أطلق المشرع وصف جريمة الفساد على العلاقة الجنسية غير الشرعية التي لا تتحقق فيها احدى جرائم العرض المعاقب عليها بنصوص خاصة وهي جرائم هتك العرض، والاغتصاب ، والخيانة الزوجية .
ذلك أنه بعد أن جرم الممارسة الجنسية غير الشرعية في حالات خاصة عاقب على كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا يربطها زواج، وحاول بذلك أن يجعل الزواج هو العلاقة القانونية الوحيدة المعترف بها للتعايش الجنسي، وهو اتجاه ولا شك يتفق مع الشريعة الإسلامية التي وقفت من الزنى موقفا صارما حرصا منها على صيانة مؤسسة الأسرة ونظامها.
وربما اعتبر البعض تجريم الفساد بالصيغة العامة الواردة في الفصل 490 يتعارض مع الحرية الشخصية، لكن من جهة هناك ما يجلبه الفساد من الأمراض، وما يلحقه من هوان بعزة الفرد والعائلة والمجتمع، ومن جهة ثانية -وهذا أهم مما سبق – أن الإنسان اختار طوعا أو كرها نظام الأسرة وهو النظام الذي يعتبر ضروريا ولا بديل له اليس للحفاظ على النوع فحسب ولكن أيضا لتنشئة الطفل التنشئة الطبيعية الملائمة للفترة الزمنية الطويلة التي يقضيها في الحضانة والتوجيه قبل أن يصبح قادرا على الحياة المستقلة المنفصلة.
والحفاظ على استمرار نظام الأسرة بما فيه من تبعات ، يفرض تجريم كل ما يهدد كيانه ويدوس قدسيته وفي مقدمة ذلك المارسة الجنسية البهيمية المجردة من كل تبعة ومسؤولية.
هذا، وقد تعرض القانون الجنائي لجريمة الفساد في الفصل 490 الذي يقول ” كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة “.
أولا – أركان جريمة الفساد :
يتبين من هذا النص أن عناصر جريمة الفساد هي :1 – علاقة جنسية (فعل مادي)، 2 – عدم وجود علاقة زوجية بين الفاعلين، 3 – انتفاء وصف اجرامي أشد للافعال، 4 – القصد الجنائي.
1) علاقة جنسية بين رجل وامرأة (فعل مادي) :
تتحقق العلاقة الجنسية بمجرد المواقعة أي ايلاج العضو التناسلي في عضو التأنيث لدى المرأة، وليس ضروريا ان تتم العملية الجنسية بين المتهمين إلى نهايتها.
وعلى العكس من ذلك لا يتحقق العنصر المادي للجريمة بما دون المواقعة من أفعال وبالتالي لا عقاب عليها ما لم تتوفر جريمة الاخلال العلني بالحياء المعاقب عليها بالمادة 483 من القانون الجنائي، أو المس بالعرض (484 و 485 من القانون الجنائي) .
وإذا كان مفهوم العلاقة الجنسية ينصرف إلى المواقعة الطبيعية بين الرجل والمرأة، إلا أنه يبدو تفسيره بشكل أوسع بحيث يشمل كذلك اتيان المرأة من خلف، لأن القانون الجنائي عندما عاقب على الشذوذ الجنسي (ف 489) اقتصر فيه على الحالة التي يكون فيها بين شخصين من جنس واحد، أي بين رجلين أو بين امرأتين.
ومن ناحية ثانية فان النص يقول ” رجل وامرأة” وبالمقارنة مع الفصل 484 و 485 المتعلقتين بالمس بالعرض يتبين أن المتابعة بالفساد تتوقف على بلوغ المتهمين ثمانية عشرة سنة على الأقل من عمرها، أما إذا كان سن أحدهما أقل من ثمانية عشرة فإن الطرف الآخر ( ذكرا كان أو أنثى) يتابع بجريمة المس بالعرض وليس بالفساد ولو انجز الفعل بموافقة القاصر.
ويدق الحكم إذا كان الفاعلان معا دون الثامنة عشرة. فطبقا للقواعد العامة يسألان جنائيا إذا اتما الثانية عشرة من عمرهما (ف 139ج) والتكييف القانوني لتصرفها هو المس بالعرض، ولكن قد لا يبدو مقبولا متابعة من لم يتم الثامنة عشرة والحال أن القانون لا يعتد برضاه أو موافقته على الفعل الماس بعرضه، ويعتبره ضحية رغم هذا الرضاء أو الموافقة (ف 484)
فهل يعتبر القاصر دون الثامنة عشر ضحية الجريمة إذا كان الطرف الآخر لا يقل سنه عن الثامنة عشر عاما ، بينما يعتبر مجرما إذا كان الطرف الآخر قاصرا مثله ، فابن الرابعة عشرة مثلا إذا اتصل جنسيا بالتي أتمت الخامسة عشرة أو كان فاعلا في عملية لواط مع ذكر لا يقل سنه عن خمسة عشر عاما ، اعتبر في كلا الحالين ضحية ولا يعتد بموافقته وتتابع الأنثى والذكر المفعول بيهما باعتبارهما مرتكبين لجريمة المسن بعرض قاصر، في حين يتابع هو بالمس بالعرض إذا كانت الأنثى أو الذكر المفعول به يقل سنه عن خمس عشرة سنة .
أمام الصياغة المستعملة في جريمة المس بالعرض ، لا مناص من القول بأن أحد الفاعلين إذا كان يقل سنه عن ثمانية عشر عاما توبع الطرف الآخر وحده بالمس بالعرض سواء كان فاعلا أو مفعولا به ، وإذا كان كل منهما دون الثامنة عشرة توبع الفاعل دون المفعول.
2) عدم وجود علاقة زوجية بين الفاعلين :
وهذا الشرط بديهي لم يكن من الضروري النص عليه في الفصل 490 من القانون الجنائي ويعتد بالعلاقة الزوجية في انتفاء جريمة الفساد، ولو كان عقد الزواج فاسدا ، اللهم إذا كان فساده مجمعا عليه وكان الطرفان عالمين بهذا الفساد.
ويمكن للمتابعين بجريمة الفساد، قانونيا، اثبات قيام علاقة الزوجية بينهما بكافة وسائل الاثبات ، كما أن المواقعة في فترة الطلاق الرجعي لا تعتبر جريمة فساد لعدم انتهاء الرابطة الزوجية بينهما، بل إن هذا الفعل هو بمثانة استرجاع الرجل لزوجته المطلقة إلى عصمته.
3) انتفاء وصف اجرامي أشد للافعال :
لا يتابع بجريمة الفساد الا إذا لم يتوفر في العلاقة الجنسية بين الذكر والأنثى وصف جنائي آخر أشد، وأهم هذه الأوصاف المس بالعرض والاغتصاب والخيانة الزوجية.
فالمس بالعرض يتحقق إذا كان الفاعل أو المفعول به في العملية الجنسية قاصرا يقل سنه عن ثمانية عشر عاما، أو كان الفاعل ذكرا أو أنثى قد استعمل العنف (الفصل 484 و 485) والاغتصاب يتابع به الرجل متى كانت المواقعة بدون موافقة المرأة.
يتبين من هذا أن الفساد لا يتحقق إلا بين رجل وامرأة لا يقل سنهما عن ثمانية عشر عاما غير متزوجين، وأن تتم العلاقة الجنسية بينهما باتفاق وتراضي بأن يكون كل منها متمتعا بالادراك والارادة ويرتكب الفعل عن حرية واختيار، ولذلك لا تعتبر الافعال جريمة فساد إذا كان الرجل أو المرأة فاقدا لقواه العقلية أو في حالة سكر غير ارادي، أو في حالة نوم أو تنويم أو تخدير، ففي هذه الحالات جميعا تقتصر المسؤولية على الطرف المتمتع بالادراك والتمييز، ويتابع بالمس بالعرض أو بالاغتصاب حسب الأحوال.
4) القصد الجنائي :
يتوفر القصد الجنائي في جريمة الفساد بادراك الفاعل حقيقة تصرفه، مع علمه بأنه لا تربطه بالطرف الآخر علاقة زواج، والقيام بالافعال المادية لجريمة الفساد يكون قرينة على علم المتهمين بعدم وجود هذه الرابطة، لذلك فإن النيابة العامة غير مطالبة بإثبات مستقل ومباشر للقصد الجنائي، وانما يكفيها اثبات الافعال المادية، وعدم وجود رابطة زواج بين المتهمين .
وللمتهمين دحض هذه القرينة وبالتالي نفي القصد الجنائي باثبات غلط أو جهل جعلهما يعتقدان وجود العلاقة الزوجية رغم انعدامها في الواقع، ويمكن حدوث هذا بغلط كل منها أو أحدهما في شخص الطرف الآخر، أو في انتهاء عدة الطلاق الرجعي أو اعتقادهما ان الطلاق رجعي والحال أنه بائن.
وبناء على ذلك إذا تأكدت المحكمة من أن المتهمين تربطها علاقة زواج في اعتقادهما المستمد من مبررات معقولة، تعين الحكم ببراءتها، كما إذا تزوجا على الطريقة العرفية التي كان مسموحا بها من قبل، أو اكتفيا بابرام العقد لدى ضابط الحالة المدنية كما يحدث لبعض المغاربة الذين يتزوجون في بلدان أجنبية، أو اثبت المتهمان الجهل أو الغلط الذي جعلها يعتقدان خطأ قيام العلاقة الزوجية بينهما.
ولكن قلنا ان المتهمين استندا في اعتقادهما إلى مبررات معقولة فلا ينتف القصد الجنائي بمجرد اعتقاد لا مبرر له مثل الذي يستندان فيه إلى طول معاشرتهما غير الشرعية وتعهد كل منهما للآخر بعدم الافتراق.
ومن ناحية ثانية فإن واقعة عدم وجود رابطة زواج، تعتبر واقعة سلبية مطلقة، كما ان الزواج بالنظر إلى أهميته الاجتماعية فرض القانون توثيق عقده كتابة وفق شروط موضوعية وشكلية بينها بتفصيل، ولهذين السببين لا تطلب المحكمة من النيابة العامة اثبات عدم وجود العلاقة الزوجية مجرد ادعاء المتهمين وجود تلك العلاقة، وانما الذي يجري هو تقدير كل الوقائع التي يستند عليها كل من النيابة العامة والمتهمين، فالنيابة العامة باعتبارها مطالبة باثبات جميع عناصر الجريمة يتعين أن تستند في المتابعة على وقائع تشكل قرائن على انتفاء العلاقة الزوجية، والمتهمان بادعائها لتلك العلاقة التي يفرض فيها القانون التوثيق الكتابي عليهما ان يبررا إدعاءهما بقرائن تؤكده.
وبعبارة أخرى ان النيابة إذا تعذر عليها أحيانا اثبات عدم وجود العلاقة الزوجية بشكل يقيني ، فانها ملزمة لتبرير متابعتها بالاستدلال بقرائن ترجح انتفاء تلك العلاقة، ثم عن طريق التحقيق النهائي للوقائع تنتهي المحكمة إلى الادانة أو البراءة، ومن جانب المتهمين لا يقبل منهما دفع القرائن المؤيدة للمتابعة بمجرد الادعاء وانما عليهما تأكيده بوقائع جدية تؤيد ما يزعمان حتى يكون من حقها توقيف المتابعة ورفع دعوى اثبات الزوجية .
ثانيا – اثبات جنحة الفساد :
ينص الفصل 493 من القانون الجنائي على أن ” الجرائم المعاقب عليها في الفصلين 490 و491 لا تثبت إلا بناء على محضر رسمي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء على اعتراف تضمنته مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي”.
1) المحضر المحرر في حالة تلبس :
تحدد م 56 من قانون المسطرة الجنائية الحالات التي تعتبر فيها الجريمة في حالة تلبس كما إذا ضبط الفاعل أثناء ارتكابه الجريمة أو على إثر ارتكابها، إذا كان الفاعل ما زال مطاردا بصياح الجمهور على إثر ارتكابها، إذا وجد الفاعل بعد مرور وقت قصير على ارتكاب الفعل حاملا أسلحة أو أشياء يستدل معها أنه شارك في الفعل الإجرامي، أو وجد عليه أثر أو علامات تثبت هذه المشاركة. ويعد بمثابة تلبس ارتكاب جريمة داخل منزل في ظروف غير الظروف المنصوص عليها سابقا إذا التمس مالك أو ساكن المنزل من النيابة العامة أو من ضابط للشرطة القضائية معاينتها.
ويبدو أن القابل للتطبيق من هذه الحالات على جريمة الفساد – وكذا الخيانة الزوجية – هو الحالتان الأولى والثالثة، لأن الفصل 493 يشير إلى المحضر الذي يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس ومقتضى هذا ان يكون ضابط الشرطة هو الذي عاين تنفيذ الافعال المادية للجريمة أو ضبط الجاني اثر انجاز الفعل أو حاملا لامارات أو آثار تثبت ارتكابه للفعل ، وهذا لا يتأتى في حالة ضبط الجاني مطاردا بصياح الجمهور دون أن تكون عليه آثار أو امارات تؤكد ارتكابه جريمة الفساد، إذ في هذه الحالة إذا لم يوجد اعتراف لا سبيل إلى التأكد من الأفعال المادية المنسوبة للمطارد الا عن طريق الشهود، الأمر الذي يؤدي إلى اثبات الجريمة بالشهود.
والأمر أكثر وضوحا بالنسبة للفقرة الأخيرة من م 56 فمحضر البحث التمهيدي لا يعتبر محررا في حالة تلبس بالمعنى المقصود في الفصل 493 لمجرد أن جريمة الفساد سبق ارتكابها في منزل المجني عليه. وبالنسبة للحالتين الأولى والثالثة من م 56 اللتين تتحقق فيهما حالة التلبس فانه ليس من الضروري ان يعاين ضابط الشرطة التنفيذ المادي للجريمة، وانما يكفي أن تكون الوقائع التي عاينها وسجلها في محضره تؤكد ارتكاب جريمة الفساد.
والمحكمة هي التي تستخلص حالة التلبس من الوقائع الواردة في المحضر، أي إن الضابط يكتفي بتسجيل الوقائع كما شاهدها ، وتبقى للمحكمة صلاحية استخلاص مدى دلالتها على ارتكاب الجريمة وبالتالي تقرير وجود حالة التلبس أو عدم وجودها، وهي في تكييفها هذا تقتصر على الوقائع التي شهد ضابط الشرطة بمشاهدتها وقت كتابة المحضر، فلا تلتفت إلى ما قد يرد في المحضر من استنتاجات للضابط أو معلومات استقاها من تحرياته الخاصة أو من الشهود.
ومن ناحية ثانية فان حالة التلبس تعتبر وصفاً للجريمة لا للجاني وبناء على ذلك إذا ثبت الوصف للجريمة سرى على جميع المساهمين والمشاركين ولو لم يضبطوا في احدى الحالات الواردة في م. 56 وهكذا تكون للمحضر حجيته بالنسبة للرجل والمرأة معا ولو كان ضابط الشرطة لم يضبط الا أحدهما في حالة تلبس مثل أن يضبط الرجل في فراش المرأة أو العكس في ظروف ووضع يثبتان ارتكابه للجريمة ولا يتمكن من ضبط شریکه بسبب فراره مثلا فجريمة الفساد لا يرتكبها شخص واحد ، ومتى ضبط أحد طرفيها في حالة تلبس سرى الوصف بحكم القانون على شریکه.
والوقائع التي تستخلص منها المحكمة حالة التلبس هي الوقائع التي يصرح الضابط في المحضر بمعاينته لها، اما التي يدلي بها الغير أمامه فلا أثر لها على التكييف، مثل تصريحات الشهود الذين عاينوا حالة التلبس.
ويخضع المحضر المحرر في حالة تلبس بالنسبة لقيمته الاثباتية لاحكام 290 من قانون المسطرة الجنائية التي تقضي بأن ” المحاضر والتقارير التي يحررها ضباط الشرطة القضائية في شأن التثبت من الجنح والمخالفات، يوثق بمضمنها إلى أن يثبت العكس بأي وسيلة من وسائل الإثبات”.
ولذلك يتعين على المحكمة عرض المحضر للمناقشة طبقا للمادة 287 من ق. م. ج. كما يحق للمتهم أن يثبت خلاف ما جاء فيه من التلبس باية وسيلة من وسائل الاثبات مثل القرائن وشهادة الشهود.
2) الاعتراف المكتوب :
تشمل هذه الوسيلة كل اعتراف بارتكاب الجريمة صدر عن المتهم كتابة سواء كتبه بخط يده أو أملاه على غيره، فإذا كتبه بخط يده اعتبر الاعتراف حجة سواء ذيله بامضائه أم لا، كان المحرر في صورة رسالة أو اخبار أو في مذكرة أو تأليف أو غير ذلك من المحررات.
وإذا أملاه على غيره ، أو كتبه بالآلة الكاتبة فإن المحرر يعتبر صادرا عنه خصوصا في الحالتين الآتيتين: إذا كان الكاتب مجرد نائب عن المعترف كالأمي الذي يملي رسالة على كاتب أو الأعمى الذي يملي على مساعده بقصد كتابة ما يمليه عليه، و إذا ذيله المتهم بإمضائه. ويدخل في هذه الحالة الاعتراف الصادر من المتهم في محضر البحث التمهيدي الموقع من طرفه.
والاعتراف المضمن في محضر البحث التمهيدي لا يعتبر اعترافا مكتوبا إلا إذا امضاه المتهم الذي صدر منه، أو كتبه بخط يده ، اما إذا اقتصر على التصريح به شفويا أمام ضابط الشرطة القضائية ، فيبقى اعترافا شفويا ، والاعتراف الشفوي غير مقبول لاثبات جريمتي الفساد والخيانة الزوجية بصريح الفصل 493 اللهم إذا كان قضائيا .
وأخيرا فان الاعتراف المكتوب ليس حجة قاطعة طبعا ، وانما يخضع في قوته الاثباتية لتقدير المحكمة ، شرط أن تبين الأسباب التي جعلتها تستبعد هذا الاعتراف ، ولا يكفي في نظرنا ان تقول انها لم تقتنع به ، أو انه غير كاف لاثبات الجريمة.
وهكذا يعتبر الاعتراف مكتوبا كلما كان مضمنا في محرر صادر عن المتهم ، بمعنى أن المطلوب أن يكون المحرر قد صدر عن المتهم ، اما اثبات هذا الصدور فيتم بكل وسائل الاثبات مثل الامضاء والاعتراف وشهادة الشهود. وعلى العكس من ذلك إذا كان المحرر غير صادر قانونا من المتهم ولو كان يتضمن اعترافه كأن يعترف شفويا أمام شخص ويقوم هذا الأخير من تلقاء نفسه بتسجيل ذلك الاعتراف كتابة أو يدلي به أمام ضابط الشرطة بوصفه شاهدا على المتهم .
والاعتراف المكتوب يخضع في قيمته الاثباتية للسلطة التقديرية للمحكمة مثل ما تفعل بالاعتراف غير القضائي في سائر الجرائم، فتتأكد أولا من صدور المحرر من المتهم وتحدد مدلول الصياغة التي سجل بها الاعتراف، ثم تعتمده في الادانة أو تستبعده بناء على صراحته أو غموضه وما في مستندات الملف من الحجج المؤيدة أو المعارضة له ، كما أن لها أن تأخذ باعتراف المتهم كما هو أو تجزئه فتأخذ ببعض ما ورد فيه دون البعض كما إذا أرفق المتهم اعترافه بالعلاقة الجنسية بادعاء انتفاء موافقته على ارتكابها.
واعتراف المتهم بالفساد أو الخيانة الزوجية لا يسري على شريكه ، لأن هذا الاعتراف بالنسبة اليه مجرد قرينة، والقرائن غير مقبولة لاثبات هذه الجريمة.
وأخيرا فان الصور الفوتوغرافية لا تدخل في المكاتيب والأوراق المنصوص عليها في الفصل 493 فلا يقبل اعتمادها لاثبات الجريمة ، ولكن ما الحكم لو تم تصوير المتهمين أثناء ارتكاب الجريمة بفلم يبين صورهما بوضوح لا مجال فيه للانتحال والتدليس الفني ؟
لا شك أن التطبيق الحرفي للفصل 493 يؤدي إلى استبعاد الفلم من وسائل الاثبات ، ولكن هذا لا يبدو مقبولا ، إذ الهدف من تحديد وسائل الاثبات هو الحد من المتابعات بهذه الجرائم، والاقتصار على ما ثبت منها بوسائل موثوق بها ، واية وسيلة أكثر صدقا من الفلم الذي تستطيع به المحكمة ذاتها مشاهدة وقائع الجريمة ؟ ولذلك نميل إلى القول باعتماد القلم في الادانة متى كان اظهاره لشخصي المتهمين وما ارتكباه من أفعال بعيدا عن التزوير والتلفيق الفني.
3) الاعتراف القضائي :
ويقصد به الاعتراف الصادر من المتهم في الجلسة العمومية ، لأنه الذي ينطبق مفهوم الاعتراف القضائي عليه .أما الذي يصدر امام قاضي التحقيق، فإن المتهم يدلي به في جلسة سرية، وبذلك يفقد أهم عنصر للاعتراف القضائي الذي يصدر ويناقش في جلسة المحاكمة، وكذلك الاعتراف المدلى به أمام ممثل النيابة العامة لأن عضو النيابة يقوم باستنطاق المتهم في اطار مباشرة اجراءات البحث بوصفه ضابطا ساميا للشرطة القضائية.
وإذا كان الاعتراف القضائي هو ارقى الأدلة التي تعتمدها المحكمة، فإنه لكي يوخذ به بهذه الصفة ، يتعين أن يكون صريحا منصبا على وقائع الجريمة ذاتها دون غموض أو ابهام .
والاعتراف القضائي يمكن للمحكمة أن تأخذ بكل ما جاء فيه أو تجزته ، كما يمكنها أن تستبعده إذا وجد مبرر هذا الاستبعاد كما إذا كان غير صريح أو ثبت من وقائع القضية ومستنداتها عدم صدق المتهم في اعترافه ، ويسري الاعتراف على من صدر منه دون شريكه في الجريمة، وباختصار يخضع الاعتراف في جريمة الفساد لنفس الأحكام التي تطبق على الاعتراف أمام القضاء الجنائي عموما.
نستشف أن المشرع المغربي قد قيد القاضي الجنائي، فإما أن يعلل حكمه بأحد وسائل الاثبات المنصوص عليها في الفصل 493 من القانون الجنائي أو يحكم بالبراءة، فلا يستطيع مثلا إدانة شخص ما بجريمه الفساد بناء على شهادة الشهود أو غيرها من وسائل الاثبات، والملاحظ أن المشرع قد خطا على نهج الشريعة الإسلامية والتي وضعت شروطا أشبه بالتعجيزية لإثبات واقعة الزنا فاشترطت لإثبات هذه الجريمة الخطيرة الاقرار مع إمكانية الرجوع فيه، أو شهادة أربعة شهود على وقوع الجريمة أمام أعينهم.