تتم المطالبة بإجراء التحقيق إما من طرف النيابة العامة أو من طرف المتضرر، وذلك في الجرائم التي يوجب فيها القانون إجراء التحقيق.
– الجرائم القابلة للتحقيق :
لما كان التحقيق الإعدادي أداة للبحث عن الأدلة قبل إحالة المتهم على قضاء الحكم، فإنه كان منطقيا أن يستثني القانون منه بعض القضايا الحاملة معها، منذ اقتراف الأفعال الجرمية، وسيلة الإثبات كالتلبس، وأن يجعله إلزاميا وواجبا بالنسبة لبعض الجرائم الخطيرة والمعاقب عليها بشدة، لأنه يقوي ضمانات المتهم ويدعم مفهوم المحاكمة العادلة.
فالحالات التي يقرر المشرع المغربي إجراء التحقيق فيها تنظمها المواد 83 و 92 و 264 إلى 268 و 470 و 486 من قانون المسطرة الجنائية، وفي قوانين أخرى تنظم اختصاص بعض الجهات القضائية الخاصة، ويمكن حصر أهم الحالات التي يجري فيها التحقيق كما يلي:
أولا – المطالبة بالتحقيق من طرف النيابة العامة :
ميز المشرع في هذه الحالة بين الرشداء والأحداث. كما ميز بين الجنايات والجنح :
1 – التحقيق في الجنايات :
حسب المادة 83 من ق.م.ج. يكون التحقيق في القضايا الجنائية إلزامياً في بعضها واختياريا في بعضها الآخر.
– التحقيق الإلزامي في الجنايات :
يكون التحقيق واجباً وإلزامياً في الجنايات في الأحوال التالية : في الجنايات المرتكبة من طرف الأحداث كيفما كانت العقوبة المقررة لها. فكلما تعلق الأمر بجناية ارتكبها حدث يقل سنه عن 18 سنة شمسية كاملة، يتعين على الوكيل العام للملك أن يتقدم بملتمس بإجراء تحقيق بشأنها، إذا قرر متابعة الحدث. وبالنسبة للرشداء ، يتعين المطالبة بالتحقيق بصفة إلزامية إذا قررت النيابة العامة المتابعة وذلك في الحالات الآتية:
– إذا كانت إحدى الجنايات المرتكبة معاقباً عليها بالإعدام أو بالسجن المؤبد، أو يصل الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها ثلاثين سنة، ولو تم ضبط الفاعل في حالة تلبس.
– إذا كانت الجناية المرتكبة معاقباً عليها بغير هذه العقوبات، ولم يتم ضبط الفاعل في حالة تلبس، ذلك أن الإحالة المباشرة من طرف الوكيل العام للملك على غرفة الجنايات تقتصر على حالة التلبس بالجناية وكون القضية جاهزة للحكم. وبالرجوع للمادة 419 من ق.م.ج، التي تحدد كيفية إحالة القضية على غرفة الجنايات، يتبين أن الإحالة المباشرة على غرفة الجنايات مقصورة على ما تضمنته المادة 73 من ق.م.ج. المتعلقة بحالة التلبس، مما يقصي من دائرة الإحالة المباشرة على غرفة الجنايات الجنايات غير المتلبس بها.
– التحقيق غير الإلزامي في الجنايات (الاختياري) :
يكون التحقيق اختياريا في الجنايات، إذا تعلق الأمر بحالة تلبس بالجناية، وتبين للوكيل العام للملك أن القضية غير جاهزة للحكم.
وبالرجوع إلى المادة 73 من ق.م.ج. يبدو أنها أتاحت للوكيل العام للملك الحق في إصدار أمر بوضع المتهم رهن الاعتقال وإحالته على غرفة الجنايات داخل أجل لا يتجاوز 15 يوما ولا يقل عن خمسة أيام ، إذا تعلق الأمر بالتلبس بجناية أو جنحة وظهر أن القضية جاهزة للحكم، وأما إذا ظهر له أن القضية غير جاهزة للحكم، فإنه يلتمس إجراء تحقيق فيها.
ويتضح من ذلك أنه لا خيار للوكيل العام للملك في إحالة القضية على قاضي التحقيق إذا كانت القضية غير جاهزة للحكم. أي متى تبين له أن وسائل الإثبات غير كافية وأن الحقيقة لم تتضح بعد من البحث الذي أنجزته الشرطة القضائية. وإذا كان هناك من يقول بأن الوكيل العام للملك يملك الخيار في هذه الحالة، فنرى أن الخيار الوحيد المتاح له هو سلطته في تقدير ما إذا كانت القضية جاهزة أو غير جاهزة للحكم.
وبديهي أن تقديره تحكمه ظروف موضوعية، ولذلك فإنه إذا اعتبر القضية جاهزة وهي خلاف ذلك فإن ذلك سيضر بالبحث عن الحقيقة وينتج عنه حكم لا يعكسها، أو نقول أن مفهوم الاختيارية ليس متروكا إلى تقدير عضو النيابة العامة وإنما هو مرتبط بمدى تحقق أو انتفاء مقتضيات المادة 73 من ق.م.ج. بالنسبة للجنايات غير المعاقب عليها بالعقوبات المذكورة أعلاه.
ويستخلص من ذلك أنه رغم أن المشرع استعمل في الفقرة الأخيرة من المادة 83 من ق.م.ج. تعبير يكون التحقيق – اختياريا فيما عدا ذلك من الجنايات… فإن الواقع لا يسمح بالاختيار بالنسبة للجنايات إلا في حدود السلطة التقديرية المتاحة للوكيل العام للملك لتقدير مدى جاهزية القضية للحكم في حالة التلبس. وحتى في هذه الحالة فإنه لا يملك الخيار لأنه ملزم بإحالتها مباشرة على الجلسة، وقد عبرت الفقرة 4 من المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية عن ذلك بالقول: ” إذا ظهر أن القضية غير جاهزة للحكم، التمس إجراء تحقيق فيها”.
2- التحقيق في الجنح :
– التحقيق الإلزامي في الجنح :
يكون التحقيق إلزامياً في الجنح بمقتضى نص خاص في القانون. وتعتبر المواد من 255 إلى 257 من ق.م.ج. نموذجا للنصوص الخاصة لإحالة الجنح والمخالفات غير القابلة للتجزئة عن الجنايات والمرتبطة بها على التحقيق مع هذه الجنايات.
وتعتبر الجرائم غير قابلة للتجزئة متى كانت متصلة اتصالا وثيقا لدرجة لا يتصور بعضها بدون البعض الآخر، وكذلك إذا كانت مترتبة عن نفس السبب وناشئة عن نفس الدافع وارتكبت في نفس الوقت وفي نفس المكان المادة (256).
وأما الجرائم المرتبطة فهي الجرائم التي ترتكب في وقت واحد من طرف أشخاص مجتمعين، أو ترتكب من طرف أشخاص مختلفين ولو في أوقات متباينة وفي أماكن مختلفة على إثر اتفاق سابق بينهم، أو إذا ارتكب الجناة جرائم للحصول على وسائل تمكنهم من ارتكاب جرائم أخرى، ويعتبر إخفاء الأشياء المحصل عليها في جريمة بمثابة جريمة مرتبطة بالجريمة التي مكنت من الحصول على تلك الأشياء (المادة 257).
وتنص المادة 255 أن المحكمة المختصة بالنظر في الجريمة الأشد تكون مختصة بالنظر في الجرائم المرتبطة بها أو غير القابلة للتجزئة عنها، ويؤدي هذا الأمر إلى أن المخالفات والجنح المرتبطة بجنايات خاضعة للتحقيق الإلزامي أو غير قابلة للتجزئة عنها تصبح هي الأخرى قابلة للتحقيق، بل يجب التحقيق فيها مع الجنايات المذكورة.
ومن الأمثلة الأخرى على التحقيق الوجوبي في الجنح مانصت عليه المواد 264 وما يليها من ق.م.ج. وما يليها المتعلقة بقواعد الاختصاص الاستثنائية بشأن الجنايات والجنح المنسوبة لبعض القضاة أو الموظفين.
– التحقيق الاختياري في الجنح :
يكون التحقيق اختيارياً في الجنح المرتكبة من طرف الرشداء متى كان الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها يوازي على الأقل خمس سنوات. وتتمثل الاختيارية في تقدير ما إذا كان من المناسب أو غير المناسب إحالة القضية على المحكمة، وهي لیست متروكة لتقدير عضو النيابة العامة لاستعمالها حسب مزاجه وهواه ولكنها مقررة لهدف استجماع كافة الأدلة المتعلقة بالفعل الجرمي، سواء كانت في صالح المتهم أو ضده، تعزيزا لضمانات المحاكمة العادلة (خاصة في القضايا المعقدة أو التي تتطلب إجراءات معينة في البحث كقضايا التزوير مثلا أو القضايا الاقتصادية التي قد تحتاج لخبرات ولتحقيق الخطوط مثلا).
ولذلك يتعين على وكيل الملك أن يأخذ بعين الاعتبار في اختياره المطالبة بإجراء تحقيق أو اللجوء إلى مسطرة الإحالة المباشرة على قضاء الحكم النتائج المتوخاة من التحقيق، وهل من شأنه أن يسلط الأضواء على نقط حاسمة وما تزال غامضة في القضية، أم أن الأدلة المحصل عليها من البحث المجرى بواسطة الشرطة القضائية كافية وواضحة.
فالغاية من إتاحة إمكانية إجراء التحقيق هي الوصول إلى الحقيقة كاملة، وليست إجراء شكليا. فكلما كانت القضية واضحة كلما أصبح اللجوء إلى التحقيق غير ذي جدوى. بل إنه سيضر بحسن سير العدالة نتيجة إغراق قاضي التحقيق بالقضايا الواضحة أو البسيطة التي تأخذ من وقته وجهده على حساب القضايا التي تحتاج فعلا للتحقيق. كما يكون التحقيق اختياريا في الجنح المرتكبة من طرف الأحداث مهما كانت عقوبتها أو كيفية ضبط فاعليها.
يذهب الفقه إلى أن هذه القواعد الخاصة بإلزامية التحقيق تشكل قاعدة جوهرية يؤدي الإخلال بها إلى بطلان المتابعة وعلى المحكمة أن تثير البطلان تلقائيا ولو لم يتمسك به المتهم باعتبار أنه من النظام العام. والواقع أن التحقيق يعتبر ضمانة من الضمانات المرتبطة بحقوق الدفاع، وهو من الحقوق الأساسية والجوهرية التي يترتب عن الإخلال بها البطلان.
وللنيابة العامة عند وضعها ملتمسا بفتح تحقيق، أن تطلب منه القيام بأي إجراء مفيد لإبراز الحقيقة، كالاستماع إلى الشهود أو إجراء الخبرة أو مقابلة المتهم مع شاهد معين، أو أي إجراء آخر تراه ضروريا للحفاظ على الأمن، وخاصة وضع المتهم رهن إشارة العدالة.
ولها أن تدلي بملتمسات إضافية أثناء مرحلة التحقيق وإلى غاية إنهائه، وأن تطلب تسليمها ملف الإجراءات من قاضي التحقيق شريطة إرجاعه بعد الإطلاع عليه في ظرف 24ساعة. فالنيابة العامة تمارس الدعوى العمومية وتراقب سيرها وتختلف وسائل هذه المراقبة، كما تتفاوت صلاحياتها بين مرحلة التحقيق الإعدادي ومرحلة المحاكمة.
غير أنه إذا ارتأى قاضي التحقيق عدم الاستجابة لطلبات النيابة العامة، فعليه أن يصدر أمره بالرفض معللا، خلال الخمسة أيام الموالية لتقديم الملتمس بالنسبة للطلبات المذكورة في المادة 89 من ق.م.ج. أما بالنسبة لملتمس إيداع المتهم بالسجن المنصوص عليه في المادة 134 من ق.م.ج فلا يشترط تعليل الأمر الصادر بشأنه، غير أن قاضي التحقيق ملزم بإصداره خلال 24 ساعة من تقديم الملتمس بإجراء التحقيق، وعليه أن يبلغه فورا إلى النيابة العامة.
و رغم أن قاضي التحقيق مستقل إداريا وقضائيا عن النيابة العامة، ولا يخضع لتوجيهاتها وأوامرها ولا يصدر قراراته إلا بتوجيه من ضميره واقتناعه الشخصي فإن النيابة العامة موكول إليها مراقبة أعماله والإشراف المباشر عليها، وهي تملك وسائل فعالة لهذه المراقبة ولهذا الإشراف أهمها:
– تعيين القاضي المكلف بالتحقيق عند تقديم الملتمس بإجراء التحقيق. ففي حالة تعدد قضاة التحقيق بالمحكمة تعين النيابة العامة القاضي المكلف بالتحقيق في كل قضية على حدة، وتتوجه بملتمسها إليه باسمه.
– تقديم ملتمس إلى الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف معللا بأسباب يرمي إلى سحب قضية من قاضي التحقيق وإحالتها على قاض آخر، إما تلقائيا وإما بناء على طلب من الطرف المدني، أو من المتهم. وتبت الغرفة الجنحية في الطلب داخل أجل لا يتعدى عشرة أيام من تاريخ توصلها به بقرار غير قابل لأي طعن. ولا يوقف الملتمس سير إجراءات البحث والتحقيق، التي تتواصل بكيفية عادية إلى حين صدور قرار الغرفة الجنحية.
ثانياً – المطالبة بالتحقيق من طرف المتضرر :
يفهم من المواد 92 من ق.م.ج. وما يليها أنه يحق للمتضرر إقامة الدعوى العمومية بواسطة الادعاء المباشر أمام قاضي التحقيق، سواء تعلق الأمر بجناية أو بجنحة قابلة للتحقيق. فإذا لم تكن الجريمة قابلة للتحقيق فإنه لا يمكن للمطالب بالحق المدني أن يطالب بإجراء تحقيق بشأنها.
وقد نصت المادة 92 من ق.م. ج. أن كل شخص تضرر من جناية أو جنحة يمكن أن ينصب نفسه طرفا مدنيا عند تقديم شكايته أمام قاض التحقيق ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. كما أن المادة 93 من ق.م.ج. تفيد أن النيابة العامة لا يمكنها أن تعارض في إجراء التحقيق الذي يطالبه الطرف المدني إلا في حالات محددة، من بينها الحالة التي لا تكون فيها الجريمة من النوع القابل للتحقيق.
وتعبير ما لم ينص القانون على خلاف ذلك الوارد في المادة 92 من ق.م.ج. يعني بالإضافة إلى ما ذكر، حالات أخرى يقرر فيها القانون مسطرة خاصة، كما هو الشأن بالنسبة للحصانة الديبلوماسية أو البرلمانية. أو كالمطالبة بإجراء تحقيق في حق عضو من أعضاء الحكومة من أجل فعل جرمي ينسب إليه خلال ممارسته مهامه أو كما الشأن بالنسبة للمساطر الخاصة المنصوص عليها في المواد 264 وما يليها من ق.م.ج. بشأن الجرائم المنسوبة لبعض القضاة والموظفين،
حيث يقرر القانون مسطرة خاصة تتم عبر إحالة القضية من طرف النيابة العامة على الغرفة الجنائية بمحكمة النقض ، أو على الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف حسب الأحوال، وهو ما لا يفسح المجال لتحريك الدعوى من طرف المتضرر مباشرة، علما بأن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف قد يقرران إجراء تحقيق في القضية. وفي هذه الحالة فلا شيء يمنع المتضرر من الانتصاب كطرف مدني أمام قاض التحقيق.
1 – إقامة الدعوى العمومية من طرف المتضرر :
إذا كانت الصلاحية في إقامة الدعوى العمومية وممارستها تعود إلى النيابة العامة بصفة أساسية، كما رأينا، وهي تملك في ذلك سلطة الملامة. فإن القانون خول لكل شخص تضرر من فعل جرمي الحق في إثارة الدعوى العمومية عن طريق الادعاء المدني، وفق شروط وإجراءات معينة، ما لم تكن هناك قيود أو موانع ينص عليها القانون ( المادة 92 من ق.م.ج.).
و يعتبر هذا الحق المخول للمتضرر إمكانية وضعها المشرع في متناوله لحماية حقوقه في حالة عدم قيام النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية في إطار إعمال ما لها من سلطة الملاءمة. فيحق له أن يقيم هذه الدعوى عن طريق الادعاء المباشر بالحق المدني أمام قاضي التحقيق المختص بالتحقيق في الفعل الجرمي الذي تضرر منه، وذلك ما لم يصطدم هذا الحق بمانع كالحصانة أو الاختصاص أو القواعد الاستثنائية.
و كما يمكن للمتضرر تحريك الدعوى العمومية عن طريق الادعاء المباشر في مواجهة شخص ذاتي – طبيعي – سواء كان فاعلا أصليا للجريمة أو مساهما أو مشاركا فيها، فإنه يمكنه تحريكها في مواجهة شخص معنوي فيما يتعلق بالجرائم التي تمكن نسبتها إلى الأشخاص المعنوية. و تتلخص شروط وكيفية إثارة الدعوى العمومية من طرف المتضرر أمام قاضي التحقيق طبقا للمادة 92 من قانون المسطرة الجنائية في:
– وجوب كون الجريمة جناية أو جنحة، دون المخالفة التي لا يمكن للمتضرر منها تحريك الدعوى العمومية بشأنها عن طريق الادعاء المباشر، إلا إذا كانت مرتبطة بجنحة أو بجناية، أوغير قابلة لتجزئتها عنهما؛
– وجوب وجود متضرر من هذه الجريمة تتوفر فيه أهلية الادعاء، وإذا لم يكن متوفرا عليها، فيقيم الدعوى بإذن من نائبه القانوني أو بمساعدته ( المادة 352 من ق.م.ج). وفي حالة عدم وجود هذا الأخير فبواسطة وكيل خصوصي تعينه له المحكمة بناء على ملتمس النيابة العامة ( المادة 353 من ق.م.ج )؛
– قيام علاقة سببية مباشرة بين الجريمة والضرر طبقا للمادتان 2 و 7 من ق.م.ج وأن يكون قاضي التحقيق مختصا نوعيا ومكانيا.
ويوجب القانون على المطالب بالحق المدني المثير للدعوى العمومية غير المحصل على المساعدة القضائية، أداء مبالغ مالية لقبول شكايته المباشرة، تشمل المبلغ المفترض أنه ضروري لمصاريف إجراءات الدعوى كأجور الخبراء والتراجمة، ومصاريف استدعاء الشهود الخ… والذي يحدده قاضي التحقيق مراعيا في تقديره الإمكانيات المالية للمشتكي، ويحدد له أجل الإيداع الذي يترتب عن عدم احترامه عدم قبول الشكاية المباشرة.
ومن الناحية العملية فإن الشكاية المباشرة توضع بكتابة التحقيق، وتحال بعد أن تسجل على قاضي التحقيق ليحدد المبلغ المفترض لتسديد مصاريف الإجراءات وأجل إيداعه، ويبلغ مقرر التحديد إلى المشتكي مقابل ما يثبت التوصل به، ليرتب عند عدم الإبداع بعد انصرام الأجل المحدد، جزاء عدم القبول الذي تنص عليه المادة 95 من قانون المسطرة الجنائية.
أما المشتكي المستفيد من المساعدة القضائية بمقتضى المرسوم الملكي المؤرخ في فاتح نونبر 1966 فيعفى من جميع الأداءات، طبقا للقانون رقم 23-86 المتعلق بالمصاريف القضائية في الميدان الجنائي والمادة 95 من قانون المسطرة الجنائية.
و تعتبر المذكرة التي يقدمها الطرف المدني في هذه الحالة، تأكيدا لمتابعته لسير الدعوى التي أثارها. ويتعين أن تكون المذكرة مستوفية لشروط معينة. ولا يكون المتضرر المتدخل كمطالب بالحق المدني أمام قاضي التحقيق في الدعوى العمومية التي أقامتها النيابة العامة ملزما بأداء أي مبلغ، لأن مصاريف الدعوى العمومية في هذه الحالة تسبقها الخزينة العامة، لأن النيابة العامة هي التي أقامت الدعوى.
والمادة 95 من قانون المسطرة الجنائية، أوكلت إلى قاضي التحقيق مهمة إشعار الوكيل القضائي للمملكة، في حالة إقامة الدعوى العمومية من طرف المشتكي المتضرر عن طريق الادعاء المدني في مواجهة قاض أو موظف عمومي أو عون تابع للسلطة أو القوة العمومية، وظهر أن الدولة يمكن أن تتحمل المسؤولية المدنية من جراء أعمال تابعها،وهذا الإجراء لم يعد من التزامات المطالب بالحق المدني.
وخلافا لما كان عليه الأمر في ظل قانون المسطرة الجنائية الملغى الذي كان يعتبر إشعار الوكيل القضائي للمملكة واجبا إجرائيا يترتب عن عدم القيام به الحكم بعدم قبول المتابعة. فإن المشرع لم يعد يعتبر هذا الإشعار سوى إجراء تنظيميا ولم يرتب اي جزاء قضائي عن عدم القيام به، سواء من طرف قاضي التحقيق في نطاق الشكاية المباشرة ( المادة 95 من ق.م.ج.)، أو من طرف النيابة العامة عند تحريكها للدعوى العمومية (المادتان 3 و 37 من ق.م.ج.)، أو من طرف المحكمة التي يقدم أمامها طلب التعويض ضد من سبق ذكرهم من موظفي القطاع العام ( المادة 351 من ق.م.ج).
و تشترط المادة 96 من ق.م. ج. على المتضرر المطالب بالحق المدني أمام قاضي التحقيق، سواء عن طريق الادعاء المباشر أو بانضمامه إلى دعوى حركتها النيابة العامة، إذا لم يكن له موطن أو محل إقامة بدائرة نفوذ محكمة قاضي التحقيق الذي يباشر الإجراءات، أن يعين محلا للمخابرة معه داخل تلك الدائرة.
و يظهر أن غاية المشرع من هذا الإجراء، هي ضمان تيسير إجراءات التحقيق فقط من خلال إمكانية استدعاء الطرف المدني كلما دعت الضرورة إلى ذلك، بدليل أنه لم يرتب على مخالفته سوى حرمان المشتكي من إمكانية الاحتجاج أو الدفع بعدم تبليغه بالإجراءات أو الاستدعاءات التي يقتضيها القانون لصالحه وذلك حتى لا تتعرض للبطلان إجراءات التحقيق التي ينجزها قاضي التحقيق في غياب هذا الطرف المدني.
وإذا كان يحق للمتضرر غير المثير للشكاية المباشرة أن يتدخل للمطالبة بالحق المدني أمام قاضي التحقيق وفي أية مرحلة من مراحل التحقيق، فإن المادة 94 من ق. م. ج تعطي المتهم والنيابة العامة وباقي الأطراف المدنية إمكانية منازعته في قبول طلباته، وذلك بهدف من المشرع في كبح جماح المتضرر من أي غلو في مطالبه، قد يسيء إلى إجراءات التحقيق نفسها أو يعيقها، أو يمس بمصالح المتهم التي لا علاقة لها بموضوع الجريمة أو بحقوق مطالب آخر بالحق المدني. ويبت قاضي التحقيق في قبول هذا المتضرر مطالبا بالحق المدني بعد إحالة الملف على النيابة العامة ووضعها ملتمسها في هذا الصدد.
ويعتبر إطلاع النيابة العامة على إجراءات التحقيق الوسيلة الكفيلة لتمكينها من مراقبة سلامة هذه الإجراءات وقانونية القرارات التي يصدرها بشأنها قاضي التحقيق، حتى يتأتى لها سلوك الطعن المناسب، عندما ترى ذلك مبررا للحفاظ على الحقوق ولضمان التطبيق السليم للقانون.
وتقوم النيابة العامة خلال إطلاعها على ملف التحقيق المحال عليها من طرف قاضي التحقيق بمراقبة توفر كافة الشروط الشكلية والجوهرية لقبول الشكاية المباشرة ومنها أهلية الادعاء بالنسبة للمشتكي والمتهم على السواء، واختصاص قاضي التحقيق المرفوعة إليه القضية مكانيا ونوعيا، وقابلية الأفعال موضوع الشكاية للتحقيق باعتبارها جريمة قابلة للتحقيق ولم تسقط بالتقادم أو بسبب آخر من أسباب انقضاء الدعوى العمومية.
ولا يمكن للنيابة العامة تقديم ملتمسها بعدم إجراء التحقيق إلا إذا كانت الأفعال لا تقبل أي تكييف جرمي، أو لا تقبل التحقيق فيها، أو إذا وجدت أسباب تمس الدعوى العمومية كالتقادم.
ويمكن للنيابة العامة إذا أحيلت عليها شكاية مباشرة غير مدعمة بأسباب كافية أو غير مبررة بمستندات، أن تلتمس فتح تحقيق مؤقت حول أي شخص قد يكشف عنه البحث ولو كانت الشكاية قد قدمت ضد مجهول. ولا يمكن لقاضي التحقيق أن يستمع في هذه الحالة إلى المشتكى بهم إلا بصفتهم شهوداً، إلى حين تقديم ملتمس جديد ضد شخص معين أو توجيه الاتهام إليهم أو إلى أحدهم.
وعليه أن يطلعهم على الشكاية وأن يشعرهم بحقهم المخول لهم بمقتضى المادة 118 من قانون المسطرة الجنائية في رفض الاستماع إليهم بهذه الصفة، ويدون ذلك بالمحضر. وإذا عبروا عن ممارستهم لهذا الحق فلا يمكن لقاضي التحقيق أن يستمع إليهم إلا بصفتهم متهمين بحيث يستنطقهم ويوجه إليهم الاتهام ولا يقرر في حقهم أي إجراء من الإجراءات القانونية الخاصة بالشهود المتخلفين.
و تأكيدا على التقاضي بحسن نية، فقد أكد المشرع على زجر من يلجأ إلى إقامة دعوى كيدية أو ينضم إلى دعوى أقامتها النيابة العامة، وذلك بمطالبته بالتعويض أمام المحكمة المدنية المختصة في إطار قواعد التعسف في استعمال الحق، أو متابعته بشأن جريمة الوشاية الكاذبة طبقا للفصل 445 من القانون الجنائي، متى توفرت الشروط القانونية التي تتيح ذلك.
2 – موانع إقامة الدعوى العمومية من طرف المتضرر :
إذا كان المشرع قد سمح للمتضرر بإقامة الدعوى العمومية امام قاضي التحقيق عن طريق الادعاء بالحق المدني، فإن هذا الحق ليس مطلقا، إذ قد تحول بعض الموانع دون ممارسته لهذا الحق. ومن هذه الموانع:
– الجرائم المنسوبة إلى أعضاء الحكومة، والجرائم التي تختص المحكمة العسكرية الدائمة للقوات المسلحة الملكية بنظرها، والتي يسلب الفصل 9 من قانون العدل العسكري عن المتضرر كل إمكانية لتحريك الدعوى العمومية بشأنها.
– المخالفات المرتكبة أثناء الجلسات والتي نصت المادة 269 من ق.م.ج على أن المحاكم ثبت فيها خلافا للقواعد العادية تلقائيا أو بناء على ملتمسات النيابة العامة ضمن شروط خاصة نظمتها المواد من 357 إلى 361 من ق.م.ج.، والتي لا يمكن للمتضرر منها سوى الانضمام إلى المسطرة التي تم تحريكها على الشكل المذكور للمطالبة بالتعويض.
– الجرائم المرتكبة من طرف بعض القضاة وموظفي الدولة، والتي تنظمها قواعد اختصاص استثنائية والتي تخضع إقامة الدعوى العمومية بشأنها إلى الشكليات المحددة في المواد 264 إلى 268 من ق.م.ج. حيث يسند أمر تحريك الدعوى العمومية بشأنها إلى الغرفة الجنائية بمحكمة النقض أو إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف،
ويسند أمر التحقيق إلى أحد أعضاء الغرفة المذكورة أو إلى أي مستشار بمحكمة الاستئناف ولو لم يكن هو القاضي المعين للقيام بمهام التحقيق بمقتضى قرار وزير العدل. ولا يمكن للمتضرر من الجريمة المرتكبة من طرف الأشخاص المشمولين بهذه المسطرة سوى الانضمام إلى المتابعة المفتوحة على النحو المذكور، ولا حق له في إقامة الدعوى العمومية مباشرة.
– بعض الجرائم المرتكبة خارج أرض الوطن والتي أناط المشرع تحريك الدعوى العمومية بشأنها بالنيابة العامة وحدها دون المتضرر، وبعد توصلها بشكاية رسمية من البلد الذي ارتكبت فيه الجريمة. وذلك عملا بمقتضيات المادة 708 من قانون المسطرة الجنائية.
– ولا يمكن للمتضرر أن يقيم الدعوى العمومية في مواجهة حدث يقل عمره عن 18 سنة عملا بمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 463 من قانون المسطرة الجنائية.