إذا كان التلبس بالجريمة يتجلى في الحالات المشار إليها في المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية، ويتيح اللجوء إلى مسطرة “البحث في حالة التلبس“. فإن البحث في الجرائم التي لا تتوفر فيها حالة التلبس يتم في إطار مسطرة البحث التمهيدي.
أولا – تعريف البحث التمهيدي :
لم يعرف قانون المسطرة الجنائية البحث التمهيدي، واكتفى بإيراد بعض الأحكام الخاصة به في خمسة مواد.
ومن الناحية التاريخية، كانت القوانين – في فرنسا – تتجاهل هذا النوع من الأبحاث، ثم تدخل قانون التحقيق الجنائي الفرنسي ليجمع القواعد التي كان يعمل بها من الناحية التطبيقية منذ بداية القرن التاسع عشر في هذا النوع من الأبحاث التي لم تكن تكتسي أي طابع رسمي، وكانت شرعيتها محل جدال.
ويمكن القول إن البحث التمهيدي هو البحث الذي تقوم به الشرطة القضائية في غير حالات التلبس بالجريمة المنصوص عليها في المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية.
ولعل الفرق بين البحث الذي يقوم به ضابط الشرطة القضائية في حالة تلبس بالجريمة، والبحث التمهيدي يتجلى فقط في بعض الخصوصيات أريد منها إعطاء ضمانات أكثر للحقوق الفردية في إطار البحث التمهيدي حيث تبرز بشكل جلي قرينة البراءة، خلافاً لحالات التلبس التي ينطلق فيها البحث من قرائن قوية وشبهة مبررة بالحالة الواقعية التي ضبط فيها الفاعل.
ورغم ان حالة التلبس لا تهدر مطلقاً قرينة البراءة التي تعتبر ملازمة للمشتبه فيه أو المتهم إلى أن يصبح الحكم بإدانته حائزا لقوة الشيء المقضي فيه، فإن الضمانات التي توفرها تلك القرينة في الحالات العادية تتقلص بعض الشيء نتيجة للقرائن القوية التي تصاحب ضبط المتهم في حالة التلبس.
وقد تناول قانون المسطرة الجنائية البحث التمهيدي في الباب الثاني من القسم الثاني من الكتاب الأول (المواد من 78 إلى 82) وحدد مجال تدخل الشرطة القضائية للبحث والتحري عن الجرائم في الأحوال العادية (أي في غير حالات التلبس).
ويقوم ضابط الشرطة القضائية بالبحث إما تلقائيا على إثر علمه بوقوع جريمة أو نتيجة لتلقيه شكاية أو وشاية. كما يمكن لضابط الشرطة القضائية أن يقوم بالبحث التمهيدي أيضا بناء على تعليمات النيابة العامة.
لم يحدد القانون شروطاً خاصة بالبحث التمهيدي كما فعل بالنسبة للبحث في حالة التلبس، مما يفيد أن البحث التمهيدي يعطي مجالاً واسعاً للتحريات التي تقوم بها الشرطة القضائية التي يمكنها أن تلجأ إلى مختلف أساليب البحث ما لم يمنعها القانون.
ومن بين ذلك الاستماع إلى المشتبه فيهم والشهود، وإجراء المقابلات والمواجهات والمعاينات، والوقوف على عين المكان…. إلا أن المشرع أفرد مقتضيات خاصة بتفتيش المنازل وبالوضع تحت الحراسة النظرية، تتجلى فيها بعض الاختلافات عما هو عليه الأمر بالنسبة للبحث في حالة التلبس.
ثانيا – دخول المنازل وتفتيشها في البحث التمهيدي :
الزمت المادة 79 من ق.م.ج. ضابط الشرطة القضائية في حالة البحث التمهيدي بعدم الدخول إلى المنازل وتفتيشها وحجز ما بها من أدوات الاقتناع، دون موافقة صريحة من الشخص الذي ستجري هذه العمليات بمنزله. ويجب أن تكون الموافقة مكتوبة بخط يد المعني بالأمر، وذلك ضمانا لصدور الرضى عن طواعية و اختيار. وإذا كان صاحب المنزل لا يحسن الكتابة فإن ضابط الشرطة القضائية يضمن ذلك في المحضر مع الإشارة فيه إلى موافقته على التفتيش.
وقد سوى القانون هنا أيضا بين منزل المشتبه فيه وبين منزل الغير الأجنبي عن الجريمة، حيث تعتبر الموافقة الكتابية ضرورية، وإلا تعذر الدخول إلى المنازل وتفتيشها أو حجز ما بها من أدلة، وفي حالة صدور الموافقة الكتابية عن مالك المنزل أو قاطنه، فإن الضابط يتعين عليه أنذاك أن يلتزم باحترام المقتضيات التي تنص على المواد 59 و 60 و 62 و 63 من قانون المسطرة الجنائية.
فالمادة 59 من ق.م.ج. توجب على ضابط الشرطة القضائية اتخاذ التدابير الكفيلة باحترام السر المهني متى تعلق الأمر بتفتيش منزل شخص يلزمه القانون بكتمان ذلك السر، وإشعار النيابة العامة. كما تتضمن هذه المادة تحديد كيفية حجز الأشياء وإحصائها والتحفظ عليها. وهي عمليات تتم بحضور الأشخاص الذين حضروا عملية التفتيش وتتضمن أيضا كيفية تفتيش مكتب المحامي.
والمادة 60 من ق.م.ج. تدعو ضابط الشرطة القضائية إلى دعوة الشخص الذي سيتم تفتيش منزله لحضور عملية التفتيش بعدما يوافق عليها كتابة – لأن الأمر يتعلق بالبحث التمهيدي – وإذا تعذر حضوره فله أن ينيب عنه ممثلا له، وفي حالة تعذر ذلك يتم التفتيش بحضور شاهدين لا يكونان موظفين تحت سلطة ضابط الشرطة القضائية.
وإذا تعلق الأمر بتفتيش أماكن توجد بها نساء، فيجب على ضابط الشرطة القضائية أن يدعو امرأة لحضوره. ويمكن لضابط الشرطة استدعاء أي شخص لسماعه حول الأشياء المحجوزة ويرغمه على الحضور بإذن من النيابة العامة.
وتحدد المادة 62 من ق.م.ج. الساعات القانونية لإجراء التفتيش الذي يتعين أن يتم بعد الساعة السادسة صباحاً وقبل التاسعة ليلا ما لم يتعلق الأمر بأماكن تمارس أنشطة ليلية بكيفية معتادة، ويمكن الاستمرار في إجراء عملية التفتيش بعد خروج الوقت القانوني إذا كان قد شرع فيها خلال الوقت القانوني. وأما المادة 63 من ق.م.ج. فتقرر البطلان كجزاء على خرق المقتضيات السابقة.
ومن جهة أخرى فإن كل العمليات التي يقوم بها ضابط الشرطة القضائية تكون موضوع محضر ينبغي أن يحترم جميع الشكليات التي ينص عليها القانون.
ويلاحظ مما سبق أن دخول المنازل وتفتيشها في حالة البحث التمهيدي لا يتميز عن دخولها وتفتيشها في حالة التلبس إلا باشتراط المشرع صدور موافقة صريحة على التفتيش من الشخص الذي سيجرى التفتيش بمنزله.
وإذا كان المشرع قد اشترط الموافقة الصريحة لصاحب المنزل، فإنه لم يحدد الأثر الذي يترتب عن إجراء التفتيش دون موافقة صاحب المنزل أو دون احترام الشكليات التي استلزمها القانون في الحصول على الموافقة، أي كتابتها. وهي الكتابة بخط يد المعني بالأمر، أو الإشارة إلى عدم معرفة الكتابة في المحضر وإلى قبول المعني بالأمر بالتفتيش.
ورغم أن الفقرة الرابعة من المادة 79 من ق.م.ج. نصت على أن مقتضيات المواد 59 و 60 و 62 و 63 من ق.م.ج. تسري في هذه الحالة، وأن المادة 63 من ق.م.ج. ترتب جزاء البطلان على خرق الإجراءات المنصوص عليها في المواد 59 و 60 و 62 من ق.م.ج.، فإن المقصود من المادة 79 من ق.م.ج. أنه في حالة الحصول على الموافقة بالتفتيش، يتعين القيام به وفقا لمقتضيات المواد المشار إليها.
ولذلك فإن السؤال الذي يطرح هو ما إذا كان يترتب بطلان التفتيش الذي يجري دون الحصول على رضا صاحب المنزل ولو تم احترام مقتضيات المواد 59 و 60 و 62 من ق.م.ج. بعد ذلك.
المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) سبق أن قرر رفض الدفع ببطلان محضر البحث التمهيدي، واعتبر التفتيش المطعون فيه قانونيا رغم انعدام الإذن الكتابي، لأن المحضر ورد فيه – إني أوافق على قيامكم بتفتيش منزلي – وقد وقع على محضر التفتيش المتضمن لهذا التصريح.
مع ملاحظة أن الإشارة في المحضر إلى الموافقة لا تغني عن التصريح المكتوب بخط يد صاحب المنزل إلا إذا أشار المحضر إلى أن المعني بالأمر لا يعرف الكتابة.
ونرى أنه طالما أن المشرع لم يرتب جزاء البطلان على خرق إجراء معين، فإنه لا يمكن للقضاء أن يقرر هذا الجزاء. ونعتقد أن التفتيش الذي يجري خرقا لمقتضيات المادة 79 منق.م.ج. دون الحصول على الموافقة المكتوبة بخط يد صاحب المنزل، أو في حالة جهله للكتابة دون الإشارة إلى ذلك وإلى الموافقة بالمحضر، يتعرض للجزاء المنصوص عليه في المادة 751 من ق.م.ج.، ويعتبر كأن لم ينجز، وبالتالي لا يمكن اعتبار ما نتج عنه من حجز لأدوات الاقتناع أو وسائل إثبات للجريمة.
ولا ينبغي أن نتناسى أن الأمر يتعلق بحرمة المنزل التي قرر الدستور عدم انتهاكها إلا طبق الشروط والإجراءات المنصوص عليها في القانون.
ولذلك فإن أي دليل لا يمكن أن ينتج عن عمل غير مشروع، وأن القضاء ينبغي ألا يلتفت لما نتج عن تفتيش يتم – في حالة البحث التمهيدي – خرقاً لمقتضيات المادة 79 من قانون المسطرة الجنائية.
ومن جهة أخرى فإن الفصل 230 من مجموعة القانون الجنائي ينص على عقوبة الحبس بالنسبة لكل قاض أو موظف عمومي أو رجل سلطة أو رجل قوة عمومية يدخل – بصفته تلك – مسكن أحد الأفراد، و رغم عدم رضائه، في غير الأحوال التي قررها القانون.
وإذا كان المشرع قد جعل من موافقة صاحب المنزل شرطاً ضروريا لإجراء التفتيش، فإنه إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية يمكن إجراء ذلك التفتيش حتى ولو رفض صاحب المنزل الموافقة عليه أو تعذر الحصول على موافقته، شريطة الحصول على إذن كتابي من النيابة العامة. ويجب في هذه الحالة أن يحضر الشخص الذي سيجري التفتيش في منزله، فإذا امتنع أو تعذر حضوره لسبب من الأسباب فإن التفتيش يتم بحضور شاهدين من غير مرؤوسي ضابط الشرطة القضائية الذي يجري التفتيش.
ولذلك فقد قرر المشرع تعويض الموافقة الكتابية لصاحب المنزل بإذن مكتوب للنيابة العامة، كلما تعلق التفتيش بجريمة إرهابية والإذن الذي تمنحه النيابة العامة في هذه الحالة يتعلق بإجراء التفتيش خلال الساعات القانونية، ذلك أن الفقرة الرابعة المضافة إلى المادة 79 من قانون المسطرة الجنائية بمقتضى قانون مكافحة الإرهاب 03.03، إنما جاءت لإيجاد حل للحالة التي يرفض فيها مالك المنزل أو قاطنه الموافقة على تفتيش منزله في الأوقات التي يسمح فيها بالتفتيش.
وأما إذا كان التفتيش سيجري خارج الأوقات القانونية، فإن ضابط الشرطة القضائية يلزمه الحصول على إذن مكتوب وصريح بذلك من النيابة العامة كما حددت ذلك الفقرة الثالثة المضافة إلى المادة 62 من قانون المسطرة الجنائية بمقتضى القانون 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب، لأن المادة 79 من ق.م.ج. أحالت على تطبيق المادة 62 من ق.م.ج.
وبديهي أن النيابة العامة يمكن أن تسلم إذنا واحداً ترخص فيه بإجراء التفتيش خارج الوقت القانوني، إذا امتنع صاحب المنزل أو تعذر الحصول على موافقته على إجراء التفتيش، وكانت ضرورة البحث تدعو إلى إجراء العملية ليلا بسبب حالة الاستعجال القصوى أو خوفا من اندثار وسائل الإثبات والمهم هو أن يتضمن إذن النيابة العامة في هذه الحالة الترخيص الصريح بإجراء التفتيش من جهة، والسماح به خارج الوقت القانوني من جهة أخرى.
ثالثا – الحراسة النظرية في البحث التمهيدي :
لا تختلف أحكام الوضع تحت الحراسة النظرية بين البحث التمهيدي والبحث في حالة تلبس إلا في بعض الجزئيات، ولكنها جزئيات هامة ومؤثرة.
1) إذن النيابة العامة :
بالنسبة للبحث التمهيدي لا يمكن وضع الشخص تحت الحراسة النظرية، إلا بعد الحصول على موافقة النيابة العامة مسبقاً على ذلك. بينما يمكن لضابط الشرطة القضائية إذا كان يجري بحثا في حالة تلبس أن يضع الشخص تحت الحراسة النظرية دون استئذان النيابة العامة مسبقاً، ولكن عليه إشعارها بعد ذلك.
ورغم أنه يمكن للنيابة العامة بما لها من سلطة تسيير أن تأمر بوضع حد للوضع تحت الحراسة النظرية في حالة التلبس فإن الوضع الذي يقوم به ضابط الشرطة في هذه الحالة دون إذنها يكون قانونياً ومنتجا لكل آثاره.
وأما إذا تعلق الأمر ببحث تمهيدي فإن إذن النيابة العامة مسبقاً بالوضع تحت الحراسة النظرية يعتبر شرطاً ضروريا، فإذا تم وضع شخص تحت الحراسة النظرية دون الإذن المسبق للنيابة العامة، وكان الأمر يتعلق ببحث تمهيدي – لا بحالة تلبس – فإن ذلك الوضع يعتبر خرقا للقانون، ويترتب عنه اعتبار الإجراءات المنجزة في تلك الفترة أو الناتجة عنها كان لم تكن، وفقاً للمادة 751 من المسطرة الجنائية. كما يعتبر الوضع الذي يتم خرقا للقانون بمثابة اعتقال تحكمي يعاقب عليه القانون الجنائي بعقوبة جنائية هي التجريد من الحقوق الوطنية (الفصول 225 و 226 و 227 و 228 من القانون الجنائي) .
وإذا كان الإذن المسبق للنيابة العامة هو الخاصية الأولى التي تميز الوضع تحت الحراسة النظرية في حالة البحث التمهيدي عنه في حالة التلبس، فإن المشرع لم يحدد كيفية منح هذا الإذن. ولذلك فإن هذا الإذن يمكن أن يكون شفويا أو مكتوباً. وإذا كان شفوياً، فإن المحضر ينبغي أن يبين ذلك حتى تتمكن المحكمة من بسط مراقبتها على سلامة الإجراءات،
وفي رأينا أنه تجب الإشارة دائماً في المحضر إلى إذن النيابة العامة بالوضع تحت الحراسة النظرية سواء كان الإذن كتابيا أو بوسيلة أخرى لا تترك أثرا كتابيا، لأن المحضر في الأصل هو مرأة تعكس كل الإجراءات التي ينجزها ضابط الشرطة القضائية، أو يعلم بها، أو يامر بالقيام بها، وحصوله على إذن بوضع شخص من الأشخاص تحت الحراسة النظرية هو إجراء من الإجراءات التي قام بها الضابط، ويتعين لذلك تدوينه بالمحضر .
2) تمديد الحراسة النظرية :
تتجلى الجزئية الثانية التي تميز موضوع الوضع تحت الحراسة النظرية بالنسبة للبحث التمهيدي عنه في حالة التلبس في اشتراط إجراءات خاصة بمناسبة تمديد فترة الحراسة النظرية حيث تشترط المادة 80 من ق.م.ج. أن يتم تقديم الشخص الذي كان موضوعاً تحت الحراسة النظرية إلى النيابة العامة قبل انتهاء المدة الأصلية للحراسة.
وإذا تعلق الأمر بطلب تمديد الحراسة النظرية، فإن قاضي النيابة العامة يتعين أن يستمع إليه قبل أن يقرر منح إذن مكتوب بتمديد الحراسة النظرية. وإذا لم يتيسر تقديم الشخص إلى النيابة العامة ساعة طلب تمديد مدة الحراسة النظرية، وارتأت النيابة العامة الموافقة على تمديدها، فإن مقررها ينبغي أن يتضمن تعليلا لأسباب عدم تقديم الشخص.
ومن بين الأسباب الوجيهة التي قد تحول دون تقديم الشخص إلى النيابة العامة لحظة طلب تمديد الحراسة النظرية، أن يتم نقله في تلك الأونة للتعرف على مسرح الجريمة أو للقيام بتشخيص وقائعها مثلا، أو لوجوده بالمستشفى أو نظراً لبعد المسافة التي قد تستغرق ساعات ذهاباً وإيابا ستخصم حتما من مدة الحراسة النظرية مما يؤدي إلى تقليص المدة الحقيقية للبحث.
ومهما كانت الأسباب فإن النيابة العامة ملزمة بتوضيحها كتابة وتعليل موقفها بشأن الإذن بتمديد الحراسة النظرية في حالة البحث التمهيدي دون إحضار الشخص المطلوب تمديد الحراسة النظرية في حقه أمامها.
3) باقي شروط وشكليات الحراسة النظرية :
أما باقي الشروط والإجراءات المتعلقة بالوضع تحت الحراسة النظرية فإنها واحدة سواء تعلق الأمر بالبحث التمهيدي أو بالبحث في حالة تلبس مع الإشارة أنه رغم استهلال المادة 80 من ق.م.ج. المتعلقة بالوضع تحت الحراسة النظرية في البحث التمهيدي، بضرورة أن يتعلق هذا البحث بجناية أو بجنحة يعاقب عليها بالحبس، وهو تعبير لم تستعمله المادة 66 من ق.م.ج المتعلقة بالوضع تحت الحراسة النظرية بمناسبة البحث الجاري في حالة تلبس.
إلا أن هذا الأمر لا يعطي أية خصوصية للوضع تحت الحراسة في حالة البحث التمهيدي، لأنه رغم أن المادة 66 من ق.م.ج المتعلقة بالتلبس لم تشترط أن يتعلق الأمر بجناية أو بجنحة معاقبة بالحبس لكي يتم الوضع تحت الحراسة النظرية فإن هذا الشرط يعتبر واجباً بالنسبة للوضع تحت الحراسة النظرية في حالة التلبس أيضاً عملا بمقتضيات المادة 56 من ق.م.ج التي حصرت تعريف حالة التلبس في الجناية أو الجنحة.
ورغم أن أوصاف حالة التلبس بالجنحة قد تتحقق ولو كانت الجنحة غير معاقبة بالحبس (معاقبة بمجرد غرامة مثلا)، فإن المادة 70 من ق.م.ج حسمت الخلاف في الأمر حينما نصت على تطبيق مقتضيات المواد من 57 إلى 69 من ق.م.ج على قضايا التلبس بالجنح في جميع الأحوال التي ينص فيها القانون على عقوبة الحبس.
ولذلك نرى أنه حتى إذا كان البحث جاريا في حالة تلبس فإنه إذا لم تكن الجريمة موضوع البحث جناية أو على الأقل جنحة يعاقب عليها بالحبس، فلا يمكن تطبيق الحراسة النظرية بشأنها، لأن الحراسة النظرية في هذه الحالة تجري طبقا للمادتين 66 و 67 من قانون المسطرة الجنائية وهما من بين المواد المشمولة بأحكام المادة 70 المشار إليها. وفي الواقع فإن الجنحة إذا لم تكن معاقبة بالحبس فلا يمكن أن تطبق عليها إجراءات البحث في حالة تلبس، وإنما تخضع لإجراءات البحث التمهيدي.
وأخيرا فقد أشارت المادة 82 من ق.م.ج إلى أن الوضع تحت الحراسة النظرية يثبت حسب الشكليات المنصوص عليها في المواد 66 و 67 و 68 من ق.م.ج، وقد سبقت الإشارة إليها عند الحديث عن البحث في حالة التلبس (شاهد المقال).
4) التفتيش الجسدي :
خولت المادة 81 من ق.م.ج لضابط الشرطة القضائية إجراء تفتيش جسدي على كل شخص تم وضعه تحت الحراسة النظرية. وإذا تعلق الأمر بامرأة فإن الضابط ينتدب امرأة لتفتيشها، وإذا كان الضابط امرأة فإنها تقوم بالتفتيش الجسدي بنفسها. وهذه المقتضيات تطبق سواء في حالة البحث التمهيدي أو حالة التلبس بجناية أو جنحة.
والتفتيش الجسدي على الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية غير مشروط بموافقة المعني بالأمر، لأنه تفتيش أمني يراد منه الحفاظ على سلامة الشخص المذكور، وسلامة باقي الأشخاص الذين قد يكونون موضوعين تحت الحراسة النظرية إلى جانبه، وكذا سلامة ضباط وأعوان الشرطة القضائية، ويهدف هذا التفتيش إلى التأكد من عدم حمل الشخص لأي أدوات تكون خطيرة على حياته أو حياة الغير أو سلامته أو سلامة الغير.
ولم يكن قانون المسطرة الجنائية السابق يتضمن نصا مشابها للمادة 81 من ق.م.ج، التي جاءت لتسد الفراغ وتضع حدا لكل التأويلات. علما أن الفصل 64 من قانون الدرك الملكي ينص على تفتيش كل شخص يلقى عليه القبض أو يظن أنه يحمل أسلحة أو أشياء من شأنها الإضرار بالأمن العمومي. كما يشمل التفتيش العربات التي يستعملها والامتعة التي يحملها، وينص هذا الفصل أيضا على وجوب تفتيش النساء على يد امرأة.