حدد المشرع الإطار العام لتدخل الشرطة القضائية في المادة 18 من قانون المسطرة الجنائية وعهد إليها بالتثبت من وقوع الجرائم، وجمع الأدلة عنها، والبحث عن مرتكبيها. كما أناط بها تنفيذ الأوامر القضائية والإنابات الصادرة عن قضاة التحقيق وتنفيذ تعليمات وأوامر النيابة العامة.
ويبدو من الاطلاع على قانون المسطرة الجنائية أن ضباط الشرطة القضائية ينجزون مهامهم إما في إطار البحث التمهيدي أو في حالة التلبس أو تنفيذا لإنابة قضائية. وهم في كل الأحوال مطالبون بإثبات ما قاموا به في محضر. ويشكل المحضر الإطار القانوني الذي يعكس كل العمليات التي يباشرها ضابط الشرطة القضائية.
ومنه يلزم ضباط الشرطة القضائية بتحرير محاضر بشأن كل العمليات التي يقومون بها. وتنص المادة 23 من ق.م.ج على ذلك بصيغة الوجوب، كما أن الفصل 70 من قانون الدرك الملكي المغربي ينيط برجال الدرك الملكي تحرير محاضر بما عاينوه أو تلقوه أو قاموا به من عمليات.
وقد عدد هذا الفصل مجموع العمليات التي تستلزم محاضر، ولا سيما الاعتقالات التي يباشرها ضابط الشرطة القضائية، والجرائم التي يكشف عنها أو تصل إلى علمه والتصريحات التي يفضي إليه بها، والمشاهدات التي يقوم بها، والوقوف على عين المكان وأيضاً محاضر عن تنقله، وعن الأبحاث التي يقوم بها، وكذا عند تسخيره كقوة عمومية.
ويلزم القانون ضباط الشرطة القضائية بتوجيه أصول المحاضر التي ينجزونها مرفقة بنظيرين منها وكذا بالوثائق والمستندات المرفقة بها إلى النيابة العامة، وأن يضعوا الأشياء المحجوزة رهن إشارتها. وقد عرفت المادة 24 من ق.م.ج. المحضر الذي ينجزه ضابط الشرطة القضائية ويوجهه إلى النيابة العامة، اعتمادا على العناصر الآتية:
– المحضر وثيقة مكتوبة: ولذلك فلا مجال للحديث عن محاضر شفوية ولا مسجلة بوسيلة مرئية أو صوتية. وتنص بعض القوانين الخاصة كقانون 1917/10/17 المتعلق بالمحافظة على الغابات واستغلالها على كتابة المحضر بخط اليد. كما ينص قانون الدرك الملكي على مسك سجل للتصريحات من طرف رجال الدرك الملكي.
– يحرر المحضر ضابط للشرطة القضائية: ولذلك فإن الوثائق التي يحررها أعوان الشرطة القضائية لا تسمى محاضر. علما أن بعض النصوص الخاصة تسمي الوثائق التي يحررها ضباط الشرطة القضائية تقريرا وليس محضرا، مثل قانون الغابات وقانون الصيد في الأنهار…
– أن يتم إنجاز المحضر أثناء مزاولة مهام الشرطة القضائية.
– أن يتعلق المحضر بأمور داخلة ضمن اختصاصات ضابط الشرطة القضائية: فمأمور المياه والغابات مثلا لا يمكنه إنجاز محضر يتعلق بحادث سير وعون المكتب الوطني للسكك الحديدية لا يمكنه إنجاز محضر يتعلق بانتزاع عقار مثلا؛ لأن النصوص المنظمة لمهام هذين العونين تحدد اختصاصهما بمجال عملهما، الأول في نطاق المياه والغابات والثاني في مجال السكة الحديدية. وأما ضابط الشرطة القضائية العام كموظف الدرك الملكي والأمن الوطني أو وكيل الملك فصلاحيته عامة ويمكنه ضبط كل مخالفة للقانون وتحرير محضر بشأنها.
– أن يتضمن المحضر معاينة الضابط: أي ما عاينه بنفسه وشاهده بعينيه أو ما تلقاه من تصريحات أي الأقوال التي أقضي إليه بها أو بلغت إليه. وكذلك العمليات التي قام بها، مثل عمليات التفتيش أو الحجز أو الإيقاف أو غيرها من العمليات التقنية أو القانونية، التي يسمح بها القانون وينجزها ضابط الشرطة القضائية.
وينبغي أن يشار في المحضر إلى اتسام محرره بصفة ضابط للشرطة القضائية، وأن يتضمن البيانات الآتية:
– اسم محرره: فضابط الشرطة القضائية لابد أن يفصح عن اسمه ويدونه بالمحضر، إذ لا حجية لمحضر يجهل محرره، لما يترتب عن ذلك من غياب المراقبة القضائية في حالة جهل اسم محرر المحضر.
– صفة محرر المحضر: إذ أن هذه الصفة هي التي تمكن من التأكد من توفره على صفة ضابط الشرطة القضائية، فمثلا لا يمكن لموظف شرطة عادي (حارس أمن) أن ينجز محضرا لأن صفته لا تخوله حمل صفة ضابط شرطة قضائية. وعادة ما تحمل المحاضر الإشارة إلى اسم محرر المحضر مضافا إليه صفته كضابط للشرطة القضائية على النحو التالي ” نحن فلان….مساعد أول للدرك الملكي، ضابط الشرطة القضائية مثلا) .
– مكان عمل محرر المحضر: أي الإشارة إلى الوحدة الإدارية الملحق بها كدائرة الشرطة القضائية أو مركز الدرك الملكي.
– توقيع محرر المحضر: ويقصد به توقيع ضابط الشرطة القضائية، وليس توقيع مساعده الذي يتولى كتابة المحضر على الآلة الكاتبة أو بواسطة جهاز الحاسوب مثلا.
– تاريخ وساعة إنجاز الإجراء: علماً أن كثيراً من الإجراءات المسطرية محددة بالساعة كالحراسة النظرية وتفتيش المنازل.
– تاريخ وساعة إنجاز المحضر: إذا كان تحرير المحضر يخالف ساعة إنجاز الإجراء، وإلا فإن الساعة التي يحرر فيها المحضر تعتبر هي ساعة إنجاز الإجراء نفسه، ولذلك ينبغي على الضابط أن يدقق الأمر لمنع كل طعن بعدم صحة الإجراءات أو بزوريتها.
ويمكن أن يتضمن المحضر بيانات أخرى مثل ما نصت عليه المادة 67 من ق.م.ج. المتعلقة بوجوب تضمين محضر استماع كل شخص يوضع تحت الحراسة النظرية، يوم وساعة ضبطه ويوم وساعة إطلاق سراحه أو تقديمه إلى القاضي المختص. وكذا ما نصت عليه المادة 69 من ق.م.ج. حول وجوب تحرير المحاضر المنجزة وفقا للمواد من 57 إلى 67 من ق.م.ج. فورا، وتوقيع ضابط الشرطة على كل ورقة من أوراقها.
وإذا تعلق الأمر بمحضر الاستماع إلى شخص، سواء كان متهما أو مشتبها فيه أو شاهدا أو ضحية أو مجرد مصرح، فإن المادة 24 من ق.م.ج حددت كيفية تحريره، وحضرت البيانات التي يتعين أن تدرج فيه، ويتعلق الأمر بما يلي:
– إدراج هوية الشخص المستمع إليه بالمحضر، ورقم بطاقة تعريفه عند الاقتضاء والمفروض أن تتم الإشارة إلى رقم بطاقة التعريف الوطنية للشخص المستمع إليه. وأما تعبير عند الاقتضاء فيقصد منه كلما تمكن ضابط الشرطة القضائية من إنجاز هذا الإجراء، إذ في بعض الحالات لا يتوفر الشخص على بطاقة هوية كالحدث مثلا أو كبعض الأشخاص الذين لا يتوفرون عليها على الرغم من كونها وثيقة إجبارية بمقتضى القانون .
– تدون بمحضر الاستماع التصريحات التي يفضي بها المصرح، والمقصود الأقوال التي يدلى بها بشأن الأفعال موضوع البحث سواء على شكل رواية للأحداث أو ملاحظات أو طلبات.
– وتدون به الأجوبة التي يرد بها الشخص المستمع إليه على الأسئلة التي يوجهها إليه ضابط الشرطة القضائية. وليس ضرورياً تدوين الأسئلة نفسها، فالنص يشير إلى تدوين الأجوبة فقط وينبغي أن يشير المحضر إلى إشعار المشتبه فيه بالأفعال المنسوبة إليه من طرف ضابط الشرطة القضائية في المحضر المتعلق به.
– يقرأ المصرح تصريحاته بنفسه أو تتم قراءتها عليه ويشار إلى ذلك بالمحضر.
– إذا أدخل المصرح تغييرات أو إضافات على أقواله أو أبدى ملاحظات بشأنها فإن ضابط الشرطة القضائية يدونها. وفي حالة عدم وجودها فإنه يشير إلى ذلك، كقوله مثلا “.. وبعد أن تلا تصريحاته بنفسه ( أو تليت عليه )، تمسك بها ولم يبد أي ملاحظة بشأنها …”.
– يوقع المصرح إلى جانب ضابط الشرطة على المحضر وعلى الإضافات، ويدون اسمه بخط يده إلى جانب التوقيع. و إذا كان المصرح لا يحسن الكتابة أو التوقيع يضع بصمته، ويشار في المحضر إلى ذلك.
– – إذا رفض المصرح التوقيع أو الإبصام أو لم يستطع ذلك كأن يكون ذا عاهة أو مصابا في يديه فيشير الضابط إلى الرفض أو عدم الاستطاعة ويوضح أسبابه.
– يصادق الضابط والمصرح على التشطيبات والإحالات. كأن يشير بأسفل المحضر أنه وقع إقحام كلمة، أو التشطيب عليها من سطر معين.
– الاستعانة بمترجم يحسن التخاطب مع المستمع إليه. فقد ألزم القانون بمقتضى المادة 21 من ق.م.ج. ضابط الشرطة القضائية على الاستعانة بمترجم أو بكل شخص يحسن التخاطب مع الشخص المستمع إليه، إذا كان هذا الأخير يتحدث لغة أو لهجة لا يحسنها ضابط الشرطة القضائية، أو إذا كان أصم أو أبكم.
وإلزام ضابط الشرطة القضائية بالاستعانة بمترجم يحسن التخاطب مع المستمع إليه رهين بكون الأول لا يفهم أو لا يحسن اللغة التي يتحدث بها الثاني، كما لو كان المستمع إليه يتحدث الإنجليزية التي لا يفهمها ضابط الشرطة القضائية. أما إذا كان الضابط يفهم اللغة التي يتحدث بها المستمع إليه فإن ذلك يعفيه من وجوب الاستعانة بمترجم، ولكن يتعين عليه الإشارة بالمحضر إلى ذلك.
و إذا كان المستمع إليه أصم أو أبكم فإن ضابط الشرطة القضائية يلزم بالاستعانة بشخص يحسن التخاطب معه، وعلة ذلك أن المستمع إليه الأبكم قد يعني بالإشارات التي يقوم بها بعض المقاصد التي قد يفهمها ضابط الشرطة القضائية خطأ، فيضمن فحواها ومفاهيمها بشكل يخالف ما قصده المستمع إليه المعني بالأمر. كما أن الإشارة التي يلوح بها ضابط الشرطة القضائية والتي يقصد بها مسألة معينة قد يفهمها المستمع إليه الأصم خطأ فيدلي بتصريحات قد تضر بمركزه القانوني في القضية. أو تضر بسير البحث نتيجة انصراف ضابط الشرطة القضائية إلى التحري بشأن أمور فهمها خطأ ولا علاقة لها بالقضية.
ويعتبر هذا الإجراء الموضوع على عاتق ضابط الشرطة القضائية كقاعدة آمرة من المستجدات القانونية اقتضاه المشرع عملا بمبدأ قرينة البراءة الذي استهل به قانون المسطرة الجنائية.و قد تبنى المشرع المغربي بالنسبة لهاته المقتضيات نفس النهج الذي سار عليه المشرع الفرنسي في المادة 63 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي بشأن إلزامية الاستعانة بشخص يحسن التخاطب مع الأبكم أو الأصم المستمع إليه.
وإذا كان المحضر يعتبر ترجمة للجهود التي تبذلها الشرطة القضائية، فإنه كذلك يعكس مدى احترام ضابط الشرطة القضائية للقانون خلال الأبحاث التي يقوم بها. وهي كثيرة ومتنوعة بعضها يتعلق بمعاينات الضابط إما لظروف ارتكاب الجريمة أو لآثارها ومخلفاتها، وبعضها يتعلق بشخص المشتبه فيه كإيقافه ووضعه تحت الحراسة النظرية أو الاستماع إليه أو مواجهته مع الغير، وبعضها الآخر يتعلق بأدوات الجريمة أو الأشياء المحصل عليها من العمل الجرمي كضبطها وحجزها ووصفها، أو يتعلق بمسكن المتهم أو شخص آخر إذا اقتضى الأمر معاينته أو تفتيشه… وغيرها من الإجراءات الموكول القيام بها للشرطة القضائية، والتي تقوم بها في إطار البحث في حالة التلبس أو في إطار البحث التمهيدي أو في إطار إنابة قضائية.