يقوم قاضي التحقيق بعدة إجراءات وأبحاث تهدف أساساً إلى جمع الأدلة للوصول إلى الحقيقة والتعرف على مرتكبها والإلمام بشخصيته. وهو يقوم من أجل ذلك ببعض المهام يتجلى أهمها في إجراء بحث اجتماعي ونفسي، وفي القيام باستنطاق المتهم وسماع الشهود ومواجهتهم مع بعضهم أو مع المتهم، وفي القيام بتفتيش الأماكن وحجز ما بها من أشياء أو وثائق لها علاقة بالجريمة، وكذا القيام ببعض التحريات المفيدة للكشف عن الحقيقة ولو عن طريق التقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد.
أولا – البحث الاجتماعي والنفسي :
إن الإلمام بالظروف النفسية والاقتصادية والاجتماعية للمتهم، التي يكون لها تأثير من قريب أو من بعيد على ارتكابه الجريمة، يعد من المقومات الأساسية التي تساعد على فهمه كانسان مرتبط بثقافة وبمجتمع معينين، مما يساعد على محاكمته محاكمة عادلة ومنصفة من شأنها أن تضع المسؤولية في إطارها الواقعي، وليس في إطار معيار مبسط ومجرد عن الواقع. ويساعد كذلك على تحديد الجزاء والعقوبة الملائمة، مما يؤدي إلى تسريع إصلاح المتهم وإعادة إدماجه في المجتمع.
ورغم أنه من الممكن أن يستقي قاضي التحقيق بعض المعلومات حول هذه الظروف من خلال استنطاقاته للمتهمين، فإن المعلومات التي يصل إليها تظل جزئية وقاصرة، لذلك أوكلت إليه المادة 87 من قانون المسطرة الجنائية إجراء بحث مستقل عن الاستنطاق وعن المقابلات حول شخصية المتهم وحالته العائلية والاجتماعية بصفة إلزامية في الجنايات واختيارية في الجنح، بهدف التعرف بدقة أكثر على أحوال المتهم والظروف التي كانت محيطة به وقت ارتكاب الجريمة.
ويستفاد من ذلك أن قاضي التحقيق يطلب التحري حول شخصية المتهم من أجل التعرف على نوع سلوكه وطباعه وعاداته وظروفه النفسية والعصبية. ويتحرى بشأن حالته العائلية للتعرف على وسطه الأسري والظروف التي يحيا فيها والأشخاص الذين يخالطهم من قريب. وقد يفيد هؤلاء في التعرف على شخصية المتهم. ويتحرى كذلك عن الحالة الاجتماعية للمتهم لمعرفة الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، ومعارفه وأصدقائه الذين يؤثرون فيه. وكذا ظروف عيشه ونمط حياته.
كما يقوم أيضا بإجراء بحث حول التدابير الكفيلة بتسهيل إعادة إدماج المتهم في المجتمع، إذا كان من هذا الأخير يقل من 20 سنة وكانت العقوبة المقررة للجريمة لا تتجاوز خمس سنوات وارتأى قاضي التحقيق وضعه رهن الاعتقال الاحتياطي، لتكتمل النظرة وتتضح الرؤية. ويقصد من هذا البحث توفير عناية خاصة بالأحداث وبصغار السن. وغاية هذا البحث هي التعرف على التدابير الحمائية الكفيلة بإصلاح الحدث وإعادة إدماجه في المجتمع كفرد صالح، بحيث يكون قاضي التحقيق – ثم المحكمة في حالة إحالة القضية عليها – على علم بالأسلوب السليم لتقويم سلوك هذا الشخص الذي يعتبر بسبب صغر سنه محتاجا إلى مساعدة خاصة لإصلاح وتقويم سلوكه.
و يجري قاضي التحقيق هذه الأبحاث إما بواسطة ضباط الشرطة القضائية عن طريق إنابة قضائية، أو بواسطة أي شخص أو مؤسسة مؤهلين للقيام بذلك من المتخصصين في علم النفس أو علم الاجتماع الجنائيين أو في علم الإجرام الذين يمكنهم إنجاز هذا النوع من التحريات بكفاءة.
و رغم تأكيد المشرع على أهمية هذا البحث فإن النتائج التي يسفر عنها لا تعد حجة لصالح المتهم ولا عليه، وأن المحكمة غير ملزمة بأخذها بعين الاعتبار إلا للتعرف على الظروف الشخصية للمجرم. وقد اعتبر العمل القضائي الفرنسي انتفاء هذا البحث أو عدم كفايته غير معيب للمسطرة حتى على مستوى الجنايات. وهذا الموقف انتقده الفقه بشدة نظرا لأن المشرع الفرنسي، شأن المشرع المغربي، جعل هذا البحث إجباريا في الجنايات مما يجعل هذا الاتجاه القضائي محل انتقاد.
و تسمح المادة 88 من ق.م.ج. لقاضي التحقيق بأن يخضع المتهم لفحص طبي أو نفساني، وأن يأمر بعد إطلاع النيابة العامة، بإخضاعه لعلاج ضد التسمم، إذا بدا له أنه مصاب بتسمم مزمن ناتج عن استهلاكه للكحول أو لمادة مخدرة أو المؤثر عقلي. ويتم هذا العلاج بالمؤسسة السجنية التي يوجد بها المتهم، أو في مؤسسة متخصصة حسب الشروط المنصوص عليها قانونا. وتتوقف خلال فترة العلاج مسطرة التحقيق الإعدادي ويحتفظ سند الاعتقال بمفعوله.
كما أنه يمكن للمتهم أو محاميه أن يطلب إجراء الفحوص المذكورة أو إخضاعه للعلاج وإذا رفض قاضي التحقيق، فعليه أن يصدر بذلك أمرا قضائيا معللا بأسباب الرفض.
ولقاضي التحقيق القيام بكافة التحريات التي يراها صالحة للكشف عن الحقيقة، فهو يقدر حسب اقتناعه الشخصي جدوى اللجوء إلى أي إجراء من الإجراءات وله – في حدود القانون- الحرية التامة لتسيير بحثه بالطريقة التي يراها أنجع وأكثر فائدة لمعرفة الحقيقة، سواء تلقائيا أو بطلب من الأطراف.
ثانيا – التنقل والتفتيش والحجز :
يعتبر التنقل والتفتيش والحجز أهم الوسائل المتاحة لقاضي التحقيق، لضبط أدلة الجريمة والكشف عن الحقيقة، ولقاضي التحقيق الحق في الاستعانة بمن يراه مؤهلا لذلك. وينتج عن هذه الإجراءات أفضل دليل تطمئن إليه المحاكم في تكوين قناعتها.
والتفتيش أو الحجز ليس مجرد عمل مادي اقتضته الضرورة وإنما هو إجراء جوهري يهدف إلى البحث عن الحقيقة في أي مكان قد توجد فيه، ولو في الأماكن الحميمية الخاصة بالأشخاص. فإجراءات المعاينة والتفتيش، وما يترتب عنهما من حجز تمس المتهم في شخصه وحقوقه وحريته، لذلك أحاطها المشرع بضمانات معينة، تتمثل في صفة القائم بها، وفي توفر شروط موضوعية وأخرى شكلية لإنجازها على الوجه القانوني المطلوب.
و إن كان المشرع لم يحدد تعريفا قانونيا للمعاينة أو التفتيش، فإنه قد حدد المقصود بالمنزل في الفصل 511 من القانون الجنائي، باعتباره محلا ينصب عليه في الغالب إجراء التفتيش. وأحدث بالمادة 60 من قانون المسطرة الجنائية إجراء جديدا يتمثل في تفتيش النساء بواسطة امرأة ينتدبها ضابط الشرطة القضائية.
للدلالة على أن المقصود بالشخص الذي ينصب عليه التفتيش هو كل ما يتصل بكيانه المادي كأعضائه الداخلية والخارجية، وما يرتبط بها من ملابس وحلي، وما يحمله من أشياء في يديه أو جيبه أو أعضائه الداخلية، كغسل معدته لتحليل محتوياتها أو أخذ نموذج البصمة الوراثية إن تطلب الأمر ذلك. و يتشابه التفتيش والمعاينة في كون القائم بهما ينتقل إلى عين المكان للقيام بالمشاهدات وإجراء جميع التحريات، ويختلفان في كون:
1 – المعاينة يقوم بها ضابط الشرطة القضائية وقاضي التحقيق وهيئة المحكمة على السواء تلقائيا أو بناء على طلب أحد الأطراف بخلاف التفتيش الذي لا يمكن للمحكمة القيام به إلا في حالات استثنائية ومحددة، ويبقى من أهم الصلاحيات المخولة لقاضي التحقيق وللشرطة القضائية.
2 – المعاينة تهدف إلى إثبات وقائع مادية لحالة شيء من خلال المشاهدة أو فحص هذا الشيء مباشرة، أو فحص شخص معين لإثبات ما عليه من آثار العنف، أو إذا كان هو المتهم، لإثبات نسبة الكحول في دمه مثلا. وأما الغاية من التفتيش الذي ينصب على شخص أو محل معين فهي ضبط أدلة الجريمة موضوع التحقيق للكشف عن الفاعل.
3 – المعاينة تتم أثناء عملية التفتيش، وقد تكون هدفا في حد ذاتها نتيجة لانتقال السلطة القائمة به. أما التفتيش، فيلتزم القائم به أثناء الشروع فيه بشروط دقيقة يؤدي الإخلال بها إلى بطلان المحضر.
و قد أجازت المادة 99 من ق.م.ج لقاضي التحقيق أن ينتقل إلى أي مكان لإجراء المعاينات المفيدة أو للقيام بالتفتيش وفق شروط محددة، باعتبار أن تقدير ضرورة الانتقال لإجراء المعاينة أو التفتيش أو الحجز موكول لسلطة القائم به. ويقصد بكلمة ” أي مكان ” منزل المتهم أو منزل غيره أو محلات أخرى يمارس فيها عمل أو نشاط ليلي بصفة معتادة، أو أماكن يشغلها شخص يلزمه القانون بكتمان السر المهني، أو طائرة مغربية، أو أجنبية إذا حطت بالمغرب، أو قطار، أو سفينة تجارية أجنبية دخلت ميناء بحريا مغربيا، وغير ذلك من الأماكن الخاصة إلا ما استثناه القانون كمقار البعثات الدبلوماسية.
ويتعين على قاضي التحقيق إذا قرر الانتقال لإجراء المعاينات أو التفتيش، أن يشعر النيابة العامة بذلك في الوقت المناسب حتى يترك لممثلها الخيار في مرافقته؛ وأن يستعين في مهمته بكاتب الضبط؛ وأن يحرر محضرا بما أنجزه من أعمال.
ويتعين أن يتضمن المحضر هوية المستمع إليهم، وأن يشار فيه بوضوح إلى المعاينات والإجراءات التي قام بها قاضي التحقيق. وأن تدون به أقوال الشهود وآراء الخبراء أو الأشخاص الذين تمت الاستعانة بهم في عمليات البحث أو الذين ساهموا في توضيح المعطيات التي تتطلب ذلك. وأن يتضمن وصفا لكل الأشياء المحجوزة أو التي خضعت للمعاينة والوثائق المختلفة التي يتم إلحاقها به.
وأن يحرر بأسلوب واضح وبسيط وخال من كل ما من شأنه أن يخلق اللبس أو الغموض، وأن تكون الكتابة متتابعة بدون فراغ أو شطب، وأن يتم الاعتذار عن الخطأ بالعبارات المناسبة، مع الإشارة إلى إلغاء الخطأ أو تصحيحه. وأن يصادق قاضي التحقيق وكاتب الضبط والمتهم والشاهد وعند الاقتضاء الترجمان على ما يقع بالمحضر من شطب وما قد يلحق بالهامش، وإلا فإنها تعتبر كأن لم تكن، كما يتعين أن يتم إمضاء كل ورقة من أوراق المحضر من طرف الأشخاص المذكورين.
ولتمكين قاضي التحقيق من تفعيل الإثبات المباشر بالوقوف بنفسه على دلائل الجريمة وتكوين قناعته الشخصية، أجازت له المادة 100 من ق. م.ج ، أن يقوم بإجراءات التحقيق خارج دائرة نفوذ المحكمة التي يمارس فيها مهامه، إذا كانت متطلبات التحقيق تستلزم ذلك، شريطة أن يخبر بذلك النيابة العامة بمحكمته، وأن يشعر مقدما النيابة العامة لدى المحكمة التي سينقل إلى دائرة نفوذها. ويمكن أن يتم إشعارها بأية وسيلة من وسائل البريد أو الاتصال. ويمكن لها أن تقرر مرافقة أحد أعضائها لقاضي التحقيق خلال قيامه بهذه الإجراءات، ويجب على قاضي التحقيق أن يصطحب معه كاتب الضبط.
وجرى العمل القضائي على أن المعاينة التي استلزمتها متطلبات التحقيق ” لا يلحقها البطلان بسبب غياب المتهم عنها، وكل ما يمكن للمتهم هو أن يتمسك لدى محكمة الموضوع بما قد يكون في المعاينة من نقص أو عيب حتى تقدرها المحكمة وهي على بيئة من أمرها شأنها شأن الأدلة الأخرى “.
ويقترن إجراء الانتقال غالبا بعملية التفتيش، في جميع الأماكن التي قد يعثر فيها على أشياء يكون اكتشافها مفيدا في التحقيق. لذلك أحاطه المشرع بالضمانات المنصوص عليها في المواد 59 و 60 و 62 من ق.م.ج. حماية لما تستلزمه حرية الفرد وما تفرضه المبادئ الدستورية من حماية للمنازل. وتقضي المواد المذكورة أن التفتيش ينبغي أن يحاط بالضمانات الآتية:
– حفظ سرية الوثائق والمستندات التي يتم حجزها وعدم إطلاع الغير عليها: ويقصد بالغير كل شخص ما عدا قاضي التحقيق وكاتب الضبط وممثل النيابة العامة إذا كان حاضرا خلال إجراء التفتيش، والأشخاص الذين يستعين بهم قاضي التحقيق وصاحب المنزل أو ممثله أو الشاهدين المدعوين لحضوره من أقاربه أو أصهاره الموجودين بعين المكان، أو في حالة تعذر ذلك فمن الغير ممن لا تربطهم علاقة تبعية بالسلطة القضائية أو الشرطة القضائية .
غير أنه يمكن إطلاع جهات أخرى على هذه الوثائق إذا تعلق الأمر بجريمة تمس بأمن الدولة أو بجريمة إرهابية. ويراد من ذلك في هذه الحالات استغلال هذه الوثائق المحجوزة من طرف جهات مختصة بمكافحة الإرهاب أو حماية أمن الدولة الداخلي أو الخارجي.
– إذا كان التفتيش يتم في منزل المتهم، فإن قاضي التحقيق يسلك فيه مقتضيات المادة 60 من ق.م.ج. فيدعو صاحب المنزل لحضوره أو تعيين ممثل عنه. وفي حالة تعذر ذلك فبحضور شاهدين غير خاضعين لسلطة قاضي التحقيق أو القاضي المنتدب من قبله لإجراء التفتيش.
– إذا تعلق الأمر بجناية أو جريمة إرهابية، يمكن إجراء التفتيش خارج الوقت القانوني، شريطة أن يقوم به قاضي التحقيق شخصيا بحضور ممثل النيابة العامة.
– إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية، وكان الأمر يقتضي الاستعجال الشديد، فإنه يمكن لقاضي التحقيق إصدار قرار معلل بإجراء التفتيش بانتداب قاض آخر أو ضابط للشرطة القضائية للقيام به خارج الأوقات القانونية.
– وإذا كان التفتيش سيجري في منزل غير منزل المتهم فإن المادة 103 من ق.م.ج. أوجبت استدعاء رب المنزل أو من يشغله لحضور هذا التفتيش، فإن تغيب أو رفض أجري التفتيش بحضوررشخصين من أقاربه أو أصهاره الموجودين بالمكان، وإلا فبحضور شاهدين لا تربطهما بالسلطة القضائية أو بالشرطة القضائية أية تبعية. فإذا أجري الحجز تعين على قاضي التحقيق أن يدعو رب المنزل لحضوره وأن لا يبقى تحت الحجز سوى الوثائق المفيدة لإظهار الحقيقة والتي قد يضر الكشف عنها بسير التحقيق.
– إذا كان التفتيش سيجري في أماكن تشغلها النساء، فإن قاضي التحقيق ينتدب امرأة لتفتيش النساء.
– إذا تعلق الأمر بتفتيش أماكن يشغلها أشخاص يلزمهم القانون بحفظ السر المهني، فيتعين على قاضي التحقيق اتخاذ التدابير والاحتياطات التي تمكن من حفظ ذلك السر. ومن بين هذه التدابير مثلا، تقليص عدد الأشخاص الحاضرين إلى الحد الأدنى الواجب، وعند الاقتضاء تنبيه الحاضرين إلى ضرورة المحافظة على هذا السر وتذكيرهم بالمقتضيات القانونية التي تعاقب على إفشائه.
– إذا تعلق الأمر بتفتيش مكتب محام فيتعين أن يقوم به قاضي التحقيق بنفسه أو ينتدب لذلك قاض آخر. ويتم التفتيش بحضور نقيب هيئة المحامين أو بعد إشعاره بذلك بأي وسيلة من الوسائل الممكنة سواء بواسطة الهاتف أو كتابة أو شفويا أو تعلق الأمر بتفتيش مكتب محام، فيتعين أن يقوم به بوسائل الاتصال الأخرى.
ويبدو أن تبسيط القانون لكيفية الاستدعاء ولوضع المعايير المرنة التي تسمح لقاضي التحقيق بالقيام بكل الإجراءات التي يراها مفيدة للكشف عن الحقيقة، أمر ضروري تفرضه حالة الاستعجال التي تقتضي أن تترك لقاضي التحقيق الحرية في إنجاز عمله فيما لا يمس بحقوق الدفاع وبضمان مبدأ المشروعية. وأن إلزامه باتخاذ التدابير الضرورية للحفاظ على السر المهني وبالعمل على دعوة نقيب المحامين للحضور عند إجراء التفتيش في مكتب محام، هو إجراء تفرض الخصوصيات المهنية إعماله بسبب ما يمكن أن يضمه هذا المكتب من وثائق وأسرار تخص الغير، تم تسليمها للمحامي أو للشخص المؤتمن على السر المهني بسبب مهنته التي حرص القانون على إضفاء الحماية اللازمة عليها للمحافظة على هذه الأسرار.
لذلك خصص القانون عقوبة زجرية لمن يقوم بإفشاء هذا السر، بل إن المادة 105 من ق.م.ج. تعاقب عن كل إبلاغ أو إفشاء، خلافا للقانون، لوثيقة وقع الحصول عليها من تفتيش في مرحلة التحقيق الإعدادي، بعقوبة أشد من عقوبة المادة 61 من ق.م.ج. المتعلقة بإفشاء سر التفتيش الذي تنجزه الشرطة القضائية، وذلك لأن المحافظة على السر في هذه المرحلة من البحث الجنائي ترتبط بالضمانات القضائية، إذ أن القضاء يكون قد وضع يده على القضية.
والأمكنة التي تسبغ عليها حماية خاصة كثيرة، ومن بينها عيادات الأطباء ومكاتب المحامين والموثقين، والأبناك ومكاتب المسؤولين النقابيين والإداريين والتراجمة وغيرهم، باعتبارها مستودع الأسرار التي يحميها القانون، ولا يباح لأي فرد الإطلاع على ما بداخلها، لأن بها من الوثائق ما يعتبر من أسرار المهنة التي لا يجوز أن تضبط أثناء التفتيش لتعلقها بأشخاص آخرين.
لذلك تقرر المادة 104 من ق.م.ج. أنه إذا تبين أثناء التحقيق ما يستوجب البحث عن وثائق في أماكن معدة لاستعمال مهني يشغله شخص ملزم بكتمان السر المهني، فعلى قاضي التحقيق أو ضابط الشرطة القضائية المنتدب من طرفه أن يطبق مقتضيات المادة 59 من ق.م.ج.، فيشعر أولا النيابة العامة المختصة ويتخذ مسبقا جميع التدابير لضمان احترام السر المهني.
و إذا كانت القاعدة أن جميع إجراءات التحقيق يباشرها قاضي التحقيق، فإنه يجوز له أن ينيب عنه وبصفة استثنائية ضابطا للشرطة القضائية لتنفيذ إجراءات معينة، ضمن القواعد المنصوص عليها في المواد من 189 إلى 193 من قانون المسطرة الجنائية.
و سواء قام بالبحث عن الوثائق قاضي التحقيق أو الضابط المنتدب من طرفه فانه يجب على الفور إحصاء جميع الأشياء والوثائق المحجوزة ووضع الأختام عليها. ولا يمكن فرز الوثائق أو فتح الأختام إلا بحضور المتهم أو نائبه أو بعد استدعائهما، ما لم يتعذر ذلك بسبب القرار أو لسبب آخر يتعذر معه الحضور.
وإذا انصب الحجز على نقود أو سبائك أو سندات أو قيم أو أوراق تجارية يعتبر الاحتفاظ بها عينا غير ضروري لإظهار الحقيقة أو للمحافظة على حقوق الأطراف، فإن قاضي التحقيق يصدر إذنا لكاتب الضبط لإيداعها بصندوق الإيداع والتدبير أو ببنك المغرب.
وحفاظا على حقوق الأشخاص، أوجب القانون على قاضي التحقيق أن يأمر بأن تسلم للمعنيين بالأمر بناء على طلبهم في أقرب وقت ممكن، نسخ من الوثائق المحجوزة بعد المصادقة على مطابقتها للأصول من طرف كاتب الضبط، ما لم يتعارض ذلك مع متطلبات التحقيق.
ثالثا – التقاط المكالمات الهاتفية والاتصالات المنجزة برسائل الاتصال عن بعد :
منعت المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية التقاط المكالمات الهاتفية أو الاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها أو اخذ نسخ منها أو حجزها. ومن هذه الوسائل البرقيات والفاكس والبريد الإلكتروني والرسائل البريدية عبر الهاتف النقال وغيرها. إلا أنه نظراً لتطور الجريمة المنظمة أدخل المشرع استثناء على هذا المبدأ إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك، وأجاز لقاضي التحقيق أن يأمر كتابة بالتقاط المكالمات المذكورة.
ولم يقيد القانون سلطة قاضي التحقيق بنوع الجريمة ولا بخطورتها كما فعل بالنسبة للوكيل العام للملك، ولذلك فإن قاضي التحقيق يمكنه أن يلجأ إلى هذه المسطرة كلما اقتضت ذلك ضرورة البحث الذي يقوم به وكيفما كانت الجريمة التي يحقق فيها.
وإذا أمر قاضي التحقيق بالتقاط المكالمات أو الاتصالات فإنه يصدر بذلك أمراً يتضمن التعريف بالمكالمة الهاتفية أو المراسلة المراد التقاطها وتسجيلها أو أخذ نسخ منها أو حجزها وبالجريمة التي تبرر ذلك، والمدة التي سيتم خلالها الالتقاط والتي لا يمكنها أن تتجاوز أربعة أشهر، يمكن تمديدها مرة واحدة لمدة أربعة أشهر أخرى بمقتضى أمر مماثل.
ورغم أن المشرع لم يوضح ما إذا كان أمر قاضي التحقيق يكتسي السرية، أم أنه يخضع كسائر الأوامر الأخرى الصادرة عن قاضي التحقيق للتبليغ وللطعن أمام الغرفة الجنحية، فإننا نرى أن طبيعة هذا الإجراء تتنافى وتبليغه للأطراف الأخرى باستثناء النيابة العامة، فالغاية من التقاط المكالمات أو غيرها من الاتصالات هي التحري عن الجريمة وجمع الأدلة عنها. وهو أمر لا يصبح ممكنا إذا علم المعنيون بالأمر بخبر الالتقاط.
و يمكن لقاضي التحقيق، أو لضابط الشرطة القضائية الذي يتم تعيينه من قبله للقيام بهذه المهمة، أن يطلب من جميع الجهات التي تستغل وسائل الاتصال كيفما كان وجه استغلالها وضع جهاز للالتقاط (المادة 110 من ق.م.ج.)، والحصول على المعلومات والوثائق الضرورية للتعرف على الاتصال الذي سيتم التقاطه من أي مستغل أو مصلحة للاتصالات المشار إليها في القانون المتعلق بالبريد والمواصلات ، قصد القيام بعمليات الالتقاط المأذون بها وتسجيلها وأخذ نسخ منها ( المادة 114 من ق.م.ج ).
و ينجز محضر بهذه العمليات يبين فيه تاريخ بدايتها وتاريخ نهايتها مع وضع التسجيل والمراسلة في وعاء أو غلاف مختوم (المادة 111 من ق.م.ج. )، بعدما يتم نقل محتوى الاتصال كتابة من طرف السلطة القضائية المكلفة بالبحث أو التحقيق أو ضابط الشرطة القضائية المكلف من قبلها، ولو بالاستعانة بذوي الاختصاص لفك الألغاز والرموز في الحالة التي تكون فيها الاتصالات مشفرة أو بترجمان لتعريب محتوى الاتصالات والمراسلات التي تمت بلغة أجنبية، بعد أن يؤدي اليمين على أن يترجم بأمانة وأن لا يفشي أسرار البحث والمراسلات ” إن لم يكن مسجلا بجدول التراجمة المقبولين لدى المحاكم”.
و الغاية من تدوين جميع العمليات، هي توثيقها بكيفية قانونية في محاضر قانونية تصبح أوراقا من أوراق القضية. وتتم إبادة التسجيلات والمراسلات بمبادرة من قاضي التحقيق أو النيابة العامة عند انصرام أجل تقادم الدعوى العمومية، أو بعد اكتساب الحكم الصادر في الدعوى قوة الشيء المقضي به على أن يحرر محضر عن عملية الإبادة يحفظ بدوره بملف القضية.
و بغاية توفير السرية الضرورية لنجاح عملية الالتقاط، قرر المشرع – بالمادتين 115 و 116 من ق.م.ج. – عقوبات لزجر مجموعة من الأفعال التي قد تؤدي إلى المساس بهذه السرية أو قام بإنجاز التقاط للمكالمات أو الاتصالات بطريقة غير قانونية. ولا تطبق العقوبات المشار إليها في المادتين المذكورتين إلا إذا لم تكن الأفعال معاقبا عليها بعقوبات أشد.
رابعا – الاستماع إلى الشهود :
على قاضي التحقيق أن يستمع إلى كل شخص حضر بمحض إرادته، إذا رأى أن شهادته مفيدة في إظهار الحقيقة. وله كامل الصلاحية لاستدعاء كل شاهد أو شخص للحضور أمامه إذا قدر وجود فائدة في شهادته ويتم الاستدعاء بالطرق الإدارية، أو برسالة مضمونة، أو بواسطة القوة العمومية التي يملك قاضي التحقيق صلاحية تسخيرها بمقتضى المادة 54 من ق. م. ج ، أو بواسطة الأعوان القضائيين.
و إذا تخلف الشخص المستدعى وجه له قاضي التحقيق استدعاء ثانيا، فإذا تخلف رغم توصله بهذا الاستدعاء، أجبره قاضي التحقيق بناء على ملتمس النيابة العامة، على الحضور بواسطة القوة العمومية ( المادة 129 من ق.م.ج.) وأصدر في حقه أمرا غير قابل لأي طعن بأداء الغرامة المنصوص عليها في المادة 128 من ق.م.ج 222 والتي يمكن إعفاؤه منها كليا أو جزئيا إذا حضر وقدم مبررا مقبولا عن سبب تخلفه عن الحضور.
ورغبة من المشرع في تثبيت قواعد العدالة وتحقيقها، وتيسير الظروف للوصول إلى الحقيقة، فقد خول لقاضي التحقيق بموجب المادة 131 من قانون المسطرة الجنائية، متى تمت إفادته بأن الشاهد يتعذر عليه الحضور، أن ينتقل بنفسه إلى حيث يتواجد هذا الأخير، إذا كان يقيم بدائرة النفوذ الترابي القاضي التحقيق من اجل الاستماع إليه.
كما يمكنه أن ينتدب لذلك قاضيا آخر للتحقيق إذا كان الشاهد يقيم خارج دائرة نفوذه القضائي، ويمكن لهذا الأخير أن ينتدب ضابطا للشرطة القضائية إذا كان الشاهد يقيم داخل النفوذ الترابي لدائرته بمحل بعيد عن مقر المحكمة. وترسل التصريحات في ظرف مختوم إلى قاضي التحقيق المعني بالأمر.
أما الأشخاص المذكورون في المادة 133 من ق.م.ج. وهم الوزير الأول وأعضاء الحكومة وكتاب الدولة ونواب كتاب الدولة وممثلو الدول الأجنبية، فلا يمكن لقاضي التحقيق استدعاءهم إلا طبقا للكيفيات المنصوص عليها في المادتين 326 و 327 من قانون المسطرة الجنائية. ويقضي ذلك أن يطلب الاستماع إلى أعضاء الحكومة وكتاب الدولة ونواب كتاب الدولة بواسطة وزير العدل الذي يتقدم بتقرير إلى المجلس الوزاري. فإذا منح المجلس الإذن فإن الشهادة يدلي بها حسب الكيفيات العادية.
وإذا لم يأذن المجلس الوزاري في حضور الوزير أو كاتب الدولة أو نائب كاتب الدولة أمام قاضي التحقيق، وكذلك إذا لم يطلب قاضي التحقيق حضورهم، فإن الشهادة يتلقاها كتابة بمنزل الشاهد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أو قاضي آخر ينتدبه إذا كان الشاهد يقيم خارج دائرة نفوذ المحكمة.
وإذا تعلق الأمر بممثل دولة أجنبية سواء كان سفيرا أو قائما بالأعمال أو مبعوثا دبلوماسيا، فإن الشهادة تطلب كتابة بواسطة الوزارة المكلفة بالشؤون الخارجية. وإذا قبل الممثل الأجنبي أداء الشهادة فإن الرئيس الأول يتلقاها شخصيا أو ينتدب قاض لتلقيها وفقا للكيفية المشار إليها بالنسبة لأعضاء الحكومة.
وبالنسبة لباقي الشهود فقد نظم قانون المسطرة الجنائية طريقة الاستماع إليهم بموجب المواد من 119 إلى 126 و 131. وأيا كانت الجهة التي تؤدى أمامها الشهادة فيتعين أن تتسم بميزتي البساطة والدقة. فبساطتها تكمن في تسهيل أسلوب أدائها ومخاطبة ضمير الشاهد ووازعه الأخلاقي والعقائدي توخيا للصدق في شهادته، مع تنبيهه عند الاقتضاء إلى مغبة انحرافه وحياده عن قول الحق. وأما دقتها فتتجلى في التركيز خلال الاستماع إلى الشاهد على ما عاينه أو شاهده أو سمعه، دون إغفال التفاصيل والجزئيات.
وإذا كان الشاهد يتكلم لغة أو لهجة يصعب فهمها استمع إليه تلقائيا أو بناء على طلب بواسطة ترجمان بالغ سن الرشد (18) سنة وغير مدعو للشهادة في القضية، بعد أدائه اليمين على أن يترجم بأمانة ما لم يكن مسجلا بجدول التراجمة المقبولين لدى المحاكم، وإذا أثير أثناء القيام بالترجمة نزاع في أمانتها، فلقاضي التحقيق أن يقرر إذا كان من المناسب تعيين مترجم آخر بدله، و يلزم الترجمان بكتمان السر المهني خلال أداء مهمته.
خامسا – استنطاق المتهم ومواجهته مع الغير :
يقصد بالاستنطاق مواجهة المتهم الذي يجري التحقيق معه بالتهم المنسوبة إليه، ومطالبته بإبداء رأيه فيها، ثم مناقشته تفصيلا في أدلة الدعوى إثباتا أو نفيا من أجل الكشف عن الحقيقة، ويكون الاستنطاق إما ابتدائيا أو تفصيليا، مع ما قد يتخلل كل واحد منهما من مواجهة بين المتهمين أو بينهم وبين الشهود أو مع الطرف المشتكي.
و للاستنطاق طبيعة خاصة مميزة له عن سائر إجراءات التحقيق، إذ أنه لا يعتبر إجراء للبحث عن أدلة الاتهام من خلال الحصول على اعترافات المتهم فقط، بل ينظر إليه كوسيلة دفاع يحاط من خلالها المتهم علماً بما ينسب إليه من أفعال مخالفة للقانون، وبما يحتوي عليه ملف الدعوى من أدلة ضده، وتتاح له خلاله الفرصة لكي يدلي بالإيضاحات التي تساعده على إبراز براءته.
1) مرحلة الاستنطاق الأولي :
– مثول المتهم أمام قاضي التحقيق لأول مرة :
الاستنطاق الأولي أو الابتدائي حسب مفهوم المادة 134 من ق.م.ج.، يتم خلال المرحلة التي يمثل فيها المتهم لأول مرة أمام قاضي التحقيق، إما بناء على ملتمس النيابة العامة بإجراء التحقيق معه، أو على إثر شكاية مباشرة مصحوبة بالادعاء المدني مقدمة ضده من طرف المتضرر.
يتعين على قاضي التحقيق خلال هذا الاستنطاق، أن يتأكد من هوية المتهم عندما يحضر أمامه لأول مرة، وذلك بالتحقق من اسمه العائلي والشخصي، ونسبه، وتاريخ ومكان ولادته، وحالته العائلية، ومهنته، ومكان إقامته وسوابقه القضائية، بالإضافة إلى رقم بطاقة تعريفه الوطنية ورقمه المالي إن كان موظفا بإدارة عمومية. كما يمكن إخضاع المتهم لتشخيص قضائي للتعرف على هويته، بما يشمله هذا التشخيص من أخذ البصمات وقياس الأعضاء وأخذ الصور، أو إخضاعه لفحص طبي عند الحاجة.
وعلى إثر ذلك مباشرة يجب على قاضي التحقيق أن يشعر المتهم بان له الحق في أن يختار محاميا، أو أن يعينه له بصفة تلقائية إذا طلب ذلك، وينص على ذلك في المحضر، ويحيط قاضي التحقيق المتهم علما بالتهم المنسوبة إليه بأسلوب سهل الفهم، وليس فقط بتكييفها القانوني الذي قد يصعب عليه إدراك معناه بدقة، ويطلعه على نوع الأدلة المقدمة ضده، كشهادة الشهود مثلا، حتى يستجوبه وهو على بيئة من هذه الأدلة، ويمكنه من مواجهتها بالأدلة المنافية لها. ويشعر القاضي المتهم بأن له الحرية في عدم الإدلاء بأي تصريح. ويشار إلى هذا الإشعار وجواب المتهم في المحضر. ويحق للمحامي حضور الاستنطاق الأولي.
ولاستجواب المتهم عدة خصائص تهدف كلها إلى توفير أقصى حد ممكن من الضمانات، ولذلك لا يؤثر صمت المتهم وعدم رده على الأسئلة التي توجه إليه أو امتناعه عن مناقشة الأدلة التي تعرض عليه، على صحة الإجراءات من الناحية القانونية. و على قاضي التحقيق أن يستجيب لطلب المتهم الذي كان موضوعا تحت الحراسة النظرية، أو لطلب محامية الرامي إلى إخضاعه لفحص طبي. وله أن يأمر بهذا الإجراء تلقائيا إذا ما لاحظ وجود علامات على المتهم تبرر إجراء خضوعه لذلك الفحص، ويقوم بتعيين طبيب خبير لتنفيذ هذه المأمورية من بين الخبراء المسجلين بالجدول.
و عند الانتهاء من استنطاق المتهم، يقرر قاضي التحقيق بشأن تركه في حالة سراح أو اعتقاله احتياطيا أو وضعه تحت المراقبة القضائية. إلا أنه في حالة مخالفة ملتمس النيابة العامة الرامي إلى الإيداع في السجن، يتعين على قاضي التحقيق أن يصدر بذلك أمرا بعدم الاعتقال الاحتياطي داخل أجل أربع وعشرين ساعة، ويبلغه فور صدوره إلى النيابة العامة.
وإذا قرر القاضي ترك المتهم في حالة سراح فإنه ينبهه إلى وجوب إخباره بكل تغيير لعنوانه. ويمكن للمتهم أن يختار محلا للمخابرة معه داخل دائرة نفوذ المحكمة الجاري بها التحقيق.
وخلافا للمقتضيات السابقة يمكن لقاضي التحقيق أن يقوم على الفور باستجواب شاهد أو مواجهته مع الغير أو مع المتهم، إذا اقتضت ذلك حالة الاستعجال الناتجة إما عن ظروف شاهد يتهدده الموت أو خشية اندثار بعض العلامات والأدلة على الجريمة. ويتعين أن ينص المحضر على أسباب الاستعجال.
و يمكن لقاضي التحقيق أن يمنع المتهم من الاتصال بالغير لمدة عشرة أيام قابلة للتجديد مرة واحدة، سواء كان هذا الغير من العموم أو له علاقة بالجريمة، سواء كان حرا أو معتقلا، أما اتصال المتهم بمحاميه فهو حق يبدأ منذ انتهاء الاستنطاق الأولي ولا يسري عليه المنع المذكور أبدا.
– حضور المحامي :
ولا يجوز سماع المتهم ولا الطرف المدني أو مواجهتهما إلا بحضور محامي كل منهما أو بعد استدعائه، إلا إذا تنازل المتهم أو الطرف المدني عن حقه في حضور دفاعه. وإذا كان محامي المتهم متواجدا بالمحكمة فيمكنه قبل الشروع في الاستنطاق الأولي أن يشعر قاضي التحقيق بتواجده ويحضر هذا الاستنطاق.
ويشعر قاضي التحقيق المتهم غير المتوفر على محام وقبل استنطاقه الأولي بحقه في اختيار محام وإلا فإنه يعين له محاميا بناء على طلبه. وقد جرت العادة أن يتم تعيين المحامين في هذه الحالة بحسب ترتيبهم في لائحة تنجز من طرف مجلس الهيئة وتتضمن المحامين الذين ليست لهم موانع تحول دون قيامهم بهذا الواجب على الوجه المطلوب.
2) الاستنطاق التفصيلي :
يقصد بالاستنطاق التفصيلي الاستنطاق الذي يقوم به قاضي التحقيق للمتهم بعد انتهاء المرحلة الأولى المسماة الاستنطاق الابتدائي أو الأولي. ويركز قاضي التحقيق في هذه المرحلة على تدقيق بحثه في كافة الأفعال المنسوبة إلى المتهم، وله أن يوجه إليه أسئلة مختلفة وينصب على التفاصيل والجزئيات التي من شأنها جمع الأدلة الكافية للوصول إلى الحقيقة.
ويمكن أن يشمل الاستنطاق التفصيلي أكثر من جلسة واحدة، وقبل الشروع فيه، يتعين على قاضي التحقيق أن يستدعي محامي المتهم بواسطة رسالة مضمونة الوصول توجه إليه قبل كل استنطاق بيومين كاملين على الأقل. ويجب أن يوضع ملف القضية رهن إشارته قبل الاستماع إلى موكله بيوم واحد على الأقل.
و لا يقصد من حضور المحامي فتح المجال أمامه للمرافعة كما هو الأمر خلال المحاكمة، لأن الغاية من هذا الحضور هي مساعدة موكله على تهيئ دفاعه والاحتياط من خرق المسطرة. لذلك لا يجوز للمحامي أن يتناول الكلمة إلا لتوجيه أسئلة بعد أن يأذن له قاضي التحقيق، الذي له كامل الصلاحية في رفض الإذن بوضع السؤال إذا رأى فيه استدراجا للمتهم.
وفي هذه الحالة تضمن الأسئلة التي رفض طرحها بالمحضر، أو يلحق به نصها المضمن بمذكرة، والغاية من ذلك أن يتمكن المحامي لاحقا من أن يبرر أمام المحكمة بعض أوجه الدفاع التي لم تقبل منه خلال التحقيق، كما يمكنه التقدم ببعض الدفوع وإثارة بعض الملاحظات المتعلقة بحسن تطبيق القانون وسلامة الإجراءات.
و لما كان الغرض من حضور المحامي للاستنطاق أو المواجهة هو مراقبة سلامة الإجراءات، فإنه يتعين عليه أن يدفع بكل إخلال يتعلق بالاستدعاء أو بالاطلاع على ملف القضية قبل قفل المحضر، لأن المادة 139 من ق.م.ج. تمنع عليه إثارة ذلك فيما بعد. ويعتبر المحضر مقفولا بمجرد التوقيع عليه.
أما الطعن ببطلان الاستنطاق وما يترتب على ذلك من آثار فتحكمه القواعد العامة في البطلان، فيكون البطلان مطلقا إذا مس الخرق قاعدة متعلقة بالنظام العام، وللمحكمة أن تقضي به تلقائيا ولو تنازل المتهم عن التمسك به، أما إذا مس الخرق قاعدة جوهرية مقررة لمصلحة المتهم فقط، كدعوة محامية للحضور والسماح له بالاطلاع على ملف التحقيق فان البطلان يكون نسبيا، ويجب على من يتمسك به أن يدفع به أمام محكمة الموضوع التي لا تثيره من تلقاء نفسها.
و كما هو الشأن بالنسبة لكافة الأعمال القضائية، يتعين أن يتم كل استنطاق وكل مواجهة في حضور كاتب الضبط الذي يشهد على كل ما يتم أمامه في محضر.
3) المواجهة :
يقصد بالمواجهة إجراء مقابلة بين شخصين أو أكثر من الشهود أو المتهمين لبيان ما اختلف فيه الشهود قصد تقييم شهادتهم وتمكين قاضي التحقيق من تكوين قناعته للأخذ بما يراه موافقا للأدلة التي بين يديه، وبالتالي عرض هذه الأقوال على المتهم ليقرها أو يطعن فيها.
ونظرا لأن قاضي التحقيق يستمع إلى الشهود على انفراد، فإنه يتعين عليه في حالة مواجهتهم مع بعضهم، أن يقتصر الأمر على توضيح حقيقة تضاربت أقوالهم بشأنها ويرغب قاضي التحقيق في استجلائها للوصول إلى الحقيقة. وكذلك الأمر في حالة مواجهتهم مع المتهم للمزيد من التوضيح لما يراه قاضي التحقيق متضاربا من الوقائع أو غير منطقي من حيث مجريات الأحداث.
3 تعليقات