إذا كان المشرع المغربي لم يعرف الحراسة النظرية، فإنه يمكن أن نعرفها بأنها توقيف الشخص وإبقاؤه رهن إشارة ضابط الشرطة وتحت نظره في مركز عمله خلال مدة يحددها القانون.
أولا – الحراسة النظرية في حالة التلبس بالجريمة :
تناول المشرع في المواد 66 وما يليها من ق م ج أهم وأخطر الصلاحيات والسلطات المخولة لضابط الشرطة القضائية أثناء البحث، ويتعلق الأمر بسلطة الوضع تحت الحراسة النظرية. ونظرا لمساسها بحرية الفرد وحقوقه الشخصية فقد أحاطها بعدة شروط وأحكام صارمة.
1) شروط الوضع تحت الحراسة النظرية :
نظرا لخطورة الوضع تحت الحراسة النظرية ولعلاقته بالحرية الشخصية للأفراد فإن المشرع، وإن ترك صلاحية تقريره لضابط الشرطة القضائية إلا أنه جعل ذلك رهينا بحاجيات البحث وهذا ما أكدته المادة 66 من ق.م.ج. ولذلك فلا يحق لضابط الشرطة القضائية أن يحتفظ بأي شخص تحت الحراسة النظرية إلا إذا استوجبت واستلزمت ذلك ضرورة إجراءات البحث الذي يقوم به.
ولم يحدد القانون حدود ضرورة البحث، ولكن العمل جرى على أن يتم اللجوء إلى الوضع تحت الحراسة النظرية للحد من خطورة المجرم أو الحيلولة دون فراره أو خوفا من تأثيره على سير البحث أو حماية للأدلة أو البراهين المستدل منها على الجريمة التي يخشى أن يقوم بإخفاء معالمها أو يغيرها ….
ولكن لا بد من الإقرار بأن تقدير حاجيات البحث ومتطلباته أمر موكول إلى ضابط الشرطة القضائية ويرجع إلى ضميره وشرفه، وما يتمتع به من حس مهني يمكنه من الموازنة بين ضرورات البحث لفائدة العدالة وبين المحافظة على حريات الأفراد وحقوقهم، بحيث يعرف متى يلجأ إلى تدبير الحراسة النظرية ومتى لا يلجأ إليه خاصة وأن الوضع تحت الحراسة أحيانا قد يلحق الأذى بالأبرياء ويسئ إلى سمعتهم وكرامتهم فيصبحوا مدانين من طرف المجتمع قبل أن تقول العدالة كلمتها في حقهم،
بل إنه قد يضر بسير البحث في بعض الأحيان، لأنه يقلص مدته إلى ساعات محددة، يصبح فيها ضابط الشرطة القضائية يسابق في بحثه عن أدلة الجريمة، عقارب الساعة التي لا تتوقف، مما قد يؤدي به تحت وطأة عامل الوقت، إلى اهمال القيام ببعض الأبحاث أو إنجاز بعض الإجراءات التي تكون سائحة لإظهار الحقيقة، وبالتالي تتأثر مهمة العدالة.
ولا يقل دور النيابة العامة أهمية في هذا الصدد، لأنها بحكم تسييرها لمهام الشرطة القضائية يمكنها أن تتدخل لتصحيح كل وضع يظهر لها غير مناسب، وذلك بمراجعة قرار الضابط ووضع حد للحراسة النظرية إذا رأت عدم جدواها أو قدرت ضعف أهميتها، أو تأمر بوضع شخص تحت الحراسة إذا تبين لها ملاءمة ذلك.
ولعل خطورة هذا الإجراء من أهم الأسباب التي دفعت عدة تشريعات إلى سن ترسانة من النصوص القانونية لتنظيمه تنظيما محكما يوازن بين الحق في الوصول إلى الحقيقة، وحق المواطن في عدم المساس بحريته والعبث بها. ولهذا السبب حدد المشرع مدة الحراسة النظرية بالساعات، وأناط بالنيابة العامة ضرورة مراقبة تطبيقها والسهر على ممارستها في ظروف إنسانية وعاقب على كل تجاوز في مدتها.
وتجدر الإشارة إلى أنه إلى جانب ما اشترطته المادة 66 من ق.م. ج. بشأن اقتضاء حاجيات البحث وضع شخص تحت الحراسة النظرية، فإن القانون تطلب شرطاً آخر بشأن نوع الجريمة موضوع البحث التي ينبغي أن تكون جناية أو على الأقل جنحة يعاقب عليها بالحبس ( المادة 70 من ق.م.ج.). وهذا أمر طبيعي على اعتبار أن القانون إذا كان لا يقرر للجريمة عقوبة الحرمان من الحرية، فمن غير المعقول حرمان المشتبه فيه من هذه الحرية لمجرد إجراء البحث بشأنها.
ولا يشترط القانون المغربي للوضع تحت الحراسة النظرية وجود أدلة أو قرائن قوية على ارتكاب أو محاولة ارتكاب الجريمة موضوع البحث، كما هو الشأن بالنسبة لبعض التشريعات المقارنة كالمادة 63 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي مثلا التي اشترطت لإمكانية الوضع تحت الحراسة النظرية أن تقتضي ذلك ضرورة البحث، وأن تتوفر في حق الشخص إمارات من شأنها أن تدفع إلى الاعتقاد بضلوعه في ارتكاب الجريمة.
ومدة الحراسة النظرية محددة بالساعات، ويبدأ في عدها منذ اللحظة التي يقرر فيها ضابط الشرطة القضائية توقيف الشخص المعني بالأمر ووضعه رهن إشارته تحت الحراسة النظرية. وقد صرحت محكمة النقض الفرنسية أنه ينبغي وضع الشخص تحت الحراسة النظرية، والشروع في احتساب مدتها، منذ اللحظة التي يصبح فيها مكرها على البقاء رهن إشارة ضابط الشرطة القضائية ويحرم فيها من حريته في الذهاب والإياب.
2) مدة الحراسة النظرية :
تختلف مدة الحراسة تبعا لنوع الجريمة موضوع البحث إلى ثلاث فئات:
– عامة الجرائم باستثناء الجريمة الإرهابية وأمن الدولة وتكون مدة الحراسة النظرية بشأنها 48 ساعة، تقبل التمديد مرة واحدة لمدة 24 ساعة أي لمدة إجمالية قدرها 72 ساعة ( 48 س + 24 س).
– جريمة المس بأمن الدولة الداخلي والخارجي ومدة الحراسة النظرية المقررة لها هي 96 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة لمدة مماثلة أي لمدة قصوى قدرها 192 ساعة، ( 96 س + 96 س).
– الجريمة الإرهابية. وقد حددت مدة الحراسة النظرية بشأنها في مدة 96 ساعة قابلة للتمديد مرتين لمدة 96 ساعة في كل مرة أي لمدة إجمالية لا تتجاوز 288 ساعة ، ( 96 س + 96 س + 96 س).
ويتعين على ضابط الشرطة القضائية حين يضع شخصاً تحت الحراسة النظرية أن يشعر النيابة العامة (الفقرة الأولى من المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية )، وأن يوجه إليها لائحة اسمية بالأشخاص الذين تم وضعهم تحت الحراسة النظرية خلال الأربع وعشرين ساعة السابقة (الفقرة 3 من المادة 67 من ق.م.ج.).
وبديهي أن الإشعار المنصوص عليه في المادة 66 من ق. م. ج. ينبغي أن يتم بالنسبة لكل حالة على حدة، فور اتخاذ القرار بوضع الشخص تحت الحراسة النظرية، أو في أقرب وقت ممكن. وأما اللائحة المشار إليها في المادة 67 من ق.م.ج. فتشمل كافة الأشخاص الذين تم وضعهم تحت الحراسة النظرية خلال الأربع وعشرين ساعة السابقة.ويبدو من صياغة النص أن الأمر تعلق في الحالة الأخيرة بإرسال قائمة مكتوبة إلى النيابة العامة.
بينما لم توضح المادة 66 من ق.م.ج. كيفية إشعار النيابة العامة بوضع شخص تحت الحراسة النظرية الشيء الذي يؤدي إلى اعتبار الإشعار بأي شكل كان كتابة أو شفهياً، وكيفما كانت الوسيلة المستعملة لذلك، سواء مراسلة أو رسالة فاكس أو إخبارا هاتفياً أو مباشراً.
ونرى أنه ينبغي اعتماد أسرع الوسائل في الإخبار حتى تكون النيابة العامة على علم بالإجراء في أقرب وقت من اتخاذه. ويمكن للنيابة العامة في إطار سلطتها على الشرطة القضائية أن تحدد بمقتضى مذكرات مصلحية الطريقة والشكل الذي يتم به الإشعار.
3) إشعار عائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية :
يتعين كذلك على ضابط الشرطة القضائية أن يشعر عائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية، فور وضعه تحت الحراسة. ويتم الإشعار بأي وسيلة من الوسائل سواء بالهاتف أو مشافهة أو كتابة أو بواسطة عون للقوة العمومية. وينبغي أن يشير المحضر إلى ذلك، وفي رأينا أن المحضر ينبغي أن يتضمن كل ما يتعلق بالإشعار ولا سيما اسم الشخص الذي تم إشعاره والكيفية التي أشعر بها والمكان والزمان اللذين وقع فيهما الإشعار.
ولم يحدد النص الجزاء المترتب عن عدم احترام ضابط الشرطة القضائية لهذا الإجراء، غير أن الفقه والقضاء يجمعان على أنه إجراء إداري فقط، وبالتالي لا يترتب عن عدم إنجازه من طرف الضابط، بطلان إجراءات المسطرة المصاحبة للوضع تحت الحراسة النظرية أو المترتبة عنه. ولكن يمكن أن تترتب عنه المسؤولية التأديبية للضابط، وقد أصدر المجلس الأعلى سابقا عدة قرارات في هذا الموضوع منها: ” إن عدم إخبار ضابط الشرطة القضائية لعائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة لا يؤثر على سلامة المسطرة مادام القانون لم يرتب البطلان علىذلك صراحة”.
4) تمديد الحراسة النظرية :
تكون مدة الحراسة النظرية الأصلية قابلة للتمديد كما رأينا بمقتضى إذن كتابي من النيابة العامة كلما اقتضت ذلك ضرورة البحث. وهذا يعني أن النيابة العامة هي التي تملك السلطة التقديرية المطلقة لتقييم وتقدير مسألة ضرورة ومتطلبات البحث وحاجته إلى تمديد مدة الحراسة النظرية، ولا يملك الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية أي وسيلة للتظلم من قرار النيابة العامة بتمديد مدة الحراسة النظرية في حقه.كما لا يملك ضابط الشرطة القضائية أية وسيلة للتظلم من رفض النيابة العامة تمديد الحراسة النظرية.
وهذا أمر منطقي لأن الضابط لا يمكنه أن يتظلم من قرار تتخذه الجهة المسؤولة أساساً على تسيير البحث، لأنه يعمل تحت إمرتها وينفذ تعليماتها ليس إلا. ومن جهة أخرى فإنه مادام الأمر يتعلق بحالة التلبس فإن القانون لم يجعل تقديم الشخص المعني بالأمر أمام النيابة العامة واجباً من أجل تمديد مدة الحراسة النظرية بالنسبة له.
غير أنه يمكن للنيابة العامة بما لها من سلطة في تسيير أعمال الشرطة القضائية أن تطلب من ضابط الشرطة القضائية إحضار الشخص أمامها من أجل الموافقة على تمديد الحراسة النظرية بالنسبة إليه.وليس ضرورياً أن تمدد النيابة العامة الحراسة النظرية طيلة المدة المسموح بها قانوناً، وإنما للفترة الكافية لإنجاز الأبحاث التي يراد إنجازها، على ألا يتجاوز الأمر المدة القصوى المسموح بها قانونا.
فإذا كان التمديد بالنسبة للجرائم العادية لا يمكن أن يتجاوز 24 ساعة، فإن النيابة العامة يمكن أن تمدد الحراسة النظرية فقط لمدة ساعة أو ساعتين مثلا، وفي كل الأحوال لا يمكن أن يتجاوز التمديد 24 ساعة المسموح بها قانونا.كما أنه إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية يمكن أن يؤذن بالتمديد لمدة 96 ساعة مرة واحدة فقط أو لجزء منها أو يمنح التمديد الأول بكامله (96 ساعة) ولا يمنح من التمديد الثاني سوى ساعات فقط، فالأمر يتعلق بحرية الأشخاص وينبغي أخذها بعين الاعتبار في التعامل مع قرار الحراسة النظرية أو مع قرار تمديدها واستعمالها بالمقدار اللازم لضرورة البحث.
ويلاحظ أن المادة 66 من ق.م.ج. اشترطت إذنا كتابيا من النيابة العامة لتمديد فترة الحراسة النظرية في حالتي الجريمة العادية والجريمة الإرهابية، ولكنها لم تشترط كتابة الإذن بالنسبة لتمديد الحراسة النظرية المتعلقة بجريمة المس بسلامة الدولة واكتفت بالنص على أن التمديد يكون بناء على إذن من النيابة العامة. ونعتقد أن الأمر يتعين تفسيره على نفس الأساس والقول بأن تمديد الحراسة النظرية يتم دائما بقرار مكتوب من طرف النيابة العامة.
ثانيا – الحراسة النظرية في البحث التمهيدي :
لا تختلف أحكام الوضع تحت الحراسة النظرية بين البحث التمهيدي والبحث في حالة تلبس إلا في بعض الجزئيات، ولكنها جزئيات هامة ومؤثرة.
1) إذن النيابة العامة :
بالنسبة للبحث التمهيدي لا يمكن وضع الشخص تحت الحراسة النظرية، إلا بعد الحصول على موافقة النيابة العامة مسبقاً على ذلك. بينما يمكن لضابط الشرطة القضائية إذا كان يجري بحثا في حالة تلبس أن يضع الشخص تحت الحراسة النظرية دون استئذان النيابة العامة مسبقاً، ولكن عليه إشعارها بعد ذلك.
ورغم أنه يمكن للنيابة العامة بما لها من سلطة تسيير أن تأمر بوضع حد للوضع تحت الحراسة النظرية في حالة التلبس فإن الوضع الذي يقوم به ضابط الشرطة في هذه الحالة دون إذنها يكون قانونياً ومنتجا لكل آثاره.
وأما إذا تعلق الأمر ببحث تمهيدي فإن إذن النيابة العامة مسبقاً بالوضع تحت الحراسة النظرية يعتبر شرطاً ضروريا، فإذا تم وضع شخص تحت الحراسة النظرية دون الإذن المسبق للنيابة العامة، وكان الأمر يتعلق ببحث تمهيدي – لا بحالة تلبس – فإن ذلك الوضع يعتبر خرقا للقانون، ويترتب عنه اعتبار الإجراءات المنجزة في تلك الفترة أو الناتجة عنها كان لم تكن، وفقاً للمادة 751 من المسطرة الجنائية. كما يعتبر الوضع الذي يتم خرقا للقانون بمثابة اعتقال تحكمي يعاقب عليه القانون الجنائي بعقوبة جنائية هي التجريد من الحقوق الوطنية (الفصول 225 و 226 و 227 و 228 من القانون الجنائي) .
وإذا كان الإذن المسبق للنيابة العامة هو الخاصية الأولى التي تميز الوضع تحت الحراسة النظرية في حالة البحث التمهيدي عنه في حالة التلبس، فإن المشرع لم يحدد كيفية منح هذا الإذن. ولذلك فإن هذا الإذن يمكن أن يكون شفويا أو مكتوباً. وإذا كان شفوياً، فإن المحضر ينبغي أن يبين ذلك حتى تتمكن المحكمة من بسط مراقبتها على سلامة الإجراءات،
وفي رأينا أنه تجب الإشارة دائماً في المحضر إلى إذن النيابة العامة بالوضع تحت الحراسة النظرية سواء كان الإذن كتابيا أو بوسيلة أخرى لا تترك أثرا كتابيا، لأن المحضر في الأصل هو مرأة تعكس كل الإجراءات التي ينجزها ضابط الشرطة القضائية، أو يعلم بها، أو يامر بالقيام بها، وحصوله على إذن بوضع شخص من الأشخاص تحت الحراسة النظرية هو إجراء من الإجراءات التي قام بها الضابط، ويتعين لذلك تدوينه بالمحضر .
2) تمديد الحراسة النظرية :
تتجلى الجزئية الثانية التي تميز موضوع الوضع تحت الحراسة النظرية بالنسبة للبحث التمهيدي عنه في حالة التلبس في اشتراط إجراءات خاصة بمناسبة تمديد فترة الحراسة النظرية حيث تشترط المادة 80 من ق.م.ج. أن يتم تقديم الشخص الذي كان موضوعاً تحت الحراسة النظرية إلى النيابة العامة قبل انتهاء المدة الأصلية للحراسة.
وإذا تعلق الأمر بطلب تمديد الحراسة النظرية، فإن قاضي النيابة العامة يتعين أن يستمع إليه قبل أن يقرر منح إذن مكتوب بتمديد الحراسة النظرية. وإذا لم يتيسر تقديم الشخص إلى النيابة العامة ساعة طلب تمديد مدة الحراسة النظرية، وارتأت النيابة العامة الموافقة على تمديدها، فإن مقررها ينبغي أن يتضمن تعليلا لأسباب عدم تقديم الشخص.
ومن بين الأسباب الوجيهة التي قد تحول دون تقديم الشخص إلى النيابة العامة لحظة طلب تمديد الحراسة النظرية، أن يتم نقله في تلك الأونة للتعرف على مسرح الجريمة أو للقيام بتشخيص وقائعها مثلا، أو لوجوده بالمستشفى أو نظراً لبعد المسافة التي قد تستغرق ساعات ذهاباً وإيابا ستخصم حتما من مدة الحراسة النظرية مما يؤدي إلى تقليص المدة الحقيقية للبحث.
ومهما كانت الأسباب فإن النيابة العامة ملزمة بتوضيحها كتابة وتعليل موقفها بشأن الإذن بتمديد الحراسة النظرية في حالة البحث التمهيدي دون إحضار الشخص المطلوب تمديد الحراسة النظرية في حقه أمامها.
3) باقي شروط وشكليات الحراسة النظرية :
أما باقي الشروط والإجراءات المتعلقة بالوضع تحت الحراسة النظرية فإنها واحدة سواء تعلق الأمر بالبحث التمهيدي أو بالبحث في حالة تلبس مع الإشارة أنه رغم استهلال المادة 80 من ق.م.ج. المتعلقة بالوضع تحت الحراسة النظرية في البحث التمهيدي، بضرورة أن يتعلق هذا البحث بجناية أو بجنحة يعاقب عليها بالحبس، وهو تعبير لم تستعمله المادة 66 من ق.م.ج المتعلقة بالوضع تحت الحراسة النظرية بمناسبة البحث الجاري في حالة تلبس.
إلا أن هذا الأمر لا يعطي أية خصوصية للوضع تحت الحراسة في حالة البحث التمهيدي، لأنه رغم أن المادة 66 من ق.م.ج المتعلقة بالتلبس لم تشترط أن يتعلق الأمر بجناية أو بجنحة معاقبة بالحبس لكي يتم الوضع تحت الحراسة النظرية فإن هذا الشرط يعتبر واجباً بالنسبة للوضع تحت الحراسة النظرية في حالة التلبس أيضاً عملا بمقتضيات المادة 56 من ق.م.ج التي حصرت تعريف حالة التلبس في الجناية أو الجنحة.
ورغم أن أوصاف حالة التلبس بالجنحة قد تتحقق ولو كانت الجنحة غير معاقبة بالحبس (معاقبة بمجرد غرامة مثلا)، فإن المادة 70 من ق.م.ج حسمت الخلاف في الأمر حينما نصت على تطبيق مقتضيات المواد من 57 إلى 69 من ق.م.ج على قضايا التلبس بالجنح في جميع الأحوال التي ينص فيها القانون على عقوبة الحبس.
ولذلك نرى أنه حتى إذا كان البحث جاريا في حالة تلبس فإنه إذا لم تكن الجريمة موضوع البحث جناية أو على الأقل جنحة يعاقب عليها بالحبس، فلا يمكن تطبيق الحراسة النظرية بشأنها، لأن الحراسة النظرية في هذه الحالة تجري طبقا للمادتين 66 و 67 من قانون المسطرة الجنائية وهما من بين المواد المشمولة بأحكام المادة 70 المشار إليها.
وفي الواقع فإن الجنحة إذا لم تكن معاقبة بالحبس فلا يمكن أن تطبق عليها إجراءات البحث في حالة تلبس، وإنما تخضع لإجراءات البحث التمهيدي.وأخيرا فقد أشارت المادة 82 من ق.م.ج إلى أن الوضع تحت الحراسة النظرية يثبت حسب الشكليات المنصوص عليها في المواد 66 و 67 و 68 من ق.م.ج، وقد سبقت الإشارة إليها عند الحديث عن البحث في حالة التلبس (شاهد المقال).
4) التفتيش الجسدي :
خولت المادة 81 من ق.م.ج لضابط الشرطة القضائية إجراء تفتيش جسدي على كل شخص تم وضعه تحت الحراسة النظرية. وإذا تعلق الأمر بامرأة فإن الضابط ينتدب امرأة لتفتيشها، وإذا كان الضابط امرأة فإنها تقوم بالتفتيش الجسدي بنفسها. وهذه المقتضيات تطبق سواء في حالة البحث التمهيدي أو حالة التلبس بجناية أو جنحة.
والتفتيش الجسدي على الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية غير مشروط بموافقة المعني بالأمر، لأنه تفتيش أمني يراد منه الحفاظ على سلامة الشخص المذكور، وسلامة باقي الأشخاص الذين قد يكونون موضوعين تحت الحراسة النظرية إلى جانبه، وكذا سلامة ضباط وأعوان الشرطة القضائية، ويهدف هذا التفتيش إلى التأكد من عدم حمل الشخص لأي أدوات تكون خطيرة على حياته أو حياة الغير أو سلامته أو سلامة الغير.
ولم يكن قانون المسطرة الجنائية السابق يتضمن نصا مشابها للمادة 81 من ق.م.ج، التي جاءت لتسد الفراغ وتضع حدا لكل التأويلات. علما أن الفصل 64 من قانون الدرك الملكي ينص على تفتيش كل شخص يلقى عليه القبض أو يظن أنه يحمل أسلحة أو أشياء من شأنها الإضرار بالأمن العمومي. كما يشمل التفتيش العربات التي يستعملها والامتعة التي يحملها، وينص هذا الفصل أيضا على وجوب تفتيش النساء على يد امرأة.