قانون المسطرة الجنائيةقانونيات

تكوين الشرطة القضائية

تتكون الشرطة القضائية من ضباط سامين للشرطة القضائية، وضباط الشرطة القضائية، وأعوان الشرطة القضائية ومن بعض الموظفين والأعوان مكلفين ببعض مهام الشرطة القضائية.

وينتمي أعضاء الشرطة القضائية إلى مصالح وجهات قضائية أو إدارية متعددة. فمنهم من ينتمي إلى سلك القضاء، ومنهم من ينتمي إلى إدارة الدفاع الوطني، أو الأمن الوطني أو وزارة الداخلية أو لقطاعات حكومية أخرى كالفلاحة أو النقل أو التشغيل أو التعمير، أو للجماعات المحلية.

ولعل انتماء أعضاء الشرطة القضائية إلى جهات إدارية متعددة، يحقق نوعاً من التخصص، من شأنه أن يساعد أكثر على قمع الإجرام وضبط المجرمين والمخالفين للقانون.

وكيفما كان انتماء أعضاء الشرطة القضائية، فإنهم يخضعون في عملهم بهذه الصفة للسلطات القضائية، في التسيير والإشراف والمراقبة (المادة 17 من ق. م. ج.).

وهكذا فوكيل الملك يسير في دائرة نفوذه أعمال الشرطة القضائية (المادتان 16 و 45 من ق.م . الجنائية) أما الوكيل العام للملك فإن الشرطة القضائية موضوعة تحت سلطته في دائرة نفوذ كل محكمة استئناف ( المادتان 17 و 49 من ق.م.ج) وأما الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف فتخضع الشرطة القضائية في دائرة نفوذ كل محكمة استئناف تحت مراقبتها ( م 17 من ق.م. ج).

فتسيير وكيل الملك لأعمال الشرطة القضائية يعني تكليفهم بالقيام بأبحاث تمهيدية وإعطاء التعليمات حول سير عملياتها. وكلمة التسيير تفيد سلطة التوجيه وإدارة عمليات البحث على نحو يدعو وكيل الملك إلى ممارسة عملية تسيير أعمال الشرطة القضائية بشكل دائم ومباشر، ويدعو أعضاء الشرطة القضائية إلى تنفيذ تعليماته واتباع توجيهاته ( م 40 فقرة 2 ).

ويملك هذا الحق أيضا الوكيل العام للملك فيما يخص الجنايات والجرائم المرتبطة بها. ورغم أن المشرع لم يستعمل لفظة التسيير بالنسبة للوكيل العام للملك، فإن السلطة التي يتوفر عليها بالنسبة لقضاة النيابة العامة وضباط وأعوان الشرطة القضائية بدائرة نفوذه بمقتضى المادتين 17 و 49 من ق. م. ج تعطيه حق تسيير أعمال الشرطة القضائية بالنسبة للأبحاث التي يشرف عليها.

أما سلطة الوكيل العام على الشرطة القضائية فتتجلى في متابعته – عن طريق ما يقف عليه أو يصل إلى علمه أو يرفع إليه – لكل إخلال ينسب لضابط الشرطة القضائية، أثناء قيامه بمهامه، وإحالته على الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف ( م 30من ق. م. ج).

وكذا توليه السهر على تطبيق القانون الجنائي في مجموع دائرة نفوذ محكمة الاستئناف (م 49 من ق. م. ج.) وأما مراقبة الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف للشرطة القضائية فتتجلى في البت كسلطة تأديبية في موضوع الإخلالات المنسوبة لضابط الشرطة القضائية أثناء قيامه بمهامه، أي عندما تكون صادرة عنه بهذه الصفة.

وتتم الإحالة على الغرفة الجنحية من طرف الوكيل العام للملك، ( م 29 – 30 من ق. م. ج) ويمكن للغرفة الجنحية بمناسبة ذلك، وبالنظر لجسامة الإخلال، وبصرف النظر عن العقوبات التأديبية التي قد يتخذها في حقه رؤسائه الإداريين، أن توجه لضابط الشرطة القضائية ملاحظات، أو تقرر توقيفه مؤقتا عن ممارسة مهام الشرطة القضائية لمدة لا تتجاوز سنة واحدة، أو تجرده نهائيا من مهام الشرطة القضائية ( م 32 من ق. م. ج).

وإذا ارتأت الغرفة الجنحية أن ضابط الشرطة القضائية ارتكب جريمة أمرت علاوة على ما ذكر، بإرسال الملف إلى الوكيل العام للملك الذي يملك سلطة الملاءمة في تقرير سلوك الإجراء القانوني الواجب من أجل إثارة الدعوى العمومية عند الاقتضاء ( م 33 من ق. م. ج).

وأمر تسيير النيابة العامة لأعمال الشرطة القضائية، وسلطة الوكيل العام عليها ومراقبة الغرفة الجنحية لها، هي مقتضيات تدعم آليات المراقبة القضائية على هذا الجهاز، ضمانا للشرعية، وتجنبا لكل شطط يمكن أن يقترف من طرف أفرادها باسم القانون.

وتتكون الشرطة القضائية من الضباط السامين للشرطة القضائية، وضباط الشرطة القضائية، وضباط الشرطة القضائية للأحداث، وبعض الموظفين المكلفين ببعض مهام الشرطة القضائية، ومن أعوان الشرطة القضائية.

أولاً: الضباط السامون للشرطة القضائية

ويحمل هذه الصفة: الوكيل العام للملك ونوابه وكيل الملك ونوابه وقاضي التحقيق.

ورغم أن هؤلاء القضاة يعتبرون ضباطا للشرطة القضائية يملكون جميع الصلاحيات المخولة لها ويحق لهم ممارسة كافة مهامها، فإنهم يملكون ميزة خاصة تميزهم عن غيرهم من ضباط الشرطة القضائية العاديين،

فهم الذين يسيرون أعمال ضباط الشرطة القضائية الآخرين، ويستطيعون بهذه الصفة توجيه تعليمات لهم يكونون ملزمين بتنفيذها. كما أن حضور أحد الضباط السامين للشرطة القضائية لمكان الجريمة يغل يد الضابط العادي ما لم يتخل له الضابط السامي عن البحث.

ثانياً: ضباط الشرطة القضائية

ويحمل هذه الصفة:

– المدير العام للأمن الوطني، وولاة الأمن، والمراقبون العامون للشرطة، وعمداء الشرطة، وضباط الشرطة.

ويبدو أن الدرجات المهنية هي التي تتحكم في منح صفة ضابط الشرطة القضائية للموظفين المنتمين للأمن الوطني، وأن أدنى درجة يحملها موظف الأمن الوطني ليكون مؤهلا تلقائياً لمهام الشرطة القضائية هي رتبة ضابط للشرطة، علما أن النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني ينص على درجة أخرى مماثلة لا يمارس أصحابها مهام الشرطة القضائية هي رتبة ضابط أمن. غير أن صفة ضابط الشرطة القضائية يمكن أن تخول لمفتشي الشرطة الذين قضوا على الأقل 3 سنوات من العمل بصفتهم مفتشين، وعينوا بقرار خاص مشترك بين وزير العدل ووزير الداخلية.

– ضباط الدرك الملكي، وذوو الرتب فيه، وكذا الدركيون الذين يتولون قيادة فرقة أو مركز للدرك الملكي طيلة مدة هذه القيادة.

والملاحظ أن الأمر يتعلق برتب عسكرية. فالضابط بالدرك الملكي هو ملازم أول فما فوق. وأما ذوي الرتب فهم كل من علت رتبته عن رقيب Sergent ، لأن هذه الدرجة هي أدنى تصنيف عسكري لرجال الدرك الملكي ، وكلما حصل الدركي على رتبة أعلى كرقيب أول أصبح ذا رتبة، وبالتالي خول صفة ضابط للشرطة القضائية.

علما كذلك أن الدركي من درجة رقيب فقط، يمكنه أن يمارس مهام ضابط الشرطة القضائية إذا كان يتولى قيادة فرقة أو مركز للدرك الملكي طيلة مدة هذه القيادة. وصفته هنا كضابط الشرطة القضائية مرتبطة بممارسته لمهام القيادة.

كما تخول للدركي العادي صفة ضابط شرطة قضائية إذا عين اسميا بقرار مشترك من وزير العدل والسلطة الحكومية المكلفة بإدارة الدفاع الوطني . ولا يمكن تعيينه إلا إذا كانت له أقدمية ثلاث سنوات على الأقل في ممارسة مهام الدرك الملكي. وقد جرى العمل أن يؤهل الدركيون لهذه المهام بمقتضى تكوين خاص يتلقونه بمدارس الدرك الملكي.

وينص الفصل 116 من قانون الدرك الملكي ” أن رجال الدرك الملكي الذين قضوا مدة ثلاث سنوات على الأقل في خدمة الدرك والمعينين رسميا بعد تأدية امتحان بموجب قرار يصدره كل من وزير الدفاع الوطني، ووزير العدل، يعدون ضباطا للشرطة القضائية ويساعدون وكيل الملك المقيم بالدائرة التي يمارسون فيها عادة وظائفهم”.

– الباشوات والقواد، وهم موظفو الإدارة الترابية الذين يمثلون السلطات المحلية ويخضعون إداريا لوزارة الداخلية.

و الضباط المشار إليهم سابقا يملكون الصلاحية للقيام بمهام الشرطة القضائية في سائر الجرائم دون تحديد. وبذلك فإن صلاحياتهم عامة.

ثالثاً : ضباط الشرطة القضائية المكلفون بالأحداث

هذه الفئة تم إحداثها لأول مرة بمقتضى قانون المسطرة الجنائية الجديد. ويبدو أن اتجاه المشرع ماض إلى إحداث تخصص للشرطة القضائية في مجال قضاء الأحداث نظرا لخصوصياته. ومن الناحية العملية فينتظر أن تتولى الإدارات الحكومية التي ينتمي لها ضباط الشرطة القضائية إحداث فرق خاصة بالأحداث يتم تأهيلها وتكوينها للتعامل مع الأحداث الجانحين بشكل يلائم خصوصيات هذه الفئة من الجانحين.

غير أن إحداث شرطة قضائية خاصة بالأحداث لا يعني نزع الاختصاص من ضباط الشرطة القضائية العامة المنصوص عليهم في المادة 20 من قانون المسطرة الجنائية الذين يبقون مؤهلين لممارسة مهام الشرطة القضائية بشكل عام.

رابعاً : الموظفون والأعوان المكلفون ببعض مهام الشرطة القضائية

كان قانون المسطرة الجنائية الملغى يشير إلى فئة من الموظفين والأعوان المخول إليهم ممارسة بعض مهام الشرطة القضائية، وعلى سبيل المثال مهندسي المياه والغابات الذين أوكل إليهم القانون المتعلق بالغابات البحث عن الجنح والمخالفات المنصوص عليها في التشريع المتعلق بالغابات أو الصيد البري أو الصيد في المياه الإقليمية .

إلا أن القانون الجديد أحال على النصوص القانونية الخاصة المتعلقة بموظفي وأعوان الإدارات والمرافق العمومية المسندة إليهم بعض مهام الشرطة القضائية وكذا تحديد الاختصاصات والصلاحيات المخولة إليهم، دون أن يسمي إدارة بعينها. وعادة ما تنص بعض النصوص الخاصة على تكليف أعوان إدارة من الإدارات بممارسة مهام الشرطة القضائية في مجال تخصصهم.

وعادة ما تقلص تلك النصوص من الصلاحيات المخولة لهؤلاء الأعوان أو الموظفين، كعدم إمكانية إلقاء القبض على الأشخاص وإيداعهم تحت الحراسة النظرية إلا بحضور ضابط من ضباط الشرطة القضائية العاديين، أو منع تفتيش المنازل مثلا وإسناد مهام الشرطة القضائية لأصناف من الموظفين والأعوان هو من باب إيجاد ضباط متخصصين في بعض المجالات التقنية مثل موظفي الجماعات المحلية بالنسبة للتعمير وأعوان السكك الحديدية بالنسبة للمخالفات المرتكبة في مجال الربط السككي والقطارات، وأعوان ومهندسي المياه والغابات بالنسبة لجرائم الغابات والصيد في الأنهار، وموظفي إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بالنسبة للجرائم الجمركية وجرائم الصرف، وغيرهم من الموظفين أو الأعوان التابعين لبعض الإدارات أو المرافق العمومية.

وقد أحالت المادة 27 من قانون المسطرة الجنائية هؤلاء الموظفين والأعوان لممارسة مهام الشرطة القضائية حسب الشروط وضمن الحدود المبينة في النصوص الخاصة المتعلقة بوظيفتهم. ولذلك فإنه ينبغي الرجوع إلى تلك النصوص لمعرفة حدود الصلاحيات المخولة لهؤلاء الموظفين أو الأعوان.

و بالإضافة إلى الأعوان المذكورين أسندت المادة 28 لوالي الولاية أو عامل الإقليم بعض الصلاحيات في مجال الشرطة االقضائية، ويتضح من المادة 28 من قانون المسطرة الجنائية أن الوالي أو العامل يمارس مهام الشرطة القضائية إذا توفرت ثلاثة شروط هي:

– في حالة ارتكاب جريمة ضد سلامة الدولة الداخلية أو الخارجية. وهي جرائم قد تكون جنايات أو جنحا وفقا لمقتضيات الفصول من 163 إلى 218 من القانون الجنائي.

– أن تقتضي حالة الاستعجال تدخل الوالي أو العامل.

– ألا يكون الوالي أو العامل قد أخذ العلم بكون السلطة القضائية شرعت في مباشرة البحث في القضية.

وإذا مارس الوالي أو العامل هذه الصلاحية فإنه:

– يقوم هو شخصيا، أو يأمر الشرطة القضائية كتابة بالقيام بالإجراءات الضرورية للتثبت من ارتكاب الجرائم المذكورة. ويجب على ضباط الشرطة القضائية المسخرين من قبل الوالي أو العامل لهذه المهمة أن يمتثلوا لتعليماته وأن يخبروا فورا ممثل النيابة العامة. كما يجب على كل موظف بلغ إليه أمر القيام بحجز في هذا الإطار أن يمتثل له ويخبر فورا ممثل النيابة العامة.

– وعلى الوالي أو العامل أن يخبر ممثل النيابة العامة فورا باستعماله لهذا الحق، وأن يتخلى له عن النازلة خلال الأربع وعشرين ساعة الموالية للشروع في العمليات، ويحيل عليه كافة الوثائق ويقدم إليه جميع الأشخاص الذين ألقي عليهم القبض.

وإذا اتضح للنيابة العامة أن المحكمة العسكرية هي المختصة، فإنها تحيل الوثائق على السلطة الحكومية المكلفة بالدفاع الوطني، وتأمر فوراً، إن اقتضى الحال، بتقديم الأشخاص الملقى عليهم القبض إلى السلطة المختصة وهم في حالة اعتقال وتحت الحراسة. ولا خيار للنيابة العامة في إحالة الأشخاص وهم رهن الاعتقال وتحت الحراسة إلى السلطة العسكرية إذا كانت هي المختصة، وأن تعبير عند الاقتضاء المستعمل في الفقرة الأخيرة من المادة 28، يقصد منه ” في حالة ما إذا كان هناك أشخاص معتقلون أو مقبوض عليهم”.

خامساً: أعوان الشرطة القضائية

عددت المادة 25 من قانون المسطرة الجنائية أعوان الشرطة القضائية، ويمكن تقسيمهم إلى ثلاثة أصناف:

– موظفو المصالح العاملة للشرطة، أي جميع موظفي الأمن الوطني الممارسين مهامهم والذين لا يحملون صفة ضابط للشرطة القضائية. ويمكن القول إنهم على العموم الموظفون المرتبون في أسلاك حراس الأمن وضباط الأمن وقواد حراس الأمن ، بالإضافة إلى مفتشي الشرطة غير المعينين اسميا للقيام بمهام ضباط الشرطة القضائية.

– الدركيون الذين ليست لهم صفة ضابط للشرطة القضائية. ويتعلق الأمر بالدركيين من رتبة رقيب، الذين لا يرأسون فرقة للدرك الملكي لأنهم خلال فترة رئاستهم لها يعدون ضباطاً للشرطة القضائية، ولا الذين عينوا اسميا كضباط الشرطة القضائية بقرار مشترك بين وزير العدل والسلطة الحكومية المكلفة بالدفاع الوطني (حاليا الوزير الأول).

– خلفاء الباشوات وخلفاء القواد، وهم موظفون تابعون لوزارة الداخلية يقومون بمهام السلطة المحلية في نفوذ الدوائر والقيادات.

ويقتصر دور أعوان الشرطة القضائية على مساعدة الضباط وتنفيذ أوامرهم وتعليماتهم بخصوص جمع المعلومات حول الجرائم والتثبت من وقوعها، وذلك قصد التوصل إلى معرفة مرتكبيها. ولا يحق لهم مباشرة المهام التي ينيطها القانون بضباط الشرطة القضائية كاستجواب المشتبه فيهم، وتحرير محاضر البحث التمهيدي العادي والتلبسي والوضع تحت الحراسة النظرية وتفتيش المنازل وغيرها من الإجراءات التي أوكل القانون القيام بها لمن له صفة ضابط الشرطة القضائية دون غيره،

وهذا لا يمنع عون الشرطة القضائية من الحضور إلى جانب الضابط الذي ينجز البحث كمساعد له في جميع الإجراءات التي يقوم بها، بما في ذلك تفتيش المنازل مادام يعمل تحت إشراف الضابط ويأتمر بأوامره وتعليماته. وتعتبر المساعدة التي يقدمها أعوان الشرطة القضائية مهمة جدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى