ميز القانون بين الفساد وبين الخيانة الزوجية على أساس ان طرفي العلاقة في الحالة الأولى غير متزوجين وفي الحالة الثانية احدهما على الأقل متزوج، والجريمتان تخضعان لأحكام واحدة بالنسبة لوسائل الاثبات ولكنها تختلفان في العقوبة وإثارة المتابعة.
فالفساد يعاقب عليه بحبس من شهر واحد إلى سنة، وتثار المتابعة بشأنه تلقائيا، أما الخيانة الزوجية فعقوبتها الحبس من سنة إلى سنتين، ولا تجوز المتابعة بها إلا بعد تقديم الزوج المجني عليه للشكوى، ما لم يكن احد الزوجين خارج المغرب وكانت الزوج الآخر يتعاطى الفساد بصفة ظاهرة، وتنازل الزوج عن شكايته يضع حدا لمتابعة العقوبة إذا كان السحب في مرحلة التنفيذ .
أولا – أركان جريمة الخيانة الزوجية :
بنص الفصل 491 على أنه ” يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية ولا تجوز المتابعة في هذه الحالة إلا بناء على شكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليه. غير أنه في حالة غياب أحد الزوجين خارج تراب المملكة، فإنه يمكن للنيابة العامة أن تقوم تلقائيا بمتابعة الزوج الآخر الذي يتعاطى الخيانة الزوجية بصفة ظاهرة”.
من هذا الفصل تستخلص أن أركان جنحة الخيانة الزوجية هي : علاقة جنسية، ارتباط الجاني بعقد زواج، ثم القصد الجنائي
1) علاقة جنسية :
كما في جريمة الفساد يتحقق الركن المادي للخيانة الزوجية بالمواقعة، ولا يجوز للمحكمة أن تقرر الادانة إلا إذا اقتنعت بحصول الوقاع وعليها أن تبرز في حكمها هذا الاقتناع الذي تستخلصه من الاعتراف الصريح للمتهم أو من المحضر المحرر في حالة التلبس ، وكما سبق في جريمة الفساد ليس من الضروري أن يتضمن محضر التلبس معاينة تنفيذ العنصر المادي للجريمة ولكن يتعين أن تكون الوقائع المعاينة والمسجلة في المحضر تدل بوضوح على ارتكاب الجريمة حتى يكون استنتاج المحكمة سليما.
و استخلاص وجود العلاقة الجنسية من الوقائع الواردة في محضر التلبس يرجع إلى سلطة محكمة الموضوع دون رقابة من محكمة النقض، لأن الأمر يتعلق بتفسير الوقائع واستقصاء دلالتها، وقاضي النقض لا يدخل ذلك في صلاحياته، ومع ذلك قد يتدخل عن طريق نقصان التعليل إذا ما تبين له أن الوقائع بعيدة الدلالة عن وجود العلاقة الجنسية، ويعلل تدخله بكون محكمة الموضوع لم تبين بما فيه الكفاية الوقائع التي استخلصت منها تحقق الفعل المادي لجريمة الخيانة الزوجية.
2) ارتباط الجاني بعقد زواج :
العنصر الوحيد الذي تفترق فيه الخيانة الزوجية عن الفساد هو وصف أو رابطة الزوجية، حيث يكون الفساد بين غير متزوجين بينما الخيانة الزوجية تتطلب أن يكون الجاني متزوجا.
إذا كان كل من طرفي العلاقة متزوجا فإنه يعتبر مرتكبا لجريمة الخيانة بالاصالة ، أي مستمدا الوصف الاجرامي من ذات تصرفه الشخصي ، اما إذا كان احدهما غير متزوج فإن تكييف جريمته يسري عليه من الوصف الشخصي لشريكه في العلاقة وهو وصف الزوجية ، وسنرجع إلى الموضوع عند الكلام على الشريك في الخيانة الزوجية.
وعقد الزواج يستوي ان يكون صحيحا أو فاسدا مختلفا في فساده حيث انه في هذه الحالة الأخيرة ينتج قبل الحكم بفسخه جميع آثار الزواج الصحيح. وتعتبر الرابطة الزوجية قائمة خلال عدة الطلاق الرجعي ، ويتحقق بالتالي وصف الخيانة الزوجية بالنسبة للرجل أو المرأة الممارسة للعلاقة الجنسية مع الغير.
ويستمر عقد الزواج منتجا لآثاره كذلك في فترة المنازعة القضائية إلى أن يصدر الحكم النهائي بالطلاق، وإذا لم يكن عقد الزواج مكتوبا وفق أحكام مدونة الأسرة فإن المشتكي الذي يدعي الزوجية عليه أن يثبت الرابطة الزوجية. ويتعين ان تكون العلاقة الزوجية وقت ارتكاب الجريمة قائمة فعلا، وبناء على ذلك لا تتحقق الجريمة في فترة الخطبة ولو ابرم بعد ذلك عقد الزواج .
3) القصد الجنائي :
يتحقق القصد الجنائي في جنحة الخيانة الزوجية، بتوافر الادراك والاختيار من جهة ، مع عدم الجهل بالرابطة الزوجية من جهة ثانية:
أ – الادراك والاختيار :
فلا يتحقق القصد الجنائي إذ انتقى الادراك عن الفاعل كما إذا كان مصابا بخلل عقلي ، أو كان في حالة سكر غير اختياري ، أو في حالة تخدير أو تنويم ، نعم إذا كان تناول السكر أو المخدر اختياريا وبدون ضرورة فإن المسؤولية تبقى قائمة ولا ينتفي به القصد الجنائي عملا بالفصل 137 من القانون الجنائي التي تقضي بأن ” السكر وحالات الانفعال أو الاندفاع العاطفي أو الناشئ عن تعاطي المواد المخدرة عمدا ، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعدم المسؤولية أو ينقصها”.
وينتفي الاختيار بكل تأثير على الارادة تجعل الفاعل يقدم على الفعل دون اختياره ورضاه ، ويوخذ هذا من الفصل 486 من ق.ج التي تنص على أن ” الاغتصاب هو مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها” ، حيث اعتبرت الفعل اغتصابا كلما كان بدون رضى المرأة أي سواء وصل الضغط إلى حد الاكراه المادي على الفعل ، أو اقتصر على التأثير المعنوي كالتهديد بافشاء سر يخدش سمعتها أو التهديد بايذاء قريب ، أو الوعد بانقاذه من خطر .
ويبدو تطبيق نفس الحكم في حالة انتفاء رضى الرجل واستعمال الضغط من جانب المرأة – وان كان هذا نادر الحدوث – فكل وسيلة ضغط استعملتها المرأة، وانتفى بها اختيار الرجل ورضاه ، اعتبر الفعل مسا بعرض (وليس خيانة زوجية أو فسادا) وإذا كان الفصل 485 يشترط العنف لتحقق المس بالعرض (إذا كان سن المجني عليه لا يقل عن ثمانية عشرة سنة) فإن العنف ينبغي تفسيره بكل ضغط يتم معه ارتكاب الفعل بغير رضى واختيار، وإذا فسرنا العنف بغير هذا انتهينا إلى نتائج غير مقبولة .
مثلا في حالة الضغط المعنوي على الرجل كانقاذه من ورطة خطيرة إذا لم تعتبر الجريمة مسا بعرض فإن الأمر لا يخلو من أحد الحلين : اما أن يتابع الرجل والمرأة معا أو تتابع المرأة وحدها، وكلا الأمرين لا يبدو سليما، فمتابعة الاثنين تترتب عنه معاملة الرجل بغير ما تعامل به المرأة ، فالمرأة تعتبر مغتصبة ومجنيا عليها كلما انتفى رضاها والرجل يعتبر مجرما رغم عدم توافر الرضى من جانبه، أما متابعة المرأة وحدها بالخيانة الزوجية أو الفساد فغير ممكن لأن هاتين الجريمتين لا يرتكبها فرد واحد، فلا مناص اذن من متابعة المرأة بالمس بالعرض .
ب – عدم الجهل بالرابطة الزوجية :
من المستبعد حقا أن يقبل من المتهم الدفع بعدم علمه بالرابطة الزوجية التي تربطه بزوجه، لكن مع ذلك يمكن في حالات نادرة أن يكون محقا في دفعه، كما إذا صدر الحكم يثبوت الزوجية ولم يبلغ اليه بعد، أو تفوض المرأة للولي أو يوكل الزوج من يعقد عنه، ويرتكب احدهما الفعل قبل أن يعلم بابرام عقد الزواج امام العدلين،
ومثال آخر مسيحي مغربي أو أجنبي متزوج يفترق عن زوجه في المغرب بقرار كنسي ، ويعتقد خطأ أن الرابطة الزوجية قد انتهت قانونا ، والحال أن الطلاق المعترف به هو الذي يصدر به حكم قضائي ، أما القرار الكنسي فليس له أي أثر قانوني في المغرب على الرابطة الزوجية .
وهذا العنصر وهو العلم بالرابطة الزوجية مطلوب بالنسبة للزوج الجاني نفسه ، اما علمه بزواج شريكه في الجريمة فليس ضروريا لتحقق القصد الجنائي ، وسنرى هذا عند الكلام على الشريك .
ثانيا – الشكاية في جريمة الخيانة الزوجية :
اشترط الفصل 491 من ق. ج للمتابعة الجنائية تقدم زوج الجاني بشكاية يطلب فيها بالمتابعة، ويمتنع على النيابة العامة تحريك الدعوى العمومية قبل التوصل بهذه الشكوى، باستثناء الحالة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة السالفة وهي حالة ما إذا كان أحد الزوجين متغيبا خارج المغرب والزوج الآخر يتعاطى الزنا بصفة ظاهرة ، فانه يمكن للنيابة العامة أن تتابعه دون أن يتوقف الأمر على شكاية الزوج المتغيب .
هذا ولم يشترط القانون شكلا معينا للشكاية ، وبناء على ذلك يمكن أن تكون مكتوبة أو شفاهية ، ويقوم مقامها الاستدعاء المباشر المرفق بالمطالبة بالتعويض أمام المحكمة.
ويتعين أن تقدم الشكاية من الزوج المجني عليه شخصيا أو ممن يوكله على ذلك وكالة خاصة، ويسري هذا الحكم ولو كان الزوج المجني عليه محجورا عليه لصغر أو سفه أو إدانة جنائية ، لأن السفيه والمدان بعقوبة جناية يحجر عليها ماليا فقط والشكاية من الحقوق الشخصية لا المالية .
وتقديم الشكاية يبقى مقبولا إلى أن تمضي فترة التقادم على ارتكاب الجريمة وهي أربع سنوات، باعتبار الجريمة جنحة تتقادم بأربع سنوات . والجهة المؤهلة لتلقي الشكاية هي النيابة العامة ، ولكن يمكن تقديمها أيضا إلى ضابط الشرطة القضائية باعتباره مؤهلا كذلك لتلقي الشكايات، كما إذا طلب منه الزوج المجني عليه الحضور لضبط ارتكاب الجريمة في حالة تلبس .
وأخيرا فان الشكاية يجب أن تتضمن رغبة الزوج المجني عليه في اثارة المتابعة الجنائية ضد زوجه الخائن فلا يكفي الاخبار المجرد بالوقائع إذ في هذه الحالة يعتبر الاخبار وشاية وليس شكاية ، كما لا يعتبر شكاية بالأحرى تضمين وقائع الجريمة في مقال رفع الدعوى بالطلاق ، هذا ، وإذا كانت الشكوى قيدا في المتابعة، فهل تعتبر كذلك قيدا في قيام ضابط الشرطة القضائية بالبحث التمهيدي ؟
نعتقد أن الحكم يختلف بحسب ما إذا كانت الجريمة في حالة تلبس أم لا، ففي حالة التلبس يحق لضابط الشرطة القضائية ضبط الوقائع واقامة المحضر ولو لم يتلق شكاية الزوج المجني عليه ، لأن محضره هذا يعتبر من وسائل اثبات الخيانة الزوجية، ولأن الوقائع تكون جريمة من الناحية القانونية تدخل في عموم الجنح المتلبس بها التي يفرض القانون فيها على ضابط الشرطة القضائية الانتقال فورا إلى مكان الجريمة واجراء التحريات المفيدة، وتحرير المحضر بها حالا.
أما في غير حالة التلبس فإنه وإن كانت النصوص القانونية لا تمنع صراحة القيام بالبحث التمهيدي قبل تلقي الشكاية ، الا أن انجاز هذا البحث دون شكاية المعني بالأمر لا يبدو مفيدا بل ربما يتعارض مع الهدف الذي من أجله فرضت تلك الشكاية.
ذلك أن اجراءات البحث تقتصر في هذه الحالة على استجواب المشبوه فيهما وربما الاستماع إلى الشهود والقيام بالتفتيش بحثا عن المكاتب والأوراق المتضمنة لاعترافاتهما وهذه الاجراءات مع ما فيها من اشهار لوقائع قد يكون الزوج المجني عليه حريصا على عدم افشائها لا تبدو مفيدة من الناحية العملية ، فالاستجواب لا ضرورة تدعو إلى التعجيل به قبل الشكاية، وشهادة الشهود غير مقبولة لاثبات الخيانة الزوجية، وتفتيش المنازل بحثا عن الأوراق والمكاتيب قبل وجود أية شكاية يتعارض مع الهدف الذي توخاه القانون من حصر وسائل الاثبات وتقييد المتابعة بالشكاية .
– التنازل عن الشكاية في جريمة الخيانة الزوجية :
يقضي الفصل 492 بأن ” تنازل أحد الزوجين عن شكايته يضع حدا لمتابعة الزوج أو الزوجة المشتكى بها عن جريمة الخيانة الزوجية” انقضاء المتابعة بسحب الشكاية في الخيانة الزوجية مجرد تطبيق للقاعدة العامة المنصوص عليها في المادة الرابعة من قانون المسطرة الجنائية التي تقضي بأن من أسباب سقوط الدعوى العمومية سحب الشكاية ان كانت شرطا للمتابعة .
أما انتهاء تنفيذ العقوبة بهذا السحب فيكون استثناء حيث إن الفصل 49 من القانون الجنائي لم يذكر سحب الشكاية من بين الاسباب العامة لانقضاء العقوبة.
ثالثا – المشارك في جريمة الخيانة الزوجية :
مرتكب جريمة الخيانة يتعرض لأحكام ناتجة عن تصرفه هو وعن صفته الشخصية ، كما تسري عليه أحكام أخرى يستقيها من الطرف الآخر في العلاقة المحرمة التي مارسها ، وقد تعرضنا للنوع الأول من هذه الأحكام عند استعراض أركان الجريمة والشكاية كقيد في المتابعة وما يترتب على سحبها من آثار.
أما الآن فستكلم على النوع الثاني أي الأحكام التي يستمدها المتهم من الطرف الآخر وتسري عليه بوصفه شريكا له في العلاقة موضوع المتابعة، وتتلخص هذه الأحكام في سريان الوصف الجنائي للافعال وآثار تقديم أو عدم تقديم الشكاية وسحبها .
1) سريان الوصف الجنائي :
يثور موضوع التكييف عندما يكون الشريك غير متزوج بينما شريكه الآخر متزوج ، لم يتعرض القانون الجنائي للحكم في جريمة الخيانة الزوجية بالخصوص مكتفيا بالقاعدة العامة الواردة في الفصل 130 التي تقول ” … ولا تؤثر الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف أو اعفاء من العقوبة إلا بالنسبة لمن تتوفر فيه. اما الظروف العينية المتعلقة بالجريمة والتي تغلظ العقوبة أو تخفضها فإنها تنتج مفعولها بالنسبة لجميع المساهمين أو المشاركين في الجريمة ولو كانوا يجهلونها”.
وتشديد العقوبة في الخيانة الزوجية – بالنسبة للفساد – ناتج عن ظرف شخصي أو عيني ؟
ان تكييف العلاقة الجنسية غير الشرعية بالخيانة الزوجية ناتج عن وصف الزوجية وهو ظرف شخصي بلا جدال، ولكنه في نفس الوقت لايقتصر على تشديد العقوبة دون المساس بالوصف الاجرامي للافعال ، وانما يؤثر على هذا الوصف أيضا وينقل الجريمة من الفساد إلى الخيانة الزوجية .
وهذا النوع من الظروف تسمى بالظروف المختلطة ، لأنها من جهة ظرف شخصي ناتج عن صفة شخصية في الجاني، ومن جهة ثانية تضفي على الافعال وصفا اجراميا جديدا الأمر الذي تصبح العقوبة مرتبطة بهذا الوصف الجديد، أي بطرف عيني متعلق بالجريمة ذاتها.
ومن أجل ذلك فان الاجتهاد يلحق الظروف المختلطة بالظروف العينية في الاحكام التي يقررها القانون لهذه الظروف الأخيرة . لكن هل يشترط لهذا السريان علم المشارك بأن الطرف الآخر متزوج ؟ إن الفصل 130 السالف صريح في تطبيق الظروف العينية على جميع المساهمين والمشاركين ولو كانوا يجهلونها.
وعقوبة الخيانة الزوجية ناتجة عن ظرف مختلط كما سبق القول فيتعين إلحاقه بالظروف العينية أو الظروف الشخصية إذا اقتضى اجتهاد القاضي ذلك، وتطبيق أحكام الفصل 130 عليه ، ولكن لا يمكن بحال تقرير سريانه كالظروف العينية ثم اشتراط علم المشارك بوصف الزوجية للطرف الآخر. وإذا كان ليس من العدل أن يؤاخذ المتهم بظرف يجهله فان الانتقاد يجب أن يوجه إلى صياغة ف 130 ذاته ، اما تطبيق النص وتفسيره فلا يمكن الخروج به عن المدلول الصريح لألفاظه .
2) أثر الشكاية وسحبها :
بحث تأثر الشريك بالشكاية يثار في حالة تقديمها ضد الطرف الآخر وفي حالة عدم تقديمها كذلك ، وذلك تبعا لما إذا كان هو أيضا متزوجا أوغير متزوج. في الحالة الأولى إذا كان متزوجا هل يتأثر بالشكاية المقدمة من زوج الطرف الآخر ؟
ان صياغة الفصل 491 تحتمل تأويلين فهي تقول ” ولا تجوز المتابعة في هذه الحالة إلا بناء على شكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليه” ، فهذه العبارة يصح تفسيرها بعدم جواز متابعة الزوج الجاني الا بناء على شكوى زوجه هو، وبناء على ذلك إذا كان كل من الجانبين متزوجا وقدم الشكاية زوج أحدهما فقط فإن المتابعة تثار عند زوج هذا الأخير دون شريكه الذي لم يقدم زوجه الشكوى. وهذا يتفق مع الهدف الذي من أجله وضعت الشكاية قيدا للمتابعة .
كما يمكن تفسيرها بأن متابعة مرتكبي الجريمة لا تثار إلا بناء على شكوى من أي زوج من الأزواج المجني عليهم في حالة تعددهم فيشمل هذا التفسير حالة تقدم زوج أحد الجانبين بالشكاية وحالة ما إذا كان للرجل الجاني أكثر من زوجة واحدة وقدمت احداهن الشكاية دون الأخريات.
ويميل الفقهاء إلى هذا التفسير الثاني لأن تقييد المتابعة بالشكاية استثناء فينبغي تطبيقه في أضيق الحدود، بالاضافة إلى أن التقاليد الاجتماعية المستمدة من الشريعة الاسلامية تفرض المتابعة كلما ثبتت الجريمة .
أما الحالة الثانية وهي تأثر الشريك بعدم تقديم الشكاية فتثور عندما يكون الشريك غير متزوج، ولا تقدم الشكاية ضد الطرف الآخر المتزوج والحكم هو أن للنيابة العامة تحريك المتابعة ضد الشريك غير المتزوج دون انتظار شكوى زوج الطرف الآخر ، ولو ان هذه المتابعة يترتب عنها نشر الوقائع التي قد يرغب الزوج المجني عليه في عدم افشائها ، الا أن مبررات المتابعة تعتبر أرجح من مجرد مراعاة رغبة الزوج خصوصا وأن زوجه هو لم يتابع أمام القضاء .
هذا عن تأثير تقديم أو عدم تقديم الشكاية ، أما بالنسبة لسحب الشكاية بعد تقديمها فان الفقرة الأخيرة من الفصل 492 تقضي بأنه لا يستفيد مشارك الزوجة ولا مشاركة الزوج مطلقا من هذا التنازل .
وبالرغم من هذه الصياغة التي تفيد ان سحب الشكاية لا تأثير له على الشريك في جميع الأحوال ، إلا أنه يبدو تفسيرها بالحالات التي لا تكون فيها الشكاية هي سبب المتابعة بأن كان الشريك غير متزوج أو متزوجا وأثيرت متابعته بشكاية زوجه هو ، كما إذا ارتكب الجريمة (أ) و(ب) المتزوجان وأثيرت متابعتهما بشكاية زوجيهها ، فان سحب زوج (أ) لشكايته لا يستفيد منه الشريك (ب).
أما إذا كانت الشكاية هي سبب المتابعة فيؤثر سحبها على الشريك، في المثال السابق إذا أثيرت متابعة المتهمين معا بناء على شكاية زوج (أ) فان سحب هذا الأخير لشكايته يستفيد منه المتهم (ب) إذ بعد سحب الشكاية لا يبقى مبرر لمتابعته وهو متزوج وزوجه لم يقدم به شكوى .
رابعا – اثبات الخيانة الزوجية :
ينص الفصل 493 من القانون الجنائي على أن ” الجرائم المعاقب عليها في الفصلين 490 و 491 لا تثبت إلا بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي”.
ان تحديد وسائل الاثبات في الخيانة الزوجية قاصر على حالات المتابعة بهذه الجريمة، ولا ينطبق على الحالة التي تكون فيها واقعة الخيانة الزوجية عذرا مخففا في جرائم القتل والضرب والجرح طبقا للفصل 418 من القانون الجنائي.
وبناء على ذلك فان الزوج الذي يتابع بالقتل أو الضرب أو الجرح ، ويدعي وجود الخيانة الزوجية باعتبارها عذرا مخففا ، يمكنه اثبات ادعائه بسائر وسائل الاثبات المقبولة أمام القضاء الجنائي ، لأن الخيانة كعذر مخفف ، تشكل مجرد واقعة مادية يمكن اثباتها بسائر وسائل الاثبات .
وقد تجد المحكمة نفسها أمام تناقض إذا كانت تنظر في جريمة الخيانة الزوجية وفي جريمة قتل أحد الشريكين أو جرحها فتكون الواقعة الواحدة يقبل اثباتها بكل وسائل الاثبات باعتبارها عذرا مخففا ، ولا يقبل اثباتها الا بوسائل محددة بوصفها خيانة زوجية.
وملاحظة أخرى وهي أن تقييد الاثبات في الخيانة الزوجية في القانون الفرنسي ، قصد به تفادي تلفيق هذه الجريمة من أحد الزوجين ضد الآخر باعتبارها من الأسباب التي تخول حق طلب التطليق ، فالزوج الراغب في انهاء العلاقة الزوجية يسهل عليه تلفيق تهمة الخيانة الزوجية عن طريق الشهود مثلا.
إذا كان هذا سبب التضييق لوسائل الاثبات في القانون الفرنسي . فهل توفر نفس السبب لدى المشرع المغربي ؟
الجواب قطعا بالنفي فالقانون عندنا لا يحصر أسباب الطلاق بالنسبة للرجل ، وإذا حصرها بالنسبة للمرأة فانه لم يجعل من بينها الخيانة الزوجية فلا خوف إذن من تلفيق هذه الجريمة من الزوج الراغب في الطلاق مادام كل من الرجل والمرأة لديه وسائل أخرى أسهل لإنهاء العلاقة الزوجية .
وبالاضافة إلى ذلك نجد تقاليدنا الاجتماعية لا تشجع أيا من الزوجين على نسبة الخيانة إلى الزوج الآخر، بل على العكس من ذلك يحرص كل منهما على عدم تلويث السلوك الأخلاقي لصاحبه لأنه يعتبر هذا التلويث ماسا بشرفه واعتباره هو أيضا.