الاعتقال الاحتياطي تدبير سالب للحرية يرمي إلى وضع المتهم في السجن، ويصدر على شكل أمر بالإيداع في السجن إذا كان المتهم حاضرا، أو أمر بإلقاء القبض إذا كان المتهم في حالة فرار. ويبلغ فورا للمتهم وللنيابة العامة بنفس الطريقة التي يبلغ بها الأمر بالوضع تحت المراقبة القضائية.
ويحق للمتهم أو دفاعه تسلم نسخة من الأمر بالاعتقال الاحتياطي. ولا تنص المادة 175 من ق.م.ج. على تسليم نسخة من الأمر بإلقاء القبض، ولكن قواعد حسن سير العدالة واحترام حقوق الدفاع تقتضي تسليم نسخة من الأمر بإلقاء القبض في حالة تنفيذه، ذلك أن نسخة الأمر بالإيداع في السجن تسلم ابتداء من لحظة تنفيذه، اعتبارا لكونه ينفذ فور صدوره ويبلغ إلى المتهم في نفس الوقت.
وإذا كان المشرع قد أعطى للمتهم حق استئناف الأمر بالإيداع في السجن المنصوص عليه في المادة 154 من قانون المسطرة الجنائية، فإن المادة 223 من هذا القانون التي تحدد أوامر قاضي التحقيق القابلة للاستئناف لم تذكر الأمر بإلقاء القبض المنصوص عليه في المواد 154 وما يليها إلى 158 من قانون المسطرة الجنائية،
وذلك لأن هذا الأمر لا يكون سندا للاعتقال الاحتياطي إلا لفترة مؤقتة تحددها المادة 156 من قانون المسطرة الجنائية في 48 ساعة من تاريخ الاعتقال، حيث يجب عرض المتهم على قاضي التحقيق الذي يقوم باستنطاقه ويقرر بشأن اعتقاله احتياطيا أو الإفراج عنه، وإذا قرر اعتقاله احتياطيا فإنه يصدر بعد استنطاقه أمرا بالإيداع في السجن.
وإذا كان قرار الإيداع في السجن هو الشكل العملي لتطبيق قرار الاعتقال الاحتياطي، وهو يقبل الاستئناف أمام الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف التي يمكن أن تلغي قرار قاضي التحقيق بالإيداع في السجن مما يترتب عنه الإفراج عنه.
فإنه في حالة عدم تقديم الاستئناف أو عدم قبوله أو رفضه، يبقى الاعتقال الاحتياطي ساريا ولا ينتهي إلا بانتهاء مدته أو عدم تجديدها، أو نتيجة لصدور أمر بالإفراج المؤقت عن قاضي التحقيق وفقا للمادة 179 من قانون المسطرة الجنائية أو عن الغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف التي يستأنف لديها قرار قاضي التحقيق وفقا للفقرة الرابعة من المادة 179 من قانون المسطرة الجنائية.
وتكون مدة الاعتقال الاحتياطي في الجنايات هي شهرين اثنين. ويمكن لقاضي التحقيق أن يجدد هذا التدبير خمس مرات أخرى لنفس المدة ( أي شهرين في كل مرة)، وأما في الجنح فإن مدة الاعتقال الاحتياطي تكون شهرا واحدا، ويمكن لقاضي التحقيق أن يجدده مرتين لنفس المدة، (أي شهرا واحدا في كل مرة).
ولا يتم التجديد إلا إذا تبين بعد نهاية مدة الاعتقال الاحتياطي أن الضرورة تقتضي استمراره، ويتعين على قاضي التحقيق تعليل الأمر بتجديد الاعتقال الاحتياطي الصادر عنه، تعليلا خاصا، ولا يصدر أمره إلا بناء على طلبات النيابة العامة التي تكون هي الأخرى معللة بأسباب.
وفي حالة انتهاء مدة الاعتقال الاحتياطي وعدم تجديدها أو بعد انتهاء التحديدات، يفرج تلقائيا عن المعني بالأمر ما لم تتم إحالته على المحكمة المختصة أو يكون معتقلا لأسباب أخرى، ويمكن لقاضي التحقيق أن يامر بالإفراج تلقائيا طبقا لشروط الفقرة الأولى من المادة 178 من ق.م.ج. أو بناء على طلب بضمائة شخصية أو مالية أو بدونهما.
ولا يمنح قاضي التحقيق الإفراج المؤقت بصفة تلقائية إلا بعد استشارة النيابة العامة في الحالة التي لا يكون فيها الإفراج مقررا بحكم القانون، وفي هذه الحالة يتعين على المتهم أن يلتزم بالحضور لجميع إجراءات الدعوى كلما دعي لذلك، وبأن يخبر قاضي التحقيق بجميع تنقلاته أو بالإقامة في مكان معين.
ويتعلق الأمر بحضور إجراءات الدعوى كلها، وليس مرحلة التحقيق فقط، ولذلك فإنه يمكن لقاضي التحقيق، وللمحكمة بعد ذلك، في حالة إخلال المتهم بهذه الالتزامات أن تصدر أمرا جديدا باعتقاله، وإذا منح الإفراج المؤقت بكفالة مالية فإنها تضمن عنصرين (أو جزءين) :
– ضمان حضور المتهم لإجراءات التحقيق وتنفيذ الحكم، مما يعني مراعاة مبلغ الغرامة التي قد يحكم بها عند الاقتضاء.
– ضمان مصاريف الدعوى التي سبقها الطرف المدني، ثم المبالغ الواجب إرجاعها، والتعويض عن الضرر، أو أداء النفقة إذا كان المتهم متابعا بها، فالمصاريف التي أنفقها مقيم الدعوى العمومية، وأخيرا الغرامات. وينبغي أن يحدد مقرر الإفراج المؤقت القدر المخصص لكل جزء من جزئي الكفالة المذكورين أعلاه.
إذا قدم طلب الإفراج المؤقت من طرف النيابة العامة تعين على قاضي التحقيق أن يبت فيه داخل أجل خمسة أيام من وضعه بكتابة الضبط لديه، وإذا قدم من طرف المتهم أو محاميه تعين عليه أن يبلغه إلى النيابة العامة، ويشعر به المطالب بالحق المدني برسالة مضمونة داخل 24 ساعة من وضعه كذلك، وعليه أن يبت فيه داخل خمسة أيام من تاريخ الطلب، وإلا فإنه يحق للمتهم أن يرفع طلبه مباشرة إلى الغرفة الجنحية التي يتعين عليها أن تبت فيه داخل 15 يوما، وبعد تقديم النيابة العامة لمستنتجاتها.
وإذا لم تبت الغرفة الجنحية في الطلب داخل الخمسة عشر يوما، فإنه يقع الإفراج عن المتهم ما لم يكن هناك إجراء إضافي للتحقيق، غير أنه إذا كان في الدعوى طرف مدني فلا تبت الغرفة إلا بعد انصرام أجل 48 ساعة على إشعاره بتقديم طلب الإفراج المؤقت.
ويحق للنيابة العامة كذلك أن ترفع طلبا بالإفراج المؤقت إلى الغرفة الجنحية لتبت فيه داخل نفس الأجل (15 يوما)، إذا كانت قد قدمت طلبا إلى قاضي التحقيق ولم يبت فيه داخل أجل 5 أيام.
إذا لم يبت قاضي التحقيق داخل أجل خمسة أيام، فإن امتناعه يعتبر رفضا ضمنيا للطلب ولا يمكنه البت فيه بعد فوات هذا الأجل. و يجب على المتهم الذي تم تمتيعه بالإفراج المؤقت، أن يقدم إلى كتابة ضبط المؤسسة السجنية قبل الإفراج عنه، تصريحا يعين فيه محل المخابرة معه بدائرة نفوذ قاضي التحقيق، ويبلغه رئيس المؤسسة السجنية إلى هذا الأخير.
فإذا تخلف المتهم عن الحضور رغم توصله بالاستدعاء، أو جدت ظروف تجعل اعتقاله ضروريا، فإنه يمكن لقاضي التحقيق أن يأمر باعتقاله مجددا إذا كان هو الذي أفرج عنه، أما إذا كانت الغرفة الجنحية لمحكمة الاستئناف هي التي قررت الإفراج عنه بكفالة أو بدونها بعد إلغاء قرار قاضي التحقيق، فإنه لا يمكن لقاضي التحقيق أن يصدر أمرا جديدا بالاعتقال إلا إذا قررت هذه الغرفة بناء على ملتمس كتابي من النيابة العامة، سحب تمتيع المتهم بمقررها القاضي بمنح الإفراج.
إذا تقرر الإفراج عن المتهم بكفالة مالية فإنه يتعين على الجهة التي قررت ذلك (قاضي التحقيق أو الغرفة الجنحية) أن تحدد القدر الذي تخصصه لضمان حضور المتهم، والقدر الواجب لأداء الجزء الثاني من الكفالة الذي تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 184 من ق.م.ج 247، لأن الجزء الأول من المبلغ يتم إرجاعه إلى المتهم في حالة حضوره، ويصبح ملكا للخزينة في حالة تخلفه وتبلغ النيابة العامة إلى القابض موجزا من القرار أو شهادة من كتابة الضبط تثبت مسؤولية المتهم، وأما الجزء الباقي من مبلغ الكفالة فلا يرد للمتهم إلا في حالة عدم متابعته.
وفي حالة الحكم بالإدانة يصرف هذا الجزء من المبلغ لمستحقيه من طرف صندوق الإيداع والتدبير وتبت غرفة المشورة في كل نزاع بين المستحقين، و يدفع مبلغ الكفالة إلى صندوق كتابة ضبط المحكمة، أو إلى القابض نقدا أو بواسطة شيك معتمد من طرف البنك، أو بواسطة شيك صادر عن محامي المتهم. كما يمكن أن يدفع القابض وحده وتأمر النيابة العامة بعد اطلاعها على وصل بواسطة سندات صادرة عن الدولة أو مضمونة من طرفها إلى الأداء، بتنفيذ مقرر الإفراج المؤقت.