المجال الجنائيقانونيات

أركان جريمة السرقة :

نص الفصل 505 من القانون الجنائي على أن من اختلس عمدا مالا مملوكا للغير بعد سارقاً …”. ويوخذ من هذا النص أن السرقة تتحقق من عملية اختلاس مال مملوك للغير، يقوم بها الجاني عن قصد وادراك، وبذلك تبرز عناصر جريمة السرقة الثلاثة وهي : فعل مادي يقوم به الجاني (اختلاس) ومحل للجريمة يرد عليه هذا الاختلاس (مال مملوك للغير) وتوفر قصد جنائي لدى الفاعل (اختلس عمداً).

أولا – الفعل المادي لجريمة السرقة (الاختلاس) :

لفظ الاختلاس استعمله الفقه الإسلامي بمفهوم يختلف عن مفهوم السرقة ، إذ كان يقصد به كما سبقت الاشارة اختطاف المال من يد حائزه أو على مرأى منه والهروب به ، بينما كان يعني بالسرقة الاستيلاء على المال خفية دون علم من الضحية.

غير أن القانون الجنائي المغربي اسوة بالقوانين الجنائية العربية حاليا استعمل كلمة الاختلاس في أكثر من جريمة مثل السرقة (ف 505) وخيانة الأمانة (ف 547 و 554) بالاضافة إلى الجريمة الخاصة التي اطلق عليها اسم الاختلاس (ف 241)، وكان ينبغي تفادي هذا التعدد في الاستعمال لأنه يفقد المصطلح دلالته القانونية الدقيقة ، الأمر الذي قد يحدث صعوبة أحيانا في تكييف الوقائع، وقد عرضنا قبل قليل أمثلة من الكتابات الفقهية واحكام القضاء التي ما تزال تخلط بين الجرائم الثلاث : السرقة ، وخيانة الأمانة والنصب، ولا شك أن من بين أسباب ذلك الخلط استعمال لفظ الاختلاس المشترك للدلالة على الركن المادي فيها.

ومهما يكن من أمر ، فإن المقصود بالاختلاس المكون للعنصر المادي في جريمة السرقة هو سلب المال ونزع حيازة صاحبه عنه بدون رضاه ، تم ذلك خفية أو علانية ، عن طريق الاختطاف أو الاكراه ، وهكذا يختلف مفهوم الاختلاس في السرقة عن مفهومه في خيانة الأمانة، في السرقة يتحقق بالاستيلاء على المال وانتزاعه من الحيازة المادية والقانونية للضحية وبدون رضاه ، بينما في خيانة الأمانة يقتصر على تحويل الحيازة المؤقتة التي تكون ثابتة للجاني على المال، إلى حيازة نهائية.

وتعرض فيها يلي عنصري الاختلاس المكون للركن المادي في السرقة، وهما ” سلب المال ونزع حيازة الضحية عنه، وانتفاء رضى الضحية” .

1) سلب المال ونزع حيازة الضحية عنه :

وهذا يتطلب قيام الجاني بعمل مادي ينتزع به الشيء من حيارة الضحية بأخذه أو نقله ، أو اختطافه وما إلى ذلك من الوسائل المادية التي يخرج بها المال المسروق من الحيازة القانونية للضحية ، ويدخل في حيازة السارق وسيطرته.

ولا يكفي اخراج المال من حيازة الضحية لقيام السرقة ، وإنما يتعين أن يدخله السارق تحت حيازته وسيطرته، ولذلك لا تتحقق السرقة في حالة اتلاف المال كإحراقه أو تمزيق سند أو وثيقة أو ورقة نقدية متى حدث ذلك دون أن يكون المال قد دخل في حيازة الفاعل.

ولا يعتبر اتلافا أكل الجاني للشيء المسروق ولو في عين المكان، لأن الأكل طريق من طرق التصرف في المال المسروق ووسيلة من وسائل الاستفادة منه، والتصرف في الشيء أو الاستفادة منه انما يتم بعد الاستيلاء عليه وحيازته أي بعد تحقق السرقة.

ويستوي أن يقوم الجاني بنفسه بالعمل المادي الذي يخرج به الشيء من حيازة الضحية، ويضعه تحت سيطرته ، أو يسخر لذلك انسانا آخر حسن النية كأن يأمر عاملا في محطة أو فندق بأخذ الشيء ووضعه في سيارته مثلا، أو صبيا غير مميز أو جاهلا حقيقة الأمر، أو حيوانا مدرباً مثل الكلاب والقرود، أو آلة أو أداة مثل وضع قطعة مزيفة في آلة أوتوماتيكية للحصول على بعض الحاجيات التي تباع بواسطتها.

والخلاصة أنه من الضروري لتحقق الاختلاس قيام الجاني مباشرة أو بواسطة بعمل مادي ينتزع به الشيء من حيازة الضحية المادية أو القانونية ، ويبسط عليه حيازته هو وسيطرته، أما إذا لم يقم بعمل مادي ومع ذلك وصل الشيء إلى حيازته وتملكه فلا يعتبر سارقا ، وإن امكنت متابعته بنصوص أخرى مثل الفصل 527 من القانون الجنائي.

هذا وإذا اختلس الجاني الشيء دون أن يتسلمه من الضحية أو من في حكمه فالأمر واضح ولا يثير مشاكل في تكييف الوقائع ، أما إذا اختلسه بعد أن تسلمه ممن ذكر، فإن تكييف تصرفه قد تتداخل فيه كل من السرقة والنصب وخيانة الأمانة ، لذا يتعين تحديد نوع التسليم الذي يبقى معه الاختلاس مكونا للسرقة وهذا ما نراه في الفقرة الموالية.

2) انتفاء رضى الضحية بنقل الحيازة إلى المختلس :

كان الفقه يكتفي باشتراط انتفاء رضى الضحية حيث كان يقول ان الجاني إما أن يتسلم المال المختلس من يد صاحبه وبرضاه فتكون الجريمة خيانة امانة ، أو نصبا حسبما إذا كان قد تسلمه منه بعقد من عقود الأمانة ، أو عن طريق الاحتيال والخديعة ، واما ان يتسلمه منه بغير رضاه أو لا يكون هناك تسليم أصلا فتتحقق جريمة السرقة .

غير أن الوقائع العملية للاستيلاء على أموال الغير وسلبها ، اثبتت أن هذا المعيار غير كاف لتحديد مفهوم العنصر المادي في الجرائم الثلاث ، وعلى الخصوص بالنسبة للسرقة .

فالرضى إنما ينتفي في حالات خاصة ومحددة هي حالات عدم علم الضحية بالاختلاس أو انتفاء الادراك والتمييز لديه لصغر أو سكر أو خلل عقلي مثلا ، أو باكراهه على تسليم الشيء ، أو اضطراره إلى هذا التسليم اضطراراً يفقده حرية الاختيار.

بينما في الواقع العملي تحدث كثير من وقائع الاختلاس بعد تسليم الشيء المختلس إلى الجاني دون أن ينتفي رضى الضحية بهذا التسليم ولا أن يتحقق في فعل الجاني النصب أو خيانة الأمانة ، الأمر الذي يؤدي إلى افلاته من العقاب وذلك كمن يتظاهر بالشراء ثم يقر بالبضاعة التي سلمها اليه صاحب الدكان بقصد فحصها في عين المكان ، والذي يتسلم قطعة نقد لصرفها أو للتأكد من قيمتها ، أو حقيبة أو بضاعة متظاهرا باسداء مساعدة إلى صاحبها ثم يهرب أو يختفي بما سلم له.

في مثل هذه الحالات وما أكثرها في الحياة العملية يتعذر القول بان التسليم كان بدون رضى الضحية، وإذا لم ينتف الرضى اختفت السرقة، ومن الواضح كذلك أنه ليس في تلك الوقائع نصب أو خيانة أمانة، ولكن في نفس الوقت ليس من العدل عدم عقاب الفاعل.

وقد حاول الفقه والقضاء الفرنسيان في البداية لتفادي ذلك، اعطاء مفهوم مرن للاضطرار الذي ينتفى به الرضى ففسراه بمجرد الحاجة وما تتطلبه ضرورات المعاملات، وطبيعة التعامل بين الناس ، ولكن هذا التفسير المرن للاضطرار النافي للرضى مع ما فيه من تعسف ظاهر عجز عن ملاحقة كل وقائع الاختلاس التي تعقب تسليم الشيء إلى المختلس، كما في حالة عدم تقيد الضحية بالاحتياط الذي يسير عليه الناس في معاملاتهم، بأن يسلم الشيء إلى الجاني بتهور وعدم احتياط فهنا لا يمكن تبرير التعامل بمقتضيات التعامل وضروراته.

ومن أجل ذلك دعا الفقيه الفرنسي الشهير جارسون Garson إلى تلقيح فكرة انتفاء الرضى للتمييز بين التسليم الذي تبقى معه السرقة قائمة والذي تتنافى معه السرقة. وقد اعتمد في دعوته هذه نظرية الحيازة حيث قال ان الحيازة المعروفة في القانون المدني تنقسم إلى ثلاث أنواع :

حيازة تامة : وهي التي يتوفر فيها عنصران، عنصر مادي هو السيطرة على الشيء ماديا ، والقدرة على التصرف فيه ومنع الغير من الاستيلاء عليه، وعنصر معنوي هو الشعور بالسلطة المعنوية التي يتمتع بها المالك ازاء ملكه ، والتي تخوله سلطات المالك من استعمال واستغلال وتصرف مادي، وقانوني، أي إنه يحق له تسخير الشيء لاشباع رغباته ويختص به من دون سائر الناس، فالحيازة التامة للمنقول تتحقق في حيازة المالك له ، حيث يتوفر العنصران السالفان.

والنوع الثاني من الحيازة هو الحيازة المؤقتة أو الحيازة الناقصة : وتكون دائما لغير المالك ، بحيث إن الحائز يتلقى المنقول من مالكه أو من غيره ليمارس عليه سلطة مادية مؤقتة مع بعض التصرفات التي يخولها اياه العقد أو المقتضى القانوني الذي تلقى بموجبه المنقول، وذلك مثل المكتري والمرتهن والمستعير والنائب القانوني للمجور عليه، ومن وضع المنقول تحت حيازته المؤقتة بحكم قضائي أو نص قانوني .

فالحائز في هذه الأمثلة توفر لديه العنصر المادي للحيازة والذي يحول له سلطات محدودة جدا للتصرف، أما العنصر المعنوي للحيازة فلم يتحقق لديه لأن هذا خاص بالمالك وهو غير مالك .

والنوع الثالث والأخير من الحيازة هو الحيازة العارضة: وهي التي تتحقق بوضع المنقول بين يدي الحائز بصورة عارضة ، فهي حيازة مادية صرف لا تخول صاحبها أي نوع من التصرف في المنقول ، ولا ترتب له ازاءه أي حق أو التزام، ومن أمثلة ذلك البائع أو المكري الذي يقدم المنقول للمتظاهر بالشراء أو الكراء بقصد فحصه وتقليبه فيخطفه ويفر به والناقل الذي ينقل الشيء تحت اشراف وتوجيه صاحبه، كما إذا كان النقل على الظهر أو الدابة أو العربة برفقة صاحب البضاعة أو أحد أعوانه ، ومن يتسلم ورقة نقدية لصرفها فيهرب بها .

وانتهى الفقيه جارسون من ذلك إلى القواعد التالية :

أولا : ان الاختلاس في السرقة يعني الاستيلاء على حيازة المنقول حيازة تامة أي بعنصريها المادي والمعنوي، وبذلك لم يعط أهمية لعنصر قيام الجاني بنقل الشيء من مكانه أو أخذه أو انتزاعه، وهو ما كان يشترطه الفقه من قبل من ضرورة قيام الجاني بنشاط مادي لتحقق السرقة.

ثانيا : إذا سلم الشيء إلى الفاعل بقصد نقل الحيازة التامة أو الناقصة إليه ثم اختلسه أو بدده لم تتحقق السرقة في فعله هذا اللهم إذا كان التسليم بدون رضى من صدر منه.

فبالنسبة لنقل الحيازة التامة يتحقق عندما يعتقد المسلم أن المسلم إليه هو المالك للمنقول أو صاحب الحق في الحيازة القانونية والنهائية للشيء مثل النائب القانوني للمحجور ، ويستوي أن تكون للمسلم إليه هذه الصفة في واقع الأمر أو حسب ادعائه كمن تسلم رسالة أو سندا أو أي منقول آخر بناء على ادعائه الصفة الشرعية لحيازة ذلك، أو حسب اعتقاد القائم بالتسليم نتيجة خطأ تلقائي منه .

ونقل الحيازة الناقصة يتحقق عندما يسلم الشيء إلى غير المالك ليبقى تحت حيازته بصورة مؤقتة، سواء كان سند التسليم نص القانون أو تصرف ارادي ، كان هذا التصرف الارادي ناقلا للحيازة المؤقتة بطبيعته كعقد الرهن الحيازي وعقد الوديعة أو غير ناقل لها بطبيعته ولكن من قام بالتسليم قصد هذا النقل كما يحدث في كثير من الوقائع العملية التي يكون نقل الحيازة فيها مرتبطا بقصد القائم بالتسليم وارادته مثل إعارة الشيء أو اصلاحه أو نقله، فقد يقصد بذلك نقل حيازة الشيء بصفة مؤقتة إلى المستعير أو المصلح أو الناقل وقد يقصد ابقاء الحيازة بين يديه فلا يكون لهؤلاء إلا الحيازة المادية الصرف أو ما يعبر عنه باليد العارضة.

وإذا كان القصد أمراً نفسانيا فانه يستدل عليه بالقرائن التي في مقدمتها طول أو قصر الفترة التي يبقى فيها الشيء بيد من سلم إليه… وحضور القائم بالتسليم أو تغيبه عن الشيء أثناء استعماله من المستعير أو أثناء اصلاحه أو نقله . وإذا كان التسليم الناقل للحيازة التامة، أو للحيازة المؤقتة يحول دون تحقق السرقة ، فان ذلك مشروط بصدوره عن طواعية واختيار أما إذا انتفى رضاء من صدر منه فيعتبر كأن لم يكن وبالتالي تقوم السرقة .

وانتفاء الرضا بالتسليم يتحقق بالاكراه ، وبانعدام التمييز، كما إذا صدر التسليم من طفل عديم التمييز أو من مختل العقل ، أو السكران.

ثالثا : التسليم الذي لا تنتقل به الحيازة التامة أو الحيازة الناقصة، لا ينافي السرقة، لأن المتسلم في هذه الحالة لا تثبت له إلا الحيازة المادية المجردة من كل الصلاحيات المخولة لصاحب الحيازة التامة أو الناقصة ، فيده على الشيء يد عارضة وإذا اختلسه اعتبر سارقا ، لأن اختلاسه هذا هو الذي نزع الحيازة القانونية للشيء من يد صاحبها، وتحقق مفهوم الاختلاس في السرقة، يرتبط بانتزاع الحيازة القانونية، تامة أو ناقصة، وليس بمجرد انتفاء التسليم الاختياري،

والخلاصة أن الفقيه جارسون إذا كان يوافق مبدئيا على المفهوم التقليدي للاختلاس في السرقة من حيث انتفاؤه مع التسليم الاختياري الصادر من الضحية ، فانه يختلف مع سابقيه في :

– قصر التسليم النافي للسرقة على الناقل للحيازة التامة أو الناقصة، أما التسليم الذي تبقى معه يد المسلم إليه يدا عارضة فلا يتنافى مع السرقة.

– انتفاء الرضا قاصر على حالات الاكراه وفقدان التمييز لدى القائم بالتسليم وعلى حالة صدور التسليم من غير ذي صفة، فما كان يسمى بضرورات ومقتضيات التعامل لا يعتبره جارسون نافيا للرضاء .

– التركيز في تحقق الاختلاس على سلب الحيازة بعنصريها المادي والمعنوي بصرف النظر عن قيام الجاني بنشاط مادي لنقل المسروق أو انتزاعه، أو عدم قيامه بذلك .

وقد تقبل الفقه والقضاء، عموما آراء جارسون في تحديد مفهوم الاختلاس المكون للسرقة، ولو انها في مجال التطبيق ظهرت لها بعض العيوب وفي مقدمتها حالات التسليم الناقل للحيازة التامة أو الناقصة والمشوب بخطأ أو غلط تلقائي أو نتيجة غش أو تدليس من المتسلم، إذ في كل هذه الحالات لا تتحقق السرقة وفق نظرية جارسون، وإذا امكن في بعضها المتابعة بالنصب ، فان أغلبية الحالات تبقى بدون عقاب ، وهذا ما يدخل فجوة كبيرة على الحماية الجنائية للاموال .

في القانون المغربي :

كان القانون الجنائي السابق (1953) يضيق من مفهوم الاختلاس المكون للسرقة ، فقد نص الفصل 292 منه على أن كل من أخذ خفية وبحيلة شيئا ليس على ملكه فقد ارتكب جريمة السرقة، وهذا التعريف يقترب كثيرا من تعريف الفقه الإسلامي للسرقة إذ يشترط هو بدوره الاستيلاء على المال خفية لا علانية.

اما القانون الحالي فقد اتسم بمرونة واضحة في الصياغة ليس فقط بالنسبة لجريمة السرقة ولكن بالنسبة لجرائم المال كلها عموما، ويبدو هذا واضحا في الجرائم الكثيرة التي الحقها بالسرقة أو النصب أو خيانة الأمانة.

وإذا كان الفصل 505 المتعلقة بالسرقة استعملت لفظ «اختلس» الذي لا يقتصر على الاستيلاء على المال خفية ، فانه ينبغي التساؤل عن العناصر التي يتحقق بها وما إذا كان تحديده يخضع لنظرية الفقيه جارسون أم لا .

من المؤكد أن نظرية جارسون سهلت كثيراً تكييف الوقائع المكونة للسرقة، وتغلبت على التكلف الذي كان يواجهه الفقه والقضاء على السواء في تفسير مفهوم انتفاء الرضا ، فمن المفيد اذن تطبيق هذه النظرية في تحديد مفهوم الاختلاس المكون للسرقة .

لكن سبق أن أشرنا إلى أن أهم عيب لوحظ عليها هو القول بانتفاء السرقة كلما تم تسليم الشيء بقصد نقل الحيازة التامة أو المؤقتة إلى المتسلم ولو كان ذلك مشوبا بخطأ أو غلط أو نتيجة وسائل غش أو خداع ممن تسلم المنقول. فماذا بين القانون المغربي ونظرية جارسون من وفاق وخلاف ؟

يعتقد بعض الفقه أنهما يتفقان مبدئيا بالنسبة لربط التسليم بنوع الحيازة التي ينقلها للقول بانتفاء أو عدم انتقاء السرقة. وتم القول مبدئيا لان الاتفاق لا يبدو واضحا الا في حالة التسليم الذي لا يشوبه غلط أو تدليس، حيث ان كلا منهما يعتبر هذا التسليم منافيا للسرقة إذا كان ناقلا للحيازة التامة ، أو الحيازة الناقصة ، وعلى العكس من ذلك تتحقق معه السرقة إذا اقتصر على وضع الشيء ماديا بين يدي المختلس دون أن تنتقل إليه عناصر الحيازة التامة أو الناقصة.

أما التسليم المشوب بغلط أو تدليس فيثير بعض الجدل. ففي حالة الغلط أو الخطأ الذي يقع فيه تلقائيا من صدر منه التسليم الناقل للحيازة التامة أو الناقصة، يقرر جارسون عدم تحقق السرقة، وكذلك فعل القانون الجنائي عندما قرر في الفصل 527 عقوبة خاصة لمن تملك بسوء نية منقولا وصل إلى حيازته صدفة أو خطأ .

فالعقاب على هذه الحالة بنص خاص وبعقوبة تختلف عن عقوبة السرقة، يفيد أن فعل الجاني لا يعتبر سرقة، لأن الشيء سلم إليه بقصد حيازته حيازة تامة أو ناقصة قبل أن يتملكه بسوء نية.

وفي حالة حدوث التسليم نتيجة تغليط أو تدليس من جانب الجاني أو ممن تواطأ معه ، يقول جارسون كذلك أن السرقة لا تتحقق مادام التسليم قصد به من صدر منه نقل الحيازة التامة أو الناقصة . والقانون الجنائي لم يتعرض لهذه الحالة بنص خاص، فهل يعتبرها غير مكونة للسرقة أم يراها مشمولة بالنص العام المعاقب على هذه الجريمة وهو الفصل 505 من القانون الجنائي؟

ينبغي أن نلاحظ أولا أن القانون الجنائي توسع في مفهوم النصب ، ولذلك فإن نسبة كبيرة جدا من الوقائع التي يتم فيها التسليم نتيجة مغالطة أو تدليس من الجاني أو من يعمل لحسابه ، تتحقق فيها جريمة النصب. ولكن مع هذا من المؤكد بقاء صور من هذه الوقائع غير متوفرة على عناصر النصب ، فمثلا عندما يقتصر الفاعل على مخادعة الضحية بمجرد الكذب العادي لا يتوفر بذلك عنصر الاحتيال المطلوب في جريمة النصب، هذه الصور هي التي تبقى مثار جدل .

فمن جهة إذا عاقب القانون على تملك الشيء المسلم إلى الفاعل نتيجة غلط تلقائي لا دخل له فيه ، فبالاحرى أن يعاقبه على تملك ما توصل إلى تسلمه بالمخادعة والتدليس، وإن لم تصل المخادعة والتدليس إلى درجة وسائل الاحتيال المكونة للنصب ، وليس في هذا استعمال للقياس في تفسير النصوص الجنائية وإنما هو مجرد تطبيق للنص العام وهو ف 505 التي تقضي بأن من اختلس عمدا مالا مملوكا للغير بعد سارقاً، فالأمر يتعلق بتفسير مفهوم الاختلاس ليس غير.

والمشرع لم ينص صراحة على ان الاختلاس المكون للسرقة لا يتحقق مع التسليم المرفق بمغالطة أو تدليس من الجاني ، سيما وأن التسليم في أغلب هذه الحالات يكون باطلا من الوجهة المدنية فلا ينبغي أن يترتب عليه أي أثر كذلك حتى بالنسبة للقانون الجنائي ، كما أن عمل الجاني يبدو واضح الخطورة الاجرامية ، لا ينبغي معها أن يفلت من العقاب مثل المسافر الذي يطلب من عامل النقل أو من مستخدم الفندق أن يناوله حقيبة ليست له فيذهب بها، هؤلاء لا تبدو جريمة النصب متوفرة في تصرفهم، وخطورة أفعالهم تستوجب معاقبتهم جنائيا وإذا لم يتابعوا بالسرقة أفلتوا من العقاب .

ولكن من جهة ثانية تصادفنا في الحياة العملية كثير من وقائع تسليم منقول نتيجة مخادعة لا تزيد عن مجرد غش أو تدليس مدني يحول المتضرر حق فسخ التصرف أو ابطاله مع المطالبة بالتعويض المدني، بل أحيانا حتى القانون المدني لا يعترف للمدلس عليه بالمطالبة بابطال التصرف الذي بمقتضاه سلم الشيء للمدلس .

ويبدو أن هذا التفاوت الكبير في الخطورة بين الوقائع العملية هو الذي حمل المشرع على عدم وضع نص عام لحالات اختلاس وتملك الأشياء التي يتسلمها الفاعل نتيجة مخادعته للضحية زيادة على ما يترتب على ذلك من تداخل بين مثل هذا النص والنص الذي يعاقب على النصب.

ولهذا يميل أغلب الفقهاء إلى القول بأنه في حالة تسليم المنقول نتيجة خداع وتدليس من تسلمها إذا لم يتوفر الاحتيال المكون للنصب ، يبقى أمر تكييف الوقائع بأنها سرقة أو ليست سرقة موكولا إلى القاضي تبعاً لمدى الخطورة التي تكتسيها في الاعتداء على مال الغير.

قد يبدو هذا بمثابة تحويل القاضي سلطة التحكم في التجريم ، وهو أمر مخالف للمبادئ العامة، ولكن لا مناص من هذا الحل ما دامت وسائل الخداع والغش متفاوتة في خطورتها تفاونا كبيراً كما في الأمثلة التي مرت قبل قليل، وعلى كل حال فإن القاضي لا يقول هنا سلطة التجريم، وإنما يقتصر دوره على تكييف الوقائع وما إذا كانت تتوفر فيها أو لا تتوفر عناصر الاختلاس الذي اعتبره المشرع مكونا للركن المادي في السرقة.

وأخيرا يمكن أن نلاحظ في مجال المقارنة بين القانون المغربي ونظرية جارسون ، ان القانون الجنائي عاقب بنص خاص هو الفص 527 من تملك بسوء نية منقولا وصل إلى حيازته صدفة وبذلك يكون قد اشترط لتحقق السرقة قيام الجاني بنشاط مادي نقل به المسروق أو انتزعه من حيازة الضحية ، أما إذا لم يقم بأي نشاط مادي واكتفى بتملك الشيء بعد أن وصل إلى حيازته صدفة فلا يعتبر سارقا وانما مرتكبا لجريمة خاصة ملحقة بالسرقة.

وهذا مخالف لرأي جارسون الذي يركز على اقدام الجاني على سلب الحيازة القانونية للضحية واحلال حيازته هو محلها ، لا فرق بين أن يستلزم منه ذلك القيام بنشاط مادي أو لا يتطلب منه شيئا وانما يكتفي بالاستيلاء على الشيء استيلاء المالك بعد أن يجده بين يديه.

ثانيا – محل جريمة السرقة (مال منقول مملوك للغير) :

العنصر الثاني للسرقة أن يتعلق الاختلاس بمال منقول مملوك للغير، فما هو المال ؟ وما هو المنقول ؟ وماذا يقصد بملكية الغير؟ هذا ما نعرضه بايجاز فيما يلي :

1) مال :

لا يقصد بالمال هنا الاشياء التي لها قيمة اقتصادية في سوق التعامل، وانما المقصود به جميع الأشياء المادية الصالحة للتملك، وقد استعمل الفصل 505 في نصها بالفرنسية كلمة شيء Une chose وهي أوضح في الدلالة على المعنى المقصود ، أما لفظ المال فإنه ينصرف إلى الأشياء ذات القيمة الاقتصادية أي القابلة للتقويم في سوق التعامل، والسرقة ليست قاصرة على هذه الأشياء وإنما تشمل كذلك كل منقول قابل للتملك مثل الصور والرسائل الشخصية.

وإذا كان الشيء قابلا للتملك فإن اختلاسه يكون سرقة أيا كانت قيمته المادية أو المعنوية، فإذا كان الشيء ذا قيمة اقتصادية عوقب المختلس ولو كانت قيمته تافهة جدا مثل حبة قمح أو ورقة شجرة، أو قطعة نقدية من فئة سنتيم واحد نعم في حالة تفاهة القيمة يتمتع المتهم بالعذر المخفف فتطبق عليه الفصل 506 المتعلقة باختلاس الاشياء الزهيدة القيمة بشرط انتفاء ظروف التشديد.

صحيح أنه من من الناحية التطبيقية يصعب بل ربما يتعذر حدوث سرقة حبة قمح أو حبة شعير، لأن عنصر القصد الجنائي يصعب على النيابة العامة اثباته في مثل هذه الحالات، ولكن من الوجهة القانونية الصرف إذا ثبتت كل عناصر السرقة فإن القاضي لا يمكنه أن يحكم بالبراءة لعلة تفاهة الشيء المختلس، مادام المشرع لم يحدد قيمة قانونية، لاتقوم السرقة بدون توفرها في الشيء المختلس.

اما إذا كان الشيء المختلس ذا قيمة معنوية فقط وغير قابل للتقويم في سوق التعامل، فإنه يكفي أن تثبت له هذه القيمة في نظر صاحبه بصرف النظر عن أن تكون له نفس القيمة في نظر الغير أو يكون عديم القيمة نهائيا عند غير صاحبه.

وهكذا يعتبر سرقة اختلاس أوراق شخصية ذات قيمة معنوية لدى حائزها، وكذلك اختلاس أشياء عديمة القيمة مثل مجموعة أحجار عادية أو أزرار، أو أوراق أشجار، جمعها المختلس منه لهواية له في هذا الجمع، ذلك أن العقاب على السرقة يستهدف حماية الملكية، ومنع سلب الناس ما ادخلوه في حيازتهم ووضعوه تحت أيديهم.

نعم إذا كان الشيء عديم القيمة المادية والمعنوية نهائيا فلا يعتبر اختلاسه سرقة مثل أخذ حصاة أو حجرة أو حفنة تراب أو بقلة عشب من حقل أو ورقة شجرة عادية ما دام كل ذلك عديم الأهمية والقيمة كلية بالنسبة للحقل والشجرة وبالنسبة لمالكه على السواء، وعلى كل فان انعدام القيمة للشيء يستخلصه القاضي من ماهية الشيء نفسه ومن مجموع الظروف والملابسات المرتبطة بهذه القيمة بما في ذلك اعراف الناس وعاداتهم .

والمهم أن القاضي إذا انتهى إلى أن الشيء المأخوذ لا قيمة له اطلاقاً حكم ببراءة المتهم، لأن العقاب شرع لحماية الملكية ودفع الاعتداء عليها، والاشياء عديمة القيمة المادية والمعنوية لا يكون أخذها اعتداء على الملكية يستحق الحماية بالنصوص المعاقبة على السرقة، وعلى العكس من ذلك يقرر الادانة متى كان للشيء المختلس قيمة مادية أو معنوية ولو تافهة جدا .

2) منقول :

يقصد بالمنقول في جريمة السرقة كل ما يمكن نقله من مكان إلى آخر سواء كان في الأصل كذلك أو انتزع من عقار كقطع شجرة واختلاسها، أو اختلاس أجزاء من بناء، فالمنقول في السرقة اشمل دلالة من مفهومه في القانون المدني، ويستوي أن يكون المنقول حيوانا أو من الأشياء غير الحية، وسواء كان من الأشياء الصلبة أو كان سائلا أو غازيا.

نعم يشترط أن يكون الشيء ذا وجود مادي، فلا يعتبر سرقة التقاط أحاديث الناس بغير علم منهم أو التقاط كلام أو صور أثناء ارسالها بامواج سلكية أو لا سلكية، لأن كل هذه الأشياء لم تكن ذا وجود مادي أثناء التقاطها .

3) مملوك للغير :

يعتبر المنقول مملوكا للغير، وبالتالي تتحقق باختلاسه السرقة كلما كان غير مملوك للسارق، وليس من الأشياء المباحة التي لا مالك لها، ولذلك فانه يكفي لقيام السرقة ثبوت عدم ملكية السارق للشيء، مع كون المنقول ليس مباحا وقت اختلاسه، فالمنقول القابل للتملك إما أن يكون مملوكا للسارق أو للغير أو مباحاً .

أ – المنقول المملوك للمختلس :

إذا ثبتت ملكية المتهم للشيء الذي اختلسه أو على الأصح لم تثبت ملكية الغير لهذا الشيء ، فإن جريمة السرقة لا تتحقق سواء كان الفاعل عالما بملكيته للمنقول الذي اختلسه أو لم يكن عالما بذلك، لأنه في كلا الحالين ينتفي أحد العناصر القانونية للجريمة المنصوص عليه في الفصل 505 وهو ان يكون الشيء مملوكا للغير، وهكذا لا يعتبر سارقا من يسترد خفية أو عنوة منقوله من غاصبه أو سارقه مثلا، وكذلك من يختلس منقولا يعتقد أنه مملوك للغير، بينما هو في الواقع ملكا له.

ففي كلا الحالين لا تتحقق السرقة مادام الشيء مملوكة للمختلس نفسه والاعتقاد الخاطئ بملكية الغير لا يغير من الواقع شيئا ، لأن القصد الجنائي وحده لا تقوم به الجريمة مع انتفاء موضوعها وهو المنقول المملوك للغير.

والملكية التي تنتفي معها السرقة هي الملكية الخالصة ، اما الملكية الشائعة فلا تؤثر على تحقق السرقة متى توفرت العناصر الأخرى للجريمة، فمن اختلس منقولا مشتركا بينه وبين غيره يعتبر سارقا ، لأن فعله تسلط على ملك الغير باعتبار الشريك مالكا على الشياع لكل جزء من المنقول.

وقد قرر القانون في الفصل 523 عقوبة مخففة للوارث الذي يتصرف بسوء نية في كل أو جزء التركة قبل قسمتها، وكذلك المالك على الشياع أو الشريك الذي يتصرف بسوء نية في الشيء المشترك أو في رأس المال، وهذا الفصل يتعلق من جهة بالتصرف في الشيء لا باختلاسه ، كما تشمل من جهة ثانية التصرف في المنقول وفي العقار على السواء ، لذلك يبقى اختلاس المنقول المشترك بين المختلس والغير خاضعا لاحكام السرقة متى توفرت العناصر القانونية الأخرى لهذه الجريمة .

ب – المنقول المملوك للغير :

لا يشترط هنا ثبوت ملكية الغير للمنقول وفقا لأحكام القانون المدني، بمعنى أن النيابة العامة ليست مطلوبة باثبات هذه الملكية بالشروط التي يفرضها لها القانون المدني، وانما يكفي أن تثبت امرين اثنين هما عدم ملكية المتهم للمنقول، وكونه ليس من الأشياء المباحة.

وهكذا تتحقق السرقة مثلا في حالة بقاء المالك مجهولا وكذلك في حالة سرقة أشياء وضعت فوق أو داخل القبر، أو أشياء وضعت داخل المساجد أو الأضرحة للزينة أو ليستعملها المصلون والزائرون، وتطبق السرقة كذلك على اختلاس أشياء من الأملاك العامة أو الخاصة للدولة لكن مع مراعاة :

من ناحية : النصوص الخاصة التي تقرر عقوبات أو تعويضات معينة عن اختلاس أشياء مملوكة للدولة مثل النصوص المتعلقة بالمحافظة على الغابات والصيد بانواعه، واستخراج المعادن والمياه الجوفية … الخ . فمتى وجد النص الخاص تعين تطبيقه بدلا من النصوص المعاقبة على السرقة.

ومن ناحية ثانية : ان لا يكون الشيء مسموحا باخذه والاستيلاء عليه حسب الاعراف وطبيعة الاستعمال الذي يخصص له الملك العام، فمثلا لا يعتبر سرقة أخذ كمية قليلة من رمل أو تراب أو حجر من شاطئ أو نهر أو سد أو جبل من املاك الدولة العامة أو الخاصة لان ذلك مما جرى العرف بالتسامح فيه ولأن السلطات التي تمارسها الدولة على مثل هذه الأملاك لايستفاد منها منع الافراد من أخذ الكميات القليلة منها .

وعلى العكس من ذلك إذا كان الشيء المختلس تمارس عليه الدولة سلطات المالك كاملة، أو كانت الكمية المأخوذة لا يسمح بها العرف والعادة المتبعة، أو أصدر المشرع نصوصا خاصة تحظر أخذ الشيء من الملك العام، ففي مثل هذه الحالات تطبق النصوص الخاصة إن وجدت كما سبقت الاشارة إلى ذلك ، والا خضع المختلس للنص المعاقب على السرقة.

ج – المنقول المباح :

يكون الشيء مباحا إما بحسب الأصل وإما بتنازل المالك عنه، والسماح للغير بحيازته والاستيلاء عليه، فمن أمثلة النوع الأول الطيور التي لا يتوقف اصطيادها على ترخيص اداري وكذلك الطيور والحيوانات والاسماك بالنسبة للمرخص لهم باصطيادها، وخلايا النحل غير المحرزة، ومياه العيون والآبار والانهار المباحة للناس لأخذ كفايتهم منها للاستعمال المنزلي أو للسقي ، وعشب الحقول الجماعية أو الفردية متى كانت العادة تسمح لكل فرد بأخذ العشب من حقول السكان الآخرين، ومن أمثلة النوع الثاني أي المنقول المتنازل عن ملكيته ، كل ما يتخلى المالك عنه باختياره، كالثياب والأثاث والأدوات البالية ، وفضلات الطعام.

ومثل ذلك العشب اليابس في الطرق العامة حيث أن النص يعاقب على أخذه مخضرا ، فيستفاد من ذلك أن أخذه بعد يبسه لا عقاب عليه ، وكذلك الأشجار أو فروع الأشجار اليابسة التي يسمح قانون المحافظة على الغابات بأخذها .

ويستدل على تخلي المالك عن الشيء باعترافه أو بوضعه المنقول المتخلى عنه خارج حرزه المألوف بشكل يدل على تركه والتنازل عن تملكه، وعلى كل حال فإن الشيء لا يصبح مباحاً إلا إذا ثبتت نية المالك وقصده التخلي عن ملكيته، ولهذا فإن المنقول المفقود أو الضائع من صاحبه لا يعتبر متخلى عنه مادام مالكه لم يتنازل عن الملكية.

وإذا افلت الشيء من يد حائزه فإنه لا يعود مباحا إلا بعد التخلي عن متابعته أو عن استرجاعه اختياراً ، وذلك مثل السمك أو الحيوان المنفلت بعد اصطياده، والاشياء والمحصولات التي يجرفها سيل أو تذهب بها عاصفة.

ثالثا – القصد الجنائي في جريمة السرقة :

السرقة من الجرائم العمدية يتعين توافر القصد الجنائي فيها ، وقد نص على ذلك صراحة الفصل 505 لكن ما هو مفهوم القصد الجنائي في جريمة السرقة ؟

من المعروف أن القصد العام في الجرائم العمدية يتحقق بتوجيه الجاني ارادته إلى تحقيق وقائع الجريمة مع العلم بحقيقة هذه الوقائع، وبذلك يتوفر القصد الجنائي العام في السرقة بقيام الجاني عن ارادة واختيار باختلاس منقول يعلم أنه لا يملكه وليس مباحا، مع ادراكه لحقيقة عمله من الناحية الواقعية.

وبناء على ذلك ينتفي القصد الجنائي إذا قام بأخذ منقول مملوك للغير نتيجة اكراه، أو بدون توجيه ارادته إلى واقعة الأخذ كما إذا علق الشيء بمنقول آخر أخذه الفاعل أو دس له فيه ، أو كان الآخذ يعتقد انه ملك له أو مباح .

وإذا كان القصد العام هذا لا مراء في اشتراطه لقيام جريمة السرقة، فإن الرأي السائد في الفقه يشترط بالإضافة إلى ذلك توافر القصد الخاص، وهو نية تملك المنقول المختلس والأصل ان القيام بالعمل المادي للسرقة وهو اختلاس الشيء خفية أو سلبه عنوة من صاحبه يشكل قرينة على وجود نية التملك ،

ولكن قد توجد قرائن تصرف دلالة الاختلاس على هذه الغاية وذلك كما إذا تبين من الظروف والملابسات ان الفاعل يقصد فقط الانتفاع بالشيء وارجاعه إلى صاحبه كقراءة كتاب ، واستعمال اداة أو آلة لقضاء بعض المآرب الشخصية ، ومثل ذلك أيضا تجريد شخص من سلاح أو أداة لمنعه من ارتكاب اعتداء ، أو طفل أو مجنون من أداة خطرة عليها أو على الآخرين، وأخذ الدائن منقولا للمدين لاجباره على اداء ما عليه من دين .

ويزيد بعض الفقهاء فيشترطون معاصرة نية الملك للاختلاس وذلك على أساس ان السرقة جريمة فورية فيتعين أن تتحقق كل عناصرها في ذات الوقت، أما إذا تم الاختلاس دون نية التملك ثم بعد ذلك تولدت لدى المختلس هذه النية فلا يعتبر سارقا كما إذا استولى على الشيء بقصد الانتفاع به ، ثم ظهر له فيما بعد أن يتملكه .

ونعتقد أن كلا من اشتراط نية التملك ومعاصرتها لواقعة الاختلاس يبدو محل نظر.

فاشتراط نية التملك قصد به تفادي العقاب على حالات الاستيلاء المؤقت على الشيء كما في الأمثلة السابقة ، ولكن إذا كان صحيحاً أن السرقة لا تتحقق في حالات اتجاه قصد الفاعل إلى الاستيلاء المؤقت فقط على الشيء دون نية سلب ملكيته من مالكه ، فان ذلك لا يرجع إلى تخلف قصد خاص هو نية الملك وانما يرجع إلى عدم تحقق القصد العام ذاته.

فالقصد العام كما سبقت الاشارة هو توجيه الإرادة إلى تحقيق وتنفيذ الواقعة الاجرامية مع العلم بحقيقتها من الناحية الواقعية . والواقعة الاجرامية التي تكون السرقة هي اختلاس المنقول المملوك للغير، والاختلاس كما سبق شرحه انما يقصد به في جريمة السرقة الاستيلاء على الشيء بصورة نهائية وسلب ملكية المالك وانهاؤها .

وبناء على ذلك فإن أخذ الشيء بقصد الانتفاع به مؤقتا فقط وارجاعه إلى صاحبه، أو لتفادي خطر يمكن أن يترتب عن بقاء الشيء في يد حائزه ، أو للضغط على المدين للوفاء بما عليه ، وما إلى ذلك من الحالات الأخرى التي لا يقصد فيها الآخذ الاستيلاء النهائي على الشيء وحرمان صاحبه منه لا تتحقق به السرقة، ليس لانعدام القصد الخاص ، وانما لعدم توفر القصد العام ذاته، لأن الأخذ هذا لا يتحقق به الاختلاس بالمفهوم المصطلح عليه في جريمة السرقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى