يعتبر الوضع تحت المراقبة القضائية من أهم إجراءات التحقيق المتعلقة بشخص المتهم التي استحدثت بالقانون المغربي لأول مرة بمقتضى قانون المسطرة الجنائية. وهو بديل للاعتقال الاحتياطي، وعلى الرغم من كونه يمس بعض الحقوق والحريات الأساسية للمتهم، إلا أنه يختلف عن الاعتقال الاحتياطي في كونه يبقى مجرد تدابير، وإن كان من شأنه الحد من حرية المتهم أو من بعض حقوقه، فإنه يتيح له أن يبقى حرا. في حين يؤدي الاعتقال الاحتياطي إلى حرمان المتهم من حريته والزج به في السجن.
والمشرع اعتبر المراقبة القضائية تدبيراً استثنائياً لا يعمل به إلا في الجنايات أو الجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية. و يأمر قاضي التحقيق بوضع المتهم تحت المراقبة القضائية كبديل للاعتقال الاحتياطي من شأنه ضمان حضوره لإجراءات التحقيق، كلما لم تكن ضرورة التحقيق أو الحفاظ على أمن الأشخاص وخاصة الخصوم، أو الحفاظ على النظام العام تدعو إلى اعتقاله احتياطيا.
ويمكن لقاضي التحقيق اتخاذ هذا التدبير في أية مرحلة من مراحل التحقيق، لمدة شهرين قابلين للتجديد خمس مرات، و يصدره قاضي التحقيق في شكل أمر يبلغه شفهيا للمتهم فور صدوره، ويشار إلى ذلك في المحضر. كما يبلغ إلى النيابة العامة داخل اجل أربع وعشرين ساعة من تاريخ اتخاذه ويتضمن الأمر واحدا أو أكثر من التدابير أو الالتزامات المشار إليها في المادة 161 من ق.م. ج. و التي يتعين على المتهم الخضوع لها.
تدابير المراقبة القضائية :
– عدم مغادرة الحدود الترابية المحددة من قبل قاضي التحقيق، حيث يعين قاضي التحقيق المنطقة أو الجهة أو الحي الذي يتعين على المتهم عدم مغادرته.
– عدم التغيب عن المنزل أو المسكن الذي يحدده قاضي التحقيق، إلا وفق الشروط والأسباب التي يقررها القاضي نفسه، ويمكن مثلا أن يقرر موافقته مسبقا، أو إشعار الشرطة أو الدرك الملكي بالمنطقة بذلك أو أي شرط آخر لا يمنعه القانون.
– عدم التردد على بعض الأمكنة التي يحددها القاضي، وغالبا ما يكون المنع منصبا على بعض الأماكن التي يخشى فيها إتلاف أدلة الجريمة، أو أماكن من شأنها التأثير على سلوك المتهم، أو يخشى أن يتعرض فيها للانتقام مثلا.
– إشعار قاضي التحقيق بكل تنقل خارج الحدود التي يعينها القاضي نفسه.
– استجابة المتهم للاستدعاءات التي توجه إليه من طرف سلطة أو شخص يكلفه قاضي التحقيق بمراقبته.
– التقدم بصفة دورية أمام المصالح المعينة من طرف قاضي التحقيق كالشرطة أو الدرك الملكي، التي يتعين عليها أن تسجل تواريخ حضور المتهم لديها بناء على ما قرره قاضي التحقيق (المادة 166 من ق.م.ج. ).
– الخضوع لتدابير المراقبة المتعلقة بالنشاط المهني أو حول المثابرة على تعليم معين. ويكلف القاضي سلطة أو شخصا مؤهلا لمراقبة النشاط المهني للمتهم أو مواظبته على الدراسة.
– إغلاق الحدود، و تقديم الوثائق المتعلقة بالهوية ولا سيما جواز السفر إما لكتابة الضبط أو لمصلحة الشرطة أو للدرك الملكي مقابل وصل، ويشير الوصل إلى نوع الوثيقة المسحوبة وبياناتها وهوية المتهم، وتضع السلطة المكلفة على الوصل صورة حديثة للمتهم، ويبين في الوصل أنه سلم مقابل وثيقة الهوية المسحوبة ويتم إرجاع الوصل للمصلحة التي سلمته عندما يسترجع المتهم الوثيقة التي سحبت منه.
– المنع من سياقة جميع الناقلات أو بعضها، أو تسليم رخصة السياقة لكتابة الضبط مقابل وصل. ويمكن لقاضي التحقيق أن يسمح للمتهم بالسياقة خلال مزاولة نشاطه المهني.
– المنع من الاتصال ببعض الأشخاص المحددين على وجه الخصوص من طرف قاضي التحقيق.
– الخضوع لتدابير الفحص والعلاج أو لنظام الاستشفاء سيما من أجل إزالة التسمم، ويمكن للمتهم أن يختار الطبيب المختص أو المؤسسة التي تتولى ذلك، وتسلم للقاضي، من طرف الطبيب أو المؤسسة أو من طرف المتهم، جميع الوثائق التي يطلبها.
– إيداع كفالة مالية يحدد قاضي التحقيق مبلغها وأجل أدائها مع الأخذ بعين الاعتبار الحالة المادية للمعني بالأمر، وتودع الكفالة بصندوق المحكمة التي يوجد بها قاضي التحقيق مقابل وصل وتسلم نسخة من الوصل للقاضي. وقد استعمل المشرع تعبير “مع الأخذ بعين الاعتبار الحالة المادية للمعني بالأمر” وهو ما يفيد الخروج عن المقاييس المقررة في المادة 184 من ق.م.ج. التي تتحدث عن الإفراج المؤقت مقابل كفالة.
– عدم مزاولة بعض الأنشطة ذات طبيعة مهنية أو اجتماعية أو تجارية ما عدا المهام الانتخابية أو النقابية، ويشترط لاتخاذ هذا التدبير :
* أن تكون الجريمة قد ارتكبت أثناء ممارسة النشاط المهني أو بمناسبته؛
* وجود خشية من ارتكاب جريمة جديدة لها علاقة بممارسة النشاط المعني، ويشعر المشغل أو السلطة الإدارية التي يتبع لها المتهم،أو الهيئة المهنية التي ينتمي إليها أو السلطة المختصة لممارسة المهنة والتي يتعين عليها الالتزام بمنع المتهم من ممارسة النشاط أو تتأكد من عدم ممارسته له ولها أن تجري الأبحاث والتحريات والمراقبة اللازمة لذلك الغرض، وتشعر قاضي التحقيق بكل مخالفة تصدر من المتهم.
– عدم إصدار الشيكات، وفي هذه الحالة فإن القاضي يشعر البنك أو المصلحة أو المؤسسة التي تسير الحساب البنكي للمتهم أو بنك المغرب للسهر على تنفيذ الأمر.
– عدم حيازة الأسلحة وتسليمها إلى المصالح الأمنية المختصة مقابل وصل. وتحاط بهذا التدبير مصالح الشرطة أو الدرك الملكي بالمكان الذي يقيم فيه المتهم. وعليها تنفيذه باستلام الأسلحة من المتهم مقابل وصل بذلك، وتشعر قاضي التحقيق.
– – تقديم ضمانات شخصية أو عينية يحددها قاضي التحقيق تستهدف ضمان حقوق الضحية.
– وأخيرا إثبات مساهمة المتهم في التحملات العائلية أو أنه يؤدي بانتظام النفقة المحكوم بها عليه وعلى قاضي التحقيق إشعار المستفيد من النفقة بذلك.
ولقاضي التحقيق كامل الصلاحية في تغيير التدبير المتخذ، أو إضافة تدبير آخر أو أكثر من التدابير المنصوص عليها في المادة 161 المشار إليها، تلقائيا أو بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم أو محاميه، بعد أخذ رأي النيابة العامة. كما يمكن إلغاء التدابير المتخذة في أي وقت وأثناء جميع مراحل التحقيق، إما تلقائيا كذلك أو بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم أو محاميه.
وإذا لم يحترم المتهم الالتزامات المفروضة عليه فإن قاضي التحقيق يمكنه أن يصدر أمرا بإيداعه في السجن أو بإلقاء القبض عليه إذا كان في حالة فرار، وذلك بعد أخذ رأي النيابة العامة. و لا يجب أن يمس الوضع تحت المراقبة القضائية بحرية الرأي بالنسبة للأشخاص الخاضعين له، ولا بالمعتقدات الدينية أو السياسية، ولا بالحق في الدفاع.
ويتعين لتطبيق الوضع تحت المراقبة القضائية أن يعين قاضي التحقيق أو القاضي الذي ينتدبه لهذه الغاية، شخصا ذاتيا أو معنويا مؤهلا للمشاركة في ذلك، أو مصلحة للشرطة أو للدرك الملكي أو أية مصلحة قضائية أو إدارية مختصة، ويمكن أن تصرف لهؤلاء تعويضات .
ويقوم الأشخاص والهيات المعنية بمراقبة مدى امتثال المتهم للالتزامات المفروضة عليه ببلورة هذه المراقبة، ولذلك يمكنهم استدعاءه أو زيارته. كما يمكنهم القيام بكل الإجراءات والأبحاث المفيدة لتنفيذ المهمة المنوطة بهم. ويبلغون قاضي التحقيق عن إنجاز مهامهم وعن سلوك المتهم وفقا لما حدده، ويشعرونه إذا سجلوا على المتهم تملصه من التطبيق. ويقبل الوضع تحت المراقبة القضائية الاستئناف.