حق الملكية العقارية حق دائم، يدوم ما دام الشيء المملوك باقيا، ولا ينقضي إلا بهلاك الشيء. ولا يقدح في دوامه اختلاف الملاك على محله، فتعاقب الملاك على الشيء لا يؤدي إلى انقضاء حق الملكية القائم، ونشوء حق ملكية جديد، وإنما يؤدي إلى مجرد انتقال الحق من شخص إلى آخر. والملاحظ أن للشيء وجود مادي ووجود قانوني.
فالشيء السائب المباح الذي لا مالك له ليس له سوى وجود مادي فإذا تحمل، من بعد، بحق ملكية فقد بدأ وجوده القانوني وأصبح قابلا للتعامل، فحق الملكية لا يرتبط بالوجود الفعلي للشيء فقط، بل بوجوده القانوني أيضا.
والوجود القانوني للعقارات المحفظة يبدأ منذ تأسيس الرسم العقاري ويتوالى تعاقب المالكين على هذا الوجود بواسطة التسجيلات التي تتم على الرسم العقاري. ولهذا فحق الملكية الذي يرد على العقار المحفظ يظل ثابتا للمالك ما دام أنه لم ينقل الملكية إلى الغير. وفي حالة التفويت فإنه يتعين على المفوت إليه أن يبادر إلى تسجيل عقد التفويت لتنتقل الملكية إليه.
فهل يسقط حق هذا الأخير إذا لم يقم بتسجيله خلال أجل معين ؟ وهل حدد المشرع أجالا محددة لتسجيل التصرفات العقارية ؟
أولا – خضوع تسجيل التصرفات العقارية لأجال محددة :
1 – الآجال المحددة في الفصل 65 مكرر :
لقد نص المشرع على حالات محددة تستوجب احترام أجل معين للقيام بالتقييد. ونص المشرع في نفس الوقت على ذعيرة في حالة مخالفة تلك الآجال، وهذه الآجال لم تكن محددة من قبل في النص الأصلي للفصل 65 من ظهير التحفيظ العقاري. الشيء الذي دفع بالمشرع إلى إصدار الفصل 65 المكرر بواسطة موسوم بمثابة قانون الصادر بتاريخ 10 جمادى الأولى 1388 ( 5 غشت 1968 ).
وبمناسبة التعديل الأخير أعيد النظر في الأجل المحدد للتقييد وفي الغرامات المقررة في حالة التأخير حيث وقع تعديل الفصل 65 المكرر المحدد لآجال التسجيل بمقتضى القانون 07-14 وبمقتضاه أصبحت أجال التسجيل محددة في ثلاث أشهر بدل 18 شهرا. ويمكن استنتاج النقط التالية من هذا التعديل:
– تقليص أجال التقييد لتصبح 3 أشهر بدل 18 شهرا.
– تقرير غرامة تصاعدية عن التأخير في الأداء داخل الأجل المحدد.
– إمكانية الإعفاء من الغرامة من طرف مدير الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية في حالة القوة القاهرة.
– وإن فوات الأجل لا يسقط الحق في التقييد بل تفرض الغرامة المقررة في هذا الشأن.
ونورد نص الفصل 65 المكرر حسب التعديل الجديد بشأن التحفيظ العقاري ويستعاض عنه بالأحكام التالية: يحدد أجل إنجاز التقييد المنصوص عليه في الفصل 65 في ثلاث أشهر ويسري هذا الأجل بالنسبة
– للقرارات القضائية ابتداء من تاريخ حيازتها لقوة الشيء المقضى به.
– للعقود الرسمية ابتداء من تاريخ تحريرها.
– للعقود العرفية ابتداء من تاريخ آخر تصحيح للإمضاء إذا حررت من طرف مهنيين مقبولين.
غير أن هذا الأجل لا يسري على العقود المشار إليها في البندين 2 و 3 أعلاه إذا
– كانت موضوع تقييد احتياطي طبقا للفصل 85.
– تعلقت بالأكرية أو الإبراء أو الحوالة المنصوص عليها في الفصل 65 من هذا القانون.
وإذا لم يطلب التقييد بالرسم العقاري ولم تؤد رسوم المحافظة العقارية داخل الأجل المقرر أعلاه، فإن طالب التقييد يلزم بأداء غرامة تساوي خمسة في المائة من مبلغ الرسوم المستحقة وذلك عن الشهر الأول الذي يلي تاريخ انقضاء الأجل المذكور و 0.5 في المائة عن كل شهر أو جزء من الشهر الموالي له.
وفي حالة حدوث قوة قاهرة حالت دون التقييد داخل الأجل يجوز لمدير الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية أن يقرر الاعفاء من الغرامات المنصوص عليها بشرط أن تقدم إليه جميع الوثائق التي تثبت التأخير.
وأن عدم احترام هذه الآجال لا يؤدي إلى رفض طلب التقييد من طرف المحافظ بل يبقى من حق المعنيين بالأمر تسجيل حقوقهم متى شاءوا، والأثر الوحيد الذي يمكن أن ينتج عن التأخير هو أداء غرامة التأخير وهي غرامة تصاعدية تحتسب حسب مدة التأخير خلافا لما كان عليه الأمر في السابق.
وتجدر الملاحظة بأن أجل 18 شهرا الذي كان المحدد لتسجيل التصرفات المتعلقة بالعقارات المحفظة لا ينسجم مع المبادئ التي يعتمد عليها نظام التحفيظ العقاري حيث يتعين الاسراع باتخاذ المبادرة إلى تسجيل الحق ودون انتظار، ومن جهة أخرى فإن الغرامة المفروضة بمضاعفة المبلغ المقرر لا تساعد على الرغبة في التسجيل. وهذه الأسباب قد تؤدي إلى تزايد مشكل عدم تحيين الرسوم العقارية.
لهذا فإن الضرورة العملية والقانونية كانت تقتضي إعادة النظر في هذه الآجال وفي الذعيرة المرتبطة بها وهو ما تم إقراره عند تعديل الفصل 65 المكرر. وقد أخذ المشرع عند تعديله لقانون التحفيظ العقاري هذه الأسباب بعين الاعتبار، وقد تم تحديد طريقة احتساب بداية الأجل لثلاثة أشهر بالنسبة للقرارات القضائية والعقود الرسمية ثم العقود العرفية،
غير أن هذا الأجل لا يسري بالنسبة للعقود التي تكون موضوع تقييد احتياطي طبقا للفصل 85 وبالنسبة لعقود الأكرية أو الإبراء أو الحوالة المنصوص عليها في الفصل 65، كما أدخل تعديلات تتعلق بالأجل وبطريقة فرض الغرامة حيث تم تحديد أجل إجراء التقييد في ثلاثة أشهر، واذا لم ينجز التقييد داخل هذا الأجل فتطبق غرامة على طالب التقييد تساوي %5 من مبلغ الرسم المستحق عن الشهر الأول الذي يلي تاريخ انقضاء الأجل المذكور و %0.5 عن كل شهر تأخير موالي.
والملاحظ أن الغرامة المقررة ستدفع بطالب التقييد إلى الإسراع بتقييد حقه وعدم التقاعس عن ذلك وإلا فستزداد الغرامة تصاعداً. وقد أعطيت الإمكانية لمدير الوكالة للمحافظة العقارية لمنح الإعفاء من الغرامة في حالة القوة القاهرة.
ثانيا – الحق في التقييد هل يسقط بالتقادم ؟
لقد أقر المشرع المغربي مبدأ إجبارية التقييد بالنسبة لكل الوقائع الإرادية والاتفاقات التعاقدية الناشئة بين الأحياء والرامية إلى تأسيس حق عيني عقاري. ولكنه في نفس الوقت لم يحدد في الأصل أي أجل قانوني يفرض على أصحاب الحقوق القيام بهذا التقييد خلاله طبقا لما هو وارد في النص الأصلي للفصل 65 من ظهير التحفيظ العقاري، وبمعنى آخر فإن أصحاب الحقوق الخاضعة للتقييد لم يكونوا مقيدين في البداية بمدة محددة يجبرون فيها على إجراء تقييد حقوقهم، وكثيرهم الأشخاص الذين اعتمدوا على هذه السلبية فيتقاعسون عن تقييد حقوقهم في بعض الحالات.
ومبدأ عدم تحديد أجل معين للتقييد أكدته محكمة الاستيناف بالرباط في قرار قديم لها صادر بتاريخ 5 ماي 1951 في قضية (الحسن بن أحمد ضد عائشة محيند) جاء فيه ” إن القانون العقاري لم يضع أي أجل في مواجهة مكتسبي الحقوق العينية العقارية من أجل تسجيل حقوقهم، وليس باستطاعة المحافظ رفض طلب تسجيل عقد قدم إليه بصفة قانونية مهما كان تاريخ هذا العقده”.
ونستخلص من محتوى هذا القرار أن المحافظ ليس بإمكانه رفض طلب تسجيل حق من الحقوق قدم خارج الأجل ما دام الطلب يتوفر على كل الشروط التي يتطلبها القانون وليس هناك نص قانوني يوجب على المحافظ رفض طلب التقييد بدعوى أن الأجل المقرر قد انتهى أو أن الحق قد تقادم.
ويتعين في مثل هذه الحالة الطعن في قرار المحافظ لدى المحكمة الابتدائية. ما دام المشرع لم يعتبر آجال التقييد آجالا مسقطة. فهل يبقى هذا الحق قائما رغم مرور الزمن على عدم تقييد أو بمعنى آخر هل يتأثر الحق في التقييد بالتقادم ؟ ليس هناك استقرار في الرأي حول هذا الموضوع.
أ – فهناك رأي يتمسك بالمبدأ العام الوارد النص عليه في الفصل 387 من قانون الالتزامات والعقود المغربي الذي ينص على أن كل الدعاوي الناشئة عن الالتزام تتقادم بمرور خمس عشرة سنة فيما عدا الاستثناءات الواردة فيما بعد والاستثناءات التي يقضي بها القانون في حالات خاصة.
وتماشيا مع هذا الرأي فإن الحق في التقييد يتقادم بمرور خمس عشرة سنة على العقد المنشئ لهذا الحق، وأنه يجب على المحافظ اعتبارا لهذا الرأي أن يرفض كل طلب تقييد يستند إلى عقد أو سند، مر عليه أكثر من خمس عشرة سنة. ويثير هذا الرأي مسألة وجود الحق ذاته، فهل ينشأ الحق اعتبارا من تاريخ إبرام التصرف أم أنه لا ينشأ إلا ابتداء من تاريخ التسجيل.
وبالرجوع إلى الفصل 67 من ظهير التحفيظ العقاري نرى بأن كل حق عيني متعلق بعقار محفظ لا ينتج أي أثر ولو بين الأطراف إلا من تاريخ التقييد. وعليه فإنه لا فائدة من تقرير التقادم لأن الحق لا يوجد في نظر المشرع إلا ابتداء من تاريخ التقييد بالرسم العقاري.
وإذا ما فرضنا تقرير هذا المبدأ، أي سقوط حق التقييد بالتقادم. فإن العقار سيصبح في يوم ما عقارا بدون مالك لتعذر إمكانية تقييد الحقوق عليه، إذ أن هذا الأمر سيشجع المالك الأصلي على إعادة التصرف فيه مرة ثانية حيث يستفيد من سقوط الحق بالتقادم. ثم إن الفصل 387 المشار إليه والذي يستند إليه هذا الرأي يشير إلى تقادمزالدعوى، ولا يشير إلى تقادم الحق.
ب – وهناك رأي ثان استند إلى الفقرة الثانية من الفصل 380 والتي تقضي بأن التقادم لا يسري بالنسبة لدعوى الضمان إلا من وقت حصول الاستحقاق أو تحقق الفعل الموجب للضمان. وتبعا لذلك فإن حق المشتري في طلب تقييد العقار المبيع على اسمه لا يتقادم، لأن البائع ملزم بالضمان إزاء المشتري، ومن مقتضيات الالتزام مقاضاة البائع وورثته من بعده لإلزامهم بالتقييد دون أن تقع دعواهم تحت طائلة التقادم المسقط.
وقد أخذ بهذا الرأي الثاني الأستاذ بول دوكرو كما أيدته بعض المحاكم في قراراتها. ومن جملة هذه القرارات الحكم الصادر عن محكمة الاستيناف بالرباط بتاريخ 28 أبريل 1956 والذي جاء فيه ” بأن ورثة البائع الذين يرتبطون كسلفهم بالتزام الضمان لا يمكنهم التذرع بالفترة الزمنية المنقضية بين فاتح يونيو 1928 وهو تاريخ عقد البيع وبين تاريخ تقديم الدعوى الواقع في 2 أبريل 1952 للقول بوجود التقادم المسقط. وذلك عملا بالفقرة 2 من الفصل 380 من قانون الالتزامات والعقود”.
ج – وهناك رأي ثالث للأستاذ مامون الكزبري يربط فيه بين الرأي الثاني المبني على الفقرة الثانية من الفصل 380 والمبدأ العام الذي أعلنه المشرع في مطلع هذا الفصل والذي يؤكد بأن التقادم لا يسري بالنسبة للحقوق إلا من يوم اكتسابها. ولهذا فإذا كان لا يجوز التمسك إزاء المشتري بالتقادم إلا منذ أن يستحق منه العقار أو منذ تحقق الفعل الموجب للضمان، فذلك لأن حق المشتري في مقاضاة بائعه لم ينشأ إلا وقت الاستحقاق أو وقت تحقق الفعل الموجب للضمان.
ويضيف الأستاذ مامون الكزبري في توضيح رأيه قائلا : وانطلاقا من هذا الاعتبار نعتقد أن مشتري العقار نشأ حقه في تسجيل العقار على اسمه في السجل العقاري من تاريخ انعقاد البيع لمصلحته وأصبح بإمكانه من هذا التاريخ المطالبة بإلزام البائع بتسجيل البيع طواعية وإلا فقضاء.
فإذا ما تهاون المشتري ولم يطالب بالتسجيل رغم اكتسابه هذا الحق وانقضت مدة خمس عشرة سنة فيمكن القول بتقادم حقه . إلا أنه يجدر التنبيه إلى أن التقادم لا يسقط الحق بقوة القانون، بل لابد لمن له مصلحة فيه أن يحتج به، وليس للقاضي أن يستند إلى التقادم من تلقاء نفسه لم الفصل 372 من قانون الالتزامات والعقود المغربي.
والنتيجة التي استخلصها الأستاذ مامون الكزبري أنه من أنصار الرأي الذي يعتبر أن الحق في التسجيل يمكن أن يطاله التقادم المسقط إذا ما تراخي صاحب الحق الخاضع للتقييد في المطالبة بتقييده طيلة خمس عشرة سنة. والملاحظ أن هذا الموقف يميل في النهاية إلى الرأي الأول الذي يستند إلى الفقرة الثانية من الفصل 387 المشار إليه سابقا.
وقد وضع المشرع حدا للجدل الذي كان قائما حول سقوط أو عدم سقوط الحق في التقييد حيث يستنتج من الفقرة الأخيرة من الفصل 65 المكرر : وإن عدم احترام هذه الآجال لا يؤدي إلى رفض طلب التقييد من طرف المحافظ، بل يبقى من حق المعنيين بالأمر تقييد حقوقهم والأثر الوحيد الذي يمكن أن ينتج عن التأخير هو فرض الغرامة التصاعدية المقررة.
ومع ذلك فإن تشبث الأفراد بحقوقهم يدفعهم تلقائيا إلى الاسراع بطلب تقييد حقوقهم في أقرب وقت ممكن، ولا يكون تأخيرهم عن القيام بهذا التقييد إلا بسبب الاجراءات المتطلبة لتهييئ الوثائق الضرورية لأن كل تأخير في التقييد قد يفقد صاحب الحق رتبته ويجعله مؤخرا على حق آخر جرى تقييده قبله، فهكذا مثلا لو أن دائنا صاحب رهن رسمي تراخى في تقييد رهنه فسيبقى حقه معلقا ولا ينتج أي أثر. ولربما سيتيح هذا التراخي الفرصة لمدينه لابرام عقد رهن ثان وتقييده لفائدة شخص آخر. الشيء الذي سيؤدي حتما إلى تأخير رتبة الدائن الأول.
وان مبدأ إجبارية التقييدات لتفرض على أصحاب الحقوق المبادرة إلى تقييد حقوقهم كلما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. فالحق الذي لم يبادر صاحبه إلى تقييده يظل مؤرجحا بين الوجود والانعدام، وإذا ما أهمل تقييده في الوقت المناسب، فإن تقييده قد يصبح غير ممكن في بعض الحالات دون اللجوء إلى القضاء.
فهكذا مثلا لو اشترى شخص عقارا محفظا بعقد عرفي وتوانى عن تقييد عقد شرائه في السجل العقاري فقام البائع ببيع العقار مرة ثانية إلى مشتر آخر وقام المشتري الثاني بتقييد عقد شرائه بحسن نية ودون أن يعلم بحصول البيع الأول، فإن المشتري الأول يفقد حقه في التقييد ولا يبقى له سوى المطالبة بحق شخصي اتجاه البائع.
ولا يتعلق هذا الأمر بالتصرفات الإرادية فقط بل حتى بالأحكام القضائية وأوامر الحجز التحفيظي فهذه بدورها لا تنتج أي أثر إلا ابتداء من تاريخ التقييد. وهذا ما يدفع جل المحاكم إلى الإسراع بتبليغ المحافظين كل الأوامر والأحكام التي يفرض القانون تقييدها.
فهل ينطبق التقادم كذلك على الأحكام القضائية التي لم يبادر المستفيد منها إلى تقييدها بالرسم العقاري ينبغي التذكير في هذا الإطار بمقتضيات الفصل 428 من ق.م.م. الذي ينص على أن الأحكام تكون قابلة للتنفيذ خلال ثلاثين سنة من اليوم الذي صدرت فيه وتسقط بانصرام هذا الأجل.
ويستفاد من هذا الفصل أن باب المطالبة بتنفيذ حكم بواسطة المحكمة يصبح غير ممكن بعد مرور ثلاثين سنة على صدوره. ومع ذلك فإذا أدلى المحكوم له بمحضر تنفيذي للحكم مستوف لكافة الشروط الشكلية والجوهرية يمكن للمحافظ تقييد هذا الحكم بالرسم العقاري حتى ولو بعد مرور 30 سنة عن صدوره شرط أن تكون وضعية الرسم العقاري تسمح بذلك.