لقد عرف الفقه الالتصاق بأنه اندماج شيئين متميزين مملوكين لمالكين مختلفين بحيث يتعذر الفصل بينهما دون تلف. ويجب لتحقق الالتصاق أن يكون الشيئان متميزان عن بعضهما البعض وذلك كما في بناء يحدثه أحد الأشخاص على أرض مملوكة للغير، والالتصاق على نوعين، التصاق طبيعي وآخر بفعل الإنسان أو الالتصاق الصناعي.
أولا : الملك العام المائي
يعتبر الماء ملكا عاما بمقتضى الفصل الأول من القانون 10.95 المتعلق بالماء والذي جاء فيه: “الماء ملك عام، ولا يمكن أن يكون موضع تملك خاص مع مراعاة مقتضيات الباب الثاني بعده”.
لذالك لا يسوغ ان يكون الماء موضع تملك خاص الا بالنسبة لمن تحققت لهم حقوقا مكتسبة عليه. والملكية العامة للماء كانت مقررة منذ ظهير 1914/7/1 المتعلق بالأملاك العامة إلى أن صدر القانون رقم 10.95 الذي كرس هذه القاعدة وعمل على توسيع نطاقها وتنظيم كيفية استعمالها.
ومن ابرز خصائص الملك العام المائي انه يستعصى عن قاعدة التطهير المترتبة عن تأسيس الرسم العقاري، فلو أن شخصا قام بتحفيظ عقارا باسمه وكان يدخل في حدوده ما يعتبر ملكا مائيا عاما فانه لا يمكن أن تصير تلك المياه ملكا خاصا استنادا الى الصفة النهائية للرسم العقاري بل يسوغ اللجوء إلى القضاء وهدم هذه الحجية عن طريق بطلان الرسم العقاري.
ثانيا : الالتصاق الطبيعي
وهو الذي يحدث بفعل الطبيعة وبدون تدخل الإنسان، كأن يغير نهر من الأنهار مجراه أو يتخذ مجرى جديدا له وذلك طبقا للفصلين 3 و 4 من القانون رقم 10.95 المتعلق بنظام المياه، حيث نجد أن المادة 228 من مدونة الحقوق العينية قد أحالت على هذه الفصول.
1 – التغيير في مجرى النهر :
لقد تعرض المشرع لهذه الحالة بمقتضى المادة الثالثة من القانون رقم 10.95 حيث جاء فيها أنه إذا حصل تغيير في مسيل مجرى مائي لأسباب طبيعية، تنتقل حدود الضفاف الحرة بعرض ستة أمتار على المجاري المائية أو مقاطع المجاري التالية: ملوية من مصبه إلى منابعه، سبو من مصبه إلى منابعه.
أضف إلى ذلك كل من نهر سبو وأبي رقراق وعرض مترين على المجاري المائية أو مقاطع المجاري المائية الأخرى وتبدأ هذه الضفاف الحرة من آخر حد تصل إليه مياه النهر الجارية عند امتلائها وقبل الفيضان، فإذا كان التغيير في المجرى حصل نتيجة فيضان مياه النهر وأدى إلى غمر قسم من الضفاف الحرة، فأصبح عرض تلك الضفاف أقل من الحد الذي عينه القانون فيجب أن يضم جزء من الأراضي المجاورة إلى ما تبقى من الضفة القديمة إلى أن يصل عرضها الحد المذكور،
والأراضي التي تم ضمها تصبح ملكا للدولة، ولا تدفع الدولة تقويما لملاك هذه الأجزاء التي تؤخذ بطوال النهر وبموازة المجرى الجديد، ولا يكون لأصحاب هذه الأراضي المنزوعة سوى قلع كل الأجهزة والمنشآت التي وضعوها مع الغلة التي لم يكونوا قد جنوها.
أما إذا كان التعديل ناجما عن ارتداد مياه النهر وأدى إلى التحاق جزء المجرى الذي هجرته المياه بالضفاف الحرة أي زاد عرضها عن الستة أمتار أو عن المترين المحددين قانونا فإنه يقتطع من هذه الضفاف جزء يوازي عرضه عرض الجزء الذي التحق بها، ويعطي هذا الجزء المقتطع بدون مقابل لصاحب الأرض المجاورة للمجرى وذلك مع احترام الارتفاقات الناتجة أو التي قد تنتج عن العرف أو عن القوانين والأنظمة.
2 – اتخاذ النهر مجرى جديدا :
وقد عالج المشرع أحكام هذه الحالة في المادة 4 من القانون رقم 10.95، فإذا اتخذ النهر مجرا جديدا بحيث صار يجري في أرض جديدة بفعل الطبيعة وبدون تدخل الإنسان فإن المجرى الجديد والضفاف الحرة التابعة له تلحق بأملاك الدولة العامة وتنزع عنها الملكية الخاصة للمالك السابق لها.
أما بالنسبة للأرض التي اخترقها المجرى الجديد والضفاف الحرة التابعة له، فإمكانية استحقاق أصحابها تعويضا أم لا يطرح فرضيتين، بحسب ما يكون النهر مازال يجري في مجراه القديم، حيث أصبح له مجريان أو يكون قد هجر المجرى القديم نهائيا، واتخذ مجرى جديدا بدل المجرى القديم، أول هذه الفرضية حسب المادة الرابعة من قانون الماء، أن لا يستحق مالكي العقارات التي يخترقها المسيل الجديد الحق في أي تعويض.
أما الفرضية الثانية فإذا كان المجرى المهجور في المجرى الجديد الذي اتخذه النهر واقعين بجميع عرضها في أرض واحدة، تنزع عن المجرى القديم والضفاف الحرة التابعة له صفة الأملاك العامة وتمنح كتعويض وبدون مقابل إلى صاحب هذه الأرض، عن الجزء الذي شغله المجرى الجديد وضفافه في أرضه والذي أضحى من الأملاك العامة.
أما إذا كان المجرى القديم يقع في أرض مملوكة لشخص غير المالك للأرض التي يقع المجرى الجديد فيها، فإن صفة الملك العمومي تزول عن المجرى القديم ويمكن للمالكين اكتساب ملكيته عن طريق الحق في الشفعة بالنسبة إلى كل واحد منهم إلى حدود المسيل القديم بعد استيفاء الإجراءات القانونية.
وما جاءت به المدونة كمستجدات بخصوص الالتصاق الطبيعي هو الطمي الذي يأتي به السيل إلى أرض يملكها الغير فحكمه أنه يصبح ملكا لصاحب هذه الأرض، وكذلك ما يتعلق بالأراضي التي تنحسر عنها المياه الراكدة كالبحيرات والبرك حيث تبقى على حالها ملكا عاما للدولة.
كما أن الأراضي التي تغمرها تلك المياه مؤقتا تظل على ملكية أصحابها كما جاء في المادة 229 من مدونة الحقوق العينية، ونفس الحكم ينطبق أيضا على الجزر التي قد تتكون بصورة طبيعية داخل المياه الإقليمية أو داخل البحيرات أو في مجاري الأنهار، فإنها تأخذ صفة الملك العام للدولة وفقا لمقتضيات المادة 230 من مدونة الحقوق العينية.
ثالثا : الالتصاق بفعل الإنسان
جاء في المادة 231 من مدونة الحقوق العينية ” إن ثمار الأرض الطبيعية أو الصناعية والثمار المدنية ونتاج الحيوان هي للمالك بطريقة الالتصاق”.
لقد حددت مدونة الحقوق العينية حكم الثمار الطبيعية أو الصناعية أو المدنية ونتاج الحيوان، على أنها تعود للمالك بطريق الالتصاق، وهذا الأخير هو الذي يتم بفعل الإنسان وذلك كأن يقوم الشخص ببذر حقل غيره، أو يقوم ببناء أو غرس أرضه بمواد مملوكة للغير،و كأن يبني أو يغرس أرضا مملوكة لغيره سواء بمواد يملكها هو، أو غيره، وقد نضمت المدونة حالات الالتصاق الصناعي في فرضيات متعددة من المواد 231 إلى 238 كالأتي :
1 – قيام شخص ببذر أرض الغير :
تعرض المشرع لهذه الحالة ضمن المادة 232 من مدونة الحقوق العينية وميز فيها بين الزارع سيئ النية والزارع حسن النية، حيث جاء فيها ” إذا زرع شخص أرضا مملوكة للغير بسوء نية، فإن أخذها مالكها قبل فوات وقت الزراعة فهو مخير بين المطالبة بقلع الزرع مع التعويض إذا كان له ما يبرره، وبين تملك الزرع مع دفع نفقاته إلى الزارع منقوصا منها أجرة القلع، وإن أخذها بعد فوات وقت الزراعة فله الحق في أجرة المثل مع التعويض إن كان له مايبرره.
أما إذا زرع شخص أرض غيره بحسن نية كمن استأجر أرضا من غير مالكها، فإن استحق المالك أرضه قبل فوات وقت الزراعة فللزارع أجرة المثل، وإن استحق المالك أرضه بعد فوات وقت الزراعة فليس له إلا الحق في المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر من المتسبب فيه”.
ومن مستجدات مدونة الحقوق العينية في هذا الصدد التكريس التشريعي لصاحب الأرض في المطالبة بالتعويض عند الاقتضاء، إذ لاشك أن تقدير التعويض في هذه الحالة يكون على أساس ما لحق بالمتضرر من خسارة وما فاته من كسب، وعلى المحكمة أن تبرز ما اعتمدته في تقدير التعويض حتى تتمكن محكمة النقض من بسط رقابتها بشأن حقيقة الضرر الذي لحق بالمدعي.
2 – بناء وغرس المالك في أرضه بمواد مملوكة للغير :
المبدأ حسب مدونة الحقوق العينية أن كل البناءات والأغراس الموجودة فوق الأرض أو داخلها تعد محدثة من طرف مالكها ما لم تقم بينة على خلاف ذلك، حيث جاء في المادة 235 من مدونة الحقوق العينية ما يلي ” كل البناءات والأغراس والمنشآت الموجودة فوق الأرض أو داخلها تعد محدثة من طرف مالكها وعلى نفقته وتعتبر ملكا له ما لم تقم بينة على خلاف ذلك”.
لكن إذا ما أقام المالك بناءات أو أغراس ومنشآت بمواد ليست له يجب عليه أداء القيمة التي كانت لتلك المواد وقت استعمالها وذلك بغض النظر عما يمكن أن يطالب به من تعويضات و ليس لصاحب المواد الحق في أخذها بعدما أدخل عليها تغييرا طبقا لنص المادة 236 من مدونة الحقوق العينية.
وبالتالي فمدونة الحقوق العينية أسست لفرضية تملك الغرس أو البناء من قبل صاحب العقار إذا ما تبدلت معالم المواد المستعملة كما في الأعمدة الرخامية التي اسند إليها السقف وكما في الخشب الذي صنعت منه النوافذ والأبواب الملصق بها البناء ومثل الاسمنت والرمل التي شيدت بها الجدران، لكن هذا التملك يكون مقابل أداء قيمة المواد لصاحبها وتعويضه عن الضرر عند الاقتضاء كأن يثبت أن قيمة تلك المواد قد ارتفعت عما كانت عليه يوم استيلاء مالك الأرض عليها.
وبمفهوم المخالفة، إذا ما كانت المواد المستعملة يمكن نزعها مثل المرايا المعلقة بالجدران والرفوف المتحركة والأقفال فيجب لصاحبها أن يستردها وإذا تطلب نزع المواد من البناء مصاريف فيمكن إلزام صاحب البناء أو بالأرض بأدائها.
3 – البناء أو الغرس في أرض الغير بمواد مملوكة للباني أو الغارس :
نصت على هذه الحالة المادة 237 من مدونة الحقوق العينية بقولها ” إذا قام أحد بإحداث أغراس أو بناءات أو منشآت عن سوء نية وبدون علم مالك العقار فلهذا الأخير الحق إما في الاحتفاظ بها مع أداء قيمة المواد وإما إلزام محدثها بإزالتها على نفقته مع إرجاع حالة الأرض إلى ما كانت عليه قبل إحداث الأغراس أو البناء أو المنشآت.
أما إذا أحدثت الاغراس أو البناءات أو المنشآت من طرف شخص انتزعت منه الأرض في دعوى استحقاق ولم يحكم عليه برد ثمارها نظرا لحسن نيته فإن مالك العقار لا يمكنه أن يطالب بإزالة المنشاءات أو الاغراس أو البناءات المذكورة، غير انه يمكن له الخيار بين أن يؤدي قيمة المواد مع أجرة اليد العاملة أو أن يدفع مبلغا يعادل ما زيد في قيمة الملك”.
و مما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن المشرع سمح لمالك العقار بالاحتفاظ بالبناء أو الغرس أو المنشآت المقامة على أرضه من طرف الغاصب سيئ النية مقابل أداء قيمتها ، فإن الحكم بها مقيد حسب القضاء المغربي بمطالبة الغاصب سيئ النية، حيث قضت محكمة النقض بنقض قرار استئنافية مراكش التي بنت قرارها على ضرورة أداء قيمة المواد دون ان يطالب بها الغاصب (قرار عدد 1230 بتاريخ 2011/03/22 ملف مدني عدد 2010/1/31/1669).
أما إذا اختار المالك إرجاع الحالة إلى سابق عهدها فإن ذلك يبقى معلقا على إمكانية نفاذ هذا الاختيار ، مما يعني أنه لو كان أمرا مستحيلا كما إذا تصرف المالك في أرضه ببيعها وما عليها من منشات أدى للفارس أو الباني السيئ النية قيمة البناء أو الغرس.
هذا على خلاف الباني أو الغارس حسن النية، بحيث لا يمكن مطالبته بأي حال من الاحوال بهدم البناء وإعادة الأمور إلى حالتها وهي القاعدة التي كرسها القضاء المغربي في العديد من قراراته من ذلك ما قضت به محكمة النقض في إحدى قراراتها مما جاء فيها ” الباني في ملك الغير في عقار محفظ عن حسن نية لا يطالب بهدم البناء وإزالة الاغراس و غيرها مما يكون قد أحدثه في ملك الغير …”.
4 – حالة البناء أو الغرس في أرض الغير بمواد مملوكة للغير أيضا :
لم تتعرض مدونة الحقوق العينية لهذه الحالة، ولكن من خلال ما تناوله الفقه على ضوء ظهير 19 رجب 1333 يمكن التمييز بين بعض الحالات :
أ – علاقة الباني أو الغارس مع صاحب المواد :
لا يمكن هنا لصاحب المواد استرداد مواده لأنها اندمجت بعقار بطبيعته وفقدت ذاتيتها. ويحق له مطالبة الباني بتعويض يوازي قيمتها وإذا أصيبت بضرر فيمكن مقاضاة الباني طبقا لقاعدة الإثراء بلا سبب ويكون له توقيع حجز تحفظي على ما يترتب في ذمة المالك إزاء الباني أو الغارس من تعويض.
أما إذا أحدثت الأغراس أو البناءات أو المنشآت من طرف شخص انتزعت منه الأرض في دعوى استحقاق ولم يحكم عليه برد ثمارها نظرا لحسن نيته فإن مالك العقار لا يمكنه أن يطالب بإزالة المنشآت أو الأغراس أو البناءات المذكورة غير أنه يمكن له الخيار بين أن يؤدي قيمة المواد مع أجرة اليد العاملة، أو أن يدفع مبلغا يعادل ما زيد في قيمة الملك. هذه الحالة ميز فيها المشرع بين الباني أو الغارس سيئ النية الذي يعلم أن الأرض مملوكة لغيره وبين ما إذا كان حسن النية يعتقد أن له الحق في إقامة المنشآت.
- الباني أو الغارس سيئ النية:
وهو الذي لا يستند في وضع يده على الأرض التي أقام عليها بناء أو غرس فيها أشجارا إلى أي سبب ناقل للملكية كما في حالة النصب، فإنه يكون لمالك الأرض الخيار بين أمرين، إما الاحتفاظ بتلك المنشآت مقابل أداء قيمة المواد إلى الباني أو الغارس سيء النية. أو يلزم الباني أو الغارس بإزالتها على نفقته وإرجاع الأرض إلى ما كانت عليه.
- الباني أو الغارس حسن النية :
معنى حسن النية هنا أن يعتقد الباني أو الغارس أن له الحق في إقامة المنشآت وليس معناه حتما أنه يملك الأرض.
ب – علاقة الباني أو الغارس مع صاحب الأرض :
هذه الحالة تتلاقى مع الحالة الواردة في المادة 232 من مدونة الحقوق العينية بحيث نميز بين الباني والغارس سيئ النية والباني أو الغارس حسن النية، فإذا كان سيئ النية فإنه يمكن إجباره على هدم البناء، أو قلع الأغراس ما لم يفضل المالك إبقاءها ودفع قيمة تلك المواد أما إذا كان حسن النية فإنه لا يجبر على نزع الأبنية ويدفع به المالك قيمة المواد وأجرة العمل أو قيمة ما زاد في ثمن الأرض بسببها.