يكتسي الرهن الرسمي أهمية بالغة في تدعيم وتمويل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والسياحية وغيرها، وهو ما من شأنه أن يساهم في تحقيق التنمية والنهوض بالقطاعات الاسكانية والخدماتية الشيئ الذي ينعكس ايجابا على الاقتصاد الوطني بصفة عامة.
وقد راعى المشرع المغربي هذه الاعتبارات في تنظيمه للرهن الرسمي حيث أفرد له 49 مادة بدءا من المادة 165 وانتهاء بالمادة 213 من مدونة الحقوق العينية.
أولا – تعريف الرهن الرسمي :
تعرف المادة 165 من القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية الرهن الرسمي بكونه ” حق عيني تبعي يتقرر على ملك محفظ أو في طور التحفيظ ويخصص لضمان أداء دين” .
ويتضح من هذه المادة أن الرهن الرسمي يرد على العقارات المحفظة الخاضعة لظهير التحفيظ العقاري كما وقع تعديله وتتميمه بالقانون رقم 07-14، كما أنه يرد على العقار في طور التحفيظ الذي لا تزال مسطرة التحفيظ جارية بشأنه.
والملاحظ أن هذا التوجه التشريعي فيه دلالة واضحة على إدماج العقار في طور التحفيظ والذي لم يتوفر بعد على الرسم العقاري في دائرة التنمية والاستثمار من خلال السماح بإيراد رهن رسمي عليه وجعله خاضعا للتداول والحركية باعتبار أن الوضعية القانونية للعقار في طور التحفيظ لا تجمد بفعل مسطرة التحفيظ.
إلا أن هذا التوجه الذي ذهب إليه المشرع المغربي لا يخلو من خطورة وذلك نظرا للصعوبات التي يمكن أن تعترض الدائن المرتهن في استيفاء دينه القائم على عقار في طور التحفيظ خاصة إذا تراخى طالب التحفيظ عن متابعة إجراءات التحفيظ أو نشوء تعرضات على هذا المطلب وحكم بصحتها من طرف القضاء.
على العموم، فالرهن الرسمي يعد أحد أكبر الضمانات العينية، من خلال الأموال العديدة التي يوفرها لإنعاش وتنمية السوق العقارية عن طريق توفير السيولة اللازمة للاستثمار في العديد من القطاعات التي تعود على الدولة بالعديد من الإيجابيات.
ويمنح الرهن الرسمي للدائن في حالة عدم أداء الراهن لإلتزامه حق نزع ملكية العقار وبيعه جبرا لاستيفاء دينه بالأولوية على سائر الدائنين بناء على الشهادة الخاصة لتقييد الرهن الممنوحة من قبل المحافظ وفق الفصل 58 من ظهير التحفيظ العقاري.
ثانيا – خصائص الرهن الرسمي :
يتميز الرهن الرسمي بالخصائص التالية:
أ – أنه حق عيني: فالرهن الرسمي يولي صاحبه حق التتبع والأولوية فحق التتبع يسمح للدائن المرتهن أن يتتبع العقار المعقود عليه الرهن في يد أي حائز له، أما حق الأولوية فيسمح له أن يقدم على باقي الدائنين للحصول على دينه من ثمن العقار إن لم يف المدين بدينه عند حلول أجل الدين.
ب – أنه حق عيني عقاري: ذلك أن الرهن الرسمي لا يتقرر مبدئيا إلا على العقار ومع ذلك أجاز قانون التجارة استثناء وقوع الرهن الرسمي على الطائرات والسفن.
ج – أنه حق عيني تبعي: فوجود الرهن الرسمي يتطلب قيام التزام أصلي يلحق به ويكون ضامنا لتنفيذه ويترتب على هذه الميزة أن بطلان الالتزام الأصلي يؤدي إلى بطلان الرهن الرسمي وفي زواله زواله.
د – أنه حق لا يقبل التجزئة: فكل جزء من الرهن ضامن لكل الدين وكل جزء من الدين مضمون بكل الرهن.
هـ – هو حق لا يتطلب خروج العقار من حيازة المدين بل أن العقار يبقى في يد المدين يستعمله ويتصرف فيه كما يشاء شرط أن لا يترتب على ذلك نقص في قيمته، ومن هنا يختلف الرهن الرسمي عن الرهن الحيازي الذي يسلب حيازة المرهون من الراهن ( المدين) ويمنحها إلى المرتهن ( الدائن).
و – أنه حق ينعقد كتابة ولا يكون صحيحا إلا إذا قيد بالرسم العقاري: بحيث يتعين تقييد الرهن الرسمي في المحافظة العقارية الكائن بدائرتها العقار المرهون، وذلك تحت طائلة عدم الاعتداد به سواء بين المتعاقدين أو الغير.
أما إذا تعلق الأمر بالرهن الاتفاقي المتعلق بقرض قصير الأجل فإنه يمكن تأجيل تقييده بالرسم العقاري لمدة لا تتعدى 90 يوما.
ثالثا – أنواع الرهن الرسمي :
والرهن الرسمي طبقا لما جاء في المادة 170 من مدونة الحقوق العينية على نوعين : رهن رضائي ورهن جبري :
الفقرة الأولى : الرهن الرسمي الرضائي
الرهن الرسمي الرضائي هو الرهن الذي يحصل باتفاق الأطراف كأن يستدين شخص مبلغا من المال من آخر ويعقد المدين رهنا رسميا على عقار له ضمانا للدائن على استفياء دينه، وينعقد الرهن الاتفاقي كتابة برضى الطرفين حسب المادة 174 من مدونة الحقوق العينية، وذلك على خلاف ما كان عليه الأمر في ظهير 19 رجب الذي كان يشترط لإنشاء هذا العقد إما بعقد عرفي أو رسمي طبقا لنص الفصل 173 الشيء الذي كان يثير معه عدة نزاعات نتيجة الخيار التشريعي الممنوح للأطراف.
وحسنا فعل المشرع عندما اشترط الكتابة الرسمية في انعقاد الرهن تحت طائلة البطلان تكريسا للمادة 4 من مدونة الحقوق العينية، ويشترط القيام الرهن الرسمي الرضائي الشروط الآتية:
– يجب أن يكون صادرا عن مالك العقار الواقع عليه الرهن.
– ويشترط لصحة الرهن الرسمي الرضائي أيضا أن يكون الرهن صادرا عمن هو أهل للتصرف، إذ لا يجوز إجراء رهن رسمي على أموال المحجر عليهم أو القاصرين إلا من قبل نائبهم الشرعي المقرر قانونا وبموجب إذن من القاضي طبقا للمادة 178 من مدونة الحقوق العينية.
– يجب لصحة عقد الرهن الرسمي الاتفاقي حسب المادة 175 من مدونة الحقوق العينية أن يتضمن ما يلي: هوية أطراف العقد، وتعيين الملك المرهون ببيان اسمه وموقعه ومساحته ومشتملاته ورقم رسمه العقاري أو مطلب تحفيظه، وبيان مبلغ الدين المضمون بالرهن والمدة المحددة لأدائه.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه لا يشترط بأن يكون عاقد الرهن الرسمي هو المدين بالذات بل يجوز لأي شخص بأن يعقد رهنا رسميا على عقار له ضمانا لدين على غيره، وفي هذه الحالة يكون عاقد الرهن بمثابة كفيل عيني فهو كفيل لأنه ضم ذمته إلى ذمة المدين الأصيل وتعهد بأداء الدين إلى الدائن.
كما لا يشترط بأن يكون عقد الرهن قد نظم في المغرب، بل يمكن أن تضمن العقود المحررة بالأقطار الأجنبية رهنا صحيحا على عقارات محفظة موجودة في المغرب شريطة أن تكون هذه العقود متفقة مع مقتضيات التشريع الخاص بالنظام العقاري للتحفيظ في المغرب، أي وفقا لأحكام ظهير 9 رمضان 1331 الموافق 12 غشت 1913 والمعدل والمغير بالقانون رقم 14.07.
الفقرة الثانية : الرهن الإجباري
نقص المادة 171 من مدونة الحقوق العينية على أنه ” يكون الرهن الاجباري بدون رضى المدين في الحالات التي يقررها القانون”، وعليه فالرهن الإجباري يتميز عن الرهن الرضائي بخاصيتين:
– الرهن الجبري يتقرر بدون إرادة ورضى المدين بينما الرهن الرضائي لا يمكن أن يتم إلا بموافقة صاحب العقار.
– الرهن الجبري يضمن أي حق يعود لأي شخص كان ومن أهم أنواع الرهون الجبرية هي: – الرهن الجبري المقرر ضمانا لحقوق فاقدي الأهلية وناقصها – الرهن الجبري المقرر ضمانا لحقوق وديون الزوجة – الرهن الجبري المقرر ضمانا للمبالغ المستحقة للمقاولين والمهندسين على المنشآت التي عهد إليهم بإنشائها أو ترميمها – الرهن الجبري المقرر على عقارات التركة ضمانا لحقوق الدائنين والموصى لهم…. – الرهن الجبري المقرر ضمانا لحقوق البائع والمقايض والمقاسم – الرهن الجبري المقرر لكتلة الدائنين على عقارات المفلس ضمانا للديون المحققة في طابق التفلسة.
وتجدر الإشارة أن مدونة الحقوق العينية لم تتطرق لحالات الرهن الإجباري بالحجم الذي كان موجودا في ظل ظهير 19 رجب الملغى، وإنما اكتفت بالقول أنه يكون وفق الحالات المقررة قانونا في المادة 171، اذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما ورد في نطاق الفصل 172 بعده.
رابعا – انقضاء الرهن الرسمي :
الرهن الرسمي حق تابع للالتزام المضمون به، لذلك فقد ينقضي بانقضاء الالتزام الأصلي وقد ينقضي بصورة أصلية ومستقلة عن الدين المضمون الذي يبقى قائما، ومن ثم فالرهن الرسمي ينقضي بصفة عامة بإحدى الصورتين، بصورة تبعية أو بصورة أصلية مستقلة.
– انقضاء الرهن الرسمي بصورة تبعية وذلك في الأحوال التالية:
– الوفاء بالدين الأصلي، إذ لا يبقى له محل إذا وقع أداء الدين الأصلي.
– اتحاد الذمة.
– المقاصة والإبراء.
– فسخ أو إبطال الالتزام الأصلي.
– انقضاء الرهن الرسمي بصورة مستقلة وذلك بالأسباب التالية :
– رفع يد الدائن المرتهن عن الرهن: وفي هذه الحالة الدائن يتنازل عن الرهن دون أن يتنازل عن الدين كأن يقبل كفالة شخصية بدلا من الرهن الرسمي.
– هلاك العقار الواقع عليه الرهن الرسمي كليا: وفي هذه الحالة يتحول حق الأفضلية الذي يتمتع به الدائن المرتهن إلى تعويضات التأمين عن الهلاك الذي كان العقار مؤمنا عليه. وإذا كان الهلاك جزئيا بقي الرهن على ما لم يشمله الهلاك ويبقى ضامنا لكل الدين استنادا إلى فكرة عدم تجزئة الرهن.
– بيع المرهون بيعا جبريا بالمزاد العلني: ينقضي الرهن بارساء المزايدة على المتزايد الأخير أثر إجراءات نزع الملكية جبرا، حيث يطهر العقار المبيع من جميع الامتيازات والرهون وينقل حق الدائنين إلى الثمن الذي يوزع عليهم وفق رتبة حقهم حسب مضمون المادة 213 من القانون رقم 39.08.
– إبطال تسجيل الحق الواقع عليه الرهن: ويشترط لإعمال هذا الإبطال بأن يكون الدائن على علم بسبب الإبطال إذ لا يمكن في أي حال التمسك بإبطال تسجيل حق في مواجهة الغير حسن النية طبقا للمادة 66 من ظهير 9رمضان 1331 الخاص بالتحفيظ العقاري المعدل والمغير بمقتضى القانون رقم 14.07.