إذا كان الأمر يتعلق بالبحث بشأن جناية أو جنحة ارتكبت في حالة تلبس أي تم اكتشافها في إحدى الحالات المشار إليها المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية ، فإن ضابط الشرطة القضائية تخول له صلاحيات محددة للبحث، بعضها لا يتوفر له في غير حالة التلبس. ويحدد الباب الأول من القسم الثاني من الكتاب الأول من قانون المسطرة الجنائية، عدة إجراءات يتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يسلكها إذا كان يبحث في جناية أو جنحة متلبس بها، ويمكن تلخيص هذه الإجراءات كما يلي:
أولا – التنقل والتفتيش والحجز :
إن البحث في كل جريمة ينطلق أساساً من مكان وقوعها. ولذلك فإن الانتقال إلى مسرح الجريمة يعد من أهم الإجراءات التي يعتمد عليها بحث ضابط الشرطة القضائية. وإذا كان التنقل إلى عين المكان ومعاينته من أهم عناصر البحث الجنائي، فإن خيوط هذا البحث قد تقود ضابط الشرطة القضائية إلى تفتيش المنازل وغيرها من المحلات وحجز ما بها من أدوات إثبات للجريمة.
1 – إشعار النيابة العامة بالجريمة والانتقال إلى مكان وقوعها :
بمجرد إشعاره بحالة تلبس بجناية أو جنحة، يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يخبر بها إما وكيل الملك أو الوكيل العام للملك بحسب الأحوال. ثم ينتقل إلى عين المكان باستعجال وذلك لضبط وقائع الجريمة ومعالمها قبل أن تختفي، أو يتم إخفاؤها عن قصد ممن له مصلحة في طمس معالم الجريمة.
فعلى ضابط الشرطة القضائية أن يحافظ على الأدلة القابلة للإندثار، وعلى كل دليل يمكن أن يساعد على إظهار الحقيقة. كما يتعين عليه أن يحجز الأسلحة والأدوات التي استعملت في ارتكاب الجريمة، أو كانت معدة لتستعمل في ارتكابها، ويحجز كذلك كل ما نتج عن الجريمة أو تحصل منها ويقوم بعرض هذه الأشياء على الأشخاص المشتبه في مشاركتهم في ارتكاب الجريمة.
وقد قضت المادة 58 من ق.م.ج. أن كل شخص غير مرخص له قانونا بتغيير حالة الأمكنة التي وقعت فيها الجريمة أو بإزالة أي شيء منها قبل إنجاز عمليات البحث التمهيدي، يعاقب إذا خالف هذا المنع بغرامة تتراوح بين 1200 درهم و 10.000 درهم باستثناء التغييرات التي تفرضها ضرورة المحافظة على السلامة أو الصحة العمومية أو يستلزمها تقديم الإسعافات الأولية للضحايا.
وإذا كانت الغاية من محو الأثر أو إزالة الأشياء هي محو آثار الجريمة وطمس معالمها لتضليل العدالة وعرقلة الأبحاث فإن العقوبة تصبح الحبس بين 3 أشهر و 3 سنوات والغرامة من 3.000 درهم إلى 12.000 درهم.
وعلى ضابط الشرطة القضائية أن يقوم بتدوين ما عاينه من معالم الجريمة وأدلتها في محضر، تسهيلا لمهمة القضاء في الوصول إلى الحقيقة، التي هي الغاية والهدف من إجراءات البحث أو المحاكمة.
وانتقال الضابط إلى محل الواقعة لا يعفيه من واجب تبليغ النيابة العامة بوقوع الجريمة وبما وصل إلى علمه من أخبار ومعلومات حولها، لأن النيابة العامة هي المؤهلة لتسيير الأبحاث ويمكنها أن تتولى القيام بها بنفسها، أو تزود الضابط بالتعليمات التي تراها مناسبة عند الاقتضاء.
2 – التفتيش :
حينما تكون الجريمة موضوع البحث التمهيدي مما يمكن إثباته بواسطة حجز مستندات أو أشياء أخرى موجودة في حوزة شخص تظن مشاركته في الجريمة أو شخص آخر، فإن ضابط الشرطة القضائية ينتقل فوراً إلى منزله ليجري فيه تفتيشاً عن الأشياء المذكورة.
وإذا تعلق الأمر بتفتيش أماكن معدة لاستعمال مهني يشغلها شخص يلزمه القانون بكتمان السر المهني ( كعيادة طبيب أو مكتب موثق مثلا ) ، فعلى ضابط الشرطة ألا يجري التفتيش إلا بعد إشعار النيابة العامة المختصة واتخاذ جميع التدابير لضمان احترام السر المهني.
وإذا كان التفتيش أو الحجز سيجري بمكتب محام، فلا بد أن يتولى القيام به قاض من قضاة النيابة العامة بمحضر نقيب المحامين أو من ينوب عنه، أو على الأقل بعد إشعاره بأي وسيلة ممكنة. ثم يقوم القاضي بإجراء التفتيش في هذه الحالة حتى ولو لم يحضر النقيب أو ممثله.
والجدير بالذكر أنه في غير حالات المس بأمن الدولة (الداخلي أو الخارجي ) حيث تكون عدة جهات على الصعيد الوطني معنية بمهمة سلامة الدولة، فإنه لا يطلع على الأوراق والمستندات قبل الشروع في حجزها إلا ضابط الشرطة ومعاونوه والأشخاص المشار إليهم في المادة 60 من ق.م.ج. وهم صاحب المنزل أو ممثله أو شاهدين.
وسواء تم التفتيش في حالة التلبس بالجريمة من طرف ضابط الشرطة القضائية، أو اقتضت الضرورة أن يقوم به قاض من قضاة النيابة العامة (بالنسبة للمحامي)، فلابد من مراعاة المقتضيات التالية:
– إذا كان التفتيش سيجري في منزل مشتبه فيه فينبغي على ضابط الشرطة القضائية أن يدعو الشخص المذكور للحضور، أو يدعوه لينيب عنه شخصا آخر. وإذا تعذر ذلك لأي سبب من الأسباب فإن الضابط يستدعي شاهدين لحضور عملية التفتيش. وينبغي ألا يكون الشاهدان من الموظفين الخاضعين لسلطة الضابط.
– أما إذا كان التفتيش سيجرى في منزل شخص آخر غير المشتبه فيه، يحتمل أن يكون حائزا لوثائق ومستندات أو محجوزات لها ارتباط بالأفعال الإجرامية موضوع البحث، فإن هذا الشخص ينبغي أن يحضر التفتيش، وإذا تعذر ذلك فإن الضابط يدعوه لتعيين من يمثله، وإذا تعذر ذلك يتم التفتيش بحضور شاهدين من الأشخاص غير الخاضعين لسلطة الضابط.
– تفتيش النساء :
إذا كان التفتيش سيتم في أماكن توجد بها نساء، فعلى الضابط أن ينتدب امرأة لتفتيش النساء. وهذا المقتضى الذي جاءت به المادة 60 من قانون المسطرة الجنائية أتى لسد الفراغ التشريعي في المسطرة الجنائية. علماً أن بعض النصوص الخاصة كانت تنص عليه كالفصل 64 من قانون الدرك الملكي والمادة 68 من ظهير 1999/08/25 المتعلق بالمؤسسات السجنية.
وعلة اشتراط إجراء التفتيش في هذه الحالة من طرف امرأة هي صيانة الآداب العامة وحماية القيم الأخلاقية وعدم استباحة عرض المرأة حتى ولو كانت متهمة. كما يتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يستدعي امرأة لحضور التفتيش الذي سيجريه بمنزل تعتمره نساء فقط.
فالدلالة اللغوية للمادة 60 من ق.م.ج. تفيد هذا المعنى أيضا، إذ نصت في فقرتها الثالثة على أن ” تحضر هذا التفتيش… ” فعبارة “هذا التفتيش” جاءت معطوفة على التفتيش الذي سيجريه ضابط الشرطة القضائية لمنزل الشخص المشتبه فيه أو الشخص الذي من المحتمل أن يكون حائزا لمستندات أو أشياء لها علاقة بالأفعال الإجرامية.
ويبدو أن المشرع المغربي قد تبنى نفس النهج الذي انتهجه المشرع المصري بشأن ضرورة انتداب ضابط الشرطة القضائية لإمرأة إذا طال التفتيش أنثى، فقد نصت المادة 46 من قانون الإجراءات المصري أنه ” إذا كان المتهم أنثى وجب أن يكون التفتيش بمعرفة أنثى ينتدبها لذلك مأمور الضبط القضائي”.
وغني عن البيان أن المادة 60 من ق.م.ج. لم تشترط في المرأة التي ينتدبها ضابط الشرطة القضائية لتفتيش الأنثى المتهمة شروطا معينة كتبعيتها لجهاز الشرطة القضائية، بل يكفي أن تكون موضوع ثقة من قبل ضابط الشرطة القضائية الذي انتدبها للقيام بالمهمة التي أوكلها إياها.
وتجدر الإشارة على أن المشرع لم يشترط بمقتضى المادة المذكورة توقيع المرأة التي انتدبها ضابط الشرطة القضائية لتفتيش الأنثى على المحضر، ولكن ينبغي احتراماً لشفافية الإجراءات الإشارة إلى هويتها بالمحضر.
– حجز الأشياء :
يعمل ضابط الشرطة القضائية على إحصاء الأشياء والوثائق التي يقرر حجزها لعلاقتها بموضوع الجريمة على الفور، ثم يلفها أو يضعها في غلاف أو وعاء أو كيس ويختم عليها. وإذا استحال وضعها في آنية معينة فإن الضابط يختم عليها بطابعه. وهذا الإجراء يقصد به الحفاظ على الشيء المحجوز بعينيه ومنع تبديله أو تغييره حتى يتمكن القضاء من بسط مراقبته عليه عند الاقتضاء.
وفي الحالة التي يتعذر فيها إحصاء الأشياء المحجوزة على الفور، فإن ضابط الشرطة القضائية يختم عليها مؤقتا إلى أن يتأتى إحصاؤها والختم عليها نهائياً، ويتعين أن تتم هذه الإجراءات بحضور الأشخاص الذين حضروا عملية التفتيش.
– الإجبار على الامتثال :
يمكن لضابط الشرطة القضائية استدعاء أي شخص قصد الاستماع إليه ومده ببيانات ومعلومات مفيدة حول الأفعال موضوع البحث أو الأشياء أو الوثائق المحجوزة، وذلك لتسليط الأضواء الكافية على الواقعة موضوع التحريات. وإذا امتنع الشخص المستدعى فإن الضابط قد يلجأ إلى إرغامه على الحضور بعد إذن النيابة العامة (المادة 60 من ق.م.ج.).
ويعتبر هذا الإجراء من المستجدات الجديدة التي جاء بها القانون الجديد من شأنه أن يسد الفراغ الذي كان موجودا. وقد وضع المشرع بهذا المقتضى القانوني الجديد حداً للخلاف الذي كان يطبع سير مختلف النيابات العامة بالمملكة، فقد كان بعضها يأمر الضابطة القضائية صراحة بإجبار أي شخص ترتني الاستماع إليه أو البحث معه للحضور أمامها اعتماداً على أن من يملك الأكثر يملك الأقل، فالنيابة العامة التي تملك حق اعتقال الشخص المشتبه فيه تملك من باب أولى حق إصدار تعليماتها للضابطة القضائية بإجباره على الحضور للاستماع إليه أو البحث معه.
في حين كان البعض الآخر من النيابات العامة يقتصر على حث الضابطة القضائية على استعمال كافة الطرق القانونية من أجل ذلك، وهي بمثابة الإحالة على فراغ نظراً لخلو القانون الملغى من الإشارة إلى أية وسيلة من وسائل الإجبار، وإن كان بعض ضباط الشرطة القضائية يلجأون إلى التهديد بالوضع تحت الحراسة النظرية حينما يكون ذلك ممكنا.
وبالطبع فإن ضابط الشرطة القضائية ملزم بتحرير محاضر بالعمليات التي قام بها سواء عند التفتيش أو الحجز وكيفما كانت النتيجة التي انتهى إليها إيجابية أو سلبية. وغالبا ما ينجز محضرا واحداً للتفتيش والحجز.
وإن كان هذا لا يمنعه من إنجاز محضرين مستقلين إذا دعت إلى ذلك ضرورة البحث.ويجب أن توقع هذه المحاضر من طرف الضابط، كما يجب أن توقع من طرف الأشخاص الذين أجري التفتيش بمنازلهم أو من يمثلهم أو الشاهدين، أو يشار في المحضر إلى امتناعهم عن التوقيع أو الإبصام أو تعذره.
– أوقات التفتيش :
على الرغم من كون التفتيش يتم في إطار البحث بشأن جريمة تتوفر فيها حالة التلبس فإن ضابط الشرطة القضائية ينبغي أن يقوم به خلال التوقيت القانوني المسموح فيه بتفتيش المنازل. وعليه فلا يجوز الشروع في التفتيش قبل الساعة السادسة صباحا ولا بعد الساعة التاسعة ليلا، إلا إذا طلب ذلك صاحب المنزل أو وجهت استغاثة من داخله أو في حالات خاصة يجيزها القانون.
غير أنه يمكن الاستمرار في عملية التفتيش التي شرع فيها خلال الوقت القانوني ومواصلتها دون توقف، ولو بعد دخول الوقت الممنوع، وذلك تفاديا لعرقلة إجراءات التفتيش. أي أنه إذا كان قد شرع في عملية التفتيش قبل الساعة التاسعة ليلا فإنه يمكن الاستمرار فيها ولو بعد تلك الساعة، فالعبرة في قانونية التوقيت هي لحظة بدء التفتيش.
إلا أن هذا لا يعني انتظار اقتراب نهاية التوقيت المسموح فيه بالتفتيش للشروع فيه والاستمرار بعد ذلك في ممارسة التفتيش خارج الوقت القانوني له، كأن يترقب الضابط دنو الساعة التاسعة ليلا بلحظات قليلة ليبدأ في التفتيش بغاية الاستمرار فيه خارج الوقت المباح دون أن يضطره لذلك أي سبب، في حين أنه كان يمكنه مباشرته قبل ذلك، أو تأخيره لوقت لاحق دون ضرر.
فعمل الشرطة القضائية مؤسس على الشرعية والمشروعية ولا ينبغي أن تمارس الإجراءات المسطرية بشكل تحايلي، وليس من المشروعية التحايل على القانون، ولا ينبغي أن يجعل من التفتيش عملية لانتهاك حرمة المنزل وتخويف ساكنته من نساء وأطفال في وقت متأخر من الليل.
غير أنه يحق لضابط الشرطة القضائية القيام بالتفتيش ولو كان الوقت القانوني لإجرائه يوشك على الانتهاء إذا دعت لذلك ضرورة ملحة للبحث، سيما في حالة الاستعجال إذا خيف تبديد أدوات الإثبات أو تعلق الأمر باحترام فترة الحراسة النظرية مثلا.وإذا تعلق الأمر بتفتيش محلات يمارس فيها بصفة معتادة عمل ليلي، فإن التفتيش يمكن أن يتم فيها في أي وقت.
والجدير بالذكر أن ما دعا المشرع إلى إباحة تفتيش هذا النوع من المحلات ولو خلال الأوقات التي يمنع فيها التفتيش ما بين الساعة 9 ليلا وقبل 6 صباحاً هو اعتياد ممارسة أنشطة وأعمال ليلية بهذه الأماكن وليس ممارستها بصفة عرضية.
فلا ينبغي تناسي الحرمة التي يعطيها الدستور للمنازل.ومن جهة أخرى فإذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية من بين الجرائم المنصوص عليها في القانون 03.03 الصادر في 28 ماي 2003، فإنه يمكن أن يجري التفتيش بإذن كتابي من النيابة العامة حتى خارج الأوقات المسموح بها إذا اقتضت ذلك ضرورة البحث أو حالة الاستعجال القصوى، أو إذا كان يخشى اندثار الأدلة.
– بطلان التفتيش :
رتب القانون على عدم احترام الإجراءات المنصوص عليها في المواد 59 و 60 و 62 من ق.م.ج. بطلان الإجراء المعيب وما قد يترتب عنه من إجراءات.
والملاحظ أنه خلافا للفصل 65 من قانون المسطرة الجنائية الملغى الذي كان ينص على أن خرق الفصول 61 و 62 و 64 من يترتب عنه البطلان، مما أحدث جدلا فقهيا وقضائيا أدى إلى قول البعض ببطلان جميع إجراءات البحث التمهيدي، وقول البعض الآخر ببطلان الإجراء المعيب فقط وبقاء الإجراءات الأخرى المنجزة بصفة قانونية معمولا بها، فإن المادة 63 من قانون المسطرة الجنائية الجديد قررت صراحة بطلان الإجراء المعيب والإجراءات التي تترتب عنه انطلاقا من القاعدة الفقهية ما بني على باطل فهو باطل.
فالإجراء المعيب يعد باطلا ومبطلا لما يترتب عنه من إجراءات.وعليه فإذا تقرر بطلان محضر التفتيش والحجز بسبب خرق الإجراءات المسطرية فإن ذلك لا يؤدي إلى بطلان محضر البحث التمهيدي الذي يتضمن تصريحات المتهم وباقي الإجراءات الأخرى السليمة التي لم تترتب عن الإجراء الباطل، حيث يجوز للمحكمة الأخذ بها. وهذا ما أكدته محكمة النقض المصرية بقولها بطلان التفتيش لا يحول دون أخذ القاضي بجميع عناصر الإثبات الأخرى المستقلة عنه والمؤدية إلى النتيجة التي أسفر عنها التفتيش.
– سرية التفتيش :
وأخيرا فإن المادة 61 من قانون المسطرة الجنائية عاقبت كل من قام بإفشاء فحوى وثيقة تم حجزها أثناء التفتيش إلى شخص غير مؤهل قانونا للإطلاع عليها، دون موافقة الشخص المحجوز منه أو ذوي حقوقه، أو من وقع عليها، أو من وجهت إليه، ولو كان ذلك لفائدة البحث. وحددت العقوبة في الحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر والغرامة من 1200 درهم إلى 2000 درهم.
وترمي هذه العقوبة إلى توفير الحماية والحصانة للأسرار التي تتضمنها هذه المستندات، بحيث لا يطلع عليها الأغيار دون إذن أصحابها.
وهذا المنع يسري أيضا على الشخص الذي ينوب عن صاحب المنزل موضوع التفتيش كما يسري على الشاهدين اللذين يعينهما الضابط لحضور عملية التفتيش، وعلى المرأة التي تنتدب لتفتيش النساء.ولم يكتف المشرع بالعقوبة المقررة في المادة 15 من ق.م.ج. بشأن سرية البحث والتحقيق، لأنه أراد بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 61 من ق.م.ج. حماية الحياة الخاصة وحرمة المساكن.
ثانيا – الاستعانة بالأشخاص المؤهلين :
تخول المادة 64 من ق.م.ج. لضابط الشرطة القضائية إذا اقتضى الأمر القيام بمشاهدات ضرورية الاستعانة بأهل الخبرة وهذا لا يعني أن ضابط الشرطة ينتدب خبراء لإنجاز هذه المأمورية على اعتبار أن سلطة انتداب الخبراء موكولة للسلطة القضائية ( قاضي التحقيق أو المحكمة ) لأن الخبرة وسيلة من وسائل التحقيق القضائي،وعليه فصلاحية الشخص الذي تستعين به الشرطة القضائية تقتصر على مشاهدة الوقائع والأدلة التي تتعرض بسرعة للاندثار ويكون من شأن الكشف عن حقيقتها قبل تلاشيها المساعدة على الوصول إلى الحقيقة. وهذه الصلاحية المخولة لضابط الشرطة مشروطة بأمرين.
أولهما: أن تكون المعاينة لا تقبل التأخير، كما لو كانت الأشياء المطلوب مشاهدتها معرضة للاندثار والتلاشي، ويتعذر تدارك الأمر فيما بعد أثناء عرض القضية على قاضي التحقيق أو المحكمة، بحيث إذا لم يعرضها الضابط على الشخص المؤهل حالا فقدت المحاكمة عنصرا من العناصر التي قد تكشف لها الحقيقة.
ثانيهما: أن يقتصر عمل الشخص المؤهل ( سواء كان خبيرا مسجلا في اللائحة أو غير مسجل فيها) على إبداء رأيه الفني المستخلص من مشاهدته للواقعة المعرضة للاندثار مستعينا في ذلك بوسائل وأدوات فنية وعلمية لإبداء رأيه بما يمليه عليه شرفه وضميره.
وقد كان الفصل 66 من القانون الملغى يوجب على الخبير المعين لهذه المهمة أداء اليمين بصيغة غير محددة. وقد أحسن المشرع صنعا في المسطرة الحالية حينما لم يلزم الشخص المؤهل بأداء اليمين طالما أنه لا يستعان به بصفته خبيراً قضائيا، وإنما بصفته صاحب علم ومعرفة في مجال تخصصه، تقتصر مهمته على معاينة ما يراه وإعطاء رأيه فيه وفقا لما يمليه عليه شرفه وضميره.
كما أن المادة 77 من ق.م.ج سمحت لممثل النيابة العامة أن يقوم شخصياً أو بواسطة ضابط للشرطة القضائية بالاستعانة بذوي الكفاءة لتحديد ظروف وفاة مشكوك فيه. وهذا ما يسمح بتسخير الطبيب الشرعي للقيام بتشريح أو فحص أو معاينة لجثة من أجل تحديد ظروف الوفاة والكشف عن أسبابها.
ثالثا – التحفظ على الأشخاص بمكان التحريات :
يمكن لضابط الشرطة القضائية أن يمنع كل شخص يظهر له أنه مفيد في تحرياته المتعلقة بالكشف عن الجريمة من الابتعاد عن مكان وقوعها. ويستمر هذا المنع إلى غاية إتمام الضابط تحرياته بمكان الجريمة، ولم تحدد المادة 65 من ق.م.ج. الفترة الزمنية لهذا المنع، إلا أن ظاهر النص يوحي بأن الأمر يتعلق بإتمام التحريات المجراة بمكان الجريمة المتلبس بها وليس إتمام البحث كله.
فالأمر يتعلق بمنع الابتعاد من مكان وقوع الجريمة ولا يبدو مستساغاً أن يظل الشخص المفروض عليه هذا الإجراء واقفاً بمكان الجريمة أياماً أو شهوراً لحين نهاية البحث، ولا حتى ساعات طويلة.
كما خولت هذه المادة الصلاحية لضابط الشرطة في التحقق من هوية أي شخص تبين له أنه من الضروري التعرف على هويته والتحقق منها. وقد تتم هذه العملية في مكان الجريمة، إذا وجد الشخص بذلك المكان أو قريباً منه.
وقد يتعلق الأمر بالتعرف على هوية أي شخص آخر يفترض أن له علاقة بالجريمة، كما لو بلغ لعلم ضابط الشرطة القضائية أن شخصا تنطبق عليه أوصاف معينة قد كان بصحبة القتيل مثلا، فإنه يمكن مطالبة كل شخص تنطبق عليه تلك الأوصاف بالإدلاء بالهوية أو التأكد منها.
ويلزم القانون كل شخص طالبه ضابط الشرطة القضائية بمعاينة هويته أو التحقق منها بالامتثال لطلب الضابط وللعمليات التي قد يستلزمها هذا التدبير، وقد تكون تفتيشا جسمانيا أو قياساً للطول أو أخذا للبصمات أو مقارنة مع بعض الصور، وقد تكون مجرد الإدلاء بوثائق تثبت الهوية، أو الإجابة على بعض الأسئلة.
ويرتب القانون على عدم الاستجابة لضابط الشرطة القضائية عقوبة تتراوح بين الاعتقال من يوم واحد إلى عشرة أيام وغرامة تتراوح بين 200 درهم و 1200 درهم أو إحدى العقوبتين فقط. وينبغي الإشارة هنا إلى القاعدة التي رسمها المشرع بشأن تفتيش النساء بواسطة امرأة.
رابعا – الحراسة النظرية :
تناول المشرع في المواد 66 وما يليها من ق م ج أهم وأخطر الصلاحيات والسلطات المخولة لضابط الشرطة القضائية أثناء البحث في جريمة متلبس بها، ويتعلق الأمر بسلطة الوضع تحت الحراسة النظرية. ونظرا لمساسها بحرية الفرد وحقوقه الشخصية فقد أحاطها بعدة شروط وأحكام صارمة.
وإذا كان المشرع المغربي لم يعرف الحراسة النظرية، فإنه يمكن أن نعرفها بأنها توقيف الشخص وإبقاؤه رهن إشارة ضابط الشرطة وتحت نظره في مركز عمله خلال مدة يحددها القانون، وهذه السلطة يملكها الضابط إذا كان يبحث في جريمة في حالة تلبس.
1) شروط الوضع تحت الحراسة النظرية :
نظرا لخطورة الوضع تحت الحراسة النظرية ولعلاقته بالحرية الشخصية للأفراد فإن المشرع، وإن ترك صلاحية تقريره لضابط الشرطة القضائية إلا أنه جعل ذلك رهينا بحاجيات البحث وهذا ما أكدته المادة 66 من ق.م.ج. ولذلك فلا يحق لضابط الشرطة القضائية أن يحتفظ بأي شخص تحت الحراسة النظرية إلا إذا استوجبت واستلزمت ذلك ضرورة إجراءات البحث الذي يقوم به.
ولم يحدد القانون حدود ضرورة البحث، ولكن العمل جرى على أن يتم اللجوء إلى الوضع تحت الحراسة النظرية للحد من خطورة المجرم أو الحيلولة دون فراره أو خوفا من تأثيره على سير البحث أو حماية للأدلة أو البراهين المستدل منها على الجريمة التي يخشى أن يقوم بإخفاء معالمها أو يغيرها ….
ولكن لا بد من الإقرار بأن تقدير حاجيات البحث ومتطلباته أمر موكول إلى ضابط الشرطة القضائية ويرجع إلى ضميره وشرفه، وما يتمتع به من حس مهني يمكنه من الموازنة بين ضرورات البحث لفائدة العدالة وبين المحافظة على حريات الأفراد وحقوقهم، بحيث يعرف متى يلجأ إلى تدبير الحراسة النظرية ومتى لا يلجأ إليه خاصة وأن الوضع تحت الحراسة أحيانا قد يلحق الأذى بالأبرياء ويسئ إلى سمعتهم وكرامتهم فيصبحوا مدانين من طرف المجتمع قبل أن تقول العدالة كلمتها في حقهم،
بل إنه قد يضر بسير البحث في بعض الأحيان، لأنه يقلص مدته إلى ساعات محددة، يصبح فيها ضابط الشرطة القضائية يسابق في بحثه عن أدلة الجريمة، عقارب الساعة التي لا تتوقف، مما قد يؤدي به تحت وطأة عامل الوقت، إلى اهمال القيام ببعض الأبحاث أو إنجاز بعض الإجراءات التي تكون سائحة لإظهار الحقيقة، وبالتالي تتأثر مهمة العدالة.
ولا يقل دور النيابة العامة أهمية في هذا الصدد، لأنها بحكم تسييرها لمهام الشرطة القضائية يمكنها أن تتدخل لتصحيح كل وضع يظهر لها غير مناسب، وذلك بمراجعة قرار الضابط ووضع حد للحراسة النظرية إذا رأت عدم جدواها أو قدرت ضعف أهميتها، أو تأمر بوضع شخص تحت الحراسة إذا تبين لها ملاءمة ذلك.
ولعل خطورة هذا الإجراء من أهم الأسباب التي دفعت عدة تشريعات إلى سن ترسانة من النصوص القانونية لتنظيمه تنظيما محكما يوازن بين الحق في الوصول إلى الحقيقة، وحق المواطن في عدم المساس بحريته والعبث بها. ولهذا السبب حدد المشرع مدة الحراسة النظرية بالساعات، وأناط بالنيابة العامة ضرورة مراقبة تطبيقها والسهر على ممارستها في ظروف إنسانية وعاقب على كل تجاوز في مدتها.
وتجدر الإشارة إلى أنه إلى جانب ما اشترطته المادة 66 من ق.م. ج. بشأن اقتضاء حاجيات البحث وضع شخص تحت الحراسة النظرية، فإن القانون تطلب شرطاً آخر بشأن نوع الجريمة موضوع البحث التي ينبغي أن تكون جناية أو على الأقل جنحة يعاقب عليها بالحبس ( المادة 70 من ق.م.ج.). وهذا أمر طبيعي على اعتبار أن القانون إذا كان لا يقرر للجريمة عقوبة الحرمان من الحرية، فمن غير المعقول حرمان المشتبه فيه من هذه الحرية لمجرد إجراء البحث بشأنها.
ولا يشترط القانون المغربي للوضع تحت الحراسة النظرية وجود أدلة أو قرائن قوية على ارتكاب أو محاولة ارتكاب الجريمة موضوع البحث، كما هو الشأن بالنسبة لبعض التشريعات المقارنة كالمادة 63 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي مثلا التي اشترطت لإمكانية الوضع تحت الحراسة النظرية أن تقتضي ذلك ضرورة البحث، وأن تتوفر في حق الشخص إمارات من شأنها أن تدفع إلى الاعتقاد بضلوعه في ارتكاب الجريمة.
ومدة الحراسة النظرية محددة بالساعات، ويبدأ في عدها منذ اللحظة التي يقرر فيها ضابط الشرطة القضائية توقيف الشخص المعني بالأمر ووضعه رهن إشارته تحت الحراسة النظرية. وقد صرحت محكمة النقض الفرنسية أنه ينبغي وضع الشخص تحت الحراسة النظرية، والشروع في احتساب مدتها، منذ اللحظة التي يصبح فيها مكرها على البقاء رهن إشارة ضابط الشرطة القضائية ويحرم فيها من حريته في الذهاب والإياب.
2) مدة الحراسة النظرية :
تختلف مدة الحراسة تبعا لنوع الجريمة موضوع البحث إلى ثلاث فئات:
– عامة الجرائم باستثناء الجريمة الإرهابية وأمن الدولة وتكون مدة الحراسة النظرية بشأنها 48 ساعة، تقبل التمديد مرة واحدة لمدة 24 ساعة أي لمدة إجمالية قدرها 72 ساعة ( 48 س + 24 س).
– جريمة المس بأمن الدولة الداخلي والخارجي ومدة الحراسة النظرية المقررة لها هي 96 ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة لمدة مماثلة أي لمدة قصوى قدرها 192 ساعة، ( 96 س + 96 س).
– الجريمة الإرهابية. وقد حددت مدة الحراسة النظرية بشأنها في مدة 96 ساعة قابلة للتمديد مرتين لمدة 96 ساعة في كل مرة أي لمدة إجمالية لا تتجاوز 288 ساعة ، ( 96 س + 96 س + 96 س).
ويتعين على ضابط الشرطة القضائية حين يضع شخصاً تحت الحراسة النظرية أن يشعر النيابة العامة (الفقرة الأولى من المادة 66 من ق.م.ج.)، وأن يوجه إليها لائحة اسمية بالأشخاص الذين تم وضعهم تحت الحراسة النظرية خلال الأربع وعشرين ساعة السابقة (الفقرة 3 من المادة 67 من ق.م.ج.).
وبديهي أن الإشعار المنصوص عليه في المادة 66 من ق. م. ج. ينبغي أن يتم بالنسبة لكل حالة على حدة، فور اتخاذ القرار بوضع الشخص تحت الحراسة النظرية، أو في أقرب وقت ممكن. وأما اللائحة المشار إليها في المادة 67 من ق.م.ج. فتشمل كافة الأشخاص الذين تم وضعهم تحت الحراسة النظرية خلال الأربع وعشرين ساعة السابقة.ويبدو من صياغة النص أن الأمر تعلق في الحالة الأخيرة بإرسال قائمة مكتوبة إلى النيابة العامة.
بينما لم توضح المادة 66 من ق.م.ج. كيفية إشعار النيابة العامة بوضع شخص تحت الحراسة النظرية الشيء الذي يؤدي إلى اعتبار الإشعار بأي شكل كان كتابة أو شفهياً، وكيفما كانت الوسيلة المستعملة لذلك، سواء مراسلة أو رسالة فاكس أو إخبارا هاتفياً أو مباشراً.
ونرى أنه ينبغي اعتماد أسرع الوسائل في الإخبار حتى تكون النيابة العامة على علم بالإجراء في أقرب وقت من اتخاذه. ويمكن للنيابة العامة في إطار سلطتها على الشرطة القضائية أن تحدد بمقتضى مذكرات مصلحية الطريقة والشكل الذي يتم به الإشعار.
3) إشعار عائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية :
يتعين كذلك على ضابط الشرطة القضائية أن يشعر عائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية، فور وضعه تحت الحراسة. ويتم الإشعار بأي وسيلة من الوسائل سواء بالهاتف أو مشافهة أو كتابة أو بواسطة عون للقوة العمومية. وينبغي أن يشير المحضر إلى ذلك، وفي رأينا أن المحضر ينبغي أن يتضمن كل ما يتعلق بالإشعار ولا سيما اسم الشخص الذي تم إشعاره والكيفية التي أشعر بها والمكان والزمان اللذين وقع فيهما الإشعار.
ولم يحدد النص الجزاء المترتب عن عدم احترام ضابط الشرطة القضائية لهذا الإجراء، غير أن الفقه والقضاء يجمعان على أنه إجراء إداري فقط، وبالتالي لا يترتب عن عدم إنجازه من طرف الضابط، بطلان إجراءات المسطرة المصاحبة للوضع تحت الحراسة النظرية أو المترتبة عنه. ولكن يمكن أن تترتب عنه المسؤولية التأديبية للضابط، وقد أصدر المجلس الأعلى سابقا عدة قرارات في هذا الموضوع منها: ” إن عدم إخبار ضابط الشرطة القضائية لعائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة لا يؤثر على سلامة المسطرة مادام القانون لم يرتب البطلان علىذلك صراحة”.
4) تمديد الحراسة النظرية :
تكون مدة الحراسة النظرية الأصلية قابلة للتمديد كما رأينا بمقتضى إذن كتابي من النيابة العامة كلما اقتضت ذلك ضرورة البحث. وهذا يعني أن النيابة العامة هي التي تملك السلطة التقديرية المطلقة لتقييم وتقدير مسألة ضرورة ومتطلبات البحث وحاجته إلى تمديد مدة الحراسة النظرية، ولا يملك الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية أي وسيلة للتظلم من قرار النيابة العامة بتمديد مدة الحراسة النظرية في حقه.
كما لا يملك ضابط الشرطة القضائية أية وسيلة للتظلم من رفض النيابة العامة تمديد الحراسة النظرية. وهذا أمر منطقي لأن الضابط لا يمكنه أن يتظلم من قرار تتخذه الجهة المسؤولة أساساً على تسيير البحث، لأنه يعمل تحت إمرتها وينفذ تعليماتها ليس إلا.ومن جهة أخرى فإنه مادام الأمر يتعلق بحالة التلبس فإن القانون لم يجعل تقديم الشخص المعني بالأمر أمام النيابة العامة واجباً من أجل تمديد مدة الحراسة النظرية بالنسبة له.
غير أنه يمكن للنيابة العامة بما لها من سلطة في تسيير أعمال الشرطة القضائية أن تطلب من ضابط الشرطة القضائية إحضار الشخص أمامها من أجل الموافقة على تمديد الحراسة النظرية بالنسبة إليه.وليس ضرورياً أن تمدد النيابة العامة الحراسة النظرية طيلة المدة المسموح بها قانوناً، وإنما للفترة الكافية لإنجاز الأبحاث التي يراد إنجازها، على ألا يتجاوز الأمر المدة القصوى المسموح بها قانونا.
فإذا كان التمديد بالنسبة للجرائم العادية لا يمكن أن يتجاوز 24 ساعة، فإن النيابة العامة يمكن أن تمدد الحراسة النظرية فقط لمدة ساعة أو ساعتين مثلا، وفي كل الأحوال لا يمكن أن يتجاوز التمديد 24 ساعة المسموح بها قانونا.
كما أنه إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية يمكن أن يؤذن بالتمديد لمدة 96 ساعة مرة واحدة فقط أو لجزء منها أو يمنح التمديد الأول بكامله (96 ساعة) ولا يمنح من التمديد الثاني سوى ساعات فقط، فالأمر يتعلق بحرية الأشخاص وينبغي أخذها بعين الاعتبار في التعامل مع قرار الحراسة النظرية أو مع قرار تمديدها واستعمالها بالمقدار اللازم لضرورة البحث.
ويلاحظ أن المادة 66 من ق.م.ج. اشترطت إذنا كتابيا من النيابة العامة لتمديد فترة الحراسة النظرية في حالتي الجريمة العادية والجريمة الإرهابية، ولكنها لم تشترط كتابة الإذن بالنسبة لتمديد الحراسة النظرية المتعلقة بجريمة المس بسلامة الدولة واكتفت بالنص على أن التمديد يكون بناء على إذن من النيابة العامة. ونعتقد أن الأمر يتعين تفسيره على نفس الأساس والقول بأن تمديد الحراسة النظرية يتم دائما بقرار مكتوب من طرف النيابة العامة.
5) الاتصال بالمحامي :
أعطى القانون الحق للشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية – في حالة تمديدها – أن يطلب من ضابط الشرطة القضائية الاتصال بمحام. كما يحق لهذا الأخير في حالة نيابته عن الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية أن يطلب من النيابة العامة الترخيص له بالاتصال بالشخص المذكور، وذلك ابتداء من الساعة الأولى من فترة تمديدها.
ويتم الاتصال لمدة زمنية محددة لا تتجاوز ثلاثين دقيقة، تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية في ظروف تكفل سرية المقابلة.
وترى أن السرية سيتم ضمانها من خلال مراقبة عناصر الشرطة القضائية للقاء دون سماع ما يجرى من أحاديث.وإذا تعذر على المحامي الحصول على الترخيص المطلوب لبعد المسافة بصفة خاصة أو لسبب آخر، فإن الضابط يأذن بصفة استثنائية للمحامي بالاتصال بالشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية، ويرفع على الفور تقريرا في هذا الشأن إلى النيابة العامة ونعتقد أنه يمكن في مثل هذه الحالات استعمال بعض وسائل الاتصال المتوفرة بين الشرطة القضائية والنيابة العامة كالفاكس أو الهاتف أو ما قد يتوفر من وسائل تكنولوجية أخرى.
غير أنه يمكن للنيابة العامة أن تؤخر الترخيص للمحامي بهذا الاتصال، وذلك بناء على طلب من ضابط الشرطة القضائية إذا استلزمت هذا التأخير ضرورات البحث في الجرائم المنصوص عليها حصرا في المادة 108 من ق م ج، والمتعلقة بأمن الدولة، أو العصابات الإجرامية، أو بالقتل أو التسميم أو بالاختطاف وأخذ الرهائن أو بتزييف أو تزوير النقود أو سندات القرض العام، أو بالمخدرات والمؤثرات العقلية، أو بالأسلحة والذخيرة والمتفجرات، أو بحماية الصحة، أو إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية.
ولا يمكن أن يتجاوز التأخير 48 ساعة، وهذا يعني أنه بالنسبة لجريمة أمن الدولة فإن الاتصال لا يتم خلال مدة 96 ساعة الأصلية للحراسة النظرية، ويمكن أن يتم انطلاقا من بداية الساعة الأولى من التمديد الذي يوازي 96 ساعة أخرى، أي منذ انطلاق الساعة 97 عن بداية الحراسة النظرية. وإذا تقرر تأخير الاتصال فلا يتجاوز 48 ساعة من التمديد، أي في نهاية الساعة 144 من بداية الوضع تحت الحراسة النظرية على الأكثر.
وكذلك الأمر بالنسبة للجريمة الإرهابية حيث يمكن التمديد مرتين (96) ساعة كل مرة بالإضافة للمدة الأصلية (96 ساعة أيضاً) ولكن الاتصال يتم في بداية التمديد الأول ( أي بداية الساعة 97 مند بداية الوضع تحت الحراسة النظرية ) أو على الأكثر في حالة تأخيره من طرف النيابة العامة بعد الساعة 144 من بداية الوضع تحت الحراسة أي 96 س + 48 س على الأكثر.
وأما الجرائم العامة المنصوص عليها في المادة 108 والتي تقبل تطبيق هذا الإجراء مثل جرائم المخدرات أو الصحة التي يوازي فيها التمديد 24 ساعة فقط، فقد يصبح التأخير في بعض حالاتها منعاً بسبب عدم تحديد القانون المدة القصوى للتأخير في هذه الحالة، طالما أن التأخير يمكن أن يستمر 48 ساعة من بداية التمديد، وأن تمديد الحراسة النظرية بالنسبة لهذا النوع من الجرائم لا يتجاوز 24ساعة .
ولذلك يتعين الحرص على ألا يصبح التأخير بمثابة منع ويسمح بالاتصال قبل نهاية مدة تمديد الحراسة النظرية.وتجدر الإشارة أنه بالنسبة للجرائم الأخرى – غير جريمة أمن الدولة والجرائم المشار إليها في المادة 108 وبينها الجريمة الإرهابية – فلا يسمح القانون بتأخير الاتصال بالمحامي، ولذلك يتعين تمكين المعني بالأمر من هذا الحق ابتداء من اللحظة الأولى لتمديد الحراسة النظرية.
ويمكن للمحامي المرخص له بالاتصال مع الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية، أن يقدم أثناء مدة تمديدها وثائق أو ملاحظات كتابية للشرطة القضائية أو للنيابة العامة قصد إضافتها للمحضر مقابل إشهاد بذلك. غير أنه يمنع عليه (المحامي) إخبار أي شخص بما راج خلال الاتصال بموكله قبل انتهاء مدة الحراسة النظرية.
ونعتقد أن الإشهاد بوضع الوثائق يمكن أن يكون على شكل شهادة محررة تشهد بوضع الوثائق، أو بوضع طابع الشرطة القضائية أو النيابة العامة على نسخة منها.
والترخيص للشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية بالاتصال بمحام يدخل في باب الحقوق المتفرعة عن المحاكمة العادلة، لأنه يمكن هذا الأخير من حقه في طلب المساعدة من محام يختاره بنفسه لحماية حقوقه وإثباتها والدفاع عن مصالحه في جميع مراحل البحث الذي تجريه الشرطة القضائية.
ومن شأنه كذلك أن يتيح للشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية تمكين محاميه في وقت مبكر من معلومات ومعطيات عن القضية تساعده في تهيئ دفاعه عنه مبكراً ومنذ تقديمه أمام النيابة العامة أو قاضي التحقيق.
ويساعد كذلك المشتبه فيه على استرجاع إحساسه بتوفره على قرينة البراءة من جراء توفره على المساعدة القانونية والمحافظة على حقوقه خلال إجراءات البحث، إذ أن وجود المحامي يساعد على تقوية فرص احترام الضمانات ومراقبة سلامة الإجراءات.
وإذا كان المشرع قد كرس مبدأ الحق في طلب حضور محام أثناء البحث التمهيدي إسوة بعدة تشريعات رائدة في هذا المجال كالقانون الفرنسي والإيطالي والألماني والإنجليزي، فإنه اختار أن يتم ذلك فقط خلال مرحلة تمديد الحراسة النظرية.
ويبدو أن المشرع المغربي اختار أن يسلك سياسة مبنية على التدرج في منح الضمانات المرتبطة بالحراسة النظرية. إذ عمد في نهاية سنة 1991 ، إلى تقليص مدة الحراسة النظرية من 96 ساعة قابلة للتمديد 48 ساعة بالنسبة للجرائم العادية إلى نصف المدتين أي 48 ساعة قابلة للتمديد 24 ساعة فقط، وسمح بحضور المحامي إلى جانب المشتبه فيه أثناء استنطاقه من طرف قاضي النيابة العامة.
وإذا كان يحق للشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية أن يستدعي أي محام من اختياره للاتصال به في حالة تمديد تلك الحراسة، فإن المحامي الذي ينتصب للدفاع عن الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية يمكنه أيضا أن يطلب الاتصال بالمعني بالأمر، وطبيعي أنه إذا لم يرغب هذا الأخير في إجراء الاتصال بالمحامي فإن إرادته هي التي تطبق، ما دام الأمر يتعلق بحق من حقوقه له أن يمارسه أو لا يمارسه.
ومن جهة أخرى فإن الحق في الاتصال بالمحامي لا يتجاوز 30 دقيقة في كل الأحوال، ولو كان الأمر يتعلق بالاتصال بأكثر من محام واحد. كما أنه لا يعني إعطاء الحق للمحامي الحضور للإجراءات التي يقوم بها ضابط الشرطة القضائية برسم البحث كالاستجواب أو المواجهة مثلا، وإنما يقتصر الأمر على حوار بين الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية ومحاميه لايتجاوز نصف ساعة.
6) جزاء الإخلال بأحكام الوضع تحت الحراسة النظرية :
لم يرتب المشرع البطلان على الإخلال بشروط الحراسة النظرية كما فعل بالنسبة لخرق شكليات التفتيش.ونظرا لأن قانون المسطرة الجنائية الجديد تبنى بخصوص هذه النقطة موقف قانون المسطرة الجنائية الملغى، فإن الخلاف سيظل قائما بين الفقه والقضاء. ففي الوقت الذي يرى فيه الدكتور أحمد الخمليشي ” بأن تجاوز فترة الوضع تحت الحراسة يؤدي إلى بطلان محضر البحث التمهيدي سواء كان التجاوز من الضابط، أو بناء على تمديد غير قانوني فإن أحكام القضاء المغربي تذهب لخلاف ذلك.”.
وقد جاء في قرار للمجلس الأعلى (محكمة النقض) ” ومن جهة أخرى فإن القواعد المتعلقة بالوضع تحت الحراسة النظرية لم يجعلها القانون تحت طائلة البطلان، وعليه فلا يمكن أن يترتب عنها البطلان إلا إذا ثبت أن عدم مراعاتها جعل البحث عن الحقيقة وإثباتها مشوبين بعيوب في الجوهر”.
وإذا كان المشرع لم يرتب جزاء البطلان على خرق شكليات وقواعد الحراسة النظرية؛ فإن مقتضيات المادة 751 من قانون المسطرة الجنائية تبقى قابلة للتطبيق على خرق تلك الإجراءات. وتنص هذه المادة على أن كل إجراء يأمر به قانون المسطرة الجنائية ولم يثبت إنجازه على الوجه القانوني بعد كأنه لم ينجز ويؤدي ذلك إلى اعتبار كل إجراء أنجز خرقا للقواعد المنظمة لمسطرة الحراسة النظرية عديم الأثر وكأن لم يكن. وبمثابة ذلك الاستماع إلى شخص بعد نهاية فترة الحراسة النظرية، أو مواجهته مع الغير وهو معتقل وبعد نهاية المدة القانونية للحراسة النظرية، فيعتبر محضر الاستماع أو المواجهة كأن لم ينجزا لأنهما أنجزا خرقا للقانون.
ومن جهة أخرى فإن المشرع قد تنبه إلى خطورة الوضع تحت الحراسة النظرية فأحاط الشخص الموضوع تحت الحراسة بالعديد من الضمانات، وذلك سواء على مستوى الدفاتر والسجلات الممسوكة لهذه الغاية من طرف مصالح الشرطة القضائية أو على مستوى محضر البحث التمهيدي.فبالنسبة للسجلات والدفاتر التي أشارت إليها المادة 66 من ق . م . ج . يجب أن ترقم صفحاتها وتذيل بتوقيع وكيل الملك.
كما يجب أن تتضمن هوية الشخص الموضوع تحت الحراسة وسببها وتاريخ وساعة بدايتها ونهايتها، بالإضافة إلى الإشارة إلى مدة الاستنطاق، وأوقات الراحة، والحالة البدنية والصحية للشخص المعتقل وكذا التغذية المقدمة له، ويجب كذلك أن يوقع (أو يبصم) في السجل كل من المعنى بالأمر وضابط الشرطة القضائية أيضا.
ورغم أن النص لم يحدد صراحة مدة فترات الراحة أو الاستنطاق، فإن القضاء قد يستخلص بعض النتائج من عدم احترام هذه المقتضيات، وقد يرتب عنها بعض الآثار، في انتظار أن يتدخل المشرع لتحديد مدة هذه الفترات كما فعلت بعض التقنينات الحديثة.
كما يجب أن يعرض سجل الحراسة النظرية على وكيل الملك للاطلاع عليه ومراقبته والتأشير عليه مرة في كل شهر على الأقل. بالإضافة للدور الذي تقوم به النيابة العامة في مراقبة عمل ضباط الشرطة وزيارة أماكن الوضع تحت الحراسة النظرية، والإمكانية المتاحة لها بأن تأمر في أي وقت بوضع حد لها، أو بمثول المشتبه فيه أمامها. وبالإضافة إلى اشتراط تضمين هذه المقتضيات بسجل الحراسة النظرية، فإن المشرع اشترط أن يشير المحضر نفسه إلى عدة بيانات.
وهكذا أشارت المادة 67 من ق.م.ج. أنه يتعين على ضابط الشرطة القضائية أن يبين في محضر سماع كل شخص وضع تحت الحراسة النظرية، يوم وساعة ضبطه، ويوم وساعة إطلاق سراحه أو تقديمه أمام الجهة القضائية المختصة.
وتذيل هذه البيانات إما بتوقيع الشخص المعني بالأمر أو ببصمته أو تتم الإشارة إلى رفضه ذلك أو استحالته مع بيان أسباب الرفض أو الاستحالة، والإشارة إلى إشعار عائلة المحتجز فور وضعه تحت الحراسة النظرية بأي وسيلة من الوسائل.