المجال العقاريقانونيات

قرارات المحافظ العقاري بشأن التعرضات

إن صلاحيات المحافظ بشأن التعرضات هي صلاحيات نسبية تختلف عن صلاحياته في التحفيظ، فتقديم طلب التعرض يفرض على المحافظ اتخاذ قرار بشأنه وذلك إما بقبوله أو برفضه.

فهو يقبل التعرض إذا قدم خلال الأجل المحدد وكان مستوفيا للشروط القانونية التي ذكرناها في مسطرة التعرضات.

أما في حالة عدم توافر هذه الشروط فمن حقه رفض التعرض، وقراره هذا يقبل الطعن لدى المحكمة من طرف المتعرض في بعض الحالات.

أولا – قرارات قبول التعرض :

إن قبول التعرض من قبل المحافظ يستنتج منه توفر طلب التعرض على جميع الشروط الشكلية والجوهرية. ويدل أيضا على جدية المطالب التي تقدم بها المتعرض خاصة إذا كان المتعرض يستند في ذلك على وثائق وحجج قوية، الشيء الذي يجعل المحافظ لا يتردد في قبول التعرض.

وقبول التعرض من قبل المحافظ لا يفيد إثبات الحقوق المدعى بها من طرف المتعرض أو نفيها على طالب التحفيظ ولكنه يفيد وجود النزاع بشأن العقار أو الحق موضوع مطلب التحفيظ، وهذا النزاع الذي يهم طالب التحفيظ أكثر فأكثر يلزم المحافظ بالشروع في مسطرة جديدة للتبليغ وقع النص عليها في الفصل 31 غشت 1913 المعدل بظهير 25 غشت 1954، وهو إجراء لا يتم احترامه في بعض الحالات.

ذلك أنه بمجرد ما تقع تعرضات يجب على المحافظ أن يبلغ فورا نسخة محتوياتها إلى طالب التحفيظ حتى يتمكن هذا الأخير من تحديد موقفه بشأنها وذلك خلال شهر من التعرض وعند الاقتضاء من يوم التبليغ وهو إجراء لا يتم احترامه في بعض الحالات.

ويحق لطالب التحفيظ أن يطلع في عين المكان على الوثائق والمستندات التي يكون المتعرض قد أودعها بالمحافظة من أجل تحديد موقفه.

وموقف طالب التحفيظ لا يخرج عن فرضيتين وذلك إما بإثباته رفع التعرض أو التصريح بقبول التعرض.

1) إثبات رفع التعرض أو التنازل عن التعرض :

بإمكان طالب التحفيظ أن يتقدم لدى المحافظة ويثبت بأنه قد رفع التعرض وهذا يفيد بأن طالب التحفيظ قد وضع حدا لحالة التعرض وقام بتصفية النزاع بالوسائل الحبية مع المتعرضين.

والوسيلة العملية التي تجعل المحافظ يتأكد من رفع التعرض هي أن يتقدم المتعرضون أنفسهم بطلب خطي يفيد التنازل عن التعرض أو سحبه أو يصرحون شخصيا لدى المحافظ بتراجعهم عن التعرض حيث يقوم المحافظ بإثبات ذلك في محضر بعد التأكد من هويتهم. والأفضل أن يطلب المحافظ من المتعرضين الإدلاء بتصريح كتابي موقع من طرفهم ومصحح الإمضاء يصرحون فيه تنازلهم الاختياري والنهائي عن التعرض مع بيان مطلب التحفيظ ومراجع التعرض المطلوب التنازل عنه.

وإذا كان رفع التعرض ممكنا في بعض الحالات ولا يثير أية صعوبة سواء في وجه طالب التحفيظ أو المتعرضين وحتى بالنسبة للمحافظ حيث يؤدي هذا إلى مواصلة إتمام إجراءات التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري.

فإن هناك حالات أخرى يصعب فيها إزالة التعرض سواء من طرف طالب التحفيظ أو من طرف المتعرض وذلك في حالة تقديم التعرض من طرف الوصي أو النائب القانوني أو الوكيل، فإذا كان هؤلاء جميعا ملزمين بإثبات صفتهم عند إقامة التعرض طبقا لما نص عليه الفصل 26 من الظهير ، فإنهم ملزمون أيضا باستصدار إذن أو رخصة من طرف السلطة التي منحتهم الإذن تخولهم إزالة التعرض،

وكدليل على ذلك نشير إلى ما جاء في الفصل 5 من ظهير 27 أبريل 1919 المتعلق بتنظيم الوصاية الإدارية على الأراضي الجماعية والمعدل بواسطة ظهير 6 فبراير 1963 حيث نص على ما يلي ” لا يمكن للجماعات أن تقيم أو تؤيد في الميدان العقاري أية دعوى قصد المحافظة على مصالحها الجماعية ولا أن تطلب التحفيظ إلا بإذن من الوصي وبواسطة مندوب أو مندوبين معينين ضمن الشروط المحددة في الفصل 2 من الظهير المذكور .

على أن الجماعات المذكورة يمكنها أن تتعرض بدون رخصة على التحفيظ الذي طلبه الغير، بيد أن رفع هذا التعرض كلا أو بعضا لا يمكن أن يقع إلا بإذن من الوصي”.

أما بالنسبة للتعرض المقام من طرف الوصي أو المقدم نيابة عن القاصر فإن رفعه يخضع بدوره لإذن القاضي طبقا لما ورد النص عليه في الفصل 271 من مدونة الأسرة والذي يمنع على الوصي أو المقدم القيام بتصرفات عددها الفصل المذكور ما لم يحصل على إذن من القاضي ومن بين التصرفات التي وردت في هذا الفصل نذكر:

التنازل عن حق أو دعوى أو إجراء الصلح أو قبول التحكيم بشأنهما، ويتعين أن يكون قرار القاضي بالترخيص بأحد هذه التصرفات معللا. ولهذا فإثبات رفع التعرض يفرض على المحافظ كثيرا من الاحتياط والحذر للتأكد من هذه الحالات.

وإثبات رفع التعرض قد يضع حدا للنزاع بصفة شاملة (رفع التعرض الكلي) ويطلق يد المحافظ لمواصلة إجراءات لتأسيس الرسم العقاري وقد يضع حدا للنزاع بصفة جزئية ( رفع التعرض الجزئي) حيث يرفع التعرض بالنسبة لبعض أجزاء العقار ويبقى قائما بالنسبة لأجزاء أخرى.

ويمكن لطالب التحفيظ أن يجزأ مطلبه الأصلي ويطلب أن يسلم له رسم عقاري خاص بالجزء الذي لا يشمله النزاع وذلك بعد أن يقوم المحافظ بإجراء تحديد معدل للتحديد الأول طبقا للفقرة الثالثة من الفصل 31 من ظهير التحفيظ العقاري، أما الجزء الذي لم يرفع التعرض بشأنه فيبقى التعرض قائما بشأنه وتتبع فيه المسطرة القضائية إذا لم يقع أي صلح بين الأطراف.

وقد صدر عن المجلس الأعلى(محكمة النقض) قرار في هذا السياق قضى بما يلي ” بمقتضى الفصل 37 من ظهير 12 غشت 1913 المطبق في النازلة إذا قبل طالب التحفيظ التعرض أثناء جريان الدعوى أو تنازل المتعرض عن تعرضه فإن المحكمة المعروض عليها النزاع تقتصر على الإشهاد بذلك القبول أو التنازل” (قرار رقم 3989 المؤرخ في 27-12-2006).

2) التصريح بقبول التعرض :

قد يظهر لطالب التحفيظ بأن المتعرض محق في تعرضه خاصة إذا اطلع على الوثائق والرسوم التي وضعها المتعرض بالمحافظة العقارية وفي هذه الأثناء يكون من مصلحة طالب التحفيظ قبول التعرض ما دامت البراهين تدل على صحة ادعاءات المتعرضين دون اللجوء إلى المحكمة وإطالة أمد النزاع بدون جدوى.

ويكون على طالب التحفيظ أن يقدم تصريحا بقبول التعرض خلال أجل شهر من تاريخ توصله بنسخة من محتوى التعرض واطلاعه على المستندات والحجج التي وضعها المتعرض تأييدا لتعرضه حيث يقوم المحافظ بتسجيل التصريح في محضر ويوقعه طالب التحفيظ، والتصريح بقبول التعرض لا يتم من طرف طالب التحفيظ إلا إذا كان التعرض جزئيا يشمل بعض أجزاء العقار أو بعض الحقوق العينية القابلة للتسجيل كحق الانتفاع أو الارتفاق أو المرور، أو بعض الحقوق العينية التبعية كحق الرهن.

أما إذا كان التعرض يشمل كل العقار موضوع مطلب التحفيظ، فإن طالب التحفيظ غالبا ما يعمد إلى رفض التعرض، وعدم قبوله، مفضلا اللجوء إلى المحكمة، سواء كان التعرض محقا أو اعتبره طالب التحفيظ مجرد ادعاء لا أساس له من الصحة، لأن قبول طالب التحفيظ للتعرض الكلي يعتبر تنازلا كليا عن مطلب التحفيظ لفائدة التعرض.

وإذا انقضت مهلة الشهر دون أن يدلي طالب التحفيظ بما يثبت صحة التعرض أو قبوله فيعمد المحافظ إلى محاولة إقامة صلح بين الأطراف قبل بعث الملف إلى المحكمة.

وتجدر الإشارة بأن حالة قبول التعرض من طرف طالب التحفيظ تتطلب من المحافظ القيام بتصحيح المطلب الأساسي بواسطة خلاصات إصلاحية يتم نشرها بالجريدة الرسمية ، والقيام بتحديد تعديلي والاستمرار بعد ذلك في المسطرة العادية للتحفيظ.

وعلى المحافظ أن يسعى إلى حسم موضوع التعرض إما بإجراء صلح بين الأطراف أو تصريح طالب التحفيظ بقبول التعرض وإذا ما تراخى طالب التحفيظ في تحديد موقفه من التعرض رغم تبليغه به من طرف المحافظ فيتعين بعث ملف التعرض إلى المحكمة للفصل فيه بعد أن يصبح جاهزا.

والملاحظ أن بعض المحافظات لا تحرص بما فيه الكفاية على تتبع هذه التعرضات الشيء الذي يؤدي إلى تجميد مطالب تحفيظ لمدة طويلة بدون مبرر.

ولقد تدارك قانون التحفيظ العقاري في تعديله الأخير هذا الإشكال فأدخل تعديلا على الفصل 32 حدد فيه أجلا لبعث ملف التعرض إلى المحكمة حيث ورد في الفقرة الأخيرة من الفصل المشار إليه ما يلي ” خلال ثلاثة أشهر الموالية لانصرام الأجل المحدد في الفصل 23 من هذا القانون يوجه المحافظ على الأملاك العقارية مطلب التحفيظ والوثائق المتعلقة به إلى المحكمة الابتدائية التي يقع العقار بدائرتها”. وإن تفعيل مقتضيات هذا التعديل ستضع حدا لكثير من التعرضات التي طالها النسيان ببعض المحافظات.

ثانيا – قرارات رفض أو إلغاء التعرض :

إن المحافظ ملزم بقبول التعرضات التي قامت بصفة نظامية ووفقا للآجال والشروط المقررة. ومعنى هذا أن كل تعرض لا يخضع لهذه الشروط أو الآجال يخول للمحافظ حق اتخاذ قرار برفضه أو إلغائه، وقرارات المحافظ بإلغاء التعرض أو رفضه بعضها يقبل الطعن استئنافا وبعضها لا يقبل أي طعن وسنبين مختلف الحالات التي يمكن فيها للمحافظ إلغاء أو رفض التعرض.

1) رفض التعرض لتقديمه خارج الأجل :

إذا لم يتقدم المتعرض بتعرضه خلال الأجل القانوني ألا وهو شهران ابتداء من تاريخ نشر الإعلان بانتهاء التحديد بالجريدة الرسمية يسقط حقه في التعرض بعد هذا التاريخ طبقا لما ورد في الفصل 27 ” لا يقبل أي تعرض باستثناء ما هو منصوص عليه في الفصل 29 بعد انصرام أجل قدره شهران يبتدئ من تاريخ نشر الإعلان المذكور في الفصل 23 من هذا الظهير بالجريدة الرسمية”.

ويتضح من خلال هذا أنه يجوز للمحافظ رفض أي تعرض لم يقدم في الأجل القانوني إلا أننا نشير بأن المشرع أوجد استثناء لهذه الحالة حيث خول للمحافظ قبول التعرض ولو خارج الأجل ما دام لم يبعث بالملف إلى المحكمة وقرار قبوله للتعرض خارج الأجل لا يحتاج إلى أي تعليل ما دام أنه يستجيب لرغبة المتعرض، فهذا الأخير هو الملزم بتبرير عدم تقديم تعرضه داخل الأجل.

إلا أننا نتساءل في هذه الحالة هل يحق لطالب التحفيظ الطعن في قرار المحافظ لكونه قبل تعرضا خارج الأجل ؟

قد يبدو بأن قرار المحافظ هذا سيخالف محتوى الفصل 23 والذي أقر بسقوط حق التعرض خارج الأجل ثم إن قرار المحافظ هذا سيلحق ضررا بطالب التحفيظ وسيؤخر من إجراءات تأسيس الرسم العقاري. إلا أننا نبادر إلى القول بأنه لا يحق لطالب التحفيظ الطعن في مثل هذا القرار لكون المشرع خول للمحافظ بصفة استثنائية قبول التعرض خارج الأجل ما دام الملف لم يوجه إلى المحكمة الابتدائية ( الفقرة الأولى من الفصل 29) شريطة أن يدلي المتعرض بتبريرات معقولة عن عدم تقديم تعرضه داخل الأجل.

ولا ينبغي أن يفهم من هذا الاستثناء بأن المحافظ ملزم بقبول أي تعرض خارج الأجل مادام الملف يوجد بالمحافظة بل هو استثناء يخول للمحافظ قبول التعرض بعد التقصي والبحث كما يمكنه رفضه طبقا لما ورد في الفصل 27 “لا يقبل أي تعرض باستثناء ما هو منصوص عليه في الفصل 29 بعد انصرام أجل قدره شهران يبتدئ من تاريخ نشر الإعلان المذكور في الفصل 23 من هذا الظهير بالجريدة الرسمية”.

هل قبول التعرض خارج الآجال من طرف المحافظ العقاري رهين بوجود تعرضات أخرى؟ إن مقتضيات الفصل 29 من ظهير التحفيظ لا تشترط ذلك حيث تبقى للمحافظ سلطته التقديرية في قبول أو رفض التعرض دون تعليق ذلك على وجود تعرضات أخرى والحالة الوحيدة التي تمنع المحافظ من قبول التعرض خارج الأجل هي تأسيس الرسم العقاري. أما في غير هذه الحالة، فالأمر يبقى جوازيا للمحافظ، وحسب التبريرات التي يتقدم بها المتعرض وإن لا يكون القصد من وراء هذا التعرض هو تعطيل مسطرة التحفيظ أو الكيد لطالب االتحفيظ.

كما أنه من جهة أخرى لا ينبغي للمحافظ بدوره أن يتعسف في قبول أو رفض التعرض بدون مبرر مقبول فقبول التعرض خارج الأجل رغم عدم وجود تعرضات سابقة سيلحق لا محالة ضررا بطالب التحفيظ من حيث تأخير وتعطيل مسطرة التحفيظ، ورفض التعرض خارج الأجل كذلك قد يلحق ضررا بالمتعرض ويغلق عليه باب المطالبة بحقوقه الاحتمالية على العقار موضوع مطلب التحفيظ.

– مدى قابلية قرار رفض التعرض للطعن القضائي :

فحسب الفقرة الأخيرة من الفصل 29 فإن قرار المحافظ برفض التعرض المقدم خارج الأجل قرار نهائي ولا يقبل أي طعن قضائي حسب التعديل الذي جاء به المشرع في قانون التحفيظ العقاري، وعلى المتعرض أن يتحمل نتائج إهماله أو تأخيره خاصة بعد عملية الإشهار والنشر الواسعة التي أقيمت بشأن العقار موضوع مطلب التحفيظ.

لقد ورد في الفقرة الأخيرة من الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري كما وقع تعديله بمقتضى القانون 07-14 ما يلي ” ويكون قرار المحافظ على الأملاك العقارية برفض التعرض غير قابل للطعن القضائي”.

إن مقتضيات هذه الفقرة ستكون محل انتقاد من طرف الفقه وحتى القضاء. فهي تتناقض مع مقتضيات الفصل 118 من الدستور، الذي ينص على أن حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون. كما تتناقض مع مقتضيات الفصل 119 من الدستور كذلك والتي ورد فيها: كل قرار اتخذ في المجال الإداري سواء كان تنظيميا أو فرديا يمكن الطعن فيه أمام الهيئة القضائية الإدارية المختصة.

فاستنادا إلى ما سبق فإن الفقرة الأخيرة الواردة في الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري تعتبر غير دستورية ويتعين تعديلها أو إلغائها انسجاما مع مقتضيات الدستور.

2) إلغاء التعرض لعدم أداء الرسوم القضائية :

إن عدم أداء الوجيبة القضائية من طرف المتعرض رغم الإنذار الموجه إليه من طرف المحافظ وانتهاء أجل ثلاثة أشهر لدفعها يؤدي حتما إلى إلغاء التعرض، كما أن التعرض يعتبر لاغيا بالنسبة للمتعرض الذي طلب المساعدة القضائية ولم يحصل عليها

وقرار المحافظ بإلغاء التعرض لعدم أداء المصاريف القضائية قرار نهائي وغيرقابل للطعن والملاحظ أن مثل هذا القرار فيه شيء من الشطط بالنسبة للمتعرض الذي لم يستطع أداء الوجيبة القضائية أو لم يطلب المساعدة القضائية لأنه لا يعرف إجراءاتها. ولقد كان حريا بالمشرع أن يوجد استثناء لهذه القاعدة تخول للمحافظ قبول التعرض في الحالة التي يتأكد فيها بأنه يستحيل على المتعرض أداء المصاريف القضائية الواجبة وذلك حتى لا تكون هذه المصاريف رغم ضالتها عرقلة في وجه المعسرين الذين يريدون المطالبة بحقوقهم ولا يجدون إلى ذلك سبيلا.

قد يقال بأن باب المساعدة القضائية مفتوح في وجه الجميع إلا أننا نبادر إلى القول بأن أغلبية الناس يجهلون طريق المساعدة القضائية ولا يعرفون إجراءاتها ولا ينبغي أن يكون جهل الناس للمساعدة القضائية سببا يمنعهم من المطالبة بحقوقهم في القضايا العقارية خاصة وأن إلغاء التعرض لهذا السبب يعتبر في نظرنا سببا بسيطا يمكن تجاوزه ثم إنه يعتبر أجنبيا عن جوهر النزاع. لأنه يؤدي إلى رفض الطلب من الناحية الشكلية لا من الناحية الموضوعية.

3- إلغاء التعرض لعدم تقديم الحجج :

إذا قدم التعرض ولم يرفق به المتعرض الوثائق والمستندات المؤيدة للتعرض يوجه المحافظ إليه انذارا يدعوه فيه إلى تقديم وثائقه خلال ثلاثة أشهر.

فإذا انقضت هذه المدة دون أن يدلي المتعرض بمستنداته أو يثبت أنه في وضعية يستحيل عليه فيها تقديم هذه الوثائق، فإن المحافظ يستطيع بعد البحث والتحري إما الإبقاء على التعرض أو اتخاذ قرار بإلغائه، وذلك طبقا لما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 32.

وتبقى إمكانية تقديم الوثائق المؤيدة للتعرض حتى أمام المحكمة إذا لم يسبق تقديمها للمحافظة أو أبدى المتعرض تحفظه بتقديم وثائق أخرى حاسمة أمام المحكمة وقد سبق للمجلس الأعلى “محكمة النقض” أن اتخذ قرارا في هذا الاتجاه قضى بما يلي ” للمحكمة الحق في أن تبني قرارها على الوثائق المدلى بها مباشرة أمامها دون الاقتصار على ما أدلى به أمام المحافظة” (قرار عدد 3280 مؤرخ في 23-10-2002 – ملف مدني عدد 116- 2002-1-1).

والملاحظ أن المحافظ يتمتع بإمكانية الإبقاء على التعرض أو إلغائه وذلك بعد البحث والتقصي ونحن نتساءل عن فحوى هذا البحث ومداه خاصة وأن المستندات المؤيدة للتعرض غير موجودة والمشرع بدوره لم يبين المجال الذي يمكن للمحافظ البحث فيه، الشيء الذي سيعرضه لصعوبات البحث إن هو قرر القيام به وسيعرضه ولا شك إلى صعوبة في التقدير خاصة وأن قرار المحافظ بإلغاء التعرض المقدم داخل الأجل والغير المصحوب بالحجج ينبغي أن يكون معللا لأنه يقبل الطعن استينافا لدى المحكمة الابتدائية،

وصعوبة هذا التعليل كثيرا ما تدفع بالمحافظين إلى قبول التعرض رغم عدم تقديم الحجج والمستندات ورغم عدم القيام بأي بحث أو تقصي وحتى لا يصبح المحافظ في موقف المدعى عليه، ومهما يكن من أمر فمن حق المحافظ أن يتخذ قرارا بإلغاء التعرض إذا لم يتمكن المتعرض من تقديم الوثائق المؤيدة لتعرضه، حيث يقوم المحافظ بتبليغ هذا القرار للمتعرض ويخبره بأن له الحق في استئنافه خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تبليغه القرار، فإذا عزم المتعرض على الاستيناف خلال الأجل المذكور فعليه أن يتقدم بمقال استعجالي لدى المحكمة الابتدائية التي يقع في دائرتها العقار حيث تبث في القضية بصورة استعجالية، وقرارها يكون قرارا مبرما ونهائيا ولا يقبل أي طعن.

فإذا قضى قرار المحكمة بإلغاء قرار المحافظ وأصبح نهائيا فإن التعرض يصبح قائما من جديد نتيجة لهذا الحكم منذ تاريخ تقديم التعرض لا من تاريخ صدور الحكم. ويتحتم على المحافظ العمل بقرار المحكمة وإحالة ملف طلب التحفيظ مع الوثائق ومع قرار الحكم الاستعجالي إلى المحكمة المختصة للنظر في النزاع موضوع التعرض.

أما إذا قضت المحكمة بتأييد قرار المحافظ بإلغاء التعرض إما لأنه لم يدل بالمستندات المؤيدة لتعرضه أو لم يدل للمحكمة بأسباب عدم تقديم هذه المستندات أو أنه لم يحضر جلسة الحكم رغم استدعائه وتوصله فإنه لا يحق للمتعرض الطعن من جديد في هذا القرار ويبادر المحافظ بعد ذلك إلى إتمام إجراءات التحفيظ وتأسيس الرسم العقاري إذا لم تكن هناك تعرضات أخرى.

4 – إلغاء التعرض استنادا لحكم قضائي :

في الحالة التي يعرض فيها النزاع على المحكمة بشأن التعرض وتصدر المحكمة حكما نهائيا في الموضوع يقضي بعدم صحة التعرض يكون المحافظ ملزما بالتشطيب على التعرض استنادا للحكم الصادر في الموضوع، ويتعين عليه في هذه الحالة إتمام الإجراءات المسطرية لفائدة طالب التحفيظ، والعمل على تأسيس الرسم العقاري على اعتبار أن العقار قد تم تطهيره من النزاعات الطارئة بشأنه.

فإذا صرح القضاء بعدم صحة التعرض الكلي على مطلب للتحفيظ فإن المحافظ يجب أن يتوصل بنسخة تنفيذية من الحكم الصادر مصحوبة بشهادة بعدم الاستئناف أو بعدم الطعن بالنقض واستنادا إلى هذه الوثائق يتخذ قرارا بالتشطيب على التعرض.

أما إذا قضى الحكم بصحة التعرض الكلي على مطلب التحفيظ فيتعين على المحافظ اتخاذ قرار بإلغاء مطلب التحفيظ ولا يمكن اعتبار الحكم الصادر بمثابة مطلب ضمني للتحفيظ، بل تفتح إمكانية تقديم مطلب جديد من طرف المتعرض الذي يستفيد من مسطرة خاصة للتحفيظ مدتها 4 أشهر مع تخفيض في الرسوم المقررة وفق ما جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل 37 من قانون التحفيظ العقاري والتي ورد فيها ما يلي:

” ويمكن إنجاز تحفيظ الأراضي التي كانت محل تعرضات أقر صحتها حكم قضائي اكتسب قوة الشيء المقضي به إذا ما طلبه المتعرض بعد تقديمه مطلبا للتحفيظ حسب الإجراءات والشروط المنصوص عليها في الفصل 13 السابق وبعد النشر لمدة أربعة أشهر بالجريدة الرسمية والتعليق والقيام بالاستدعاءات القانونية ومراجعة التحديد أثناء آجال النشر”.

ثالثا – إمكانية المصالحة بين الأطراف :

في الحالة التي يقبل فيها التعرض من طرف المحافظ، وقبل إرسال الملف إلى المحكمة يمكن للمحافظ أن يبادر إلى إقامة صلح بين طالب التحفيظ والمتعرضين، إذا كانت طبيعة النزاع تسمح بذلك، كأن يكون التعرض واقعا على مجرد الحدود حيث يمكن تسوية هذا المشكل دون اللجوء إلى المحكمة، أما في حالة رفض التعرض من قبل المحافظ لسبب من الأسباب فإنه لا يكون للتصالح أي معنى.

ومبادرة التصالح قد تأتي من طرف المحافظ أو طالب التحفيظ أو المتعرض كما يمكن للغير التدخل لإقامة هذا التصالح أو تهييئ الجو المناسب لإبرامه.

ومهما كانت الجهة التي ترغب في اتباع هذا الحل فإن المحافظ يبادر دائما إلى قبول طلب الصلح، فيقوم باستدعاء من يهمهم الأمر إلى جلسة صلحية بمكتبه حيث ينبغي أن يبذل غاية جهده للتوفيق بينهما، وان اقتضى الحال التوجه مع الفريقين إلى عين المكان لدراسة النزاع بكيفية أوفى وأبلغ ودون أن يتحملوا أية مصاريف.

فقد يتفق طالب التحفيظ والمتعرض إذا كان النزاع يتعلق بالحدود على إبرام اتفاق ودي بينهما دون اللجوء إلى القضاء، فيكونان متفقين على ملكية كل منهما بأرضه ولكنهما غير مستوثقين من الحدود الفاصلة ما بين أراضيهما، فيتفقان على خبير عند الاقتضاء أو يطلبان من المحافظ تعيين مهندس يقوم بتعيين هذه الحدود بناء على مستندات كل طرف ويرسم الحدود الفاصلة بين كل عقار ويضع علامات ظاهرة لتبيين هذه الحدود ويحرر بذلك محضرا يوقع عليه طالب التحفيظ والمتعرض، ويكون ملزما لهما يرجعان إليه لإعادة علامات التحديد إذا انطمست هذه العلامات.

ويعتبر محضر الصلح الذي وقعه الطرفان ذا قوة إثباتية، فهو ملزم لهما ولا يطعنان فيه إلا بما يطعن به على العقد فيجوز بوجه خاص أن يطعنا فيه بالابطال لنقص في الأهلية أو لعيب في الرضا من غلط، أو تدليس أو إكراه.

وإذا حصل الاتفاق المنشود بين الأطراف فبإمكان المحافظ إنجاز تقرير حضور يبين فيه النقط التي تم التصالح بشأنها ويوقعه الأطراف، ثم يدرج في ملف التحفيظ حيث يكون لهذا الاتفاق قوة الالتزام العرفي وبناء على هذا التصالح يتخذ المحافظ قراره بتحفيظ العقار وتأسيس الرسم العقاري وفقا لما تم التصالح بشأنه، إن لم يكن هناك تعرض آخر.

والملاحظ أن هذا الاتفاق لا يتصف بأية صبغة رسمية على الرغم من أنه تم تحت إشراف موظف عمومي، بل وبمبادرة منه وفي حدود اختصاصه، ومع ذلك فهذه الاتفاقات تلزم الطرفين وتكون بمثابة القانون لهما تطبيقا للمبدأ المعروف (العقد شريعة المتعاقدين) بحيث لا يجوز نقضها ولا تعديلها إذا ما تم تأسيس الرسم العقاري وذلك بالرغم من أنها لا تحتوي على الصيغة الرسمية.

وسعيا وراء تصفية كثير من المشاكل الطارئة بشأن التعرضات بصفة حبية، فلقد قامت المحافظات العقارية غير ما مرة بحملات إعلامية بواسطة النشرات قصد حث المعنيين على تسوية النزاعات القائمة بينهم بشأن التحفيظ العقاري، نظرا لأن النتائج المحصل عليها في المسطرة الصلحية تبعث دائما على التشجيع والارتياح، بحيث يتجلى من نتائجها أن من مصلحة الطرفين الوصول إلى حل سريع يرضي الجانبين.

ولعل منافع التوفيق المعروضة بعده تبين أهمية هذا التدبير:

– إن الاتفاق بين الفريقين أسهل من عرض الدعوى على المحكمة لتسوية الخلاف القائم بينهما. فالحكم مهما كان صحيحا فإنه لا يرضي دائما أحد الفريقين في حين أن التوفيق يصلح بين الطرفين ويجعل حدا للنزاع القائم بينهما.

– إن طالبي التحفيظ والمتعرضين يوفرون صوائر المرافعة القضائية والخبرات والتنقل إلى عين المكان وأتعاب المحامين عندما يلتجئون إلى مسطرة التوفيق.

– إن الالتجاء إلى مسطرة التصالح أسهل الوسائل استعمالا للتعجيل بتسليم رسم عقاري نهائي إلى صاحبه.

ونشير بأن إمكانية إقامة صلح بين الأطراف تبقى ممكنة حتى خلال المرحلة القضائية حيث يمكن للقاضي أن يسعى إلى تصالح الأطراف إذا كانت هناك بوادر تسمح بذلك. وهو ما سنراه خلال استعراضنا للتعرض في المرحلة القضائية في تدوينة جديدة . وقد تمت الإشارة إلى هذه الإمكانية في الفقرة الرابعة من الفصل 37 حيث ورد فيها ما يلي:

” إذا قبل التعرض أثناء جريان الدعوى من طرف طالب التحفيظ أو المستفيد من حق تم التصريح به طبقا للفصل 84 أو تنازل المتعرض عن تعرضه، فإن المحكمة المعروض عليها النزاع تشهد بذلك القبول أو التنازل، وتحيل الملف على المحافظ على الأملاك العقارية والذي يقوم عند الاقتضاء بالتحفيظ مع اعتبار اتفاقات الأطراف أو تصالحهم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى