قانونياتالمجال الجنائي

المساهمة في مضاربة أو عصيان

الجريمة المنصوص عليها في الفصل 405 و 406 ذات طبيعة خاصة فهي ليست جريمة فردية، كما أنها ليست جريمة جماعية ناشئة عن اتفاق جنائي، فالمساهمون فيها لا يشترط أن يكون بينهم اتفاق مسبق على الاعتداء وإنما يكفي تواجدهم وقت الجريمة واشتراكهم الفعلي في عملية المضاربة التي نتج عنها ضرب أو جرح الضحية أو موته.

والعقوبة المقررة في الفصلين حاول المشرع بها التوفيق بين شخصية المسؤولية، وبين ردع الفعل الاجرامي الجماعي، فحفاظا على الصفة الشخصية للعقوبة لم يعاقب جميع المساهمين بعقوبة النتيجة الاجرامية بصرف النظر عمن تسبب فيها منهم كما فعلت بعض التشريعات، وفي ذات الوقت تفادى بقاء الاعتداء الجماعي بدون عقاب سيما اذا لم يعرف من اعتدى فعلا على الضحية من بين المساهمين في المضاربة. ولدراسة هذه الجريمة نعرض أولا عناصرها، ثم عقوبتها.

أولا – عناصر جريمة المساهمة في مضاربة أو عصيان:

هذه العناصر هي : فعل مادي يتحقق بمساهمة أكثر من شخص في مضاربة، وعدم انطباق وصف اجرامي أشد على المساهم، ونتيجة اجرامية، وعلاقة سببية :

1) الفعل المادي “لجريمة المساهمة في مضاربة أو عصيان”:

يتطلب قيام الفعل المادي للجريمة مساهمة أكثر من شخص في مضاربة أو عصيان، فيجب اذن تحقق المساهمة، وتعدد الفاعلين .

أ – المساهمة في المشاجرة :

المساهمة هنا لا تتعلق بالعنف المرتكب وإنما بالمشاجرة أو التجمع الثوري ذاته، ويتحقق ذلك بتوفر الفاعل على قصد الاسهام في المشاجرة أو المضاربة، فلا توجد مساهمة إذا انعدم هذا القصد، أي إن مجرد الحضور المادي في مكان المشاجرة أو التجمع لا يكفي للمتابعة باحدى الفصلين 405 و 406 من القانون الجنائي.

ولكن من ناحية ثانية لا يشترط قيام اتفاق سابق بين المتضاربين، فقد يتواجد المساهمون في مكان الحادث دون سابق اتفاق، وقد يتم بعد اتفاق وتواطؤ بينهم، وفي هذه الحالة الثانية يمكن – اضافة الى جنحة المساهمة في مشاجرة أو مضاربة – أن تتحقق جناية تكوين عصابة اجرامية المعاقب عليها بالفصل 293 من القانون الجنائي اذا كان موضوع الاتفاق ارتكاب اعتداء يشكل جناية.

كما أنه ليس من شروط المساهمة أن تكون لدى المساهم نية ارتكاب عنف، فالاشتراك في مشاجرة أو عصيان أو تجمع ثوري تتحقق به المساهمة المعاقب عليها بالفصلين 405 و 406 وإن كان المشارك لا يقصد ارتكاب عنف أو اعتداء ضد الأشخاص .

فاذا وجدت نية اقتراف عنف لدى المساهمين عن طريق اتفاق بينهم فإنهم يتابعون جميعا بوصفهم مساهمين في العنف المرتكب طبقا للفصلين 392 / 404 ج ، وليس باعتبارهم مساهمين في مشاجرة أو مضاربة نتج عنها ضرب أو جرح أو موت، لا فرق في ذلك بين المرتكب الفعلي للعنف ومن لم يرتكب شيئا، بل حتى لو ظل مرتكب العنف مجهولا بينهم، لأن اتفاقهم السابق على الاعتداء، وحضورهم الجماعي لانجاز ما اتفقوا عليه يضفي عليهم صفة المساهمين في العنف طبق ق 128 من ق. ج.

ويرجع إلى قاضي الموضوع التثبت من حقيقة الوقائع التي يستخلص منها التكييف السليم لوصف المتابعة، علما بأنه مراقب في هذا التكييف من قاضي النقض، ولا تستقل سلطته التقديرية إلا بالتثبت من الوقائع التي تبرز عمل المساهم ودوره في المضاربة أو في العنف المرتكب .

وبعبارة أخرى يستقل قاضي الموضوع بالتأكد من الوقائع المادية لعمل المساهم وقصده الجنائي المستخلص من وثائق الملف ومستنداته، أما تكييف هذا العمل والقصد فالكلمة الأخيرة فيه لقاضي النقض.

والخلاصة أن تطبيق ف 405 و 406 أي المتابعة بوصف المساهمة في المضاربة … يتطلب حضور المتابع في مكان المضاربة أو التجمع أو العصيان مع توفره على نية « المساهمة » أي الاندماج والانضمام إلى الأشخاص الآخرين في تنفيذ المضاربة أو العصيان أو التجمع الثوري .

فلا يكفي للمتابعة مجرد الحضور المادي ولكن كذلك لا يشترط لهذه المتابعة وجود اتفاق سابق على المضاربة أو العصيان، ولا وجود نية ارتكاب العنف لدى المساهم، ولا ثبوت ارتكاب العنف من بعض المساهمين فحتى في حالة بقاء مرتكب العنف مجهولا، يتابع جميع المساهمين في المضاربة باحدى الفصلين 405 و 406.

ب – تعدد الفاعلين :

لتطبيق ف 405 و 406 يتعين أن يتعدد الفاعلون، فمتا يتحقق هذا التعدد ؟ إن المشرع لم يتعرض لبيان العدد، فيتحقق التعدد إذن بشخصين فأكثر، أي يجب أن يوجد شخصان على الأقل يرتكبان جريمة العصيان، أو يشكلان « فريقا » في المشاجرة أو المضاربة « ضد » شخص آخر أو أكثر .

وبناء على ذلك لا يطبق الفصلين السالفتان في حالة ارتكاب جريمة العصيان من طرف شخص واحد ( ف 300 و 301 من ق. ج) وكذلك في حالة مشاجرة أو مضاربة بين شخصين اثنين وعلى العكس من ذلك تطبقان في حالة العصيان من شخصين أو أكثر، وفي حالة المشاجرة أو المضاربة متى وجد أكثر من شخص في أحد الفريقين، لا فرق بين تحقق التعدد في « فريق الضحية » أو في الفريق الآخر.

وهكذا اذا تضارب «أ» و «ب» مع «ج» ونتج عن ذلك وفاة «ج» أو اصابته بجروح وثبت أن الذي أصابه هو «أ» وحده دون «ب» أو لم يعرف من أصابه منهما، ولم تتحقق شروط المساهمة المنصوص عليها في ف 128 من القانون الجنائي، في هذه الحالة بطبق ف 405 و 406 على «ب» اذا كانت الاصابة من «أ» وحده، كما تطبق عليهما معا اذا تعذر تحديد من أصابه منهما .

وكذلك اذا كان «ب» هو الذي أصيب في المضاربة من طرف «ج» فإن «أ» يتابع باحدى الفصلين 405 و 406 وإن كان الضحية من فريقه، ذلك أن العقاب بهذين النصين لا يتعلق بذات العنف المرتكب وانما المقصود منهما زجر الانضمام الى العمل الاجرامي الجماعي، وهذا يتحقق بالنسبة لكل من دخل في عصيان أو مشاجرة أو مضاربة « مؤازرا » بشخص واحد آخر على الأقل .

2) عدم انطباق وصف آخر أشد على المساهم:

تطبيقا للمبدأ المنصوص عليه في الفصل 118 من القانون الجنائي الذي يقول بأن الفعل الواحد الذي يقبل أوصافا متعددة يجب أن يوصف بأشدها – لا يتابع المساهم في عصيان أو مضاربة – باحدى الفصلين 405 و 406 اذا كان عمله قابلا لوصف جنائي أشد.

وقد تعرض المشرع لحالتين يتحقق فيهما الوصف الأشد هما : الارتكاب الفعلي للعنف، ووصف المنظم أو المحرض، ونضيف اليهما وصف المساهمة في جريمة العنف نظرا لأهميته.

أ – الارتكاب الفعلي للعنف :

لقد جاء في آخر الفقرتين الأوليين من ف 405 و 406 أن المساهم تطبق عليه إحدى العقوبتين الواردتين فيهما، ما لم يستحق عقوبة أشد باعتباره مرتكبا للعنف، ولتطبيق هذا الاستثناء في إطار مبدأ ف 118 من القانون الجنائي يتعين أن يكون العنف الذي ارتكبه المتابع هو نفسه الناتج عن المضاربة، وأن تكون عقوبته أشد.

وهكذا يتابع بجريمة العنف وحدها اذا كان ما اقترفه أدى إلى وفاة الضحية ( ف 403 ) أو إلى إصابته بجروح معاقبة بالفصلين 401 و 402 أو الفقرة الأخيرة من الفصل 400، أما اذا كان العنف الثابت ضده تطبق عليه الفقرة الأولى من الفصل 400 فيتابع بالمساهمة في المضاربة طبقا للفصل 406 التي تقرر عقوبة أشد من الفصل 400 من القانون الجنائي.

وتبقى حالات أخرى لا تخضع لمبدأ الفصل 118 وانما تنطبق عليها قواعد تعدد الجرائم وذلك اذا نتج عن المضاربة عنف آخر اضافة الى الذي ارتكبه المتابع، كما اذا تسبب هو في موت شخص ومضارب آخر أصاب ضحية ثانية بجروح، فيتابع بوصفه مرتكبا لعنف أدى إلى موت ( ف 403 ) وبالمساهمة في مضاربة ارتكب أثناءها ضرب وجرح ( ف 406 ) .

كذلك اذا أصاب هو الضحية بجروح، وتسبب مشارك آخر في المضاربة في قتل ضحية أخرى فإنه يتابع بجريمة الضرب والجرح اضافة الى جريمة المساهمة في مضاربة ارتكب أثناءها عنف أدى إلى موت ( ف 405).

وتخضع العقوبة التي يحكم بها عليه للفصل 120 – 122 من القانون الجنائي المتعلقة بتعدد الجرائم والمتابعة بجريمة العنف لا تكون إلا في الحالة التي يثبت فيها للمحكمة نسبة هذا العنف الى المتابع شخصيا، فلا يكفي مجرد التأكد من حضوره في المضاربة.

ب – وصف التنظيم والتحريض :

بمقتضى الفقرة الثانية من كل من الفصل 405 و 406 تطبق عقوبة العنف المرتكب على ” الرؤساء والمنظمين والمديرين والمحرضين على المشاجرة أو العصيان أو التجمع الثوري” فمن تتحقق فيه أحد هذه الأوصاف يعاقب كما لو كان هو الذي ارتكب شخصيا العنف الناتج عن المضاربة أو العصيان أو التجمع الثور، وهذا التشديد تبرره الخطورة التي تتسم بها أعمال المساعدة والتشجيع على العمل الاجرامي الجماعي.

وتطبق عقوبة العنف المرتكب على المنظمين والمحرضين ولو كان التنظيم أو التحريض الذي قاموا به لا يتضمن مباشرة انجاز أعمال العنف، ويستفاد ذلك من صياغة النص التي تكتفي بأن يكون التنظيم أو التدبير أو التحريض موجها الى المشاجرة أو العصيان أو التجمع الثوري.

ج – وصف المساهمة في جريمة العنف :

كثيرا ما يقع الخلط بين المساهمة في مضاربة ارتكب أثناءها عنف نتج عنه وفاة أو ضرب وجرح، وبين المساهمة في جريمة العنف ذاتها، المساهمة الأولى تتحقق بحضور المضاربة أو العصيان مع التوفر على نية الاسهام في هذا أو ذاك أي نية الانضمام الى فريق العصاة أو المتضاربين وقد يكون هذا الانضمام وليد الصدفة، أو بناء على اتفاق سابق على المشاجرة أو العصيان أو التجمع الثوري دون أن يشمل الاتفاق استعمال العنف ضد الأشخاص .

أما المساهمة الثانية فلا تتحقق إلا بوجود اتفاق أو تواطؤ على ارتكاب العنف ضد الأشخاص ولا يكفي لتوفرها مجرد الحضور والانضمام ولا حتى الاتفاق على مجرد المشاجرة أو العصيان أو التجمع الثوري.

اذن ما يفرق بين المساهمتين هو وجود أو عدم وجود الاتفاق أو التواطؤ على استعمال العنف، فاذا وجد هذا الاتفاق توبع جميع المساهمين في المضاربة بوصفهم مرتكبين لنتيجة العنف التي حدثت طبقا للفصل 128 من القانون الجنائي، سواء ثبت أن الذي ارتكب العنف بعض المساهمين فقط أو بقي القائم به مجهولا بينهم لأن ثبوت مساهمتهم وعزمهم جميعا على تنفيذ جريمة العنف يجعلهم كلهم مسؤولين عنها دون حاجة الى البحث عمن قام منهم بالتنفيذ المادي لما عزموا عليه.

قد يكون التمييز بين الوضعين صعبا في بعض الحالات، ولكن من الضروري استقصاء الوقائع واعطاء التكييف السليم لها سيما وأن الفرق بين التكييفين جد كبير، ففي حالة موت الضحية تعاقب المساهمة في المضاربة بالحبس من سنة الى خمس ( ف 405 من القانون الجنائي ) بينما يعاقب المساهم في جريمة ضرب نشأ عنها موت بسجن مؤقت أو بالسجن المؤبد ( الفصل 403 من القانون الجنائي ).

فعلى النيابة العامة قبل المتابعة، وعلى المحكمة أثناء دراسة القضية أن تبحث على التكييف السليم حتى لا يعاقب الجاني بأكثر مما يستحق، أو يستفيد من التكييف الخاطئ فيتخلص من الجزاء الذي حدده له المشرع .

وعلى كل يتعين على المحكمة عند الادانة بالمساهمة في جريمة العنف أن تبرز اتفاق المساهمين وعزمهم الجماعي الموجه الى تنفيذ هذه الجريمة، وما لم يثبت هذا العزم المشترك تبقى الأفعال مجرد مشاركة في مضاربة طبقا للفصلين 405 و 406 باستثناء من ثبت ارتكابه شخصيا للعنف فإنه يتابع بنتيجة هذا العنف الذي اقترفه كما بينا ذلك في سابقا .

والخلاصة أن من ساهم في مضاربة ارتكب أثناءها عنف نتج عنه موت أو ضرب وجرح، ولم يثبت عليه أنه هو مرتكب العنف يتابع باحدى الفصلين 405 و 406 ما لم يثبت في حقه الوصف الأشد وهو اعتباره مساهما في جريمة العنف المرتكبة طبقا لأحكام الفصل 128 وذلك إذا تأكد للمحكمة وجود اتفاق سابق وعزم مشترك على ارتكاب العنف .

3) النتيجة الاجرامية “في جريمة المساهمة في مضاربة أو عصيان”:

إن المتابعة باحدى الفصلين 405 و 406 متوقفة على حصول احدى النتيجتين الواردتين فيهما، وهما موت المعتدى عليه أثناء المضاربة أو العصيان أو اصابته بضرب وجرح، وفي هذه الحالة الأخيرة لا فرق بين أن ينشأ عن الضرب والجرح عجز دائم أو مؤقت أو لا ينشأ عنه أي عجز، وقد سوى المشرع في العقاب بين هذه الصور كلها باعتبار أن المساهم في المضاربة الذي يطبق عليه النص لم يثبت ارتكابه شخصيا للعنف، كما أنه لم يكن لديه قصد سابق إلى إحداثه، فالنتيجة الحاصلة اذن لم يحدثها هو، ولم يتحقق لديه القصد إلى إحداثها.

واذا لم تتحقق إحدى هاتين النتيجتين السابقتين تعذرت المتابعة بالفصلين 405 و 406 كما اذا ارتكبت أثناء المشاجرة أو العصيان أعمال أخرى وإن كانت جنائية مثل السب والقذف، واستعمال العنف ضد الأشياء أو اتلافها، وارتكاب العنف ضد الأشخاص دون أن يتحقق فيه الضرب والجرح كإرغام شخص على تحويل اتجاهه والمساس بملابسه أو الدابة التي يركبها، وبالأحرى مجرد التهديد بالعنف.

إن الفصل 405 و 406 من القانون الجنائي ، لا مجال لتطبيقهما في هذه الصور، وإن كانت الأعمال السالفة الذكر ارتكبت أثناء المشاجرة أو العصيان وتشكل جرائم معاقبا عليها يتابع مرتكبوها طبقا للقواعد العامة.

4) علاقة سببية:

بالرغم من أن المتابعة باحدى الفصلين 405 و 406 لا تكون بالنتجية الاجرامية التي حصلت فإن من الضروري أن تثبت النيابة العامة وجود العلاقة السببية بين العنف الحاصل أثناء المضاربة وبين النتيجة التي ترتبت عنه وهي موت ضحية العنف أو اصابته بضرب أو جرح.

وهذه من الصور الشاذة في المجال الجنائي، فالعلاقة السببية المطلوب توفرها في جرائم النتيجة هي العلاقة بين سلوك الجاني أو فعله المادي وبين النتيجة الاجرامية التي نشأت عنه. أما هنا فإن النيابة العامة تطالب باثبات هذه العلاقة بين العنف الذي لم يرتكبه المتابع وبين النتيجة الاجرامية وإلا تعذرت عليها المتابعة.

ويرجع هذا الشذوذ الى طبيعة الجريمة ذاتها حيث إنها تتعلق بمجرد المشاركة في مضاربة دون ثبوت القيام بأعمال عنف، مع ربط تحقق الجريمة بحصول نتيجة العنف الذي ارتكبه الغير أثناء تلك المضاربة. ومهما يكن من أمر، فإن العلاقة السببية المطلوبة تخضع للقواعد العامة التي تحكمها بالنسبة للجرائم الأخرى.

واذا كان قاضي الموضوع هو الذي يفحص ويتثبت من الوقائع التي يستخلص منها وجود العلاقة السببية، فإن عليه أن يبسط هذه الوقائع في حكمه حتى تتمكن محكمة النقض من بسط رقابتها على سلامة الاستنتاج الوارد في الحكم، لأن هذه العلاقة عنصر قانوني للجريمة، وقاضي النقض هو الساهر على احترام توافر كل عناصر الجريمة حتى تكون المتابعة والادانة مطابقة للقانون.

ولذلك لا يكفي أن يقول قاضي الموضوع بوجودها وإنما عليه بيان الوقائع التي استخلصها منها حتى يكون حكمه معللا كما يفرض عليه القانون ذلك.

ثانيا – عقوبة جريمة المساهمة في مضاربة أو عصيان:

إن الفصل 405 بقرر عقوبة الحبس من سنة الى خمس سنوات وذلك في حالة وفاة المعتدى عليه أثناء المضاربة أو العصيان، أما اذا ارتكب الضرب والجرح فقط نتج عنه عجز أم لا ، فإن الفصل 406 يعاقب المساهمة في المضاربة بحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وكلا العقوبتين تبدو مخففة اذا ما قورنت بجرائم الضرب والجرح التيت تسبب في عجز أو في وفاة الضحية، ويرجع هذا التخفيف كما سبقت الاشارة الى سببين :

الأول : عدم ثبوت ارتكاب المتابع للعنف الناجم عنه الضرب والجرح أو الوفاة .

والثاني : عدم ثبوت موافقته السابقة على العنف المرتكب ولذلك فإن العقوبة الواردة في الفصلين مقررة لمجرد الحضور والانضمام الى شخص أو أشخاص آخرين في المضاربة أو العصيان.

وهي من ناحية ثانية عقوبة زائدة على عقوبة العنف التي توقع على من ثبت عليه ارتكابه كما أنها احتياطية لتفادي بقاء جريمة العنف بدون عقاب في حالة عدم ثبوت نسبة العنف الى أي من المساهمين في العصيان أو المضاربة.

على أنه مع ذلك قد تكون عقوبة المساهمة في المضاربة نتج عنها ضرب وجرح أشد من عقوبة ارتكاب جريمة الضرب والجرح ذاتها، وذلك اذا كان الضرب والجرح الذي تسببت فيه المضاربة لم يخلف عجزا، أو ترتب عليه عجز لا يتجاوز عشرين يوما، فالعقوبة التي يقررها الفصل 400 لمثل هذا الضرب والجرح أخف كثيرا من العقوبة الواردة في الفصل 406 من القانون الجنائي.

وقد نتج هذا عن اكتفاء المشرع بعقوبة واحدة بالنسبة لجميع الحالات التي تكون فيها نتيجة العنف الضرب والجرح، لا فرق بين ضرب وجرح لم يخلف أي عجز، وبين ضرب وجرح نتج عنه عجز دائم أو فقد عضو أو بتره أو الحرمان من منفعته.

هذا، وإن الفصل 405 و 406 لم يقررا أي ظروف تشديد للمساهم في المضاربة أو العصيان، وعليه فإن ظروف التشديد الواردة في الفصل 400 – 404 لا مجال لتطبيقها، لأن تلك الظروف مقررة لمرتكب العنف والمتابع بالمساهمة في المضاربة أو العصيان لم يقترف عنفا.

وهكذا يبقى خاضعا للعقوبة المنصوص عليها في الفصلين 405 و 406 ولو كان مسلحا مثلا أثناء المضاربة، أو كان المعتدى عليه من أصوله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى