بالرغم من المرونة التي سلكها القانون الجنائي ازاء الاجهاض ، فإن المبدأ العام فيه هو العقاب عليه ولذلك نص في الفصل 449 على أن ” من أجهض أو حاول اجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك ، برضاها أو بدونه سواء كان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم” . يؤخذ من هذا الفصل أن لجريمة الاجهاض ثلاثة عناصر فعل مادي وانتفاء الخطر عن صحة الأم وقصد جنائي :
أولا – الفعل المادي في جريمة الاجهاض :
لقد عمم القانون في الفعل المادي المكون لجريمة الاجهاض فيشمل كل وسيلة مادية استعملت لطرد الجنين من رحم أمه قبل الأوان والقضاء على حياته، مثل العنف والأدوية والعقاقير وأية مادة أخرى، أعطيت في طعام أو شراب أو عن طريق الحقن أو غيره وبالأحرى ادخال مادة أو أداة إلى الرحم للفتك بالحمل مباشرة.
بل إن النص الذي يقول ” أو أية وسيلة أخرى” يكون قابلا للتطبيق في الحالات التي تستعمل للاجهاض فيها وسائل مشروعة ظاهرا ، مثل الألبسة الضيقة جدا وممارسة رياضات خشنة تؤدي إلى الاجهاض كحمل الأثقال وركوب الخيل وما إلى ذلك ، ولكن في هذه الحالة يتعين أن يثبت القصد الجنائي ، إذ ربما تكون المرأة قد مارست ذلك عن تهور وطيش غير منتبهة إلى آثاره على الحمل.
ولا أهمية لدرجة نمو الجنين، فالجريمة تتحقق من وقت ثبوت التلقيح إلى وقت ظهور عوارض الولادة الطبيعية ، فقد سبق أن رأينا أن جريمة القتل العمد يبدأ تطبيقها من لحظة بدء المخاض أما قبل ذلك فيخضع الاعتداء على الجنين لجريمة الاجهاض.
وأشار الفصل 449 إلى أن رضى المرأة الحامل لا أثر له على قيام الجريمة فيستوي أن توافق على إجهاضها أو ترفض وتجهض رغما عنها أو عن طريق الاحتيال عليها كإعطائها مواد أو عقاقير دون علمها ، أو ايهامها بإجراء كشف طبي فيستأصل الحمل عن جهل منها ، وفي حالة رضى الحامل وموافقتها تطبق عليها العقوبة المخففة الواردة في الفصل 454 وهي الحبس من ستة أشهر إلى سنتين وغرامة من مائتين درهم إلى خمسمائة درهم.
ويتحقق الفعل المادي للاجهاض وبالتالي تقوم الجريمة سواء كان الفعل في صورة الجريمة التامة بأن يتحقق فعلا الفتك بالحمل ، أو كان في احدى صور المحاولة الثلاث : الموقوفة ، والخائبة، والمستحيلة، وهكذا يعاقب الفاعل إذا أوقف بسبب خارج عن ارادته بعد أن شرع في التنفيذ أو قام بأعمال لا لبس فيها تهدف مباشرة إلى ارتكاب الاجهاض طبقا لتعريف المحاولة الوارد في الفصل 114 من القانون الجنائي .
وكذلك في حالة قيامه بكل الأفعال التي كان يعتقد أنها ستوصله إلى النتيجة المرجوة ، ولكن لأسباب خارجة عن ارادته خاب أمله فلم يتحقق الاجهاض، بالرغم من أنه كان ممكن الحدوث.
وطبقا للفصل 114 التي تقول ” أو لم يحصل الأثر المتوخى منها إلا لظروف خارجة عن ارادة مرتكبها” ، فإن الفاعل لا يعاقب إذا أعطى المادة أو العقار للحامل ثم تدخل بإرادته وحال دون حدوث الاجهاض كأن أعطاها مادة مضادة أو حملها على تقيئ المادة المجهضة.
والصورة الثالثة للمحاولة هي الجريمة المستحيلة ، وقد نص الفصل 449 صراحة على العقاب عليها عندما قالت ” اجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك”، فحتى إذا كانت المرأة في الواقع غير حامل تتحقق الجريمة مادام الجاني استعمل وسيلة الاجهاض وهو يعتقد خطأ أنها حامل .
وتتحقق الجريمة كذلك إذا كانت استحالة حدوث النتيجة راجعة إلى الوسيلة المستعملة للاجهاض ، وقد نص على هذا صراحة الفصل 455 بالنسبة للمساعدين على الاجهاض، فقد ورد فيها ” ولو كانت هذه الأدوية أو المواد أو الأجهزة أو الأشياء المقترحة كوسائل فعالة للاجهاض غير قادرة عمليا على تحقيقه”، وإذا طبق هذا على الباعة والموزعين فبالأحرى من يستعملها فعلا في عملية الاجهاض.
ثانيا – انتفاء الخطر عن صحة الأم أو حياتها :
سنرى أن الفصل 453 يسمح بالاجهاض إذا استوجبته ضرورة انقاذ حياة الحامل أو المحافظة على صحتها، وبناء على ذلك يكون من عناصر جريمة الاجهاض عدم وجود خطر على حياة الأم أو صحتها يبرر الاجهاض، ولكي يتحقق السبب المبرر للاجهاض يجب أن يراعي الطبيب الذي يقوم به القيود والاجراءات المنصوص عليها في الفصل 453 والا كانت الجريمة قائمة .
ومن ناحية ثانية فإن الفصل 453 سمح للطبيب وحده بتنفيذ الاجهاض في حالة وجود الخطر السالف الذكر، فإذا قام بالاجهاض غير الطبيب اعتبر مرتكبا للجريمة ولو ثبت وجود الخطر على حياة الحامل أو صحتها، لأن الاجهاض في هذه الحالة يعتبر علاجا طبيا وهو علاج خطير، والقانون لا يسمح لغير الطبيب بالقيام بمثل هذه العلاجات.
يتبين من ذلك أن انتفاء الخطر عن حياة الحامل أو صحتها يكون أحد عناصر جريمة الاجهاض إذا قام به الطبيب أو الجراح، أما إذا قام به غيرهما فإن هذا العنصر غير مطلوب، بمعنى أن الاجهاض يعتبر إذ ذاك جريمة كان هنالك خطر على حياة الأم أو صحتها أو انتفى هذا الخطر.
ثالثا – القصد الجنائي في جريمة الاجهاض :
العنصر الثالث في جريمة الاجهاض القصد الجنائي، وهو يتحقق :
أ – اعتقاد الجاني ان المرأة حامل سواء كانت في الواقع كذلك أم لا، وليس ضروريا أن يكون اعتقاده بوجود الحمل قطعيا وانما يكفي مجرد الظن، كما أكد ذلك النص صراحة ، وقد اقتبس القانون المغربي هذا الحكم من التعديل الذي ادخل على القانون الفرنسي سنة 1939.
والاجهاض وإن كان مستحيلا في حالة انعدام الحمل، إلا أن تجريم الاجهاض لم يقصد به حماية الجنين وحده، بل كذلك حماية سلامة الحامل ، والمواد المستعملة للاجهاض – سيما البعض منها – تعرض سلامة المرأة للخطر كانت حاملا أو غير حامل .
ب – أن يقصد الجاني من فعله المادي الذي يباشره على الحامل اجهاضها، أي الفتك بالحمل والقضاء عليه ، فلا تتحقق جريمة الاجهاض إذا تسبب فيه الفاعل عن غير قصد كإعطاء دواء أو مادة خطأ أو غلط أو إصابة الحامل بعنف غير مقصود، أو قصد العنف دون الاجهاض ولو كان يعلم أن الضحية حامل (وان كان الفاعل هنا يتابع باحدى جرائم العنف حسب النتيجة التي تترتب عن فعله).
كما لا يتحقق القصد الجنائي إذا عمد الفاعل إلى اخراج الجنين حيا قبل أوان الولادة الطبيعية لضرورة طبية اقتضت ذلك ، فالاجهاض لا يتحقق إلا إذا قصد الفاعل القضاء على الجنين والفتك به .