إن مهام الشرطة القضائية وإن كانت كثيرة ومتعددة، فإنها تنحصر أساسا في التثبت من وقوع الجرائم، وجمع الأدلة عنها، والبحث عن مرتكبيها. وتقوم الشرطة القضائية عادة بمهامها إما في إطار البحث في حالة التلبس بالجريمة، أو في إطار البحث التمهيدي العادي، أو في نطاق إنابة قضائية، وتكون الشرطة القضائية خلال ممارستها لهذه المهام خاضعة لسلطة ومراقبة القضاء.
و إذا كانت النيابة العامة تملك سلطة تسيير أعمال ضباط الشرطة القضائية، فإن الغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف هي التي تتولى مراقبة أعمالهم.
فالمادة 17 من قانون المسطرة الجنائية أشارت إلى أن الشرطة القضائية توضع في دائرة نفوذ كل محكمة استئناف، تحت سلطة الوكيل العام للملك ومراقبة الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف. وتراقب الغرفة أعمال ضباط الشرطة القضائية حين تكون التصرفات صادرة عنهم بمقتضى هذه الصفة.
والغرفة الجنحية تمارس بذلك مهام السلطة التأديبية لضباط الشرطة القضائية في أدائهم لمهام الشرطة القضائية، وتحملهم مسؤولية الأخطاء الصادرة عنهم عمداً أو نتيجة إهمال أو تقصير في تطبيق القانون، أو مخالفة تعليمات النيابة العامة، أو ارتكاب شطط أو تعسف في السلطة….
وتباشر المسطرة التأديبية بعد أن يرفع الوكيل العام للملك إلى الغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف الإخلال أو المخالفة المنسوبة للضابط أثناء قيامه بعمله كضابط للشرطة القضائية. ويقدم الوكيل العام للملك ملتمساته الكتابية، وتأمر الغرفة بإجراء بحث حول مدى صحة ما نسب إلى الضابط المحال عليها، وتستمع إليه.
ويمكن للضابط الإطلاع على ملفه الموجود بالنيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بوصفه ضابطا للشرطة القضائية. ويجوز له أن يستعين بمحام من اختياره لمؤازرته. ثم تصدر الغرفة قرارها في الموضوع. ويمكنها في حالة تأكدها من ثبوت مخالفة مهنية من طرف الضابط، أن تتخذ في حقه إحدى العقوبات المشار إليها في المادة 32 من قانون المسطرة الجنائية تبعاً لخطورة الفعل المنسوب إليه، وهي إما :
– توجيه ملاحظات إلى الضابط، ولا يحدد النص الملاحظات الممكن توجيهها ولا درجتها، ولكن الأمر يتعلق في نظرنا بلفت نظر الضابط إلى احترام المسطرة القانونية ودعوته للالتزام مستقبلا بمقتضيات القانون ويكاد الأمر يكون بمثابة تنبيه للضابط، لا يرقى إلى درجة التوبيخ ولا يقل عن الإنذار. فهذه الملاحظات هي تذكير الضابط بالمقتضيات القانونية وتنبيهه إلى ضرورة اتباعها.
– التوقيف المؤقت عن ممارسة مهام الشرطة القضائية لمدة لا تتجاوز سنة واحدة. ولم يكن نص الفصل 247 من قانون المسطرة الملغى – الموافق للمادة 32 من قانون المسطرة الجنائية الحالي – يحدد مدة توقيف الضابط.
ويقصد بالتوقيف المؤقت عن ممارسة مهام الشرطة القضائية أن يكف الضابط خلال المدة التي تحكم بها الغرفة الجنحية، والتي لا يمكن أن تتجاوز سنة واحدة عن ممارسة كل المهام المرتبطة بالشرطة القضائية.
وفي نظرنا أن الأمر لا يعني فقط عدم ممارسة مهام ضابط الشرطة القضائية، وإنما كذلك الكف عن ممارسة مهام عون الشرطة القضائية، لأن النص ورد مطلقا ويفيد مهام الشرطة القضائية، أي كل ما ترجع الصلاحية في القيام به لمؤسسة الشرطة القضائية.
ونرى أن انطلاق المدة يجب أن يحتسب من تاريخ إبلاغ الضابط بالقرار، ما لم تقرر الغرفة أمرا آخر، وقرار الغرفة الجنحية يمكن الطعن فيه بالنقض وفق اللشروط والكيفيات العادية.
ومن جهة أخرى فإن الضابط يمكن أن يتعرض لعقوبات تأديبية يتخذها في حقه رؤساؤه الإداريون، وفقا لقانون الوظيفة العمومية أو للنظام الأساسي المطبق على موظفي الإدارة التي ينتمي إليها، حينما تعتبر الإدارة المذكورة أن خطأ الضابط هو خطا مهني أيضا. ولا تحول العقوبة المتخذة من طرف الغرفة الجنحية دون إصدار الإدارة لعقوبة مهنية، لأن منظور الأولى هو الخطأ في ممارسة مهام الشرطة القضائية، ومناط الثانية هو الخطأ المهني بمفهومه العام.
وإذا تبين للغرفة الجنحية أن الوقائع المنسوبة للضابط تشكل جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي، أمرت علاوة على ذلك بإرسال الملف إلى الوكيل العام للملك ليقيم الدعوى العمومية إن اقتضى الحال. كما يقوم الوكيل العام للملك بتبليغ المقررات المتخذة ضد ضباط الشرطة إلى علم السلطات الإدارية والعسكرية التي ينتمون إليها.
ومن جهة أخرى فقد نصت المادة 35 من ق. م. ج. أن المقتضيات المشار إليها أعلاه تطبق أيضا على جميع الموظفين وأعوان الإدارات والمرافق العمومية الذين تخولهم نصوص خاصة بعض مهام الشرطة القضائية عند ارتكابهم إخلالات أثناء ممارستهم لهذه المهام.
والملاحظ أن نصوص المسطرة الجنائية الحالية كسابقتها، اقتصرت على مسؤولية ضباط الشرطة القضائية والموظفين الذين تخولهم نصوص خاصة القيام ببعض مهام الشرطة القضائية. أما أعوان الشرطة القضائية فلا يتابعون تأديبيا أمام الغرفة الجنحية لأن عملهم يقتصر على مساعدة رؤسائهم الضباط، وعلى تنفيذ تعليماتهم، فإذا ارتكبوا مخالفة أثناء مزاولة مهامهم، توبعوا أمام الجهة التي تملك تأديبهم في وظائفهم الأصلية. كما يمكن أن يتابعوا جنائيا إذا كانت الأفعال الصادرة عنهم تشكل عملا جرميا.