قانون المسطرة الجنائيةقانونيات

الصلاحيات المخولة لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية

يمثل وكيل الملك شخصيا أو بواسطة نوابه، النيابة العامة في دائرة نفوذ المحكمة الابتدائية المعين بها، وهو يمارس عدة مهام اهمها:

أولاً: ممارسة الدعوى العمومية

يمارس وكيل الملك الدعوى العمومية تحت مراقبة الوكيل العام للملك. ومن الناحية المبدئية فإن وكيل الملك يمارس الدعوى العمومية بكيفية تلقائية، أي أنه يتدخل كلما بلغ إلى علمه خبر ارتكاب جريمة ليبحث أو يكلف الشرطة القضائية بالبحث بشأنها ثم يرتب عليها الأثر القانوني المناسب، أي إقامة المتابعة أو إحالة الملف على الجهة القضائية المختصة أو عند الاقتضاء حفظ القضية.

غير أنه يمكن أن يتم تكليف وكيل الملك من قبل رؤسائه بإقامة الدعوى العمومية. كما يمكن أن يتدخل بناء على شكاية يرفعها إليه المتضرر من الفعل الجرمي. ولا تعتبر الشكاية في هذه الحالة أمراً ملزما لوكيل الملك لإقامة الدعوى العمومية، وإنما يقرر فيها وفقا للقانون وتبعاً لتقديره لمدى ملاءمة المتابعة.

و تقتضي ممارسة الدعوى العمومية حضور وكيل الملك أو نائبه في جميع الجلسات الزجرية، ولا يمكن عقد جلسة زجرية إلا بحضور ممثل النيابة العامة لأنه يعتبر عضواً في تشكلة المحكمة. وكل محكمة انعقدت خلافا للتشكلة التي ينص عليها القانون تعتبر باطلة، وحضور ممثل النيابة العامة في الجلسات الزجرية يشمل جميع الجلسات التي تناقش فيها القضية أو يصدر فيها الحكم، ولكنه لا يشارك في المداولات التي لا يحضرها سوى قضاة الحكم الذين شاركوا في مناقشة القضية.

كما أن النيابة العامة لا تحضر في بعض القضايا الزجرية وتكتفي فقط بتقديم ملتمس كتابي كما هو الشأن بالنسبة لمقتضيات المادة 383 من ق.م.ج المتعلقة بالأمر القضائي في الجنح.

وتشمل ممارسة الدعوى العمومية من طرف وكيل الملك المطالبة بتطبيق العقوبات المقررة في القانون. كما أنه يقدم باسم القانون جميع المطالب التي يراها صالحة، ويتعين على المحكمة أن تشهد بها عليه وتضمنها في محضر الجلسة وتبت بشأنها.

ويحق لوكيل الملك بصفته طرفا رئيسيا في الدعوى العمومية أن يستعمل طرق الطعن في المقررات التي يصدرها قضاء التحقيق أو قضاء الحكم في الحدود وحسب الشكليات التي ينص عليها القانون.

ثانياً: الشكايات والوشايات

يتلقى وكيل الملك الشكايات والوشايات، وتكون الشكاية عادة في شكل تظلم صادر من الشخص الذي لحقه ضرر من الجريمة. ويتعلق الأمر هنا بإبلاغ السلطات بارتكاب الجريمة لا بشكاية مصحوبة بالادعاء المدني، وأما الوشاية فتكون في العادة على شكل إخبار بوقوع جريمة يقوم به شخص ليس ضحية مباشرة لتلك الجريمة، وقد تكون مجهولة المصدر، أو يكون الشخص الذي قدمها معروفاً.

وفي حالة توصل وكيل الملك بشكاية أو وشاية فإنه يتخذ بشأنها ما يراه ملائما، وعادة ما تتم دراسة الشكاية من طرف قاض من قضاة النيابة العامة للتأكد من الطابع الجرمي للأفعال المذكورة فيها. ثم يقوم وكيل الملك شخصيا أو أحد نوابه بإجراء البحث بشأنها، أو يأمر أحد ضباط الشرطة القضائية بالقيام بذلك. ثم يقرر بشأنها ما يراه ملائما (الحفظ أو المتابعة مثلا).

ثالثا : الأمر بالضبط والأمر بالتقديم

يمكن لوكيل الملك في إطار بحثه عن مرتكبي الجرائم أن يأمر بضبطهم وتقديمهم ومتابعتهم. ولم يعرف قانون المسطرة الجنائية الأمر بالضبط. ولكن يمكن القول أن المقصود منه هو البحث عن الشخص وتوقيفه من أجل القيام بإجراء من الإجراءات القانونية بشأنه، كالاستماع إليه أو إلقاء القبض عليه وإيداعه بالسجن أو لأجل تقديمه أمام جهة قضائية معينة.

وإذا كانت (المادة 40 فقرة 2 من ق.م.ج) قد استعملت تعبير الأمر بضبطهم وتقديمهم ومتابعتهم، فإنه لا يراد من ذلك أن هذه الإجراءات تكون مرتبطة فيما بينها. بل إنها قد تكون مرتبطة كضبط شخص ثم تقديمه أمام وكيل الملك الذي يقرر متابعته، وقد لا تكون مرتبطة حيث يتم ضبط شخص لتقديمه أمام وكيل الملك الذي يقرر حفظ القضية، أو أن ينتهي الأمر عند الضبط فيتم مثلا الاستماع للشخص ويخلى سبيله.

وفي الحقيقة فإن ما قام به المشرع في الفقرة الثانية من المادة 40 من ق.م.ج. ليس سوى تأكيدا على إجراءات كان العمل القضائي يمارسها في غياب نص واضح واعتمادا فقط على القواعد العامة لإجراءات البحث الجنائي.

رابعا : استقبال المحاضر والتقارير

أصبحت المادة 24 من ق.م.ج. تعرف “المحضر” الذي ينجزه ضابط للشرطة القضائية ولم يعرف قانون المسطرة الجنائية التقرير. واختلف الفقه في ذلك، حيث يرى البعض أن التقرير هو الوثيقة التي يحررها عون للشرطة القضائية. ورغم صحة هذا الطرح، إذ أن الوثائق التي يحررها هؤلاء الأعوان تسمى تقارير، فإن بعض الموظفين والأعوان الذين يخولهم القانون ممارسة مهام الشرطة القضائية يحررون تقارير تكون لها نفس الحجية المقررة للمحاضر كما هو الشأن بالنسبة للتقارير التي يحررها أعوان المياه والغابات مثلا.

وتنص الفقرة الثانية من المادة 23 على وجوب إحالة المحاضر التي ينجزها ضباط الشرطة القضائية إلى الوكيل العام للملك أو وكيل الملك حسب الأحوال.

وبعد الإطلاع على مضمن المحضر ودراسة محتواه يتخذ وكيل الملك القرار الذي يراه ملائماً. وتنص الفقرة 4 من المادة 40 أن وكيل الملك يحيل ما يتلقاه من محاضر وشكايات ووشايات وما يتخذه من إجراءات بشأنها إلى هيئات التحقيق أو هيئات الحكم المختصة، أو يأمر بحفظها بمقرر يمكن دائماً التراجع عنه. ويستفاد من ذلك أنه يمكن لوكيل الملك أن يقرر إقامة الدعوى العمومية أو عدم إقامتها والاكتفاء بحفظ القضية.

خامسا: قرار الحفظ

لا يحد النص سلطة وكيل الملك في حفظ قضية من القضايا بأية حدود. ولذلك فإن وكيل الملك يمكنه حفظ القضية لعدة أسباب أهمها:

– الوقائع موضوع الشكاية أو الوشاية أو المحضر لا تكتسي طابعاً جرميا: إذ الأصل أنه لا جريمة ولا عقاب إلا بنص وقد تكون الأفعال المذكورة تشكل خطأ مدنيا أو خطأ تأديبياً أو لا تشكل أي خطأ بالمرة، ويكون وكيل الملك في هذه الحالة مضطراً لحفظ القضية لأنه لا يمكن أن يقيم الدعوى العمومية لعدم وجود نص يجرم الفعل.

– عدم كفاية الأدلة: فقد يكون الفعل المشتكى منه في حد ذاته فعلا مجرما بمقتضى القانون، ولكن لا توجد أية أدلة ولا حجج على ارتكابه، أو على صحة نسبته إلى المشتبه فيه، فيقدر وكيل الملك ألا فائدة من إقامة الدعوى العمومية لأنها ستشكل عبء على القضاء، وقد تضر بقرينة البراءة التي يملكها المشتبه فيه، وأن النتيجة تبدو معروفة منذ البداية إذ أن القضاء سيقرر البراءة في غياب وسائل إثبات كافية.

– عدم معرفة الفاعل: إذا تم ارتكاب فعل جرمي ولم يتم التوصل إلى معرفة مقترفه، فإن وكيل الملك يمكنه أن يلتمس إجراء تحقيق ضد مجهول إذا كانت الجنحة من النوع القابل للتحقيق. وإذا لم يتيسر معرفة مرتكب الفعل ولم تكن القضية قابلة للتحقيق، فإنه لا يمكن إقامة الدعوى العمومية ضد مجهول، ولذلك فإن وكيل الملك يكون مضطرا لحفظ القضية.

– سقوط الدعوى العمومية: يكون وكيل الملك مضطرا لحفظ القضية إذا كانت الدعوى قد سقطت بأحد أسباب السقوط، إذ لا فائدة من رفع الأمر للقضاء لتقرير نفس النتيجة وهي معروفة مسبقاً. ولذلك فإن وكيل الملك يكون مضطرا لحفظ القضية نظرا لتقادم الأفعال، أو لوفاة مرتكب الجريمة، أو بسبب صدور عفو شامل أو عفو خاص، أو سحب الشكاية إذا كانت شرطاً ضروريا للمتابعة، أو نسخ مقتضيات القانون الجنائي التي كانت تجرم الفعل، أو لسبقية صدور حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به في نفس القضية، أو إجراء صلح بين الأطراف في الحالات التي ينص فيها القانون صراحة على ذلك.

– الحصانة القضائية: كما أن وكيل الملك يتخذ قرارا بحفظ القضية في الحالات التي فيها يتوفر المشتبه فيه على حصانة قضائية تحول دون إمكانية متابعته، مثل الحصانة الممنوحة لأعضاء البعثات الديبلوماسية الأجنبية المعتمدين بالمغرب، أو الحصانة الممنوحة لأعضاء البرلمان بمقتضى الدستور.

– حالات أخرى: إن الحالات المشار إليها سابقاً مذكورة على سبيل المثال لا الحصر، إذ أن وكيل الملك قد يكون مضطرا لحفظ القضايا التي تصل بين يديه. ويتم الحفظ عادة لأسباب منها :

  • وجود مانع قانوني يحول دون المتابعة، كعدم وجود شكاية في الحالات التي تكون فيها الشكاية شرطاً واجباً لإقامة الدعوى العمومية (مثل جنح القذف الخيانة الزوجية، استعمال ناقلة بدون إذن مالكها، إهمال الأسرة…)، أو لعدم وجود إذن يكون واجباً لتحريك الدعوى العمومية مثل إذن البرلمان برفع الحصانة البرلمانية.
  • وجود مانع واقعي يحول دون المتابعة كعدم كفاية الأدلة لإثبات الجريمة.

إلا أن سلطة النيابة العامة بشأن تقدير ملاءمة المتابعة لاترتبط بإثبات الجرائم. فلا يكون وكيل الملك مجبرا على تحريك الدعوى العمومية كلما توفرت أدلة كافية للمتابعة عن فعل جرمي ولا يحول أي مانع قانوني دون إقامة الدعوى العمومية. بل إن سلطة الملاءمة المتاحة لوكيل الملك تتجلى في مثل هذه الحالة حيث يقرر بما له من سلطة تقديرية الا يجري المتابعة رغم ثبوت الفعل الجرمي وإمكانية المتابعة من أجله.

ولا يكون وكيل الملك ملزما إزاء الغير بتبرير موقفه. ذلك أن الأنظمة القضائية التقليدية اختارت بين نظامين الأول يعتمد شرعية المتابعة، حيث يتعين على السلطات المكلفة بإقامة الدعوى العمومية (النيابة العامة)، أن تعمل على إقامة الدعوى كلما وصل إلى علمها خبر ارتكاب فعل جرمي.

والثاني يعتمد تقدير ملاءمة المتابعة، فتملك السلطة المكلفة بإقامة الدعوى العمومية سلطة لتقدير مدى ملاءمة إقامة تلك الدعوى، وتقدر مدى الفائدة التي سيجنيها المجتمع من إقامة الدعوى العمومية، وقد يدخل في الحساب اعتبارات أمنية أو اجتماعية أو اقتصادية أو حتى سياسية. ولذلك فإن المشرع لا يطالب النيابة العامة بتبرير سلوكها إزاء الأغيار بمن فيهم ضحية الفعل الجرمي.

ورغم أن تعليمات وزارة العدل تحت النيابات العامة على تبرير قرارات الحفظ، فإننا نعتقد أن المقصود من ذلك هو بسط المراقبة التسلسلية على عمل أعضاء النيابة العامة وليس إعطاء تبرير لفائدة الأغيار. إذ لا فائدة من الناحية النظرية لتعليل قرار الحفظ الذي يتخذه وكيل الملك، طالما أن هذا القرار لا يقبل أي طعن سوى التظلم الإداري.

وقد جرت العادة أن تعلل النيابة العامة قرارات الحفظ وتشعر بها المشتكين. وقد أصبحت الفقرة الأخيرة من المادة 40 من ق.م.ج. تلزم النيابة العامة بإشعار المشتكي بقرار الحفظ وتنص هذه الفقرة على أنه ” يتعين على وكيل الملك إذا قرر حفظ الشكاية أن يخبر المشتكي أو دفاعه بذلك خلال 15 يوماً تبتدئ من تاريخ اتخاذه قرار الحفظ”.

وهذه الفقرة من مستجدات قانون المسطرة الجنائية وتصب في اتجاه الاهتمام بالضحية وإشعاره بقرار الحفظ المتخذ بشأن شكايته حتى يتمكن من ممارسة حقه بإقامة الدعوى العمومية عن طريق تنصيب نفسه مطالبا بالحق المدني. أو عند الاقتضاء التظلم إلى النيابة العامة التي أصدرت القرار من أجل مراجعته، سيما إذا كانت لديه معطيات أخرى تخالف الأسباب التي اعتمد عليها في قرار الحفظ أو التظلم إلى الجهة الأعلى في التسلسل الرئاسي للنيابة العامة والتي يمكنها في إطار سلطتها الرئاسية أن تأمر النيابة العامة المعنية بالعدول عن قرار الحفظ وتحريك الدعوى العمومية.

ولا يقصد بالإشعار بحفظ الشكاية الشكاية المكتوبة المقدمة إلى النيابة العامة وحدها، بل كل شكاية يتقدم بها متضرر، سواء إلى وكيل الملك مباشرة أو إلى الشرطة القضائية فيحرر بها محضر، أو يوجهها لجهة أخرى تحيلها على وكيل الملك المختص. فغاية المشرع ليست فرض إجراء شكلي، وإنما تحقيق غاية فضلى هي تحسيس المتضرر بالاهتمام بتظلمه من طرف الجهة الموكول إليها حق التقرير فيه.

سادسا: إشعار الوكيل القضائي للمملكة بالدعوى العمومية

نصت الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة من قانون المسطرة الجنائية ” إذا أقيمت الدعوى العمومية في حق قاض أو موظف عمومي أو عون أو مأمور للسلطة أو القوة العمومية فتبلغ إقامتها إلى الوكيل القضائي للمملكة”.

وخلافا لما كان منصوصاً عليه في الفصل 2 من قانون المسطرة الجنائية الملغى 167 الذي كان يعتبر الدعوى غير مقبولة بحالتها الراهنة إذا لم تبلغ إقامتها إلى الوكيل القضائي، فإن قانون المسطرة الجديد لم يرتب أي جزاء على إهمال تبليغ الوكيل القضائي بإقامة الدعوى العمومية.

ومن جهة أخرى، فإن ق. م. ج أناط مهمة إشعار الوكيل القضائي بالنيابة العامة التي يتعين عليها كذلك إشعار الإدارة التي ينتمي إليها الأشخاص المتابعون إذا كانوا قضاة أو موظفين أو أعوانا تابعين للسلطة أو للقوة العمومية (المادة 37 من ق.م.ج.). ولم يعد هذا الإجراء واجباً على المطالب بالحق المدني، حيث إنه – في حالات أخرى – يقوم به قاضي التحقيق ( المادة 95 من ق.م.ج. ) ، أو هيئة المحكمة (المادة 351 ق. م . ج ).

سابعا: تسيير ومراقبة الشرطة القضائية

لا شك أن الشرطة القضائية هي أهم أدوات العمل المسخرة للنيابة العامة لمكافحة الجريمة. ولذلك فقد عمل قانون المسطرة الجنائية على تقوية العلاقة الرابطة بين الشرطة القضائية والنيابة العامة ووضحها وحدد كثيرا من أركانها. فوكيل الملك، هو الذي يسير أعمال الشرطة القضائية في دائرة نفوذه.

وتنص الفقرة الثانية من المادة 16 من ق.م.ج. على ما يلي ” يسير وكيل الملك أعمال الشرطة القضائية في دائرة نفوذه” . كما تنص الفقرة الأولى من المادة 45 “يسير وكيل الملك في دائرة نفوذ محكمته أعمال ضباط الشرطة القضائية وأعوانها ويقوم بتنقيطهم”.

وسلطة التسيير التي يملكها وكيل الملك، مخولة أيضاً لنوابه لأنهم يستمدون سلطاتهم منه وينوبون عنه أو يمثلونه. فتنص المادة 39 من ق.م.ج. أن “وكيل الملك يمثل شخصياً أو بواسطة نوابه النيابة العامة في دائرة نفوذ المحكمة الابتدائية المعين بها”. كما أن مطلع المادة 19 من ق.م.ج. يجعل من وكيل الملك ونوابه ضباطاً سامين للشرطة القضائية. ولذلك فإن نواب وكيل الملك بوصفهم ضباطاً سامين للشرطة القضائية من جهة، وبوصفهم يمثلون النيابة العامة بدائرة نفوذ المحكمة التي يعملون بها من جهة ثانية، يخولون نفس السلطات والصلاحيات المخولة لوكيل الملك.

وإذا كان التسيير هو السلطة الفعلية في الإدارة، فإن مهام وكيل الملك في تسيير أعمال الشرطة القضائية، تشمل جميع المهام المناطة بالشرطة القضائية، حيث يحق له توجيه ضباط الشرطة القضائية في أعمالهم، وتزويدهم بتعليمات يتعين عليهم تنفيذها. كما يمكنه سحب القضية من ضابط من ضباط الشرطة القضائية وتكليف ضابط آخر بالبحث فيها. ويمكنه التدخل في جزئيات البحث وطريقة إجرائه، كما يمكنه الحلول محل ضابط الشرطة القضائية في البحث والقيام به بنفسه، ويمكنه أن يحدد وقتاً معيناً لإنجاز البحث.

غير أن المشرع اهتم بتحديد دور وكيل الملك بدقة بالنسبة لبعض المجالات ذات الحساسية الكبرى لارتباطها بحرية الإنسان أو بحرمة المنزل. وهكذا، فقد حرص المشرع على الإشارة بصراحة إلى الأمور الآتية:

1 – الحراسة النظرية :

نصت المادة 45 من ق.م.ج. أن وكيل الملك يسهر على احترام إجراءات الحراسة النظرية وأجالها ومباشرتها في الأماكن المعدة لها. ويستفاد من ذلك أن وكيل الملك مدعو لمراقبة أماكن الحراسة النظرية. وهذه المهمة أشارت إليها المادة المذكورة صراحة في الفقرة الثالثة، وجعلت من المتعين على وكيل الملك أن يقوم بزيارة أماكن الحراسة النظرية على الأقل مرة واحدة كل أسبوع، وإمكانية قيامه بزيارات أخرى متى شاء.

ويبلغ وكيل الملك إلى الوكيل العام للملك كل الإخلالات التي يقف عليها بمناسبة الزيارة ليرتب عليها الأثر القانوني المناسب، وقد يكون متابعة جنائية أو تأديبية، وقد يكون مجرد لفت نظر ضابط الشرطة القضائية إلى تلافي بعض السلبيات، وقد يتم تبليغ ذلك للإدارة التي يخضع لها الضابط من أجل تصحيح الوضعيات غير النظامية.

والمراد من زيارة أماكن الحراسة النظرية الوقوف على الظروف المادية التي تمارس فيها، والتي ينبغي ألا تتسم بأي شطط أو تعذيب أو إساءة معاملة، ورغم أن المشرع لا يحدد الوسائل المادية الواجب توفرها في هذه الأماكن فإنها ينبغي أن تجهز على الأقل بالمستوى الأدنى لظروف العيش الكريم، وأن تتم في شفافية مطلقة.

2 – مراقبة الحالة الصحية للأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية:

بالإضافة إلى المراقبة التي يقوم بها وكيل الملك للاطلاع على أحوال الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية والتأكد من وضعيتهم الصحية داخل تلك الأماكن، ومراقبة سجلات الوضع تحت الحراسة النظرية، فإنه يتعين على وكيل الملك حين يتم تقديم الشخص الذي كان موضوعاً تحت الحراسة النظرية إليه لاستنطاقه، وفقا لمقتضيات المادة 74 من قانون المسطرة الجنائية، أن يخضعه لفحص طبي، إما تلقائياً إذا عاين عليه آثاراً تبرر اللجوء إلى هذا الفحص، كظهور جروح أو كدمات على جسده مثلا.

وكذلك إذا طلب المعني بالأمر أو دفاعه الخضوع لهذا الفحص. ونعتقد أنه ليس بوسع وكيل الملك أن يرفض الأمر بإجراء هذا الفحص إذا تلقى طلبا بذلك. وبطبيعة الحال فإن الفحص الطبي مقرر للأشخاص الذين يكونون موضوعين تحت الحراسة النظرية، أو على الأقل يتم تقديمهم من طرف الشرطة القضائية بعد إخضاعهم لاستجواب. إذ لا فائدة ترجى من فحص شخص مثل أمام النيابة العامة حرا ودون أن يكون موضوعاً تحت سلطة الشرطة القضائية.

يحول الأمر بإجراء الفحص دون اتخاذ وكيل الملك للإجراءات القضائية المناسبة في القضية كالأمر بإيداع المتهم في السجن ومتابعته. ولا ينص القانون على جهة مختصة بإجراء الفحص الطبي مما يفيد أنه يمكن أن يكلف به أي طبيب ولو تعلق الأمر بطبيب السجن إذا سمحت الإمكانيات المادية والبشرية بذلك.

وإذا تعلق الأمر بحدث يقل عمره عن 18 سنة كانت تظهر عليه آثار عنف ظاهرة، أو اشتكى هو أو محاميه من وقوع عنف عليه ولو لم تظهر عليه آثار ذلك، فإنه يجب على وكيل الملك أن يحيله على طبيب لإجراء الفحص قبل القيام باستنطاقه. وتجدر الإشارة بهذا الصدد أن الأحداث لا يوضعون تحت الحراسة النظرية، وإنما يمكن الاحتفاظ بهم في أماكن خاصة لفترة لا تتجاوز فترة الحراسة النظرية.

3 – تنقيط ضباط الشرطة القضائية:

أصبح وكيل الملك مكلفا بتنقيط ضباط الشرطة القضائية وتقويم عطائهم في مجال الشرطة القضائية، ورغم أن المشرع لم يبين المقاييس المعتمدة لتنقيط ضباط الشرطة القضائية، مما قد يفسح المجال للاختلاف في تقييم أداء الضباط، فإنه من شأن هذه العملية أن تعرف بالمجهود الذي يبذله ضباط الشرطة القضائية وكذلك بالمؤهلات التي يمتلكونها.

ونعتقد أنه على المشرع أن يتناول بمقتضى نص تنظيمي كيفية تنقيط ضباط الشرطة القضائية، وأوجه استغلال هذا التقييم من طرف الإدارة التي ينتمي إليها الضباط المذكورون واعتماده في تقييم أداء الموظف المعني بالأمر وترقيته، أو إيجاد حوافز تشجيعية على أساسه.

ونظرا لأن النص لم يوضح مصير نشرات التنقيط التي ينجزها وكيل الملك، فنعتقد أنه سيكون من المسلم به أن تحال نسخاً منها على الإدارة التي يتبع لها ضابط الشرطة القضائية إداريا (مثلا الأمن الوطني أو الدرك الملكي) لمراعاتها في تقدير عطائه. كما نرى أن تحال نسخة منها على الوكيل العام للملك لوضعها بملف الضابط المفتوح له بالنيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بصفته ضابطاً للشرطة القضائية وفقا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 31 من قانون المسطرة الجنائية.

ثامناً: دور النيابة العامة في مسطرة تسليم المجرمين

من بين المهام الجديدة التي خولها قانون المسطرة الجنائية للنيابة العامة ما نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية بشأن إصدار أوامر دولية بالبحث وإلقاء القبض لضرورة تطبيق مسطرة تسليم المجرمين.

والجدير بالذكر أن المادة 726 من قانون المسطرة الجنائية وهي بصدد الحديث عن طلبات تسليم المجرمين التي توجه إلى السلطات المغربية، أوجبت أن يرفق طلب التسليم بالأصل أو بنظير إما لحكم بعقوبة قابلة للتنفيذ، وإما لأمر بإلقاء القبض، أو لكل سند إجرائي آخر قابل للتنفيذ وصادر عن سلطة قضائية وفق الكيفيات المقررة في قانون الدولة الطالبة ….

وقد وردت هذه الصيغة في عدة اتفاقيات ثنائية أبرمها المغرب مع دول أخرى من بينها اتفاقية التعاون القضائي في المواد الجنائية وتسليم المجرمين المبرمة مع جمهورية مصر العربية ، واتفاقية التعاون القضائي وتنفيذ الأحكام القضائية وتسليم المجرمين المبرمة مع فرنسا في 1957/10/5 ، واتفاقية التعاون القضائي في الميدان المدني والجنائي المبرمة مع بولونيا بتاريخ 1979/05/21 ، واتفاقية التعاون القضائي وتنفيذ الأحكام المدنية وتسليم المجرمين مع تونس في 1964/12/09.

ومن الناحية العملية فإن السلطات القضائية تصدر مذكرة بحث على الصعيد الدولي في حق المشتبه فيه الذي يكون محل بحث جنائي من أجل ارتكابه جناية أو جنحة ترجع لاختصاص القضاء الوطني، في الحالة التي يكون فيها المعني بالأمر قد اختفى عن أنظار السلطات التي تجري البحث، وتعذر عليها إيقافه.

فإذا تبين لها أنه غادر التراب الوطني، فإن السلطات المختصة تصدر أمراً دوليا بإلقاء القبض ( ويسمى أيضا مذكرة بحث دولية ) يتم نشره على الصعيد الدولي بواسطة المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الأنتربول )، التي تعمل على تعميمه على مكاتبها بأنحاء العالم قصد التنفيذ، وحين يتم إيقاف المعني بالأمر في إحدى الدول، فإنها تطالب السلطات الطالبة بموافاتها بطلب للتسليم، حيث يتم الرجوع في هذه الأحوال إلى الاتفاقيات الثنائية أو المتعددة الأطراف التي قد توجد بين الدولتين الطالبة من جهة والتي ألقت القبض على المعني بالأمر من جهة أخرى في حالة وجودها أو يتم البت في الطلب عملا بقاعدة المعاملة بالمثل.

وفي كل الأحوال فإن القرار يتخذ وفقا للشروط والشكليات التي يحددها قانون الدولة التي ألقت القبض على المعني بالأمر أي الدولة المطلوبة، في الحالة التي لا توجد فيها اتفاقية في موضوع التسليم.

تاسعاً: دور النيابة العامة في القضاء على أثر الجريمة

أعطى قانون المسطرة الجنائية للنيابة العامة دوراً جديداً الغاية منه القضاء الفوري على أثر الجريمة وإرجاع الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ارتكابها. ومن شأن التدخل الفوري للنيابة العامة أن يمنح الإحساس بفعالية العدالة، سيما إذا تعلق الأمر باعتداءات جرمية من شأنها المساس بالاستقرار العائلي أو حرمان الأشخاص من ممتلكاتهم والتعدي على حيازتهم.

ويتجلى الدور الجديد للنيابة العامة في هذا الصدد في إجراءين سريعين كانا مناطين بقضاء الحكم، ويتعلق الأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه إذا تعلق الأمر بالاعتداء على الحيازة، وبرد الأشياء المحجوزة لمن له الحق فيها.

1 – رد الأشياء المضبوطة أثناء البحث :

كثيراً ما تضع الشرطة القضائية يدها على بعض المنقولات أثناء البحث الذي تباشره، فتقوم بحجزها بوصفها أدوات اقتناع وإثبات، وأحياناً دون مبرر يذكر، كأن يلقى القبض على شخص من أجل جنحة السكر مثلا، فتحجز الدراجة التي كان يمتطيها رغم أنها لا علاقة لها بالجريمة، وأن الداعي إلى حجزها ربما كان واقعياً أكثر منه قانونيا، حيث إن توقيف الشخص يتطلب المحافظة على أملاكه لحين تسليمها له،

فإذا قررت النيابة العامة متابعته – ولا سيما إذا تم إيداعه في السجن – فإن الدراجة تحال على رئيس كتابة الضبط من بين أدوات الاقتناع دون مبرر قانوني مقبول. كما أن الشرطة القضائية تضع يدها على الأموال التي سرقت من الضحية، وقد تكون بهائم ومواشي فيتم إيداعها في مستودع دون عناية ويطالب الضحية بأداء قيمة علفها وحراستها.

وقد تكون تجهيزات منزلية يتم وضعها بالمستودعات لتأكلها الرطوبة، حتى إذا أمرت المحكمة بردها لصاحبها كانت حطاما ولحقها تلف كبير. ولذلك فإن المشرع نص في الفقرة التاسعة في المادة 40 من ق.م.ج. على إمكانية رد الأشياء التي ضبطت أثناء البحث لمن له الحق فيها من طرف وكيل الملك، وذلك في حالة توفر الشروط الآتية:

– الا توجد منازعة جدية: وقصد المشرع هنا ينصرف إلى عدم وجود منازعة مبنية على أسباب وجيهة في ملكية هذه الأشياء، أو على الأقل في حيازتها، كأن يثبت من المحاضر والأبحاث أن الأشياء التي ضبطت مع المشتبه فيه بالسرقة كانت في حيازة أو ملكية الضحية قبل سرقتها منه.

– الا تكون لازمة لسير الدعوى: فإن كانت الأشياء المحجوزة ضرورية لسير الدعوى العمومية باعتبارها أداة اقتناع لازمة لتكوين قناعة المحكمة، أو لإثبات الجريمة أو البراءة منها، فإن النيابة تمتنع عن تسليمها لصاحبها لغاية عرضها على القضاء، وقد يكون من المفيد للعدالة عرضها على خبرة قضائية لاحقا مثلا والنيابة العامة باعتبارها الطرف المدعي في الدعوى الجنائية وهي التي تتحمل عبء الإثبات، فهي المؤهلة لتقدير مدى احتياجها لتلك الأشياء لإثبات التهمة،

كما أنها بحكم تمثيلها للمجتمع، فإن مصلحة المتهم تدخل أيضاً ضمن اهتماماتها، ويتعين عليها الاحتفاظ بتلك الأشياء لعرضها على القضاء إذا كان فيها دليل لبراءة المتهم. علماً أنه في حالة تسليم الأشياء لصاحب الحق فيها، فإن المحكمة يمكنها أن تكون قناعتها بناء على المحاضر التي تثبت معاينة المحجوز ووصفه.

– عدم خطورة الأشياء: والخطورة شيء نسبي، فأدوات المطبخ كالمدي والسكاكين يمكن أن تكون خطيرة، ولكن إرادة المشرع كانت تعني أن الأشياء الموضوعة تحت يد العدالة تشكل خطورة غير عادية، وأن يكون صاحبها الحقيقي الذي يطالب باسترجاعها غير مؤهل لحيازتها دون أن تشكل خطورة عليه أو على الغير ، وأما إذا كان مؤهلا لذلك، كسرقة متفجرات من مستودع نظامي للأسلحة، فإن هذه الأسلحة رغم خطورتها فإن المستودع مؤهل للمحافظة عليها بحكم تخصصه.

ولذلك فإن النيابة العامة ينبغي أن تراعي هذا النوع من الخطورة حين تقريرها في موضوع رد المحجوزات التي تتبين خطورتها، سيما وأن الاحتفاظ بها من لدن القضاء يشكل بدوره خطراً في غياب مختصين وأماكن معدة للاحتفاظ بمثل هذه الأشياء.

– ألا تكون الأشياء قابلة للمصادرة: فإذا كان القانون ينص على قابليتها للمصادرة إما على سبيل الوجوب أو حتى على سبيل الاختيار، فلا مجال لردها لصاحب الحق فيها، إذ في هذه الحالة قد يتعذر استردادها لتنفيذ الحكم الذي قد يصدر بمصادرتها.

2 – إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في حالة الاعتداء على الحيازة :

نصت الفقرة الثامنة من المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية أنه يجوز لوكيل الملك أن يأمر باتخاذ أي إجراء تحفظي يراه ملائما لحماية الحيازة وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه إذا تعلق الأمر بانتزاع الحيازة بعد تنفيذ حكم. ويتطلب الأمر في هذه الحالة توفر الشروط التالية:

– أن ترتكب جريمة انتزاع حيازة عقار أو منقول. وأن يتم انتزاع الحيازة بعدما يكون الشخص الذي انتزع العقار أو المنقول من يده قد حصل على تلك الحيازة بناء على حكم قضائي سبق تنفيذه. وقد كان قصد المشرع من إقرار هذا الشرط، عدم الزج بالنيابة العامة في متاهة التقرير في موضوع الحيازة الذي هو سلطة لقضاء الحكم.

وكانت إرادته متجهة إلى حماية الحيازة الواضحة التي لا لبس فيها، لأن القضاء المختص هو الذي قرر ذلك ونفذ حكمه، وأن المتهم قام بانتزاع الحيازة أو سلبها بعد ذلك، ولذلك فلا جدوى من تركه ينعم بحيازة سبق للقضاء أن جرده منها، وبالتالي حرمان الحائز الشرعي منها وهو الذي تسلم تلك الحيازة بمقتضى حكم قضائي نفذته السلطات المختصة بالتنفيذ.

– أن يعرض مقرر النيابة العامة القاضي بالإجراء التحفظي أو بإرجاع الحالة على المحكمة التي ستنظر في الدعوى العمومية أو هيئة التحقيق التي ستتولى التحقيق فيها، داخل ثلاثة أيام على الأكثر، لتقرر بشأن تأييده أو إلغائه أو تعديله، ويتعلق الأمر في الحقيقة بإجراء مؤقت تقوم به النيابة العامة لحماية الحيازة في حالات يكون فيها الاعتداء على تلك الحيازة واضحا.

ولكن النيابة العامة مطالبة بعرض مقررها على الجهة القضائية المختصة بالنظر في القضية، فقد تكون هذه الجهة هي المحكمة، إذا قررت النيابة العامة متابعة المشتبه فيه بالاعتداء على الحيازة، وقد يكون الملف قد أحيل على المحكمة، وفي هذه الحالة فإن إحالة الشق المتعلق بإرجاع الحالة لا ينبغي أن ينتظر بت المحكمة في جوهر النزاع، سيما إذا كانت النيابة العامة قد عينت للقضية جلسة بعيدة التاريخ، بل ينبغي أن تلتمس النيابة العامة من المحكمة البت في هذا الشق.

وقد تكون الإحالة تمت في إطار المسطرة الفورية المنصوص عليها في المادة 74 من ق.م.ج.، وهنا يتعين على المحكمة أن تبت في هذا الشق حتى ولو قررت تأخير النظر في الملف.

وقد تكون النيابة العامة قد أخرت إحالة الملف لأسباب تتعلق بعدم إتمام البحث مثلا، أو لكون الشخص الذي انتزع الحيازة يوجد في حالة فرار. وفي هذه الحالة يمكن للنيابة العامة إذا توفرت شروط إرجاع الحالة أن تأمر بها وتحيل الأمر المذكور – مع نسخة من المحاضر – على هيئة المحكمة التي من المقرر أن ترفع إليها الدعوى العمومية بعد إتمام الأبحاث أو بعد إلقاء القبض على المعني بالأمر مثلا.

وقد تتم إحالة الملف على قاضي التحقيق أو يكون من المفترض أن يحال عليه. وفي هذه الحالة فإن أمر النيابة العامة بإرجاع الحالة يتعين أن يعرض على القاضي المذكور خلال نفس الأجل.

ولا تبت المحكمة أو قاضي التحقيق في موضوع الحيازة نفسها، وإنما في تأييد أو تعديل أو إلغاء أمر النيابة العامة باتخاذ الإجراء التحفظي الرامي إلى حماية الحيازة أو بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل الاعتداء، لأنه لا يمكن للمحكمة أو قاضي التحقيق أن يبت في موضوع الحيازة نفسها إلا بعد انتهاء مناقشة القضية وإصدارها الحكم في الدعوى العمومية عملا بالقاعدة المقررة في المادة 10 من قانون المسطرة الجنائية والتي تقضي بأن الجنائي يوقف المدني ويعقله.

ولذلك فإن مقرر المحكمة أو مقرر قاضي التحقيق يعتبر في نهاية المطاف مجرد مراقبة قضائية لشرعية الأمر المتخذ من طرف وكيل الملك، حيث يمكن للمحكمة أن تقرر إلغاء ذلك الأمر إذا تبين لها أن الحكم المستند عليه في ثبوت الحيازة لم ينفذ بعد مثلا.

ولذلك فإنه حتى إذا كانت المحكمة قد وافقت على أمر وكيل الملك وأصدرت مقررها بتأييده، فإنه إذا تبين لها عدم وجود انتزاع للحيازة بعد مناقشتها للقضية فإنها يمكن أن تقرر براءة المتهم من التهمة المنسوبة إليه، وتبت في موضوع الدعوى المدنية التابعة التي قد تكون قدمت إليها في موضوع حيازة العقار نفسه.

وبديهي أن أمر وكيل الملك يقبل التنفيذ الفوري، ويمكنه أن يطلب تنفيذه بواسطة القوة العمومية فور صدوره وقبل إحالة الموضوع على هيئة الحكم أو هيئة التحقيق. ولكننا نعتقد أنه يتعين على وكيل الملك أن يسعى – كلما كان ذلك ممكنا إلى استقراء رأي هيئة الحكم أو هيئة التحقيق بشأن الأمر الصادر عنه بإرجاع الحالة قبل تنفيذه، فيعمل على عرض الأمر عليها فور صدوره عنه وقبل تنفيذه.

عاشراً: سحب الجوازات وإغلاق الحدود

نصت المادة 40 الفقرتان 11 و 12 من ق.م.ج. أنه يحق لوكيل الملك إغلاق الحدود وسحب جواز سفر المشتبه فيه وفقاً للشروط الآتية:

– أن يتعلق الأمر بالبحث في جنحة يعاقب عليها القانون بسنتين حبساً أو أكثر.

– أن تقتضي ضرورة البحث التمهيدي اتخاذ هذا القرار. وهذا أمر يدخل في نطاق للسلطة التقديرية لوكيل الملك. ولا يقصد بالبحث التمهيدي استثناء البحث في حالة التلبس، وإنما يراد به البحث الذي تقوم به النيابة العامة أو الشرطة القضائية للتحقق من وقوع جريمة.

– و ألا تتجاوز مدة السحب والإغلاق شهراً واحداً. و يمكن تمديد الأجل إلى غاية انتهاء البحث التمهيدي إذا كان الشخص المعني بالأمر هو المتسبب في تأخير إتمامه. وهذه أيضاً مسألة موضوعية ترجع لتقدير النيابة العامة، كما لو كان المعني بالأمر يتلكأ في الاستجابة لاستدعاءات الشرطة القضائية أو يتم التأخير بناء طلبه حيث يكون محتاجاً لبعض الوقت للحصول على بعض وثائق الإثبات مثلا.

– يتعين على النيابة العامة أن تنهي إجرائي إغلاق الحدود وسحب الجواز بمجرد انتهاء البحث، وعلى الأكثر بعد نهاية اليوم الثلاثين، ما لم يتعلق الأمر بتمديد الإجراء في الحالة المشار إليها سابقا.

– يتعين على النيابة العامة إنهاء الإجراءين بمجرد إحالة القضية على قاضي التحقيق أو على المحكمة، أو إذا قررت حفظ القضية.

– يتطلب إنهاء الإجراءين إعادة جواز السفر لصاحبه ومطالبة السلطات المختصة، بفتح الحدود في وجهه.

وبالنظر لكون الأمر يتعلق بالحد من حرية يضمنها الدستور هي حرية التجول ، فإن النيابة العامة مطالبة بالحرص على التطبيق السليم لإجراءي إغلاق الحدود وسحب جواز السفر، وعدم الأمر بهما إلا إذا كانت ضرورة إنجاز البحث التمهيدي تتطلب ذلك.

وعلى الرغم من كون القانون يجعل الإجراءين متلازمين بنصه على الأمر بسحب جواز سفر المعني بالأمر وإغلاق الحدود في حقه في نفس الوقت، إلا أن تعذر الأمر بأحدهما لا يحول دون الأمر بالآخر، فإذا تعذر سحب جواز سفر المعني بالأمر لأنه لا يتوفر عليه مثلا أو أضاعه، فإن وكيل الملك يأمر بإغلاق الحدود عنه.

وإذا تبين أن المشتبه فيه له أكثر من جواز سفر، كأن يكون مزدوج الجنسية ويحمل جوازي سفر لدولتين مختلفتين فإن التدبير يطال الجوازين معا.

حادي عشر: مسطرة الصلح

تقضي المادة 41 من ق.م.ج. بإمكانية إجراء صلح على يد وكيل الملك قبل إقامة الدعوى العمومية، كلما تعلق الأمر بجنحة من الجنح المعاقب عليها بسنتين حبساً أو أقل أو بغرامة مالية لا يتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم. ورغم أن النص لا يشير للحالة التي تكون فيها الجنحة معاقبا عليها بالحبس والغرامة معاً في حديهما المذكورين، فنرى أنها تكون قابلة لتطبيق مسطرة الصلح.

ثاني عشر: السند القابل للتنفيذ في المخالفات

إذا كان الأمر يتعلق بمخالفة يعاقب عليها القانون بغرامة فقط، وتكون مثبتة بمقتضى محضر أو تقرير، ولا يظهر فيها متضرر أو ضحية، فإنه يجوز لوكيل الملك أن يعدل عن الطريقة العادية لإقامة الدعوى العمومية (الاستدعاء) إلى مسطرة جديدة تدعى “السند القابل للتنفيذ”.

والسند القابل للتنفيذ هو عبارة عن اقتراح مكتوب توجهه النيابة العامة إلى المخالف وإلى المسؤول المدني – إن وجد لأداء غرامة جزافية توازي نصف الحد الأقصى المقرر للغرامة المنصوص عليه في القانون. فإذا وافق المعني بالأمر صراحة أو ضمنا على المقترح الذي يتضمنه السند القابل للتنفيذ، أصبح هذا السند قابلا للتنفيذ بالطرق الجبرية لتنفيذ الأحكام. وفي حالة التعبير عن رفضه صراحة ترفع القضية إلى المحكمة ليبت فيها قاضي الحكم في جلسة علنية.

ثالث عشر: الأمر القضائي في الجنح

إذا كان الأمر يتعلق بجنحة لا يعاقب عليها القانون سوى بغرامة فقط، وكان المبلغ المحدد قانونا لتلك الغرامة لا يتجاوز خمسة آلاف درهم، وكانت الجنحة ثابتة بمقتضى محضر أو تقرير، ولا يظهر فيها متضرر، فإن وكيل الملك يمكنه ألا يلجأ إلى الطريقة العادية لإقامة الدعوى العمومية بالاستدعاء أو بالتقديم الفوري للجلسة، وإنما يمكنه أن يسلك في إقامة الدعوى طريقة مبسطة تتلخص كما يلي:

– يقدم وكيل الملك بملتمس كتابي يلتمس فيه من القاضي الحكم على المتهم بالغرامة. ويصدر القاضي أمراً قضائياً في غيبة الأطراف ودون استدعاء، بناء على ملتمس النيابة العامة ووثائق الإثبات المقدمة إليه ومن بينها المحضر أو التقرير الذي أنجزته الشرطة القضائية. ولا يمكن أن يتجاوز مبلغ الغرامة المحكوم بها في هذه الحالة نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا للجنحة

– يتضمن الأمر القضائي الحكم بالمصاريف القضائية. وتحدد المادة 50 من القانون 23.86 المبلغ الجزافي الواجب أداؤه إذا تعلق الأمر بالمتابعة من أجل جنحة أمام المحكمة الابتدائية في مائة درهم، بالإضافة لما قد يحكم به من مصاريف أخرى تستلزمها إجراءات الدعوى. ويمكن أن يتضمن الأمر القضائي كذلك الحكم بعقوبات إضافية إذا قررها القانون ورد ما يلزم رده.

– و يبلغ الأمر القضائي للمتهم وللمسؤول عن الحق المدني عند الاقتضاء وفقا للكيفيات المنصوص عليها في الفصول من 37 إلى 39 من قانون المسطرة المدنية 202، ويتعلق الأمر بالكيفيات الآتية : الاستدعاء بواسطة أعوان كتابة الضبط، الاستدعاء بواسطة المفوضين القضائيين؛ الاستدعاء بواسطة البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل، الاستدعاء بالطريقة الإدارية.

– يقبل الأمر القضائي التعرض أمام نفس المحكمة التي أصدرته. و يصرح بالتعرض داخل أجل عشرة أيام من تاريخ التبليغ. وفي حالة التعرض يصبح الأمر القضائي المتعرض عليه كأن لم يكن. و تبت المحكمة الابتدائية في التعرض بقاض منفرد وبحضور ممثل النيابة العامة ومساعدة كاتب الضبط. ويتم النظر في القضية والبت فيها وفقا للقواعد العادية للمسطرة الحضورية. ويقبل الحكم الصادر عن المحكمة بعد التعرض الاستئناف.

رابع عشر : إيقاف سير الدعوى العمومية

إيقاف سير الدعوى العمومية هو القرار الذي تتخذه هيئة الحكم التي تنظر في الدعوى العمومية، بناء على ملتمس من وكيل الملك، وتقرر بمقتضاء إيقاف النظر في الخصومة الجنائية وسحب الملف من الجلسة والاحتفاظ به ضمن محفوظات المحكمة إلى أن تسقط الدعوى العمومية بالتقادم أو بسبب آخر.

والنيابة العامة وحدها يمكنها أن تلتمس إيقاف سير الدعوىالعمومية ولو كانت قد تمت إقامتها من طرف المتضرر أو من طرف جهة أخرى. ويشترط لطلب إيقاف سير الدعوى ما يلي:

– أن تكون الدعوى العمومية مقامة من أجل جريمة من الجرائم التي تجوز فيها مسطرة الصلح المنصوص عليها في المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية، وهي الجرائم التي يعاقب عليها القانون بسنتين حبساً أو أقل، أو بغرامة لا يتجاوز حدها الأقصى خمسة آلاف درهم. ورغم أن المشرع لم ينص على الجرائم التي يحكم فيها بالحبس والغرامة معا، فإننا نعتقد أن ذلك تحصيل حاصل، وأن هذه الجرائم أيضاً قابلة للصلح، وتعتبر سندا لالتماس إيقاف سير الدعوى.

– أن يتنازل الطرف المتضرر من الجريمة عن شكايته. ويتعلق الأمر هنا بالتنازل عن الشكاية في الوقت الذي لا تكون فيه الشكاية واجبة لإقامة الدعوى العمومية، لأن الشكاية إذا كانت شرطا لازما للمتابعة، فإن التنازل عنها يؤدي إلى الحكم بسقوط الدعوى العمومية إعمالا لمقتضيات المادة الرابعة من قانون المسطرة الجنائية.

– ألا تكون الدعوى العمومية قد تم البت فيها بحكم نهائي. ولم يتحدث المشرع هنا عن حكم حائز لقوة الشيء المقضي به والمقصود هو الوصف القانوني للحكم، ولذلك فإنه يمكن إيقاف سير الدعوى حتى في المرحلة الاستئنافية قبل صدور حكم محكمة الاستئناف الذي يعتبر نهائياً.

– يمكن مواصلة النظر في الدعوى العمومية إذا ظهرت عناصر جديدة تمس الدعوى العمومية نفسها، كأن تتفاقم حالة الضحية وتتحول إصابته إلى عاهة دائمة بدلا من العجز الذي أقيمت على أساسه الدعوى العمومية، والمتمثل في عجز يقل عن عشرين يوما من التوقف عن العمل. ففي هذه الحالة الأخيرة تكون المتابعة مقامة على أساس الفصل 400 من القانون الجنائي.

– لا يمكن مواصلة الدعوى العمومية إذا كانت قد سقطت بالتقادم أو بسبب آخر من أسباب السقوط المنصوص عليها في المادة 4 من قانون المسطرة الجنائية، وهي موت الشخص المتابع والعفو الشامل ونسخ مقتضيات القانون الجنائي التي تجرم الفعل وصدور حكم سابق اكتسب قوة الشيئ المقضي به، والصلح إذا كان القانون يعتبره مسقطاً للدعوى بنص صريح، وكذلك بسحب الشكاية إذا كانت سبباً واجباً للمتابعة.

– وأخيرا فإن المحكمة مطالبة – في حالة إيقاف سير الدعوى – بالإفراج عن المتهم أو بوضع حد للمراقبة القضائية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى