تقتضي دراسة حق الشفعة كسبب لكسب الملكية التعرض لتعريفها وبيان خصائصها، ثم التطرق للتصرفات المثبتة لهذا الحق، وتوضيح أركانه، وشروط ممارسته وأخيرا دراسة آثاره، وذلك فيما يلي :
أولا : التعريف بالشفعة وبيان خصائصها
الشفعة تعني ضم الشيئين، وهي مشتقة من الشفع وهو العدد الثنائي ضد الوتر الذي هو العدد الفردي، وسميت بذلك لأن الأخذ بها يضيف بسببها الشفيع الحصة المشفوعة فتصير بذلك الحصتان شفعا بعد أن كانت التي بيده وترا. واصطلاحا عرفها ابن عرفة بكونها استحقاق شريك اخذ مبيع شريكه بثمنه، وهذا التعريف الأخير استقرت عليه محكمة النقض .
فالشفعة نظام إسلامي ثابت في الشريعة الإسلامية، إذ عمل فقهاء الشريعة على استنباط أحكام مختلفة دقيقة تنظمها بشكل يحقق المصالح الاقتصادية والاجتماعية. على اعتبار أن لها أهمية قصوى من حيث كونها تسهم في رفع الضرر عن الشركاء والحفاظ على الشيوع تلافيا لدخول الشريك الأجنبي، بالإضافة لكونها تساعد على التماسك بين الشركاء من ناحية والعمل على اكتساب الملكية من ناحية أخرى.
يبدو أن هذه الأهمية التي تتسم بها الشفعة جعلت الشريعات تنظمها بقواعد قانونية من ضمنها المشرع المغربي، حيث قام بتعريفها في الفصل 974 من ق ل ع بأنها ” إذا باع أحد المالكين على الشياع لأجنبي حصته الشائعة جاز لباقيهم أن يشفعوا هذه الحصة لأنفسهم في مقابل أن يدفعوا للمشتري الثمن ومصروفات العقد والمصروفات الضرورية والنافعة التي أنفقها منذ البيع ويسري نفس الحكم في حالة المعاوضة …”
وقد عمل المشرع على تكريس نفس التعريف المذكور لحق الشفعة في ق ل ع وظهير 2 يونيو 1915 الملغى، وذلك في مدونة الحقوق العينية من خلال المادة 292 حيث تنص على أن ” الشفعة أخذ شريك في ملك مشاع أو حق عيني مشاع حصة شريكه المبيعة بثمنها بعد أداء الثمن ومصروفات العقد اللازمة والمصروفات الضرورية النافعة عند الاقتضاء”.
اذن من خلال ما سبق يمكن القول أن الشفعة تتميز بالعديد من الخصائص منها:
– فهي تجوز في المنقول والعقار على حد سواء.
– فهي تخضع في تنظيمها لأنواع ثلاثة من القوانين ويتعلق الأمر ب أحكام الفقه الإسلامي وخاصة منها أحكام الفقه المالكي على اعتبار أن الشفعة من الحقوق التي نظمتها الشريعة الإسلامية السمحة، و ظهير الالتزامات والعقود المغربي وذلك في المنقولات والعقارات غير المحفظة تماشيا مع الاحكام الواردة من الفصل 973 إلى الفصل 976 من ق ل ع ، ومدونة الحقوق العينية بالنسبة للشفعة الواردة على العقار سواء أكان قابلا للقسمة أم غير قابل لها كما يشمل هذا التنظيم الشفعة الواردة على الحقوق العينية القابلة للتداول.
وتنظم مدونة الحقوق العينية حق الشفعة من المادة 292 إلى 312، والكل مع مراعاة المادة 1 من نفس القانون.
ثانيا : التصرفات والأموال المثبتة للشفعة
إن الشفعة كنظام قانوني لا يجوز الأخذ به إلا في نطاق التصرفات التي بمقتضاها يكتسب المشتري – المتصرف إليه – تلك الحصة المشاعة عن طريق البيع، وهذا ما يستنتج صراحة من خلال الفصل 974 من ق. ل. ع عندما نص على ما يلي ” إذا باع أحد المالكين على الشياع الأجنبي حصته الشائعة …”.
وهو ما كان سائدا في ظل الفصل 25 من ظهير 2 يونيو 1915 الملغى بمقتضى مدونة الحقوق العينية، هذه الأخيرة التي كرست الحصة الشائعة المفوتة عن طريق البيع كأساس لممارسة الحق في الأخذ بالشفعة وذلك تطبيقا للمادة 292 منها عندما استعملت كلمة “المبيعة”.
علاوة على البيع، فإن المعاوضة تعد كذلك من التصرفات التي تجيز الشفعة حسب الفقرة الأولى من الفصل 974 من ق ل ع.
ويثار التساؤل حول ما إذا كان يقبل ممارسة حق الشفعة في البيوع القضائية كما هو الشأن بالنسبة للبيوع الرضائية؟.
إن الإجابة عن هذا التساؤل عرفت جدالا واسعا داخل أوساط الفقه أو العمل القضائي بين مؤيد ومعارض لمسألة ممارسة الشفعة في البيع القضائي، ودون الدخول في هذه التفاصيل، نشير أن مدونة الحقوق العينية قد حسمت هذا الإشكال عندما نصت في المادة 302 على أنه ” إذا بيعت الحصة المشاعة في المزاد العلني وفق الاجراءات المنصوص عليها في القانون فلا يجوز أخذها بالشفعة”.
وبخصوص الأموال القابلة للتملك بالشفعة، فإن الأخيرة تكون في العقارات سواء كانت قابلة للقسمة أم غير قابلة لها، كما تكون في الحقوق العينية القابلة للتداول كحق الكراء الطويل الأمد وحق الانتفاع والسطحية وغيره، في حين لا يمكن ممارسة حق الشفعة في الحقوق الارتفاقية نظرا لتعذر انتقالها بحد ذاتها، كما لا مجال لشفعة ما فوت تبرعا اللهم إذا كان التبرع صوريا أو تحايلا.
وانسجاما مع الفصل 975 من ق ل ع فالشفعة ترد أيضا على توابع الحصة المشاعة وحدها إذا بيعت هذه التوابع مستقلة.
ثالثا : أركان الشفعة
نشير لأركان ممارسة الشفعة – باختصار – كما يلي :
1 – الشفيع وهو الشخص الذي له الحق للأخذ بالشفعة لأجل أخذ الحصة من المالك الجديد الذي اشترى الحصة الشائعة من أحد الشركاء
2 – المشفوع وهو الشيئ محل حق الشفعة.
3 – المشفوع منه وهو الشخص الذي انتزع منه النصيب المتملك بعوض.
4 – المشفوع به وهو ما يؤديه الشفيع للمشفوع منه نظير الحصول على الحصة الشائعة.
رابعا : شروط ممارسة حق الشفعة
فالشخص الذي يثبت له أحقية الأخذ بالشفعة، عليه التقيد بجملة من الشروط كالتالي:
1- يجب مباشرة حق الشفعة بالنسبة إلى الحصة المفوتة بكاملها :
يتبين من هذا الشرط أن صحة ممارسة الشفعة لابد أن تتم بالنسبة للحصة المبيعة بأكملها لا في جزء منها فقط، وما يؤكد ذلك هو مقتضيات كل من الفقرة الأولى من المادة 296 من مدونة الحقوق العينية، والفصل 974 من ق ل ع الذي ينص على ما يلي ” لكل من المالكين على الشياع أن يشفع بنسبة حصته، فإذا امتنع غيره عن الأخذ بها لزمه أن يشفع الكل” ، وهو ما تم التنصيص عليه أيضا في مدونة الحقوق العينية صراحة في المادة 286 بقولها ” فيجب على الشريك أن يأخذ الحصة المبيعة بكاملها أو أن يتركها”، واستقر عليه القضاء المغربي.
وعلى فرض أن الشريك الذي باع حصته لأجنبي والتي تتحد في الثلث (1/3) من مجموع الحصة الشائعة، فإذا ما أراد الشريك الآخر الذي ثبت حقه في ممارسة حق الشفعة أن يشفع الثلث المتصرف فيه في مجموعه لا في جزء منه فقط، ويطبق نفس الحكم حتى في حالة تعدد الشفعاء، أما بالنسبة للفرضية التي يمتنع فيها بعض الشفعاء فيلزم حينئذ على الباقين الحلول محلهم والكل تماشيا مع الفصول الواردة أعلاه.
2 – يجب ممارسة حق الشفعة داخل الأجل القانوني :
يختلف أجل ممارسة حق الشفعة حسبما تعلق الأمر بعقار غير محفظ أو منقول، أو بعقار في طور التحفيظ، وأخيرا ما إذا تعلق الأمر بالعقار المحفظ. ونشير باختصار إلى كل هذه الحالات كل على حدة في النقط الآتية:
أ – الحالة المتعلقة بشفعة عقار غير محفظ أو منقول :
في هذه الحالة يجب ممارسة حق الشفعة داخل أجل سنة يبتدئ من تاريخ العلم بالبيع الحاصل في الملكية الشائعة، أما في حالة عدم العلم بالبيع فبمقتضى أربع سنوات من تاريخ إبرام العقد.
ومما تجدر الإشارة إليه أن اجل السنة الوارد أعلاه هو من قبيل الأجالات المسقطة التي تسري في مواجهة الكافة، وبالتالي فهو لا يخضع للقواعد العامة المنظمة للتقادم المسقط من حيث الانقطاع والتوقف.
إلا أن التساؤل المطروح بهذا الخصوص يتعلق بمدى سريان مدة السقوط في حق الكافة بصفة مطلقة؟ أم أن هناك استثناءات تبررها قواعد العدالة والانصاف مثلا؟
للإجابة على ما ذكر نشير إلى أن مدة السنة رغم كونها مدة إسقاط تسري في مواجهة الكل بمن فيهم القاصرين متى كان لهم نائب قانوني فإن المشرع استثنى الحالة التي يكون هناك عائقا مشروعا قد منع المالك من الأخذ بالشفعة كما لو تعلق الأمر بالاكراه.
ب – الحالة المتعلقة بشفعة العقار المحفظ :
كان أجل ممارسة حق الشفعة في العقار المحفظ، قبل صدور مدونة الحقوق العينية يخضع لأجال ثلاثة وهي:
– أجل الثلاثة أيام: من تاريخ التبليغ بالشراء حسب الفصل 31 من ظهير 2 يونيو، والهدف من التبليغ هو حث من له الحق في الشفعة على إبداء رغبته فيها، وإيداع مبالغ الشراءداخل الأجل.
– أجل الشهرين : ويسقط حق الشفعة بعد فوات هذا الأجل الذي يبتدئ من تاريخ إبرام العقد شريطة أن يكون الشفيع حاضرا مجلس العقد (الفصل 32 من ظهير 2 يونيو 1915 الملغى).
– أجل السنة : ويتحدد هذا الأجل عندما لا يقوم المشتري بتبليغ الشفيع بالشراء، ولم يحضر مجلس العقد، وهذا الأجل يبتدئ من تاريخ تقييد البيع بالرسم العقاري طبقا لما أكده القضاء المغربي ، واستقر عليه المشرع في مدونة الحقوق العينية كما سنرى لاحقا.
وبصدور مدونة الحقوق العينية فقد جاءت بمستجدات مهمة بخصوص هذا الموضوع ويمكن التعرض لها فيما يلي:
– طبقا للفقرة 1 من المادة 304 ، فإذا عمد المشتري تبليغ ذوي الحق في الشفعة، فأجل الشفعة يسقط والحالة هذه بعد مرور 30 يوما كاملة من تاريخ التوصل.
– أما في الحالة التي لم يعمد فيها المشتري إلى القيام بالإجراء المذكور، فأجل الشفعة يسقط بمرور سنة من تاريخ التقييد بالرسم العقاري.
عموما يظهر أن المشرع اقتصر على أجلين هامين في نطاق المادة 304 السالفة اعتبارا للمساوئ العديدة التي كانت مثارة بصدد تطبيق هذا الأجل والتقييد به، لا سيما إذا علمنا انه يبقى أجلا قصيرا يثير عدة منازعات على مستوى القضاء بصفة خاصة هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان يستعصي ممارسة حق الشفعة داخل هذا الأجل أمام ما يتضمنه هذا الحق الأخير من إجراءات طويلة كتبليغ للشفيع وإيداع للحصة ومصاريف العقد وثمن التحسينات وغيرها ….
ج – الحالة المتعلقة بشفعة عقار في طور التحفيظ :
العقار في طور التحفيظ هو ذلك العقار الذي قدم بشأنه مطلب تحفيظ ولا زالت مسطرة التحفيظ سارية بشأنه بحيث لا يتوفر بعد على رسم عقاري خاص به يطهره من كافة العيوب والشوائب المرتبطة به.
فالعقار في طور التحفيظ بهذا المعنى يمكن أن يكون محلا لجملة من التصرفات كالبيع مثلا، وعليه فإذا تعلق الأمر بعقار في طور التحفيظ مشاع بين عدة أشخاص، يمكن للشخص الشريك التعرض على البيع لأجل ممارسة حق الشفعة التي تكون في الغالب الحل الأمثل لرفع الضرر وتفادي دخول الأجنبي للملك.
و باستقراء مضمون المادة 304 من القانون رقم 39.08 يتبين بجلاء أن أجل شفعة العقار في طور التحفيظ يبدأ من تاريخ الإيداع وإلى غاية سنة كاملة إذا لم يتم تبليغ الشراء إلى الشفيع. أما في حالة التبليغ فحق الشفعة عندئذ يسقط خلال ثلاثين يوما كاملة من تاريخ التوصل بالتبليغ.
وجدير بالذكر أنه في إطار المستجدات التي جاء بها المشرع في مدونة الحقوق العينية يكون قد تجاوز الخلاف الفقهي والقضائي الذي كان حاصلا بخصوص سلوك مسطرة التعرض عند المطالبة بالشفعة أو القيام بالإيداع طبقا للفصل 84 من قانون التحفيظ العقاري، حيث تنص المادة 305 من مدونة الحقوق العينية على أنه ” اذا كان العقار في طور التحفيظ فلا يعتد بطلب الشفعة الا اذا ضمن الشفيع تعرضه بمطلب التحفيظ المتعلق به”.
3- يجب أداء الثمن وتوابعه :
انطلاقا من المادة 292 من مدونة الحقوق العينية يتضح أن الشفيع ملزم بدفع مقابل للمشتري نظير الأخذ بالشفعة ويتجسد هذا المقابل في ثمن المبيع (أ)، ومصروفات العقد (ب) والمصروفات الضرورية التي أن أنفقها منذ البيع (ج).
أ – ثمن الشيء المبيع :
إذ الشفيع ملزم بدفع ثمن الشيء المبيع لفائدة المشتري كمقابل للأخذ بالشفعة، ويتم ذلك بالتعبير الصريح عن الرغبة في ممارسة الشفعة وابداع هذا الثمن فعلا داخل أجل أساسي.
وعلى فرض أن المشتري قام بشراء حصة في عقار مشاع بثمن 20000 درهم، فإن الشفيع في حالة ثبوت حقه في الأخذ بالشفعة يجب أن يؤدي مبلغ 20000 للمشتري باعتباره ثمن الشيء المبيع، ولا يمكن الاحتجاج بالحق بالشفعة للتملص من أداء ثمن المبيع، لأن كل قول بخلاف ذلك يتنافى وقواعد الأخذ بهذا الحق.
إن الثمن الذي يلتزم الشفيع بأدائه للمشتري هو ذلك الثمن الحقيقي لا قيمة للعقار. وإذا وقع خلاف حول الثمن فالأمر أنذاك موكول للقاضي الذي يعمل على تعيين الثمن الحقيقي وله أن يستعين بالخبراء لتحديده وفق الثمن المتداول في السوق العقارية.
ب – مصروفات العقد :
وحسب المادة 292 من مدونة الحقوق العينية، فالشفيع ملزم بأداء مصروفات العقد، كنفقات عقد الشراء، وقيمة الطوابع المالية، وأجرة الترجمة وكذا رسوم التقييد إذا تعلق الأمر بعقار محفظ، بالإضافة لأتعاب الموثق والعدل وغيرها ….
ج – قيمة التحسينات :
وقد سماها الفصل 974 من ق ل ع وكذا المادة 292 من القانون رقم 39.08 بالمصروفات الضرورية النافعة، ويدخل في نطاقها قيمة البناءات والأغراس والنفقات التي يهدف منها الحفاظ على المبيع وصيانته من التلف والضياع.
على أن أداء الشفيع للثمن وتوابعه بالكيفية التي استعرضناها يلزم بالمقابل المشتري بإخلاء العقار وتسليم المشفوع فيه لأن المشتري في الحالة المخالفة يمكن له حبس العقار انتظارا لاستيفاء ما هو مستحق له في ذمة الشفيع من مصروفات ونفقات.
خامسا : آثار حق الشفعة
وقد تطرق المشرع لهذا الموضوع من المادة 307 الى المادة 310 من القانون رقم 39.08 وعليه يمكن ايراد آثار الشفعة كما يلي:
1 – الشفيع الذي مارس حق الشفعة يحل محل المشتري ويعتبر خلفا للبائع لا خلفا للمشتري، وبعد تملك الشفيع للحصة المبيعة فأنذاك يحق له ممارسة كافة السلطات على تلك الحصة (المادة 307 من مدونة الحقوق العينية).
2 – يعد المتصرف إليه في الفترة الممتدة بين حصول واقعة شراء الحصة المشاعة ووقوع طلب الشفعة حائزا حسن النية له الحق في الثمار طوال هذه الفترة.
3 – إذا أضاف المشفوع منه شيئا في الحصة المشفوعة من ماله بأن بنى أو غرس فيها، فإن قام بذلك قبل إعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة طبقت الأحكام المتعلقة بالبناء والغرس في أرض الغير بإذنه.
4 – إذا قام المشفوع منه بإضافة شيء في الحصة المشفوعة من ماله بعد إعلان الشفيع عن الرغبة في الأخذ بالشفعة، حينئذ يتم تطبيق الأحكام المتعلقة بالبناء والغرس في أرض الغير دون إذن.
5 – عند استحقاق الشفيع للحصة المبيعة وتقييدها في الرسم العقاري إذا كان العقار محفظ تنتقل ملكية العقار المشفوع إلى الشفيع.