طرفا الدعوى المدنية هما المدعي والمدعى عليه، والمدعي هو من يطالب بتعويض عما لحقه من ضرر بسبب الجريمة. والمدعى عليه هو المتهم، مرتكب الجريمة أو المساهم أو المشارك فيها، وورثة هؤلاء أو المسؤولون عنهم مدنيا المطلوب منهم أداء التعويض.
أولا – المدعي في الدعوى المدنية التابعة :
المدعي في الدعوى المدنية التابعة هو المتضرر، وتنص المادة السابعة من ق.م. ج. أن حق الادعاء بالحق المدني يرجع لكل شخص تعرض لضرر جسماني أو مادي أو معنوي تسببت فيه الجريمة مباشرة.
وبمقتضى المادة الثانية من قانون المسطرة المدنية يجب أن يكون المدعي (المجني عليه) متوفراً على الشخصية القانونية وعلى أهلية التقاضي. كما تشترط المادة السابعة من نفس القانون أن يوجد ضرر، وأن يلحق الضرر المدعي شخصياً، وأن يكون ناجما عن الجريمة مباشرة. ونعرض فيما يلي لهذه الشروط على التوالي:
1) الشخصية القانونية وأهلية التقاضي :
يجب لكي تتوفر الصفة للمدعي بالحقوق المدنية، أن يكون أهلا للتقاضي وفقا لما يقرره قانون الأحوال الشخصية الخاص به. والأهلية هي قابلية الشخص لأن يكون أهلا لتحمل الحقوق والالتزامات، وأن يمارس بنفسه هذه الحقوق وأن ينفذ بنفسه هذه الالتزامات.
وتنعدم هذه الأهلية أو تنقص بصغر السن وبالخلل العقلي وبالسفه (المواد من 213 إلى 219 من مدونة الأسرة). وبالإدانة بعقوبة جنائية (المادتين 37 و 38 من القانون الجنائي).
فإذا كانت الأهلية كاملة، فإن التصرف الذي يجريه الشخص يعتبر جائزاً. وإذا كانت ناقصة كان التصرف قابلا للإبطال (المواد من 225 إلى 228 من مدونة الأسرة)، وإذا كانت معدومة كان التصرف باطلا (المادة 224 من مدونة الأسرة)، ويترتب على عدم توفر أهلية الأداء لشخص معين، عدم إمكان قيامه بمباشرة التصرف.
ولذلك قرر القانون أن يباشرها عنه ومعه شخص آخر حتى تكتمل لديه هذه الأهلية. وهذا الشخص إما أن يكون وليا أو وصيا أو مقدماً أو قيما، وذلك حسب الأحوال (المواد من 229 إلى 276 من مدونة الأسرة).
فالمدعي سواء كان شخصاً طبيعياً أو اعتباريا ملزم بإثبات صفته وتوفره على الشخصية القانونية التي تخوله حق التقاضي. وهي من النظام العام تثيرها المحكمة تتلقائيا. ويعتبر الشخص كامل الأهلية متى بلغ سن الثامنة عشرة، ويعتبر من لم يبلغ هذه السن محجوراً للصغر وبعد ناقص الأهلية ولا يمكنه ممارسة حقوقه المدنية بما فيها حق التقاضي (المادة 209 من مدونة الأسرة).
2) الضرر :
التوسع في مفهوم الضرر الذي يمكن المطالبة به أمام القضاء الزجري حتى لا يخرج عن الحكمة التي توخاها المشرع منه فلا يكفي مطلق الضرر الناجم عن الجريمة حتى تكون للمتضرر الصفة للمطالبة بالتعويض عنه وتقبل دعواه المدنية، وإنما يلزم أن تتوفر فيه شروط هي كونه شخصيا ومباشراً ومحققاً وناشئا عن الجريمة المرفوعة بها الدعوى العمومية.
أ – الضرر الشخصي :
جاءت المادة السابعة صريحة في التعبير أن الضرر الذي يمكن المطالبة به أمام القضاء الزجري هو الضرر الذي يصيب الطرف المدني شخصياً.
وضحية الجريمة يشمل المجني عليه كمالك المال في جريمتي السرقة والنصب، ومن تعرض جسمه للإيذاء في جرائم الاعتداء بالضرب والجرح والذي يلحقه ضرر شخصي من الجريمة مباشرة، دون أن يكون مجنيا عليه فيها، كالابن الذي يلحقه ضرر مادي بفقده مورد العيش بسبب وفاة والده في حادثة سير فتنتقل إليه بعد وفاته حقوقه في التعويض، ويحق له أن ينتصب طرفا مدنياً أمام المحكمة الجنائية التي تحاكم المتهم بالجريمة التي ألحقت الضرر بوالده.
ب – الضرر المباشر :
لا يكفي أن يكون الضرر شخصيا، بل يتعين أن يكون مباشرا. أي أن يكون المدعي قد تضرر مباشرة من الجريمة موضوع المتابعة. ويترتب عن ذلك أنه لا ينتصب طرفا مدنيا إلا ضحية الجريمة دون غيره ممن يكون قد لحقه ضرر غير مباشر منها.
وأن ضحية الجريمة لا يعوض إلا عن الضرر الناشئ مباشرة عن الواقعة الجرمية المطروحة على المحكمة الزجرية دون غيره من الأضرار التي لحقته من وقائع أخرى ولو كانت هذه الوقائع مرتبطة بالجريمة موضوع المتابعة.
نستنتج من هذا أن قصد المشرع من “أن يكون المدعي قد تضرر من الجريمة مباشرة” هو أنه يجب أن يكون ضحية للجريمة، وأن يطلب التعويض عن الضرر الذي لحقه من هذه الجريمة فقط، لا عن الأضرار الأخرى غير المباشرة. وفي حالة ما إذا كان الموروث قد أقام قيد حياته الدعوى المدنية التابعة، ينتقل الحق في مواصلتها إلى ورثته.
وما يشترط توفره في المطالب بالحق المدني لقبول دعواه، هو أن يطلب التعويض عن الضرر الناتج عن الجريمة المعروضة على المحكمة الجنائية التي هي السبب في الضرر المطلوب عنه التعويض.
ثانيا – المدعى عليه في الدعوى المدنية :
تنص المادة الثامنة من قانون المسطرة الجنائية بأنه ” يمكن إقامة الدعوى المدنية ضد الفاعلين الأصليين أو المساهمين أو المشاركين في ارتكاب الجريمة، وضد ورثتهم أو الأشخاص المسؤولين مدنياً عنهم”.
وتختص المحكمة الزجرية التي تنظر في الدعوى العمومية بالبت في الدعوى المدنية التابعة سواء كان المسؤول عن الضرر شخصاً ذاتيا، أو شخصاً معنويا خاضعا للقانون المدني، ولا تختص بالبت في الدعوى التابعة إذا كان المسؤول عن الضرر شخصاً ذاتيا من أشخاص القانون العام إلا إذا تعلق الأمر بدعوى مسؤولية من أجل ضرر تسببت فيه وسيلة من وسائل النقل.
فالمدعى عليه في الدعوى المدنية، هو كل شخص طبيعي أو معنوي يلزمه القانون بتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة سواء كان فاعلا أصلياً أو مساهما أو مشاركا في ارتكابها.
كما تجوز إقامتها على ورثة مرتكب الجريمة، أو ضد الأشخاص المسؤولين عنه مدنيا ونبين فيما يلي من هو المتهم والوارث والمسؤول عن الحقوق المدنية.
1) المتهم :
المتهم هو الشخص المتابع في الدعوى العمومية (بفتح الباء)، الذي ارتكب الجريمة بإتيانه فعلا أصليا يجعل منه فاعلا فيها أو مشاركا أو مساهما في ارتكابها. وتجوز مقاضاة المتهم الذي أقيمت في حقه الدعوى العمومية، من أجل مطالبته بالتعويضات المدنية، سواء كان شخصاً طبيعيا أو شخصاً معنويا مادام القانون الجنائي أجاز الحكم على الشخص الاعتباري بالعقوبات والتدابير المنصوص عليها في المادة 127 من القانون الجنائي.
وإذا كان المتهم المطلوب بالتعويض ناقص الأهلية بسبب صغر السن ( تقل سنه عن 18 سنة ) ، أو السفه، أو الإدانة بعقوبة جنائية، تعين إدخال نائبه القانوني – الذي يسند إليه القانون حماية مصالح ناقص الأهلية – في الدعوى. وعلى المحكمة أن تثير تلقائيا عدم توفر الأهلية في المدعى عليه، وبالتالي تصرح بعدم قبول الدعوى تطبيقا لمقتضيات الفصل الأول من قانون المسطرة المدنية.
2) الوارث :
إذا توفي المدعى عليه في الدعوى المدنية التابعة. فما هو تأثير وفاته على حقوق المدعي، وعلى الإجراءات التي يباشرها للمطالبة أمام المحكمة الزجرية بالتعويض عن الضرر الذي لحقه من الجريمة؟
إذا توفي المدعى عليه والدعويان معا الدعوى العمومية والدعوى المدنية التابعة قائمتين أمام المحكمة الزجرية، فإن الدعوى العمومية تسقط بموت المتهم، وتواصل إجراءات الدعوى المدنية في مواجهة الورثة طبقا للمادة 12 من قانون المسطرة الجنائية.
وإذا سقطت الدعوى العمومية بعد إقامتها، وقبل وفاة المتهم بأحد أسباب السقوط، كالتقادم أو العفو أو نسخ القانون الجنائي أو بصدور مقرر اكتسب قوة الشيء المقضي به، فإن إجراءات الدعوى المدنية تواصل وحدها في مواجهة الموروث بعد موته في شخص من يخلفه من الورثة بصفتهم مدعى عليهم، والذين يتعين إدخالهم في الدعوى.
3) المسؤول عن الحقوق المدنية :
تقضي المادة 9 من ق م ج في فقرتها الثانية بأن المحكمة الزجرية تكون مختصة سواء كان المسؤول عن الضرر شخصا ذاتيا أو معنويا خاضعاً للقانون المدني. كما أنها تختص بالنظر في القضايا المنسوبة لأشخاص القانون العام في حالة ما إذا كانت دعوى المسؤولية ناتجة عن ضرر تسببت فيه وسيلة من وسائل النقل.
فالأصل أن الجريمة حينما ينسب ارتكابها إلى فرد معين فإنه يلزم بتعويض الضرر الناشئ عنها، وهذه نتيجة طبيعية لمسؤولية الشخص عن أفعاله الضارة.
وفي الفقرة المذكورة الزم المشرع شخصا آخر – غير المتهم – بتعويض الضرر الناشئ عن ارتكاب الجريمة وهو المسؤول عن الحقوق المدنية، الذي يقصد به الأشخاص الذين يقرر القانون مسؤوليتهم عن تعويض الأضرار التي يتسبب فيها خطأ غيرهم، وهم مذكورون على سبيل الحصر في قانون الالتزامات والعقود، وهم الدولة والبلديات والمتبوعون وأصحاب الحرف والأقارب ومن يلتزم برقابة مختلي العقل.
وإذا كان المسؤول المدني من أشخاص القانون العام كالدولة والمرافق العامة المتمتعة بالشخصية القانونية أو الجماعات الحضرية أو القروية فلا تجوز مطالبته بالتعويض أمام المحكمة الزجرية إلا إذا كان المتهم قد ارتكب الجريمة بوسيلة من وسائل النقل كالسيارات والشاحنات والجرارات والدراجات النارية وغيرها من الآليات ذات المحرك، فمساءلة أشخاص القانون العام أمام القضاء الجنائي قاصرة على الحالة التي يكون فيها المتسبب في الضرر وسيلة للنقل، دون الحالة التي يكون فيها الضرر ناشئا عن خطأ مصلحي لأحد المستخدمين.
وتطبيقاً لذلك يجوز إدخال شخص القانون العام كمسؤول مدني أمام المحكمة الزجرية في الحالتين الآتيتين:
– إذا كان المتهم تابعاً ومستخدما لديه وتسبب في الضرر بوسيلة نقل تحت حراسة نفس الشخص المعنوي العام أيضا.
– إذا تسببت في الضرر وسيلة للنقل تحت حراسة الشخص المعنوي العام، ولو كان يسوقها وقت الحادثة شخص أجنبي، مادام لم تنقل إليه الحراسة.
وقد يكون المسؤول المدني هو المؤمن (بكسر الميم) نتيجة لعقد التأمين الذي يربطه مع المتهم أو المتسبب في الضرر (المؤمن له). ومن الأمثلة التي تشيع فيها هذه الممارسة حوادث السير، فكلما كان المتهم مرتكب لحادث مؤمناً على مسؤوليته المدنية وجب على المتضرر أن يدخل في الدعوى المدنية التابعة شركة التأمين لتحل محل المؤمن له في أداء التعويض استناداً إلى عقد التأمين.
4) الوكيل القضائي :
يقضي الفصل 514 من قانون المسطرة المدنية أنه ” كلما كانت الطلبات تستهدف التصريح بمديونية الدولة أو إدارة عمومية أو مكتب أو مؤسسة عمومية للدولة في قضية لا علاقة لها بالضرائب والأملاك المخزنية وجب إدخال العون القضائي في الدعوى وإلا كانت غير مقبولة” .
وتنص المادة الثالثة من قانون المسطرة الجنائية على تبليغ الوكيل القضائي للمملكة بإقامة الدعوى العمومية في حق قاض أو موظف عمومي أو عون أو مأمور للسلطة أو القوة العمومية.
وتنيط المادة 37 من قانون المسطرة الجنائية مهمة تبليغ الوكيل القضائي بالنيابة العامة التي ينبغي عليها كذلك أن تشعر الإدارة التي ينتمي إليها الموظف المتابع بينما تنيط المادة 95 هذا الالتزام بقاضي التحقيق، الذي عليه أن يشعر الوكيل القضائي بالدعوى التي يقيمها المطالب بالحق المدني أمامه، إذا كان الشخص المتابع قاض أو موظفاً عموميا أو عونا تابعاً للسلطة أو القوة العمومية، وظهر لقاضي التحقيق أن الدولة يمكن أن تتحمل المسؤولية المدنية من جراء أعمال تابعها.
وينتقل هذا الالتزام إلى المحكمة التي يتعين عليها وفقاً للمادة 351 من ق.م.ج أن تشعر الوكيل القضائي للمملكة وفقا لمقتضيات الفصول 37 و 38 و 39 من قانون المسطرة المدنية، كلما قدمت إليها مطالب مدنية ضد أحد القضاة أو الموظفين المشار إليهم، وتبين احتمال قيام مسؤولية الدولة عن أعمال تابعها.فقانون المسطرة الجنائية وقانون المسطرة المدنية تعرضا لإدخال الوكيل القضائي للمملكة في الدعويين العمومية والمدنية.
وإشعار الوكيل القضائي بالدعوى المقامة ضد قاض أو موظف عمومي أو عون تابع للسلطة أو القوة العمومية، يقصد به تمكين الوكيل القضائي من تقديم طلباته الهادفة إلى الدفاع عن المصالح المالية للدولة، من قبيل المطالبة باستبعاد المسؤولية المحتملة للدولة عن القاضي أو الموظف المتابع جنائيا، كلما أثيرت مسؤوليتها عنه بالنسبة للجريمة المطلوب عنها التعويض، أو إذا أقيمت الدعوى من طرف الدولة أو الجماعات المحلية بصفتها طرفاً مدنياً لمطالبة مرتكب الجريمة بأن يرد لها المبالغ التي طلب منها دفعها لموظفين أو ذوي حقوقهم طبقا للقانون الجاري به العمل. فتبليغ إقامة الدعويين الجنائية والمدنية إلى الوكيل القضائي للمملكة إجراء واجب.
وإذا كان قانون المسطرة الجنائية الجديد قد أهمل الإشارة إلى الجزاء الذي يترتب عن عدم إشعار الوكيل القضائي خلافا لما كان عليه الأمر في القانون الذي وقع الغاؤه، والذي كان ينص صراحة على عدم قبول الدعوى العمومية في حالة عدم إشعار الوكيل القضائي، فإن الفصل 514 من قانون المسطرة المدنية ينص صراحة على ترتيب هذا الأثر على الطلبات المدنية المقدمة إلى القضاء والتي تستهدف التصريح بمديونية الدولة أو إدارة عمومية أو مكتب أو مؤسسة عمومية للدولة في قضية لا علاقة لها بالضرائب والأملاك المخزنية، واعتبر الطلبات المذكورة التي تهمل إدخال العون القضائي في الدعوى غير مقبولة.