قانون المسطرة الجنائيةقانونيات

الإشراف القضائي على أعمال الشرطة القضائية

تنص المادة 17 من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي “توضع الشرطة القضائية في دائرة نفوذ كل محكمة استئناف تحت سلطة الوكيل العام للملك، ومراقبة الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف…”. وتبعا لذلك، فإن المادة 17 المشار إليها أعلاه، أشارت إلى أن الشرطة القضائية توضع في دائرة نفوذ كل محكمة استئناف تحت سلطة الوكيل العام للملك، ومراقبة الغرفة الجنحية المحكمة الاستئناف.

أولا – مراقبة النيابة العامة لضباط الشرطة القضائية :

لقد منح المشرع المغربي للنيابة العامة مراقبة أعمال ضباط الشرطة القضائية سواء من خلال المحاضر المحالة عليها، أو من خلال زيارة أعضائها لأمكنة الحراسة النظرية، وتحريرهم لتقارير بما عاينوه من إخلالات في إجراءات الحراسة النظرية، ويشعرون بها الوكيل العام للملك، وهذا الإشراف توخى منه المشرع مراقبة قانونية لأعمال الشرطة القضائية، وسلامة الإجراءات والعمليات التي يقوم بها جهاز الشرطة القضائية خلال مرحلة البحث التمهيدي

1) مراقبة إجراءات التفتيش :

لقد منح المشرع المغربي للنيابة العامة الحق بأن تبسط مراقبتها على عملية التفتيش من خلال التعليمات التي تقدمها لهذا الجهاز باعتباره من أهم الأجهزة المساعدة للعدالة الجنائية في مرحلة ما قبل المحاكمة، ونظرا لخطورة مهامه خصوصا في مسطرة البحث التلبسي الذي يتميز بإجراءات صارمة تتعارض أحيانا مع الحريات الفردية لمواجهة خطورة المجرم والجريمة.

لذلك، أوجب المشرع هذه المراقبة القضائية على هذا الجهاز من أجل أن تتم هذه الأبحاث والإجراءات، وفق الضمانات القانونية التي منحها المشرع للأفراد، ولتحقيق هذا المبتغى أخضع المشرع سير هاته الأبحاث تحت إشراف النيابة العامة، بحيث تبقى هي الجهة الوحيدة التي ترتبط بجهاز الشرطة القضائية في إطار علاقة أسسها قانون المسطرة الجنائية في مجموعة من مواده.

وهكذا، تنص المادة 45 من ق. م. ج. على ما يلي ” يسير وكيل الملك في دائرة نفوذ محكمته أعمال ضباط الشرطة القضائية ويقوم بتنقيطهم في نهاية كل سنة …” كما يتعين على وكيل الملك أن يقوم بزيارة هذه الأماكن على الأقل مرة في الأسبوع، وله أن يزورها في أي وقت شاء، وعليه أيضا مراقبة سجلات الحراسة النظرية، وكل إخلال بالقوانين المتعلقة بإجراءات التفتيش، وفق الضوابط والشروط المنصوص عليها قانونا، وإلى ذلك أشارت المادة 30 من ق. م. ج. على ما يلي ” يحيل الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف إلى الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف كل إخلال ينسب لضابط من ضباط الشرطة القضائية أثناء قيامه بمهامه”.

2) مراقبة النيابة العامة للمحاضر :

إن علاقة النيابة العامة بجهاز الشرطة القضائية يفرضها المنظور الجديد لمحاربة الجريمة من جهة، وتطور مفهوم حقوق الإنسان والحريات الشخصية من جهة أخرى. ومن تم، فإن هذه العلاقة تبرز بشكل واضح من خلال مراقبة المحاضر التي ينجزونها ضباط الشرطة القضائية، وما قاموا به من عمليات، وإحالتها على النيابة العامة التي تتولى دراسة المحاضر المحالة عليها، ومراقبة مدى التزام الشرطة القضائية بشروطها الجوهرية والشكلية، وأي إخلال بها يعرض محررها للمساءلة القضائية.

ومن تم، فإن المشرع أوجب أن تنجز هذه المحاضر، وفق الشروط والضوابط المنصوص عليها قانونا، وبالسرعة والنجاعة اللازمتين حتى تكتسب الحجية الخاصة، والقوة الثبوتية المنصوص عليها في المادتين 289 و 291 من ق.م.ج. واعتبارا لهذه الأهمية، ونظرا لخطورة النتائج والآثار القانونية المترتبة عن إنجاز المحاضر ، فقد حرص المشرع المغربي على أن تحال هذه المحاضر بعد تحريرها فورا على النيابة العامة مرفقة بالوثائق، والمستندات، والأشياء المحجوزة المتعلقة بها لاتخاذ ما تراه مناسبا في شأنها.

وإلى ذلك أشارت المادة 23 من ق. م.ج. على ما يلي ” يجب على ضباط الشرطة القضائية أن يحرروا محاضر بما أنجزوه من عمليات، وأن يخبروا وكيل الملك، أو الوكيل العام للملك المختص فورا بما يصل إلى علمهم من جنايات وجنح. يجب على ضباط الشرطة القضائية، بمجرد انتهاء عملياتهم أن يوجهوا مباشرة إلى وكيل الملك أو الوكيل العام للملك أصول المحاضر التي يحررونها مرفقة بنسختين منها مشهود بمطابقتهما للأصل، وكذا جميع الوثائق والمستندات المتعلقة بها. توضع الأشياء المحجوزة رهن إشارة وكيل الملك، أو الوكيل العام للملك. يجب أن تشير المحاضر إلى أن لمحررها صفة ضابط الشرطة القضائية”.

3) مراقبة النيابة العامة لاجراءات الوضع تحت الحراسة، وحالة الأشخاص :

لقد منح المشرع المغربي للنيابة العامة الحق في متابعة أعمال وتصرفات ضباط الشرطة القضائية خلال اتخاذهم إجراءات الوضع تحت الحراسة النظرية، ومدى مراعاتهم، واحترامهم لضوابط وشروط الوضع تحت الحراسة النظرية تجنبا لكل شطط يمكن أن يصدر من طرفهم باسم القانون.

ولذلك، فإن هذه المراقبة القضائية تحد من الإخلال بالإجراءات التي قد تطال الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية. وهكذا، نجد أن المشرع منح للنيابة العامة مراقبة إجراءات الوضع تحت الحراسة النظرية من خلال الزيارات التفقدية التي يقوم بها أعضاؤها إلى مخافر الشرطة، والاطلاع على السجل المعد لهذا الغرض، إضافة إلى إحالة لائحة الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية إلى النيابة العامة يوميا خلال 24 ساعة السابقة، وإلى ذلك أشارت المادة 67 من ق. م. ج.

ثانيا – مراقبة الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف :

يمكن تعريف الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بأنها “هيئة قضائية جماعية مكونة من الرئيس الأول، ومن ينوب عنه، ومن مستشارين اثنين، وعضو ممثل النيابة العامة الذي هو الوكيل العام للملك، أو أحد نوابه، ومن كاتب الضبط”.

ولقد حددت مجالات اختصاصاتها المادة 231 من قانون المسطرة الجنائية التي نصت على ما يلي ” تنظر الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف، وهي مكونة من الرئيس الأول، أو من ينوب عنه، ومن مستشارين اثنين بحضور ممثل النيابة العامة، وكاتب الضبط:

– أولا : في طلبات الإفراج المؤقت المقدمة إليها مباشرة طبقا لمقتضيات الفقرتين الرابعة والخامسة من المادة 179، وفي تدبير الوضع تحت المراقبة القضائية المتخذة طبقا للمادة 160.

– ثانيا : في طلبات بطلان إجراءات التحقيق المنصوص عليها في المواد 210 إلى 213.

– ثالثا : في الاستئنافات المرفوعة ضد أوامر قاضي التحقيق طبقا للمادة 222 وما يليها.

– رابعا : في كل إخلال منسوب لضابط من ضباط الشرطة القضائية خلال مزاولته لمهامه طبقا لما هو منصوص عليه في المواد من 29 إلى 35 من هذا القانون”.

وهكذا، يتجلى لنا دور الغرفة الجنحية في مراقبة أعمال ضباط الشرطة القضائية من خلال أدائهم لمهامهم، وتحملهم مسؤولية الأخطاء الصادرة عنهم عمدا، أو نتيجة إهمال ، أو تقصير في تطبيق القانون، أو مخالفة تعليمات النيابة العامة في ذلك. وتعقد الغرفة الجنحية جلساتها بصفة سرية في غرفة المشورة بعد الاطلاع على تقرير النيابة العامة، وبعد دراسة الملتمسات الكتابية للنيابة العامة، ومذكرات الأطراف تصدر قرارها في جلسة علنية.

ويمكن للضابط أن يطلع على ملفه الموجود بالنيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بوصفه ضابطا للشرطة القضائية، ويجوز له أن يستعين بمحام من اختياره لمؤازرته، ثم تصدر الغرفة الجنحية قرارها في الموضوع.

ويمكنها في حالة تأكدها من ثبوت المخالفة المهنية من طرف الضابط ، أن تتخذ في حقه إحدى العقوبات المشار إليها في المادة 32 من ق.م.ج، وهي إما توجيه ملاحظات إلى الضابط، أو توقيفه بشكل مؤقت عن ممارسة مهام الشرطة القضائية لمدة لا تتجاوز سنة واحدة كما نصت على ذلك المادة 32 من ق.م.ج ومن جهة أخرى، فإن الضابط يمكنه أن يتعرض أيضا لعقوبات تأديبية يتخذها في حقه رؤساؤه الإداريون، وفقا لقانون الوظيفة العمومية، أو للنظام الأساسي المطبق على موظفي الإدارة التي ينتمي إليها.

وإذا تبين للغرفة الجنحية، أن الوقائع المنسوبة للضابط تشكل جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي أمرت علاوة على ذلك، بإرسال الملف إلى الوكيل العام للملك ليقيم الدعوى العمومية إن اقتضى الحال. كما يقوم الوكيل العام للملك بتبليغ المقررات المتخذة في حق ضباط الشرطة إلى علم السلطات الإدارية والعسكرية التي ينتمون إليها. وتجدر الإشارة في الأخير أن قرار الغرفة الجنحية يمكن الطعن فيه بالنقض، وفقا للشروط والكيفيات العادية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى