أولا : تعريف الحيازة
لم يعرف المشرع المقصود بالحيازة وإنما عمل على تبيان ذلك بصفة غير مباشرة عندما تعرض لعناصرها في الفقرة الأولى من المادة 239 من مدونة الحقوق العينية التي نصت على ما يلي ” تقوم الحيازة الاستحقاقية على السيطرة الفعلية على الملك بنية اكتسابه”.
وإذا كان المشرع لم يعرف الحيازة فإن الفقه اعتبرها سيطرة مادية لشخص ما على شيء يستعمله بصفته مالكا أو بصفته صاحب حق عيني على الشيء وقد تستند إلى حق أو لا تستند إليه.
ونظرا لأهمية الحيازة باعتبارها سببا من أسباب كسب الملكية، فإن التشريعات ما فتئت تنظمها بمقتضى قواعد قانونية، كما هو الشأن بالنسبة للمشرع المغربي الذي عمل على تنظيمها في العديد من القوانين منها قانون الالتزامات والعقود ، وقانون المسطرة المدنية ، والقانون الجنائي ، وغيرها من القوانين إلى أن جاءت مدونة الحقوق العينية التي نظمتها بنصوص خاصة وأكثر دقة من المادة 239 إلى المادة 263.
ثانيا : عناصر الحيازة
للحيازة عنصران عنصر مادي وعنصر معنوي :
1 – العنصر المادي : وهو عبارة عن جملة من الأعمال المادية التي يقوم بها الحائز، أي ما يسمى بوضع اليد، كزراعة العقار محل الحيازة أو حرثه أو غرسه أو بالسكن في منزل أو كرائه.
2 – العنصر المعنوي : ويراد به نية الحائز في اكتساب حق عيني وبالتالي صيرورته حائزا بصفته مالكا له.
إن نية الحائز تجسد العنصر المعنوي الذي يميز الحيازة الاستحقاقية عن الحيازة العرضية، هذه الاخيرة التي ينعدم فيها هذا العنصر فالشخص الذي يضع يده على شيء وهو لا يقصد اكتسابه لا يكون عندئذ حائزا قانونيا بل حائزا عرضيا كالمكتري أو الوديع أو الوكيل… فهؤلاء على التوالي جميعهم لا يمارسون الحيازة لحسابهم بل لحساب المكري أو المودع أو الموكل.
ثالثا : شروط الحيازة الاستحقاقية
يشترط لصحة حيازة الحائز مجموعة من الشروط أوردتها المادة 240 من مدونة الحقوق العينية وسنقوم بالتطرق لها كما يلي:
1- أن يكون الحائز واضعا يده على الملك :
ويقصد بوضع اليد على الشيء المحوز تلك السيطرة الفعلية والواقعية عليه، فوضع اليد هو مجرد الحوز بنية التملك ، وبذلك تخرج الحيازة العرضية من هذا الاطار لأنها لا تثبت الملك كالكراء والعارية وغيرها من الأعمال التي تبيح الحوز مؤقتا.
فكما يباشر الإنسان الحيازة لنفسه، يمكن له ذلك أيضا عن طريق الغير بالوساطة متى كان وكيلا أو ممثلا له في ذلك، إذ القاعدة أن الحائز يفترض فيه أنه حائز لنفسه إلى أن يقوم الدليل على أنه حائز لغيره أو لشخص يأتمر بأمره.
ويجب أن يكون الحائز واضع اليد على الملك مغربي الجنسية، لأن حيازة الأجنبي عن طريق وضع اليد على الملك لا تكون لها أية قيمة مهما طال أمد وضع اليد وذلك تماشيا مع الفقرة 2 من المادة 239 من مدونة الحقوق العينية التي تنص صراحة على ما يلي “…. ولا تقوم هذه الحيازة لغير المغاربة مهما طال أمدها”.
2 – يجب أن يتصرف الحائز تصرف المالك في ملكه :
ويعني ذلك تصرف الحائز في ملكه بكافة أنواع التصرف من استعمال واستغلال كالزراعة والغراسة والكراء، وبالتالي فممارسة الحائز لهذه التصرفات تجعل من ظهوره حتما مظهر المالك في ملكه لقول الشيخ خليل “وصحة الملك بالتصرف”.
وقد أكد على هذا المقتضى المشرع في البند الثاني من المادة 240 من القانون رقم 39.08
3 – يجب أن ينسب الملك لنفسه والناس ينسبونه إليه كذلك :
بالإضافة للشروط السابقة، يتعين لصحة حيازة الحائز ادعاؤه لملكية الشيء المحوز ونسبته لنفسه، والناس أيضا ينسبونه إليه كذلك، كأن يقول الناس بأن هذا ملك فلان أي الحائز، بينما يقول هو “ملكي وحوزي”.
4 – يجب أن لا ينازع الحائز في ذلك منازع :
أي أن لا ينازعه ولا يعارضه أحد طيلة مدة الحيازة، وبعبارة خاصة أن تكون حيازته هادئة وفي منأى عن كل التباس ومنازعة.
وبناء على ما تقدم فقد رفض القضاء المغربي الاعتداد بحيازة من انتزع أرض الغير بالعنف والتعدي وأجاز سماع دعوى الاسترداد ضده.
إن منازعة الغير للحائز تجعل حيازته للمدعى فيه حيازة غير كاملة والدعوى بشأنها غير مسموعة.
5- أن تستمر الحيازة طول المدة المقررة في القانون :
يعني طول مدة الحيازة المشترط ضمن هذه الحالة مرور مدة واستمرار وضع اليد على الشيء والتصرف فيه. ولقد ميزت مدونة الحقوق العينية بين حيازة الأجانب وحيازة الأقارب :
أ – حيازة الأجانب : حيث تختلف مدة الحيازة بين ما إذا كان الأجانب شركاء أم غير شركاء.
– حيازة الأجنبي الشريك : إذ لا يكفي بالنسبة لحيازة الأجنبي الشريك ثبوت حيازته إلا إذا كانت متسمة ببعض التصرفات التي من شأنها أن تعمل على تغيير العين المدعى فيها تغييرا واضحا، أي أن تكون حيازته بأقوى أوجه التصرف كالهدم والبناء وغيرهما ، وبالتالي فحيازة الأجنبي الشريك بهذه الصفة وبتوافر الشروط الأخرى تكسبه ملكية العقار المحوز إذا حازه عشر سنين، لقول الشيخ خليل ” كشريك أجنبي حاز فيها إن هدم وبنى”.
– حيازة الأجنبي غير الشريك : إن حيازة الاجنبي غير الشريك لملك حيازة مستوفية لشروطها دون انقطاع ومرور مدة 10 سنوات كاملة وقام بالتصرف فيه مطلق التصرف، فإن هذا الأجنبي يكسب بحيازته هذه ملكية العقار . حيث تنص المادة 250 من مدونة الحقوق العينية على ما يلي ” إذا حاز شخص أجنبي غير شريك ملكا حيازة مستوفية لشروطها واستمرت دون انقطاع عشر سنوات كاملة والقائم حاضر عالم ساكت بلا مانع ولا عذر فإنه يكتسب بحيازته ملكية العقار” .
ب – حيازة الأقارب :
بداية تجدر الإشارة إلى أنه لا يعتد بالحيازة الواقعة ضد الأصول والفروع مهما طالت مدتها، أما بخصوص الحيازة بين غيرهم من الأقارب من أعمام واخوة وأصهار فإنها تتحدد في أربعين سنة إذا انتفت بينهم عداوة أو خصومة، في حين تتحدد مدة الحيازة، دائما حسب هذه الحالة في 10 سنوات عند ثبوت هذه العداوة.
مجمل القول إن مدد الحيازة بالشكل الذي بيناه هي مدد كاملة تبتدئ في السريان من تاريخ وضع الحائز يده على الملك بنية التملك، وفي حالة توالي التفويتات من تاريخ بداية حيازة أول مفوت. كما أنه لا يجوز مطلقا الاتفاق على تعديل مدة الحيازة سواء بالزيادة أو النقصان وكل اتفاق على ذلك يقع باطلا ( المادة 259 من مدونة الحقوق العينية).
6 – شرط عدم العلم بالتفويت في حالة وفاة الحائز :
ومضمون هذا الشرط يتلخص في عدم علم الشهود بتفويت العقار المشهود فيه لغيره ببيع أو هبة أو صدقة أوغير ذلك من أسباب نقل الملك للغير. وقد اختلف الفقه في هذا الشرط هل هو شرط صحة أم شرط كمال؟
ودون الدخول في هذا الإختلاف الفقهي، نشير إلى أن الرأي الراجح يعتبر شرط عدم التفويت بمثابة شرط كمال في وثيقة الحي، وشرط صحة في وثيقة الميت إذا اثبت الورثة الملك.
خلاصة القول، وانطلاقا من كل الشروط التي تعرضنا لها فإنه يتعين لترتيب الحيازة لأثرها في اكتساب العقار، أن تكون متداخلة ومستجمعة لبعضها البعض.
رابعا : صفات الحيازة
من المعلوم أن الحيازة منظمة بمقتضى القواعد الإجرائية ويتعلق الأمر بقانون المسطرة المدنية، فقد نصت الفقرة الأولى من الفصل 166 من هذا القانون على أنه ” لا يمكن رفع دعاوى الحيازة إلا ممن كانت له شخصيا أو بواسطة الغير منذ سنة على الأقل حيازة عقار أو حق عيني عقاري حيازة هادئة علنية متصلة غير منقطعة وغير مجردة من الموجب القانوني وخالية من الالتباس”. ومن خلال هذا الفصل يتضح أن الحيازة تتصف بصفات معينة :
1- أن تكون الحيازة مستمرة :
وصورة هذه الحالة تقوم في حالة قيام شخص معين بأعمال تطبعها صبغة التكرر والاستمرارية على العقار، محل وموضوع الحيازة بصفة مستمرة ومنتظمة.
ومفاد ذلك أن الشخص الذي يدعي الحيازة طبقا لهذه الحالة يجب أن يكون مستغلا للعقار بصورة متواترة، بحيث إذا قام باستغلال العقار عن طريق الحيازة لمدة وجيزة ثم انقطع وعاد بعد مرور مدة أخرى كانت حيازته غير مستمرة، وبالتالي لا تنطبق عليها هذه الصفة الأخيرة.
وتجدر الإشارة أن شرط الاستمرارية يختلف اختلافا بينا بحسب طبيعة الشيء محل الحيازة.
2 – أن تكون الحيازة علنية :
ويراد بذلك مباشرة الحائز لحق الحيازة من خلال السيطرة على الشيء على مشهد من الكافة أو على الأقل على مشهد من المالك أو صاحب الحق الذي يستعمله الحائز. أي ظهور الأخير بمظهر المالك الشرعي الذي يباشر عملا مبنيا على أساس قانوني بطريقة علنية لا خفاء فيها ولا إلتباس كإجارة العقار أو حرثه أو استغلاله بالفلاحة والغراسة وجني ثمار الاشجار. كما هو الشأن في جميع التصرفات غير المشوبة بأي شيء يجعلها منعدمة القيمة.
إن شرط العلنية في الحيازة ذو أهمية قصوى، إذ التصرف الهادئ العلني المستمر لمدة هو الذي يكسب الملك. وإلا فكل نزاع في الملك أو التباس فيه يجعل من الحيازة القانونية عديمة الأساس.
3- أن تكون الحيازة هادئة :
ونكون أمام هذه الحالة عندما تتم حيازة حائز العقار بشكل هادئ وبدون تعنيف أو إكراه أو قوة أو تعد. على أن الحيازة تعد غير هادئة إذا بدأت بالإكراه واستمر كذلك لاستمرار الحيازة دون أن ينقطع، فلا يستند لمثل هذه الحيازة في سبيل التمليك.
وقد أكدت على حيازة العقار بصفة هادئة مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 166 من ق.م.م، والحيازة لا تعتبر هادئة وخالية من النزاع إلا إذا لم ينازع المحوز عنه الحائز فيها، وكان حاضرا بالغا رشيدا لم يمنعه من القيام بها مانع.
4 – أن تكون الحيازة خالية من الالتباس :
أي أن يتصرف الحائز في الملك وكأنه مالك حقيقي للشيء الذي يحوز بصفة خالية من الالتباس والخفاء .
خامسا : اكتساب العقار والمنقول بالحيازة
1 – اكتساب العقار بالحيازة :
تكتسب ملكية العقار عن طريق الحيازة بطول المدة وذلك حسب نوع الحائز وعلاقته بمن يقوم بمنازعته بشأنها إما أجنبيا أو قريبا ، وأيضا من زاوية ما إذا كان أصل الملك مجهولا أم معلوما.
إن الحيازة لئن كانت سببا من أسباب كسب الملكية العقارية في التشريع المغربي، إلا أنها لا تؤثر على اكتساب بعض العقارات مهما طالت مدة حيازتها وهذه العقارات حسب المادة 261 من القانون رقم 39.08 هي :
- أملاك الدولة العامة والخاصة : ولا تقبل الحيازة نظرا للصبغة العمومية التي تطبع الأملاك العامة، وللخصوصيات التي تنفرد بها الأملاك الخاصة للدولة.
- الأملاك الحبسية : إذ لا محل لاكتسابها بالحيازة على اعتبار أن ذلك يتنافى مع الغاية المتوخاة من الحبس من جهة ويتناقض مع إرادة المحبس والمقتضيات القانونية الواردة في المادة 51 من مدونة الأوقاف من جهة ثانية.
- أملاك الجماعات السلالية : بدورها لا محل لاكتسابها بالحيازة مهما طال أمدها وذلك عملا بالفصل 4 من ظهير 27 أبريل 1919 المنظم للأراضي الجماعية
- أملاك الجماعات المحلية.
- العقارات المحفظة: إذ لا تؤثر الحيازة على حق مالك العقار المحفظ، لأن قرار التحفيظ يطهر العقار من كل الشوائب العالقة به، وبالتالي فالتقادم لا يكسب أي حق عيني على العقار المحفظ في مواجهة المالك، ولا يسقط أي حق من الحقوق العينية المقيدة بالرسم العقاري.
- إضافة للأملاك السابقة، فالحيازة لا تؤثر على بعض الأملاك الأخرى المنصوص عليها صراحة في القانون.
2- اكتساب المنقول بالحيازة :
يتم اكتساب المنقول بالحيازة في حالة تحقق الشروط الآتية:
- ينبغي أن تكون الحيازة مستجمعة لصفاتها القانونية وخالية من العيوب كالإكراه والخفاء واللبس والغموض.
- يتعين أن يكون محل الحيازة منقولا تطبيقا لقاعدة الحيازة في المنقول سند للملكية. إذ لا تسري هذه الأخيرة إلا إذا كان المنقول قابلا للحيازة والتعامل فيه وهو ما يعني عدم إمكانية حيازة المنقول متى كان معنويا كالملكية الأدبية والفنية والديون و….، كما يستثنى من قاعدة الحيازة في المنقول سند للملكية المنقولات ذات الصبغة العمومية كالآثار والتحف والأسلحة والمنقولات التابعة للعقارات المخصصة، وكذا المنقولات المتكونة من عناصر مادية وأخرى معنوية كالأصل التجاري.
- يجب أن تكون الحيازة حقيقية لا عرضية، لأن الأولى وحدها من تتوفر وتستجمع العنصرين معا المادي والمعنوي، ومن ثم فبتواجدهما نقول بأن الحيازة سبب لكسب ملكية المنقول حسب هذه الحالة.
- يجب أن يكون الحائز حسن النية إذ يشترط حتى يتملك الحائز المنقول أن يكون حسن النية، أي أنه يكتسب الشيء بناء على حجة يجهل عيوبها، إذ القاعدة تقول أن حسن النية مفترض دائما إلى أن يثبت العكس وهو سوء النية.
- يجب أن يستند الحائز في حيازته إلى سبب صحيح ويستنتج ذلك من الفقرة الأولى من الفصل 456 من ق. ل. ع
- ويدخل في نطاق السبب الصحيح المعتد به في حيازة المنقول أن يكون عملا قانونيا كالهبة والبيع. وأخيرا نشير أن السبب الصحيح مفترض دائما شأنه شأن حسن النية وذلك طبقا للفصل 456 من ق. ل.ع.