المجال التجاريقانونيات

شروط اكتساب صفة التاجر

تكتسب صفة التاجر عن طريق الممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأنشطة التجارية من قبل تاجر يتمتع بالأهلية التجارية، فقد وضع المشرع إلى جانب الأهلية شرطا جوهريا ثانيا هو أن تكون ممارسة النشاط التجاري على وجه الاعتياد أو الاحتراف، وهو الشرط الوحيد الذي ذكر في المواد 6 و 7 و 8 و 111 من مدونة التجارة بالصياغة التالية ” تكتسب صفة تاجر بالممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأنشطة التالية …” وهو ما سنتناوله وفق الآتي:

أولا : الممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأنشطة التجارية :

يعد التشريع المغربي من التشريعات النادرة التي تعد بالاعتياد كقاعدة عامة إلى جانب الاحتراف كمعيار لإصباغ الصبغة التجارية على المقاولة والمقاول معا، وذلك في مطلع كل من المواد 6 و 7 و 8 وفي المادة 11 من مدونة التجارة تحت عبارة “تكتسب صفة تاجر بالممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأنشطة التالية”.

فقد نصت المادة 6 من مدونة التجارة على أنه “… تكتسب صفة تاجر بالممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأنشطة التالية:

1 – شراء المنقولات المادية أو المعنوية بنية بيعها بذاتها أو بعد تهيئتها بهيئة أخرى أو يقصد تأجيرها؛

2 – إكتراء المنقولات المادية أو المعنوية من أجل إكرائها من الباطن؛

3 – شراء العقارات بنية بيعها على حالها أو بعد تغييرها؛

4 – التنقيب عن المناجم والمقالع واستغلالها؛

5 – النشاط الصناعي أو الحرفي؛

6 – النقل؛

7 – البنك والقرض والمعاملات المالية؛

8 – عملية التأمين بالأقساط الثابتة و السمسرة والوكالة بالعمولة وغيرهما من أعمال الوساطة؛

10 – استغلال المستودعات والمخازن العمومية؛

11 – الطباعة والنشر بجميع أشكالها ودعائمها؛

12 – البناء والأشغال العمومية؛

13 – مكاتب ووكات الأعمال والأسفار والإعلام والإشهار؛

14 – التزويد بالمواد والخدمات؛

15 – تنظيم الملاهي العمومية؛

16 – البيع بالمزاد العلني؛

17 – توزيع الماء والكهرباء والغاز؛

18 – البريد والمواصلات؛

19 – التوطين”.

والمادة 7 نصت على أنه تكتسب صفة تاجر أيضا بالممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأنشطة التالية” كل عملية تتعلق بالسفن والطائرات وتوابعها؛ كل عملية ترتبط باستغلال السفن والطائرات وبالتجارة البحرية والجوية”. وأضافت المادة 8 أنه تكتسب صفة تاجر كذلك بالممارسة الاعتيادية أو الاحترافية لكل نشاط يمكن أن يماثل الأنشطة الواردة في المادتين 6 و 7.

لقد استقر الفقه والاجتهاد القضائي على أن الاحتراف أدق من الاعتياد، فالاعتياد يعني تكرار الأعمال التجارية في أوقات متقطعة في حين أن الاحتراف يعني القيام بالأنشطة التجارية بطريقة منتظمة على وجه الدوام والاستمرار قصد الكسب، أي تنشأ عن الممارسة الحرفية حالة خاصة ومركز حقيقي هو الحرفة أو المقاولة.

فالاعتياد إذن هو القيام بالأعمال التجارية بصفة متكررة، لكن بشكل غير منتظم ومستمر، أما الاحتراف فهو ممارسة الأنشطة التجارية بصفة منتظمة ومستمرة، واتخاذها مصدرا للعيش والكسب، أو وسيلة لجمع الثروة وتكديسها، ويستفاد من تعبير المشرع بحرف “أو ” التي تفيد الاختيار أن مجرد المماسة الاعتيادية لنشاط تجاري تكتسب به صفة التاجر، وإن لم تصل إلى درجة الاحتراف.

يتبين من خلال مواد مدونة التجارة “المواد 6 و 7 و 8” أن الشخص طبيعيا ( ذاتيا) كان أو معنويا (اعتباريا) يكتسب صفة تاجر إن مارس الأنشطة المشار إليها في تلك المواد (المادتان 6 و 7 من مدونة التجارة) أو الأنشطة المماثلة ( المادة 8 من المدونة)، وبعبارة النص المبهمة الممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأنشطة، إلا ان المشرع كان قاسيا عندما سوى بين الاعتياد والاحتراف جاعلا منهما معيارين مستقلين عن بعضهما لتأليف أو نشأة المقاولة التجارية واكتساب المقاول صفة تاجر.

ففي مدونة التجارة الجديدة انشطر المعيار الموحد، أي ” الحرفة المعتادة” أو ” الممارسة الاعتيادية والاحترافية” إلى معيارين مستقلين قائمي الذات، يكفي توفر أحدهما ليكتسب الشخص الطبيعي أو المعنوي ( كالمجموعة ذات النفع الاقتصادي) صفة تاجر والمقاولة الصفة التجارية، وهذان المعياران هما ” الممارسة الاعتيادية للأنشطة التجارية المعددة وما يماثلها، و الممارسة الاحترافية للأنشطة المعددة وما يماثلها”.

وقد جاء هذا الانقلاب على المفهوم التقليدي القديم في صياغة مطلع المواد 6 و 7 و 8 وفي المادة 11 من مدونة التجارة كذلك التي استبدلت حرف ” و et ” بالحرف ” أو ou “ولم لم يتكرر هذا الاستبدال في اللغتين العربية والفرنسية، وفي أكثر من مادة لقلنا أن الأمر مجرد خطأ مطبعي أو زلة قلم، إلا أن هذه الصياغة المتكررة باللغتين تجعل الأمر يتعلق بتعديل حقيقي وعن إرادة ووعي، وبعد مناقشة داخل قبة البرلمان، هيمن عليها التناقض بين أفكار أعضاء مجلس النواب والحكومة التي رضخت في تقدير فقيه القانون التجاري الأستاذ شكري سباعي دون حق لرأي بعض النواب غير الصائب الذي استعاض عن حرف “و” بحرف “أو “.

لقد تم التساؤل من طرف النواب حول المراد من الاعتيادية والاحترافية، لأنه إن كان ضروريا الاعتياد والاحتراف سيقلص من عدد التجار، أما إذا كان «أو» مكان الواو سيشمل الأمر ممارسي التجارة، سواء بصفة مستمرة أو متقطعة، اما موقف الحكومة فقد كان قبل التعديل قانونيا ومرنا يساير توجهات التشريع المقارن ومع ذلك، وقع التخلي عنه في آخر المطاف، ولقد كان الرد المنطقي على لسان وزير التجارة والصناعة والصناعة التقليدية القائل “وحول الاحتراف والاعتياد أؤكد صحة التعبير، لأن كلما هو احترافي فهو مهني، وهذا يساير التيارات الفقهية والقضائية الحالية” .

وعلى الرغم من هذا التباين وسلامة موقف الحكومة تراجعت هذه الأخيرة من صياغة مشروعها لتصبح الصياغة قاسية، كما أرادها بعض النواب وهي “تكتسب صفة تاجر بالممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأنشطة التالية”، وهو اختيار لا يساير القانون المقارن ولا الاجتهادات القضائية الفرنسية، لأن هذه الأخيرة لم تجعل من الاعتياد قاعدة عامة على غرار ما فعلت المواد 6 و 7 و 8 من مدونة التجارة، وإنما أخذت بالاعتياد كاستثناء من القاعدة العامة يطبق في بعض الحالات كالمضاربة في البورصة وغيرها من الحالات المشابهة.

ولا ينسجم هذا التعديل من جهة أخرى مع الواقع، إذ يسوي من حيث الالتزامات بين الممارسين على وجه الحرفة الذين يتوفرون على الإمكانات البشرية والمادية والمعنوية وبين من اعتاد على القيام بنشاط تجاري عابر أو عارض من أجل مواجهة أعباء الحياة في فترات متباعدة ومتقطعة، قد تكون مرة أو مرتين أو ثلاث أو أكثر أو أقل، دون خطة اقتصادية، ولا رأس مال، ولا تجهيزات أو معدات ولا عنصر بشري، ولا زبائن قارين أو عارضين وغيرها من عناصر المقاولة أو الأصل التجاري أو النشاط التجاري المبرمج والمنظم.

أيكون من الإنصاف والعدالة الاجتماعية أن نفرض ذات الالتزامات على من يمارس النشاط التجاري على وجه الاحتراف ومن يمارسه عرضا على وجه الاعتياد، فيخضع الثاني كالأول تحت دعوى واهية عدم التقليص من عدد التجار، لعديد من الالتزامات الصارمة والقاسية التي لا تتناسب مع قدراته كالالتزام بفتح حساب بنكي أو بريدي، ومسك محاسبة دقيقة ومعقدة، والخضوع إلى مساطر الوقاية والمعالجة، وغيرها من الالتزامات المرهقة لأصاغر التجار، وبالأحرى بالنسبة لمن يمارس الأنشطة التجارية على وجه الاعتياد، وإن كانت فكرة التاجر الصغير لا زالت واردة وقائمة للتخفيف على هؤلاء خاصة، إعفاؤهم من مساطر الوقاية والمعالجة التي يشكل تطبيقا عبثا وعبئا أكثر منه إنقاذا وتسوية وتصفية.

ويلاحظ أن قانون التجارة المصري رقم 17 لسنة 1999 تبنى النظرية الموضوعية (نظرية العمل التجاري) والنظرية الشخصية (نظرية الحرفة) في ذات الوقت، إلا أنه تخلص من فكرة الاعتياد على خلاف التشريع المغربي. وهكذا نصت المادة 4 في مطلعها “يعد عملا تجاريا” والمادة 5 في مطلعها “تعد الأعمال الآتية تجارية إذا كانت مزاولتها على وجه الاحتراف…”.

ثانيا : الأهلية التجارية

ويلاحظ أن المواد 6 و 7 و 8 من مدونة التجارة لم تذكر شرط الأهلية إلى جانب الممارسة الاعتيادية أو الاحترافية للأنشطة التجارية ( المقاولة)، لأن هذا الشرط يعد من البديهيات والقواعد العامة، ويتأكد وجوده أيضا من خلال المادة 12 من مدونة التجارة التي أخضعت الأهلية لقواعد مدونة الأسرة.

ولم تكتف المدونة بتوحيد الأهلية ( المادة 12 من المدونة) بل سوت كذلك بين الرجل والمرأة أو الذكر والأنثى في الحقوق والواجبات التجارية، بتحرير المرأة المتزوجة التي ترغب في أن تكون تاجرة من وصاية رضى أو إذن زوجها ( المادة 17 من مدونة التجارة).

تخضع الأهلية التجارية للشخص حسب المادة 12 من مدونة التجارة لقواعد قانونه الأسرة، وتعتريها أحكام أربعة، وهي:

1) كمال الأهلية :

تنص المادة 209 من مدونة الأسرة، على أن أهلية الشخص تتحقق ببلوغه سن الرشد القانوني المحدد في 18 سنة شمسية كاملة، وكل شخص بلغ سن الشد، ولم تعترضه عوارض تنقص من أهليته، أو تعدمها، يكون كامل الأهلية للقيام بالتصرفات القانونية ومباشرة حقوقه وتحمل التزاماته، ومنها ممارسة التجارة.

2) نقصان الأهلية :

ناقص الأهلية وفق المادة 213 من مدونة الأسرة هو الصغير المميز والسفيه والمعتوه، والصغير المميز هو الذي بلغ سن التمييز، وهو 12 سنة، ولم يبلغ سن الرشد، والسفيه هو المبذر لماله الذي يصرفه فيما لا فائدة فيه، وما يعده العقلاء عبثا، أما المعتوه فهو المصاب بعاهة عقلية لا يستطيع معها التحكم في تفكيره وتصرفاته، فهذه الفئات الثلاث لا يجوز لها ممارسة التجارة بسبب نقصان أهليتها.

3) انعدام الأهلية :

يعتبر عديم الأهلية وفق ما نصت عليه المادة 217 من مدونة الأسرة، الصغير الذي لم يبلغ سن التمييز، أي الصغير غير المميز، والمجنون، وفاقد العقل وقد نصت المادة 224 من مدونة الأسرة على أن تصرفات عديم الأهلية باطلة، ولا يترتب عليها أي أثر، ولا يجوز لهم ممارسة التجارة.

4) سقوط الأهلية :

تقرر المحكمة التجارية وفقا للمادة 712 من مدونة التجارة سقوط الأهلية التجارية عن كل شخص طبيعي تاجر، أو عن كل حرفي ثبت في حقه إحدى المخالفات المنصوص عليها في المواد 712 إلى 720 من مدونة التجارة، ومنها على سبيل المثال:

– إغفال أو امتناع عن مسك محاسبة، أو مسك محاسبة وهمية غير صحيحة.

– إغفال أو اختلاس كل الأصول أو جزء منها.

وتجدر الإشارة إلى أنه قد يسقط حق الشخص في ممارسة الحرف التجارية جزاء له على ارتكاب بعض الأفعال الإجرامية، إما حماية للشرف واللغة والانضباط والائتمان، وإما حماية للمال وحسن الأخلاق، وتعد من أهم الأفعال المرتكبة التي تؤثر على حق الاتجار مساطر الوقاية والمعالجة والسرقة والنصب وخيانة الأمانة وجرائم الإجهاض بالنسبة للصيادلة والأطباء، وبيع السلع المغشوشة أو المضرة بالصحة وارتكاب المخالفات الضريبية والجمركية واخفاء الأشياء المسروقة، والاختلاس، والحبس لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر دون وقف التنفيذ، أو لمدة ستة أشهر مع وقف التنفيذ في بعض الأحيان، وإعطاء أو إصدار شيك بدون رصيد بسوء نية. وشهادة الزور، وارتكاب التزوير وغيرها من الأفعال المجرمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى