المجال الجنائيدراسات قانونية

أركان جريمة القتل العمد

يقضي الفصل 392 بأن ” كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا “، ويؤخذ من النص أنه لكي تتحقق الجريمة يجب أن يتوفر:

– التسبب في القتل، أي قيام الجاني بنشاط يترتب عنه القتل وازهاق روح الضحية .

– وأن يتسبب الجاني في القتل “عمدا” عن قصد ونية اجرامية ثابتة. وهكذا تكون أركان جريمة القتل العمد هي ( العنصر المادي والقصد الجنائي).

أولا – العنصر المادي لجريمة القتل العمد :

جريمة القتل من جرائم النتيجة ولذلك فإن ركنها المادي يتكون من ثلاثة عناصر وهي نشاط يقوم به الفاعل، ونتيجة اجرامية، وعلاقة سببية .

1 – نشاط يقوم به الفاعل :

لا تتحقق جريمة القتل العمد إلا إذا نفذها الجاني عن طريق بذل نشاط في العالم الخارجي استهدف به ازهاق روح انسان فلا وجود للجريمة في مجرد النية المضمرة لقتل شخص معين. فما هو النشاط الذي يمكن أن ترتكب به جريمة القتل ؟

ان النص يقول ” من تسبب عمدا في قتل غيره” ، وبناء على هذه العبارة العامة فإن أي نشاط يكون الركن المادي لجريمة القتل العمد ما دامت قد تحققت بينه وبين موت الضحية العلاقة السببية . لا فرق في ذلك بين أن تكون الوسيلة المستعملة كافية عادة لإحداث الموت أم لا، وبين أن يكون النشاط ايجابيا أو سلبيا أي امتناعا.

ان الفقه يقسم عادة أنواع النشاط الذي يقوم به الجاني في جريمة القتل العمد إلى :

– نشاط ايجابي كاف لإحداث القتل في الغالب والمألوف من الأحوال كإطلاق عيار ناري على الضحية أو اغراقه أو خنقه أو الاعتداء عليه بأداة أو آلة طاعنة أو كاسرة أو قاطعة مثلا.

– نشاط ايجابي يمس الضحية ولكنه غير كاف عادة لاحداث الموت مثل ضربه باليد أو رميه بكتاب أو أداة غير صلبة.

– نشاط ايجابي لا يمس الضحية وانما يؤثر عليه نفسيا وعصبيا مثل تهديده باطلاق حيوان مفترس أو سام عليه، ومفاجأة مريض بخبر مفجع ، واساءة معاملة زوجة أو مرؤوس أو خادم بقصد حمله على الانتحار.

– نشاط سلبي أي الامتناع مثل امتناع الطبيب أو المولدة عن ربط الحبل السري للوليد .

بالنسبة للنوعين الأولين لا يختلف الفقه حول ارتكاب القتل العمد بهما نعم إذا كان نشاط الجاني كاف عادة لاحداث الموت فانه يعتبر قرينة على وجود نية القتل، ما لم يثبت المتهم العكس ، أما إذا كانت وسيلة الاعتداء على الضحية غير كافية عادة لاحداث الموت ومع ذلك، مات بها الضحية ، فان على النيابة العامة أن تثبت وجود نية القتل، وإلا كانت الجريمة مجرد ضرب أو جرح أو عنف أدى إلى موت يطبق عليه الفصل 403 لا الفصل 392.

أما بالنسبة للنوعين الأخيرين وهما النشاط الايجابي الذي يؤثر على نفس الجاني وأعصابه فيفقده الحياة أو ينتحر ، والنشاط السلبي أي الامتناع ، فإن الفقه أطال بشأنها الجدل كثيرا .

ونعتقد أن هذا الجدل الفقهي مستوحى من النظرية العامة المتعلقة بالركن المادي للجريمة، وانه لا تبغي اثارته بالنسبة لجريمة القتل ، لأن النص القانوني الخاص بها يقضي بعقاب من تسبب في قتل غيره، فالعبرة إذن بتحقق العلاقة السببية بصرف النظر عن نشاط الجاني وما إذا كان ايجابيا أو سلبيا أثر على ازهاق روح الضحية ماديا أو معنويا .

ولا ينبغي أن تخضع الركن المادي في جريمة القتل للمناقشات الفقهية حول الركن المادي في الجريمة عموما ، لأن الصياغة التشريعية لهذا الركن في جريمة القتل تختلف عن الصياغة المستعملة في الجرائم الأخرى كالسرقة والنصب والاغتصاب مثلا .

وبناء على ذلك وطبقا للفصل 392 لا تعنى المحكمة إلا بالبحث عن ثبوت أو عدم ثبوت العلاقة السببية بين نشاط الجاني وبين موت الضحية ويحملنا على القول بهذا الرأي أمران :

الأول: التقيد بالنص التشريعي الذي استعمل عبارة “تسبب” بدل كلمة “وارتكب أو اقترف مثلا”.

والثاني: أنه يعفي المحكمة من بحث مشاكل الركن المادي في جريمة القتل كما يتفادى تقييدها مسبقا بمعايير موضوعية بشأن هذا الركن كالمعايير التي تقرر ان الامتناع ووسائل التأثير المعنوي على نفس الضحية لا تكون الركن المادي . أو ان الامتناع لا يرتكب به القتل إلا إذا كان على الممتنع واجب التدخل أو كان الضحية عاجزا عن حماية نفسه.

ويعيب هذه المعايير من جهة انها قد تلزم القاضي بنفي جريمة القتل رغم اقتناعه بثبوت العلاقة السببية بين نشاط الجاني ووفاة الضحية، كما يعيبها من جهة ثانية أنها غير سليمة في التطبيق العملي، فوسائل التأثير المعنوي تتفاوت من اساءة معاملة، أو تصرف مثير عارض إلى التهديد بحيوان سام أو مفترس أو التهديد بوسيلة أخرى من وسائل القتل. وكذلك الأمر بالنسبة للامتناع.

فامتناع الطبيب مثلا أو رجل المطافئ من اسعاف شخص في خطر أو امتناع الشرطي عن انقاذ الضحية من يد القتلة. يختلف عن امتناع مستخدم السكة الحديدية من تحويل الخط الحديدي في المحطة بهدف خروج القطار عن سكته، وقتل شخص معين أو بعض أشخاص غير معينين من ركابه ، وذلك بالرغم من أن كلا من الطبيب ورجل المطافئ والشرطي ومستخدم المحطة يجب عليه التدخل قانونا .

إن تفاوت الوقائع العملية لوسائل التأثير المعنوي، وللامتناع ، يحتم الابتعاد عن المعايير الموضوعية المجردة، ويتعين معه الاقتصار على بحث العلاقة السببية بين وسيلة التأثير أو الامتناع وبين موت الضحية في كل قضية بمفردها اعتمادا على العناصر والملابسات المحيطة بها.

هذا وأن القانون الجنائي بعد أن عاقب على القتل العمد في الفصل 392 ونص في الفصل 410 (الفقرة الأخيرة) على عقوبة الاعدام لمن يقتل طفلا دون الثانية عشرة عن طريق حرمانه من التغذية أو العناية ، وفي الفصل 463 على تطبيق أحكام جريمة القتل العمد على من قتل عن طريق التعريض للخطر أو الترك طفلا أو عاجزا لا يستطيع حماية نفسه بسبب حالته الجسمية أو العقلية.

كما نص الفصل 430 و 431 من القانون الجنائي على عقوبة جنحية بالنسبة للممتنع عن الحيلولة دون وقوع جناية أو جنحة ماسة بالسلامة البدنية للاشخاص ، أو عن تقديم مساعدة لشخص في خطر.

فهل النص في الفصل 410 و 463 على القتل عن طريق نشاط سلبي والعقاب على الامتناع بعقوبة خاصة في الفصل 430 و 431 ، يفيد أن المشرع لم يقصد في الفصل 392 امكانية ارتكاب جريمة القتل بنشاط سبي ؟

لا شك أن التغير الظاهري لهذه النصوص يؤدي إلى القول بأن التسبب في القتل المنصوص عليه في الفصل 392 يجب أن يكون بنشاط ايجابي أما النشاط السلبي فلا ترتكب به جريمة القتل العمد إلا في الحالات الواردة في القانون، وفي مقدمتها الحالتان المنصوص عليها في الفصل 410 و 463.

ولكن إذا رجعنا إلى الأصل التاريخي للفصول 410 و 463 و 430 و431 نتأكد ان المشرع لم يقصد أبدا قصر تطبيق الفصل 392 على القتل بالنشاط الايجابي، فالفصول 410 و 430 و431 اقتبسها القانون المغربي من التعديلين اللذين ادخلا على القانون الجنائي الفرنسي في 19 أبريل 1898 و 25 يونيو 1945 بتأثير من الآراء الفقهية التي انتقدت أحكاما قضائية قررت البراءة بناء على أن المتهم لم يقم بنشاط مادي فلا يسأل عما حدث من الموت رغم مسئوليته الاخلاقية الظاهرة.

والفصل 463 استوحاه المشرع من الرأي الفقهي الذي يقول ان الامتناع يستوي مع النشاط الايجابي في ارتكاب الجريمة المادية إذا كان عدم التدخل يتعلق بضحية عاجز عن حماية نفسه لصغر أو مرض أو شيخوخة أو عامة أو خلل عقلي .

2 – نتيجة اجرامية :

العنصر الثاني في الركن المادي لجريمة القتل العمد هو تحقق النتيجة الاجرامية اي ازهاق روح انسان، فلا بد أن يكون الضحية هو الانسان وان تزهق روحه بنشاط الجاني. إذن متى تبدأ حياة الانسان ليعتبر الاعتداء عليها قتلا ؟

ان القضاء على حياة الجنين في بطن أمه يعاقب عليه بالنصوص المتعلقة بالاجهاض (ف 449 وما بعدها) لكن ما هي المرحلة الفاصلة بين تطبيق نصوص الاجهاض والنصوص المعاقية على القتل ؟

يذهب الرأي السائد في الفقه إلى أن تطبيق احكام القتل يبتدئ من وقت بدء المخاض أي باستعداد الجنين للخروج من رحم أمه، ويبدو أن القانون المغربي تبنى هذا الرأي حيث تعرض بنص خاص (ف 397) لقتل الطفل الوليد، والوليد يشمل الطفل منذ بداية ولادته ، فلا يشترط لتطبيق هذه المادة انفصال الطفل نهائيا عن جسم الأم، ومن ناحية ثانية فإن جريمة القتل تتحقق ولو كان المولود مشوها أو أكدت التقارير الطبية الى استمرار حياته ميئوس منه حتى ولو لم يقتله الجاني.

3 – علاقة سببية :

لا يكفي صدور نشاط مؤذ من الجاني وموت الضحية ، بل يتعين لقيام الركن المادي في جريمة القتل أن يتوفر إلى جانب ذلك وجود العلاقة السببية بين ذلك النشاط وبين موت الضحية ويقصد بالعلاقة السببية ارتباط النتيجة الاجرامية وهي موت الضحية بنشاط الجاني ارتباط المعلول بعلته، حيث يكون ذلك النشاط هو الذي نشأ عنه موت الضحية وفقا للضوابط التي يسري عليها الوجود في هذا الكون .

والعلاقة السببية قد تكون واضحة لا يثور جدل بشأنها كما في الحالات التي يستعمل فيها الجاني الوسائل المميتة عادة ويترتب عنها الموت فورا كقتل الضحية عن طريق الخنق أو الاغراق ، أو الصعق بالكهرباء ، أو بالطعنات أو الضربات النافذة إلى القلب أو المخ وما اليهما من المقاتل.

ولكنه في أحيان أخرى قد تكون هذه العلاقة غير ظاهرة إما بسبب اشتراك أسباب أجنبية مع نشاط الجاني في موت الضحية، هذه الأسباب التي قد تكون سابقة على فعل الاعتداء كمرض المجني عليه ، أو معاصرة له كتسمم الاداة المستعملة في الاعتداء أو لاحقة له مثل اهمال التداوي أو الخطأ فيه.

وإما بسبب طبيعة نشاط الجاني نفسه كما إذا كان هذا النشاط مجرد امتناع أو اقتصر على التأثير المعنوي على نفس الضحية، أو كانت الوسيلة المستعملة في الاعتداء غير كافية لإحداث الموت حسب العادي من الأحوال، ولم يثبت في نفس الوقت وجود أسباب أجنبية ساعدت على الوفاة.

ومهما يكن هنالك من آراء فقهية حول الأخذ بالسبب المباشر أو السبب الملائم والمناسب، أو تعادل الأسباب وتكافئها، فإننا نميل إلى القول بعدم تقييد القاضي بأي معيار من المعايير الموضوعية المجردة ، وأنه ينبغي ترك أمر استخلاص العلاقة السببية لقاضي الموضوع، يبحث عنها في كل قضية حسب وقائعها وملابساتها، وعليه أن يبين الوقائع التي استنبط منها وجود أو انتفاء العلاقة السببية حتى يتأتى لقاضي النقض أن يراقب سلامة الاستنتاج الذي انتهى إليه قاضي الموضوع من الوقائع الثابتة أمامه.

وبعبارة أخرى فإن قاضي الموضوع يتثبت من الوقائع المكونة للعلاقة السببية وله أن يستعين في ذلك بكل الوسائل القانونية المفيدة وفي مقدمتها الخبرة الطبية ويرجع إلى سلطته التقديرية وإلى اقتناعه الوجداني للفصل في ثبوت أو عدم ثبوت تلك الوقائع ولا جدال في هذا ، كما أنه لا جدال في ضرورة ذكر ما ثبت لديه من وقائع في الحكم لأن ذلك يدخل في التعليل الواجب للاحكام.

ثانيا – القصد الجنائي في جريمة القتل العمد :

العنصر الثاني في جريمة القتل العمد هو القصد الجنائي، أي توافر النية الاجرامية لدى الجاني في ازهاق روح انسان. لكن متى يتوفر القصد أو العمد الجنائي في جريمة القتل العمد ؟ إن صور قيام الفاعل بالفعل الذي يؤدي إلى إزهاق روح انسان يمكن أن تحدث على الاشكال الاتية :

– ان يقوم بالفعل دون ادراك ولا توجيه للارادة اليه كأن يمس عرضا وبدون قصد زناد بندقية أو مسدس فتنطلق رصاصة تودي بحياة أحد المارة.

– أن يقوم بالفعل عن ارادة وقصد لكن مع جهل أو غلط بالواقعة التي وجه اليها نشاطه كالصياد الذي يطلق النار على شخص اعتقادا منه أنه حيوان فإذا به انسان ، والطبيب الذي يقوم بعملية تشريح على دماغ مريض اعتقد أنه فارق الحياة ثم تبين أنه كان ما يزال حيا وأن عملية التشريح هي التي أجهزت عليه . في هاتين الصورتين لا وجود للقصد الاجرامي وبالتالي لا تقوم جريمة القتل العمد، لكن يمكن أن تتحقق جريمة القتل الخطأ إذا ثبت اهمال أو تهور ضد من مس زناد البندقية أو المسدس، أو ضد الصياد أو الطبيب .

– أن يقوم بفعل الاعتداء على شخص انسان عن قصد وإرادة لكن دون أن تتوفر لديه نية القضاء على حياته كأن يعتدي عليه بالضرب أو بنوع آخر من أنواع الإيذاء دون أن تكون لديه نية قتله ومع ذلك يترتب على الضرب أو الايذاء موت الضحية.

وفي هذه الصورة أيضا لا تتحقق جريمة القتل العمد ، لأن الذي توفر لدى الفاعل هو القصد العام أي نية الاعتداء على شخص الضحية لا على حياته، ويتابع بالفصل 403 أو 410 أي بجريمة الضرب أو الجرح أوالإيذاء والعنف أو الحرمان المؤدي إلى موت دون أن يقصده الجاني.

– أن يقوم بفعل الاعتداء على انسان عن قصد مستهدفا بذلك الاعتداء القضاء على حياته وازهاق روحه، وهذه هي الصورة التي يتحقق فيها الركن المعنوي لجريمة القتل العمد، هذا الركن الذي يتكون من “القصد العام” وهو توجيه الفاعل ارادته إلى القيام باعتداء ضد انسان مع العلم بحقيقة ما يقوم به، ومن “القصد الخاص” ، وهو استهدافه بذلك الاعتداء ازهاق روح الضحية والقضاء على حياته.

ويلاحظ أن الفرق بين هذه الصورة التي يتحقق فيها القتل العمد وبين الصورة التي قبلها المكونة للضرب أو الجرح أو الإيذاء المؤدي إلى موت ينحصر في وجود نية القتل لدى الجاني في الحالة الأولى، وانعدام هذه النية في الحالة الثانية. وبما أن النية أمر نفسي ليس لها كيان مادي في الواقع الخارجي ، فإنه كثيرا ما يجد القاضي في حوادث القتل صعوبة في تكييف الجريمة هل هي قتل عمد أم مجرد ضرب أو جرح أو ايذاء أفضى إلى موت، وعلى الخصوص في حوادث القتل الناشئة عن مشاجرة أو خصام عارضين.

ان في مقدمة وسائل اثبات نية القتل، اعتراف الجاني لأنه الذي يعرف حقيقة ما في ضميره، وما قصده من الاعتداء على الضحية، ولكن اعترافه هذا يخضع لما يخضع له الاعتراف في الميدان الجنائي عموما وهو أنه يؤخذ به ما لم تعارضه وسائل اثبات أخرى اقتنع القاضي بترجيحها على اعتراف المتهم حتى ولو كان الاعتراف قضائيا.

كما أن من قرائن اثبات نية القتل وسيلة الاعتداء التي استعملها الجاني كقتل الضحية بالأسلحة النارية أو بالطعنات النافذة إلى القلب والاحشاء ، أو بضربة إلى رأسه بأداة كاسرة أو راضة، غير أن هذه القرينة قابلة لإثبات العكس فيمكن للمتهم أن ينفي عنه نية القتل كأن يثبت مثلا أنه أطلق العيار الناري بقصد التخويف إلا أن الضحية أو شخصا آخر أمسك البندقية فتحول اتجاه الرصاصة إلى صدر أو رأس الضحية.

وما دامت لا توجد ضوابط أو وسائل اثبات قاطعة لثبوت أو انتفاء نية القتل فإن القاضي يبحث في كل قضية حسب ظروفها وملابساتها لتقرير وجود أو انتفاء نية القتل، وطبقا للمبدأ العام في الاثبات الجنائي، يكون حرا في تكوين اقتناعه الوجداني، والأخذ بهذه الوسيلة أو تلك من وسائل الاثبات ، ولكن عليه أن يبين في حكمه الوقائع التي اعتمدها في تكوين اقتناعه، وان يكون ما استنتجه من الوقائع الثابتة لديه منطقيا وسليما.

وبالإضافة إلى ذلك عليه أن يجيب عن الادعاءات والدفوع الجدية المضادة حتى يكون حكمه معللا من الناحيتين الواقعية والقانونية وقائما على أساس قانوني يحول دون تعريضه للنقض.

ومن المؤكد أن ذلك يتطلب جهدا غير يسير من التنقيب والاستقصاء والمقابلة والاستنتاج حتى يطمئن القاضي إلى الحكم الذي يصدره ، فلا يكتفي بقرائن قد تكون خادعة وانما عليه الغوص في وقائع القضية واستقصاء جزئياتها ثم يقابل بعضها ببعض وما بينها من توافق أو تعارض لينتهي بعد ذلك إلى استنتاج الحقيقة التي اطمأن إليها ضميره ،

فلا يظلم المتهم ولا يبخس المجتمع حقوقه، لأن جريمة القتل العمد ليست من الجرائم العادية أو الهينة التي يكتفي فيها بالبحث البسيط والاستنتاج السريع ، لا سيما عند الانتهاء بإدانة المتهم بالقتل العمد، فهذه الادانة لا ينبغي أن تتقرر إلا بناء على اقتناع صميم، وإلا وجب تفسير الشك لمصلحة المتهم.

هذا ونود أن نشير هنا باختصار إلى حالات لا يقصد فيها الجاني ازهاق روح الضحية ومع ذلك لا ينتفي فيها الركن المعنوي لجريمة القتل العمد، ثم إلى حالات القصد الاحتمالي .

1 – الحالات التي لا ينتفي فيها الركن المعنوي لجريمة القتل العمد :

– إذا لم يقصد الجاني باعتدائه ضحية معينا ، فإن وجدت لديه نية القتل ولكن دون تحديد لشخص معين كالإرهابي أو العميل الذي يلقي بقنبلة في جمع من الناس، والشخص الذي يطلق النار على مجموعة من خصومه بقصد قتل من نصيبه الرصاصة أيا كان .

– إذا غلط الجاني أو أخطأ فقتل شخصا آخر غير الذي كان يقصد قتله كما إذا شبه شخصا بغريمه فقتله، أو أطلق النار على خصمه ولكن اخطأته الرصاصة وأصابت غيره فقتلته ، فالجاني هنا يعتبر مرتكبا للقتل العمد، مادام لديه قصد إلى القضاء على حياة انسان ونفذ هذا القصد فعلا، وكل ما شاب تصرفه من غلط أو خطأ كأن يتعلق بشخص الضحية ، وهو ليس من العناصر القانونية للجريمة، لأن النص يعاقب من تسبب في ازهاق روح انسان، أيا كان هذا الانسان .

– إذا افترض القانون وجود نية القتل ولو لم توجد فعلا لدى الجاني، ونجد من أمثلة هذه الحالة :

  • السكران أو المتعاطي للمواد المخدرة باختياره الذي يرتكب جريمة القتل فالفصل 137 يقضي بأن السكر وحالات الانفعال أو الاندفاع العاطفي أو الناشئ عن تعاطي المواد المخدرة عمدا، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعدم المسؤولية أو ينقصها “.
  • حالات المسؤولية عما وراء القصد كالحالات المنصوص عليها في الفصلين 584 و 585 اللذين يقرران عقوبة الاعدام لجرائم الاحراق والتخريب العمدية اذا ترتب عنها موت شخص أو أكثر ، فالجاني هنا لا يقصد القتل ولا يتوقعه ، ومع ذلك عاقبه القانون بالاعدام اعتبارا للنتيجة التي ترتبت عن نشاطه، فكان نية القتل مفترضة وعوقب الجاني بناء على هذا الافتراض.

2 – حالات القصد الاحتمالي :

عبارة القصد الاحتمالي ما تزال عبارة غامضة، كثيرا ما يستعملها الشراح لمعان مختلفة، وينتهون بالتالي إلى أحكام متعارضة على الأقل في الظاهر، لذلك ينبغي التمييز بين مفهومين للمقصد الاحتمالي .

أ – القصد الاحتمالي بمعناه العام :

يتحقق القصد الاحتمالي بمفهومه العام في جريمة القتل عندما يقوم الفاعل بنشاط مباح أو اجرامي لا يقصد به ازهاق روح انسان الا أن طبيعة هذا النشاط أو ملابساته تجعله يتوقع ترتب الموت عنه ، وعند قيامه بذلك النشاط يحدث فعلا الموت الذي توقعه. ويعتبر الفاعل مرتكبا للقتل بقصد احتمالي، لأن قيامه بالفعل الذي أدى إليه عن عمد وارادة مع توقعه لامكانية نشوء الموت عنه، يجعل تعمده تنفيذ الفعل مشوبا بتعمد ارادة القتل كذلك مادام يتوقع ترتبه عنه.

والقصد الاحتمالي بهذا المفهوم العام يشمل ثلاث صور، فقد يتوقع حدوث الموت على أساس أنه أمر واقع ولازم للنشاط الذي أراد القيام به وقد يتوقعه على سبيل الاحتمال والشك، وفي هذه الحالة قد يمضي في التنفيذ اعتمادا على ما لديه من خبرة ومهارة جعلته يعتقد أن في استطاعته تفادي النتيجة المتوقعة، وقد يمضي في التنفيذ غير مكترث بما يحدث قابلا المخاطرة أيا كانت النتيجة. ونعرض هذه الصور الثلاثة :

  • صورة توقع حدوث الموت كأمر واقع ولازم للفعل :

لا جدال في توافر الركن المعنوي لدى الجاني وبالتالي مسؤوليته على القتل العمد، مثل الطبيب الذي يحقن شخصا مكروبا أو جرثومة يعلم أنها تقضي على الحياة ، ومع ذلك قام بالحقن بقصد التجربة لاكتشاف كيفية عمل الميكروب أو الجرثومة في الدورة الدموية ، أو كيفية نفاذها إلى أعضاء الجسم كالدماغ والقلب والجهاز الهضمي مثلا ،

فهو لم يقصد قتل الشخص كهدف وغاية يود الحصول عليها باعتبارها نتيجة وثمرة لمجهوده بل الغالب أنه كان يتمنى أن لا يحدث الموت، وانما كانت غايته هي تتبع خطوات عمل الميكروب أو الجرثومة في الجسم، ومع ذلك يعتبر مرتكبا لجريمة القتل العمد، مادام يعلم عند قيامه بنشاطه (الحقن) أن موت المحقون أمر لازم لذلك النشاط .

فالركن المعنوي لجريمة القتل العمد هنا يتحقق بالعلم بأن الموت سيحدث ولو تخلف توجيه الإرادة إلى تنفيذ القتل كهدف في حد ذاته، ومن الأمثلة على هذه الصورة أيضا تخريب طائرة أو اغراق سفينة أو نسف قطار لهدف سياسي أو للحصول على مبلغ التأمين ، فالجاني لم يستهدف من عمله القضاء على حياة الركاب، ومع ذلك يعتبر مرتكبا للقتل العمد لعلمه أن القتل سيقع حتما نتيجة تصرفه الطائش.

  • صورة توقع حدوث الموت مع توقع مضاد بتفاديه :

وهي التي يتوقع فيها الجاني امكانية حدوث الموت ولكنه يعتمد مهارته وخبرته لتفادي ذلك الحدوث ومن أمثلتها سائق سيارة نقل الركاب الذي يتعمد السير بها وهي فاسدة الفرامل أو أي جهاز آخر يجعل السيطرة على سياقتها غير مضمونة فهو يتوقع التعرض لحادثة قد تؤدي بحياة بعض الركاب ، ولكنه يتعمد السير بها معتمدا على مهارته في السياقة وكفاءته التي اعتقد معها أن في امكانه تفادي الحادثة رغم العطب الموجود في السيارة. وأثناء السير تقع الحادثة ويموت بعض الركاب.

ومن الأمثلة كذلك ما يقوم به بعض اللاعبين في السيرك من رمي خناجر من بعيد لتغرز في لوحة حول جسم أحد المستخدمين ، أو ضرب تفاحة وما ماثلها موضوعة على رأس انسان برصاصة أو أداة قاطعة فاللاعب عندما يقوم بهذا العمل يتوقع امكانية حدوث الموت بإنحراف الخنجر وخرقه لجسم الشخص الواقف مع اللوحة ، أو انحراف الرصاصة أو الأداة القاطعة فتصيب الرأس بدل التفاحة الموضوعة عليه ، ولكنه يقوم بهذه الأعمال الخطيرة اعتماداً على خبرته ومهارته في اصابة الهدف دون الشخص المعرض للخطر.

ويطلق على هذه الصورة اصطلاح ” حالة الاعتماد على المهارة” ، أو ” الخطأ الواعي” والفقه متفق على أن الموت هنا يعتبر قتلا غير عمدي . لأن الجاني وان توقع في البداية حدوث الموت إلا أنه تولد لديه توقع مضاد، وهو قدرته على تفادي تلك النتيجة ، فكأنه والحالة هذه لم يتوقع موت انسان أصلا. نعم ان اعتماده على مهارته وقيامه بالعمل الخطير الذي أدى فعلا إلى قتل غيره ، يعتبر تهورا منه وعدم احتياط تتحقق معه جريمة القتل الخطأ.

  • صورة توقع حدوث الموت مع عدم المبالاة بما سيحدث :

في هذه الحالة يتوقع الفاعل حدوث الموت من النشاط الذي يريد القيام به، ولكنه لا يتوقع الموت أمرا واقعا لا محالة كما في الصورة الأولى، ولا يعتمد على مهارته وخبرته لتفادي النتيجة المتوقعة كما في الصورة الثانية ، وانما يتوقع حدوث الموت على سبيل الاحتمال والشك، ومع ذلك يمضي في التنفيذ مخاطرا يتصرفه ، وغير مبال بحدوث أو عدم حدوث النتيجة المتوقعة وهو موت انسان.

ومن الأمثلة على ذلك، من يضرب الضحية إلى رأسه مثلا بعصى أو حجر أو أداة ثاقبة، قاصدا الضرب دون القتل ولكنه توقع أن ينتج عن وسيلة الضرب هذه موت الضحية ويحدث فعلا ما توقعه ، وكذلك من يطلق النار على شخص بقصد جرحه أو تخويفه فقط، وهو يتوقع أن تصيبه الرصاصة في مكان قاتل، وتحدث فعلا ما توقعه باصابة الصحية في رأسه مثلا، والقضاء على حياته.

سائق سيارة يسير بسرعة مفرطة في طريق محفوف بالراجلين يتوقع من سرعته هذه اصابة بعض المارة، ويتحقق فعلا ما توقعه (في هذه الامثلة كان نشاط الفاعل جريمة) .

و مثال آخر أراد مالك اجراء اصلاحات في الطابق الأرضي من بنائه بتقويض بعض دعائمه، وتوقع امكانية انهيار البناء كله بساكنيه نتيجة لذلك التقويض، غير أنه لم يبال بالنتائج الخطيرة المتوقعة ونفذ رغبته فانهار البناء، وقتل بعض الأشخاص الذين كانوا يسكنونه (في هذا المثال كان نشاط الفاعل مباحا ما لم يكن الاصلاح متوقفا على ترخيص اداري).

وهذه الصورة هي التي يطلق عليها اصطلاح القصد الاحتمالي بمفهومه الخاص.

ب – القصد الاحتمالي بمفهومه الضيق :

القصد الاحتمالي بهذا المعنى يقتصر إذن على حالة قيام الفاعل بنشاط (اجرامي أو مباح) يتوقع منه على وجه الاحتمال والشك أن يؤدي إلى موت انسان، ومع ذلك لا يبالي بخطورة هذه النتيجة المحتملة وينفذ الفعل الذي يؤدي فعلا إلى حدوث الموت.

  • عناصر القصد الاحتمالي :

العنصر الأول : ادراك الفاعل وتصوره عند قيامه بالفعل بأن نشاطه هذا يكون خطرا باحداث الموت ، وبهذا العنصر يتميز القصد الاحتمالي بمفهومه الضيق عن كل من القصد الجنائي الخاص ومن النتائج الاحتمالية.

يتميز عن القصد الجنائي الخاص المطلوب في جريمة القتل ، لأن هذا القصد يتحقق بتوجيه الفاعل نشاطه عن علم وارادة إلى ازهاق روح انسان بينما في حالة القصد الاحتمالي لا يتعمد الفاعل القضاء على حياة انسان وانما يوجه ارادته إلى القيام بنشاط آخر قد يكون مباحا وقد يكون جريمة، وفي نفس الوقت يتوقع ويدرك ان نشاطه هذا يحتمل أن يؤدي إلى موت انسان معينا كان هذا الانسان أو غير معين.

ويتميز كذلك عن النتائج الاحتمالية على أساس أن القصد الاحتمالي لايتحقق إلا إذا كان الفاعل يتوقع فعلا ويدرك هو شخصيا عند قيامه بالفعل أو الامتناع أن نشاطه هذا يمكن أن يترتب عنه موت انسان ويشكل خطرا على حياة الغير.

أما حالة النتائج الاحتمالية فتتحقق بالنسبة لجريمة القتل العمد التي نحن بصددها عندما يكون نشاط الفاعل (يحتمل) أن يترتب عنه الموت ، سواء توقع ذلك فعلا القائم بالنشاط أو لم يتوقعه ، فالنتيجة الاحتمالية تستخلص بمعيار موضوعي أي كلما كان نشاط الفاعل بحسب طبيعته أو ملابساته يحتمل أن يتسبب في موت انسان ، ولا تبحث عما إذا كان الفاعل قد تصور هذا الاحتمال فعلا أم لا بينما القصد الاحتمالي يقوم على معيار شخصي ،

بمعنى أن القاضي لا يمكن له أن يقرر أن القتل ارتكب بقصد احتمالي إلا إذا اثبت في حكمه أن الفاعل كان عند قيامه بالنشاط الذي أدى إلى الوفاة ، يتوقع فعلا موت انسان ، ويدرك هذه النتيجة الخطيرة التي يمكن أن تتسبب عن العمل أو الامتناع الذي يريد القيام به .

العنصر الثاني : مخاطرة الفاعل بالعمل أو الامتناع وعدم مبالاته بما سيحدث ، أي إنه بعد أن يتوقع النتيجة الخطيرة التي يحتمل أن يتسبب فيها نشاطه ينفد هذا النشاط غير آبه بنتائجه المحتملة، فيستوي عنده والحالة هذه أن يتحقق فعلا حدوث الموت أو لا يتحقق.

وبهذا العنصر يتميز القصد الاحتمالي بمفهومه الضيق عن حالة اعتماد المهارة أو الخطأ الواعي، ففي حالة المهارة أو الخطأ الواعي يتوقع الفاعل حدوث الموت بسبب نشاطه ولكن في نفس الوقت يتوقع كذلك أن مهارته ستبعد خطر ازهاق روح انسان فكأنه لثقته فيما يتمتع به من خبرة ودراية لا يتوقع حدوث الموت أصلا.

وبعبارة أخرى في حالة القصد الاحتمالي لا يفاجأ الجاني عندما يتحقق موت انسان لأنه كان منذ البداية يتوقع امكانية حصول هذه النتيجة، أما في حالة الخطأ الواعي، فإن تحقق الموت يفاجئ الجاني الذي خانته مهارته فخيبت ظنه وحدثت نتيجة لم يكن يتوقعها.

هذا من الناحية النظرية اما في التطبيق العملي فيصعب في الكثير من الحالات التثبت مما إذا كان لدى الجاني قصد احتمالي أو مجرد خطأ واع وترجع لهذه الصعوبة إلى أن كلا من توقع حدوث الموت والتوقع المضاد بعدم حدوثها يعتبر أمرا نفسيا لا يجد القاضي أمامه دائما القرائن الكافية لاثباته، و درجة التوقع في كلا الحالين تتفاوت تفاوتا كبيرا، فقد يكون التوقعان معا راجحين أو متساويين أو ضعيفين أو يختلف احدهما عن الآخر في تلك الأوصاف، والتوقع حالة ذهنية معنوية لا تخضع للمقاييس الرياضية الثابتة، وبالإضافة إلى ذلك يتعين على القاضي أن يزن درجة التوقع بمعيار شخصي أي بما تحقق منه فعلا في ذهن الجاني في كل قضية حسب ظروفها وملابساتها العينية والشخصية.

ومهما يكن من أمر، فإن المحكمة لا يحق لها أن تقرر وجود القصد الاحتمالي إلا إذا ثبت لديها أن الجاني مع توقعه لحدوث الموت تعمد ارتكاب الفعل غير مبال بما توقعه، بحيث كان يستوي لديه تحقق الموت أو تخلفة .

  • حكم القصد الاحتمالي :

من الناحية الفقهية، يرى فريق من الفقهاء أن القتل الناتج عن القصد الاحتمالي يعتبر قتلا عمدا ، لأن توقعه من الجاني وتعمده بعد ذلك القيام بالفعل مع عدم المبالاة بما سيحدث يستوي في الخطورة الاجرامية مع توجيه النشاط مباشرة إلى ازهاق روح انسان.

بينما يرى فريق آخر أن القصد الاحتمالي لا يمكن أن يستوي مع القصد الخاص المطلوب توافره في القتل العمد، وأن كل ما يتحقق به هو القتل الخطأ ، لأن احتمال حدوث الموت مع عدم المبالاة بهذا الاحتمال يمثل مجرد تهور وعدم احتياط أي الركن المعنوي لجريمة القتل الخطأ، وإذا كان الأمر يتعلق بوسائل عنف أو حرمان من التغذية أو العناية فتعتبر الجريمة عنفا أو حرمانا أدى إلى موت دون نية القتل.

ومن الأكيد أن سبب هذا الخلاف الفقهي ناتج عن تفاوت درجة التوقع وعدم المبالاة في الوقائع التطبيقية، فقد يكون قريبا من الواقع المؤكد، لا فرق بينه وبين حالة العلم اليقيني بأن الموت سيحدث لا محالة وقد يكون مجرد احتمال ضعيف يمثل عدم المبالاة معه التهور وعدم الاحتياط.

أما من الناحية التشريعية فإن القانون المغربي على الخصوص لم يتعرض للقصد الاحتمالي بنص خاص ولم يلحقه صراحة بحالة القتل العمد، ولا بحالة القتل الخطأ. نعم ان القانون الجنائي عاقب في كثير من النصوص على النتائج الاحتمالية ويهمنا الآن ما يتعلق منها بالقتل، وإذا تتبعنا هذه النصوص نجد أن المشرع يعاقب على الموت الذي تحقق كنتيجة احتمالية لنشاط الجاني :

– أحيانا بعقوبة مساوية لعقوبة القتل العمد مثل الموت الناشئ عن الخصاء (ف 412) أو عن الحريق ، أو التخريب أو عرقلة السير المرتكبة بصورة عمدية (ف 584 و 585 و 588 و 590 و591). ففي هذه الحالات اعتبر القانون الموت الناشئ عنها – دون أن يقصده الجاني توقعه أم لا بمثابة القتل العمد المرفق بظرف تشديد فعاقب عليه بالاعدام.

– وأحيانا أخرى بعقوبة أخف من عقوبة القتل العمد مثلا حالات الموت الذي لم يقصده الجاني ولكنه نتج عن وسائل العنف أو الحرمان (ف 403 و 410 فقرة ثانية) أو عن اعطاء مواد ضارة بالصحة (ف 413 فقرة أخيرة) أو عن الاجهاض (ف 449) أو عن الترك أو التعريض للخطر (ف 461)

وكذلك الحالة المنصوص عليها في الفصل 405 بالنسبة للمساهمين في مشاجرة أو عصيان أو تجمع ثوري ، نشأ موت ، لأن وجود المشاجرة أو العصيان أو التجمع الثوري يحتمل معه حدوث جرائم عنف ومنها الموت، والمساهمة في تلك التجمعات يعتبر من نتائجها الاحتمالية حدوث الموت.

والعقوبات المخففة في هذه النصوص تتراوح بين الحبس من سنة إلى خمس سنوات (ف 405) والسجن من خمس إلى عشر سنوات (ف 461) ومن عشرين إلى ثلاثين سنة (ف 410 فقرة ثانية).


  • تم اقتباس هذا المقال من كتاب أحمد الخمليشي، القانون الجنائي الخاص، الجزء الثاني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى