التي قد يراعي فيها القاضي عسر المدين فيمنحه مهلة للوفاء بدينه، حيث نصت المادة 243 من قانون الالتزامات والعقود على ما يلي: يسوغ للقضاة مراعاة منهم لمركز المدين، ومع استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق، أن يمنحوا أجالا معتدلة، وأن يوقفوا إجراءات المتابعة مع بقاء الأشياء على حالها، فهذه المادة تجيز منح مهلة للمدين للوفاء بدينه.
3- تقصير أجل التقادم :
التقادم هو المدة القانونية التي يحددها القانون لرفع الدعوى للمطالبة بالحق، فإذا نفذت تلك المدة تسقط إمكانية المطالبة بالحق أمام القضاء ففي المعاملات المدنية، وتماشيا مع طبيعتها، تتقادم الحقوق بمضي 15 سنة، ف” كل الدعاوى الناشئة عن الالتزام تتقادم ب 15 سنة، ما عدا بعض الاستثناءات الواردة فيما بعد من تاريخ أجل الاستحقاق ” طبقا للمادة 387 من قانون الالتزامات والعقود ، بينما تتقادم الالتزامات الناتجة عن الأعمال التجارية بين التجار أو بينهم وبين غيرهم، بمضي خمس سنوات طبقا للمادة 5 من مدونة التجارة.
4- تحديد المحكم عند إبرام العقد :
التحكيم هو اتفاق أطراف العلاقة القانونية على أن يتم الفصل في المنازعات التي تثور بينهم من طرف أشخاص الخواص، ونظام التحكيم في المعاملات المدنية، يختلف عن نظيره في المعاملات التجارية، ففي التحكيم في المعاملات التجارية تحدد المحكم أو المحكمين عند إبرام العقد، بينما في المادة المدنية نلتجئ إلى التحكيم بعد نشوب النزاع.
5- الأحكام التجارية مشمولة بالنفاذ المعجل :
النفاذ المعجل معناه أن يكون للحكم القضائي القوة التنفيذية رغم الطعن فيه أمام محكمة الدرجة الثانية، أو أمام محكمة النقض، فالأحكام التجارية مشمولة بالنفاذ المعجل، بينما الأحكام المدنية لا تشملها قاعدة النفاذ المعجل.
ثانيا : ماهية الائتمان
الائتمان هو التنازل عن مال حاضر مقابل مال مستقبل، وهو أساس التجارة وعمودها، ولا يمكن للتاجر الاستغناء عن الائتمان والقروض، فكل تاجر دائن ومدين، ومعظم المعاملات التجارية تعقد لأجل، فتاجر الجملة يبيع السلعة الى تاجر نصف الجملة إلى أجل، والذي بدوره يبيع إلى تاجر بالتقسيط إلى أجل وأنجع وسيلة لضمان هذه الديون هو الائتمان بمختلف صوره، سواء تعلق الأمر بالقرض، أو الكمبيالة وغيرهما.
– الأحكام التي سنها المشرع التجاري مراعاة لخاصية الائتمان :
1- التضامن بين المدينين :
التضامن بين المدينين هو عبارة عن تضامن المدينين في حالة تعددهم في دين واحد يقبل الانقسام، فيكون كل واحد منهم ملزما بأداء الدين كاملا في مواجهة الدائن، وهي حالة غير موجودة في الحياة المدنية، ف ” التضامن بين المدينين لا يفترض. ويلزم أن ينجم صراحة عن السند المنشئ للالتزام، ومن القانون، وأن يكون النتيجة الحتمة لطبيعة المعاملة” طبقا للمادة 164 من قانون الالتزامات والعقود.
أما الحياة التجارية فتفرض طبيعتها الأخذ بالتضامن في الالتزامات التجارية، إذ ” يفترض التضامن في الالتزامات التجارية” طبقا للمادة 335 من مدونة التجارة.
2- نظام الفوائد في الديون التجارية :
نظام الفوائد في المعاملات المدنية مختلف عن مثيله في المعاملات التجارية، ففي المعاملات التجارية يمكن احتساب الفوائد على الدين التجاري كل ستة أشهر أو كل شهر، بينما في المعاملات المدنية لا يمكن احتساب الفوائد إلا داخل سنة.
3- اعتماد نظام المحاكم التجارية :
اعتمد المغرب منذ سنة 1997 نظام المحاكم التجارية للبت في المنازعات التجارية، بينما المنازعات غير التجارية تفصل فيها المحاكم الابتدائية صاحبة الولاية العامة، كما أن القانون رقم 15. 38 المتعلق بالتنظيم القضائي الجديد قد نص على إمكانية إحداث أقسام متخصصة في القضاء التجاري داخل المحاكم الابتدائية.
4- وضع قيود على مزاولة العمل التجاري :
بعض الممارسات والأعمال التجارية يلزم لممارستها التقيد بقيود خاصة، وأخرى عامة وهي قيود لا تفرض على مزاولي الأعمال المدنية، فالقاصر لا يجوز له ممارسة التجارة إلا بتوفر شرطين:
– حصول القاصر على الترشيد أو الإذن بالاتجار من نائبه الشرعي.
– إشهار وتسجيل هذا الإذن في السجل التجاري.
كما أن القانون يمنع بعض الأشخاص، رغم توفرهم على الأهلية، من مزاولة التجارة بسبب انتسابهم لسلك الوظيفة العمومية كالموظفين العموميين والمحامين والأطباء وأصحاب المهن الحرة من محاسبين، ومترجمين…