إن الحقوق العرفية الإسلامية تشمل صورا مختلفة من حق المنفعة السابق الإشارة إليها في تدوينات سابقة وهي لا تعدو أن تكون أنواعا من الكراء، إلا أنها تختلف عن الكراء المنظم بمقتضى نصوص قانونية مدنية في كونها حقوق عينية بينما الكراء العادي لا يعطي أكثر من حق شخصي للمستأجر.
والمشرع المغربي لم يكن يعرف هذه الحقوق ولم يتطرق لأحكامها في ظهير 2 يونيو 1915 الملغى مكتفيا في البند 10 من الفصل 8 منه بذكر هذه الحقوق من جهة، كما أخضعها للأحكام والأعراف المحلية كما ينص على ذلك الفصل 197 من نفس القانون من جهة أخرى.
وبالفعل فقد أظهر العرف صورا كثيرة للحقوق العرفية الإسلامية كما هو الشأن للجلسة والجزاء والاستئجار والزينة والهواء والحلاوة والمفتاح.
لكن بعد صدور مدونة الحقوق العينية فقد عملت على تنظيم هذه الحقوق وذلك نظرا لأهميتها كحقوق عينية أصلية.
وفي موضوع ذي صلة فقد نصت المادة 9 من القانون رقم 39.08 على أن الحق العيني الأصلي هو الذي يقوم بذاته من غير حاجة الى أي حق اخر يستند اليه.
والحقوق العينية الأصلية هي :
-…
-…
-…
– حق الحبس.
– حق الزينة.
– حق الهواء والتعلية.
– الحقوق العرفية المنشأة بوجه صحيح قبل دخول هذا القانون حيز التنفيذ”.
والحقوق العرفية الإسلامية ترد على العقارات الموقوفة وعلى أملاك الدولة الخاصة كما يمكن أن ترد على العقارات المملوكة ملكية خاصة للأفراد كما في الهواء.
أولا – حق الهواء والتعلية :
تنص المادة 138 من القانون رقم 39.08 على أن ” حق الهواء والتعلية حق عيني قوامه تملك جزء من الهواء العمودي الذي يعلو بناء قائما فعلا يملكه الغير، وذلك من أجل إقامة بناء فوقه تسمح به القوانين والأنظمة”.
فحق التعلية بهذا المعنى هو حق يتقرر لفائدة شخص لأجل الاستفادة بجزء محدد من الفضاء الطليق أو العلو المرتفع فوق بناء قائم فيستطيع بمقتضى ذلك أن يشيد بناء له فوق البناء القائم فعلا، كما يتعين على صاحب الحق عند المنازعة ضرورة اثباته على أساس أن مالك العقار لئن كان يملك ما فوقه وما تحته فإن من يدعي الاستئثار يجب عليه اقامة البينة التي تفيد ذلك.
وطبقا للمادة 139 من مدونة الحقوق العينية فإن إنشاء حق الهواء يتم بناء على العقد. ويجوز لصاحبه تقويته أو رهنه أو ترتيب حقوق عينية أو ارتفاقات عليه شريطة عدم تعارضها مع طبيعة حق التعلية أصلا ( الفقرة الأولى من المادة 140 من مدونة الحقوق العينية).
وجدير بالذكر أن المشرع المغربي لم يتطرق بالتفصيل لحق الهواء – على الأقل- قبل صدور مدونة الحقوق العينية إلا في حالات خاصة، كما هو الشأن بالنسبة للفصل 483 من قانون الالتزامات والعقود في الباب المتعلق بالبيع عندما نص على أنه يقع صحيحا بيع جزء محدد من الفضاء الطليق أو الهواء العمودي الذي يرتفع فوق بناء قائم فعلا، و يسوغ للمشتري أن يبني فيه بشرط تحديد طبيعة البناء وأبعاده، ولكن لا يسوغ للمشتري أن يبيع الهواء العمودي الذي يعلوه بغير رضى البائع الأصلي.
ثانيا – حق الجلسة :
ويطلق عليه أيضا حق الحلاوة أو حق الخلو، وغالبا ما يقع على العقارات المبنية العائدة لأملاك الدولة أو العقارات المحبسة.
وصورة الجلسة عقد إيجار مقابل مبلغ معلوم، ويقع عادة على المحلات الصناعية والتجارية لكي يقوم صاحب الجلسة بتجهيزه بالمعدات اللازمة لهذه الحرفة، كما أن المالك قد يقوم بتجهيز المحل بالمعدات ويؤجره لأحد أصحاب المهنة بأن ينشأ له حق جلسة على المحل ومعداته ويتعين مراعاة قيمة المعداة والمواعين عند تقدير الأجرة.
ومتى تم إنشاء هذا الحق فإنه يمنح صاحبه حق التمتع بالمحل المكتري بصفة الدوام مقابل إعطاء عائدات دورية لمصلحة المكري وهذا الحق يقبل التداول بعوض أو بدون عوض سواء بين الأحياء أو بسبب الوفاة.
ثالثا – حق الجزاء :
يعتبر حق الجزاء من صور الانتفاع التي ترد على أرض فضاء تصلح البناء أو الزراعة وقد تكون هذه الأرض في ملكية الدولة أو الخواص.
ومن هنا يختلف حق الجزاء عن حق الجلسة الذي يرد فقط على المحلات المبنية ويرت بهذا الحق لصاحبه أداء واجبات دورية على وجه الديمومة لفائدة الجهة المكرية، وحق الجزاء حق عيني يقبل التصرف فيه بعوض أو بغير عوض بين الأحياء أو بسبب الموت ويطلق عليه أيضا بحق الاستئجار، ويسقط بعدم أداء الأجرة مدة طويلة.
ويصعب غالبا التمييز بين حق السطحية والجزاء ولكن مع ذلك يمكن أن تقيم هذا التمييز بناء على أن السطحية ينشأ لمدة معينة، أما الجزاء فهو كراء على التبعية في حق السطحية وبذلك فصاحبه يستفيد بسطح الأرض دون باطنها أما في حق الجزاء فلا يوجد مثل هذا القيد.
كما أن الجزاء يختلف عن الكراء الطويل الأمد من حيث أن هذا الأخير يجب أن يكون لمدة تفوق 10 سنوات دون أن تتجاوز 40 سنة وينقضي تبعا بانقضائها تماشيا مع الفقرة الثانية من المادة 121 من مدونة الحقوق العينية، أما الجزاء فيكون على وجه التأبيد والديمومة كما يمكن أن يكون لمدة مؤقتة تتجدد تلقائيا.
رابعا – حق الزينة :
نظم المشرع هذا الحق في مدونة الحقوق العينية بمقتضى سبع مواد، من المادة 131 إلى المادة 137، وهي إشارة إلى الأهمية التي يكتسبها هذا الحق ضمن باقي الحقوق العينية الأخرى.
وقد عرفته المادة 131 من مدونة الحقوق العينية بأنه ” حق عيني يخول صاحبه ملكية البناء الذي شيده على نفقته فوق أرض الغير. ينشأ هذا الحق بالعقد مع تشييد البناء وينتقل بالشفعة أو الإرث أو الوصية. لا يمكن ترتيب حق الزينة على حقوق مشاعة إلا باتفاق جميع الشركاء “.
ويضيف أحد الباحثين أن حق الزينة بهذا المعنى يؤدي إلى قيام علاقة تعاقدية بين مالك الرقبة ومالك الزينة، إذ بموجبها يدفع الأخير وجيبة دورية بعد استصدار إذن من مالك الرقبة.
ويسجل على هذا الحق كونه ينشأ بالعقد كما هو الشأن بالنسبة لحق التعلية، وعموما فباستقراء المستجدات التي جاء بها القانون رقم 39.08 بخصوص حق الزينة يمكن إبعاد الملاحظات التالية :
– إن القانون رقم 39.08 قام بتعريف حق الزينة وبين أحكامه والشروط الواجب توفرها في العقد المنشئ له وذلك بتوضيح نوع البناء ومواصفاته وأبعاده ( المادة 132).
– التكريس التشريعي للعمليات التي يمكن لصاحب حق الزينة القيام بها، كأن يفوت البناء الذي أحدثه أو برهنه أو يرتب له أو عليه حقوق ارتفاق في الحدود التي يسمح ويجوز له فيها مباشرة هذا الحق ( المادة 133 من القانون رقم 39.08).
– تبيان وتحديد الحد الأقصى لحق الزينة ويتمثل في مدة 40 سنة مع مراعاة تلك الحقوق السائدة عند صدور هذا القانون ( المادة 134).
– توضيح أسباب انقضاء حق الزينة كانتهاء مدته، والتنازل عنه صراحة، وهلاك البناء هلاكا كليا، وأخيرا اجتماع صفتي صاحب حق الزينة ومالك الرقبة في شخص واحد ( المادة 135) .
ويلاحظ أن هذه الحقوق العرفية الإسلامية تتصف بالخصائص التالية:
– أنها حقوق عينية عقارية إذ لا ترد إلا على العقارات، وتنشأ بالعقد كما هو الشأن بالنسبة للتعلية والزينة.
– أنها حقوق يمكن أن تمنح لأي شخص وإذا تم إنشاؤها فإن أحكامها تطبق على الجميع.
– أنها تلزم صاحب هذه الحقوق بأن يدفع عائدات دورية دائمة لمالك الرقبة وتسمى ( النجوم) باستثناء حق الهواء الذي يكتسبه صاحبه عادة عن طريق الشراء.
– يمكن أن تكون هذه الحقوق محلا لحق ارتفاق يرد عليها كما يمكن أن يترتب عليها رهن رسمي تتحمله.
خامسا – تصفية الحقوق العرفية المنشأة على الأوقاف العامة :
لقد جاءت مدونة الأوقاف المغربية بمجموعة من المقتضيات الهادفة إلى تصفية الحقوق العرفية المنشأة على الأوقاف العامة بحيث نصت المادة 103 منها على أنه ” لا يجوز إنشاء أي حق من الحقوق العرفية من زينة أو جلسة أو جزاء أو مفتاح أو استئجار أو غبطة ، أو عرف أو حلاوة أو غيرها على أي ملك من أملاك الأوقاف العامة .
غير أنه يجوز وقف أي ملك على الأوقاف العامة، وإن كان مثقلا بحق من الحقوق المذكورة”.
لكن هذه القاعدة لا تسري على حق الهواء لأنه يعتبر حقا خالصا للأوقاف العامة طبقا للمادة 104 من مدونة الأوقاف.
كما أن المادة 105 من مدونة الأوقاف نصت على مجموعة من الأسباب الموجبة لانقضاء الحقوق العرفية المنشأة على الأملاك الوقفية العامة وهي:
– هلاك البناءات أو المنشآت أو الأغراس المقامة على هذه الأملاك والعائدة إلى صاحب الحق العرفي.
– عدم أداء صاحب الحق العرفي الوجيبة الكرائية لمدة سنتين متتاليتين وفي هذه الحالة تسترد الأوقاف المحل بمنافعه، ويمنح صاحب الحق الأسبقية في كراته.
– تصفية هذه الحقوق بإحدى الطرق المنصوص عليها في المادة 106 من مدونة الأوقاف.
– كما تنقضي هذه الحقوق في جميع الأحوال بمرور عشرين سنة إبتداء من دخول هذه المدونة حيز التنفيذ.
– وبالرجوع إلى المادة 106 من مدونة الأوقاف نجدها تنص على طرق ثلاثة لتصفية الحقوق العرفية على الأوقاف العامة وهي شراء إدارة الأوقاف للحق العرفي المترتب لفائدة الغير، و شراء صاحب الحق العرفي لرقبة الملك الوقفي. و بيع الرقبة والحق العرفية معا عن طريق المزاد وفق أحكام المواد من 60 إلى 71 من هذه المدونة، ولا يلجأ إلى هذه الطريقة إلا في حالة تعذر التصفية بالطريقتين السابقتين .