المجال العقاريقانونيات

قيود حق الملكية المقررة لرفع مضار الجوار

قد ينتج عن استعمال المالك لعقاره ضرر بمن يجاور ذلك العقار، كأن يقيم المالك فوق أرضه معملا يؤذي جيرانه بالدخان ويقلق راحتهم بالضجيج ونحوه، وكأن يفتح في بنائه نوافذ تطل على جيرانه على غير ذلك.

وتعتبر الشريعة الإسلامية سباقة للقوانين المعاصرة في الحديث عن نظرية مضار الجوار التي تعتبر من أهم التطبيقات المرتبطة بالتعسف في استعمال الحق.

وقد اختلفت التشريعات المقارنة في تنظيمها لنظرية مضار الجوار مثلا بالنسبة للقانون المصري والليبي أدرجوا القيود المتعلقة بمضار الجوار ضمن النصوص المخصصة لحق الملكية، بينما سارت القوانين الأخرى كالقانون الفرنسي والسوري إلى إدراجها ضمن النصوص المخصصة للكلام عن حقوق الارتفاق على أساس أن هذه القيود هي من قبيل الارتفاقات القانونية.

وهو التوجه الذي سار فيه ظهير 19 رجب 1333 الملغى معتبرا أن القيود المتعلقة بمضار الجوار هي من قبيل الارتفاقات القانونية حيث نص الفصل 115 منه على أنه: ” يكلف القانون المالكين بالتزامات مختلفة بعضهم تجاه بعض بصرف النظر عن كل اتفاقية. وينظم البعض من هذه الالتزامات بالأعراف المحلية. والإرتفاقات الأخرى تتعلق بالجدار والحفر المشتركة والمطلات على ملك الجار وميزاب السقوف وحق المرور”.

ويرى الأستاذ مأمون الكزبري أن هذه القيود ليست من قبيل الارتفاقات، بل هي تشكل التزامات يخضع لها الملاك المجاورون بصورة متبادلة ومتساوية ينتفي معها وجود عقار خادم وعقار مخدوم كما يقتضيه مفهوم الارتفاق.

وبصدور مدونة الحقوق العينية فقد ميزت في القيود المتعلقة بمضار الجوار بين تلك المتعلقة بالحائط المشترك، والطريق الخاص المشترك فادرجتهم ضمن الأحكام المنظمة لحق الملكية، والقيود المتعلقة بحق المسيل أو الصرف أو فتح المطلات على أرض الجار حيث تم إدراجها ضمن الإرتفاقات القانونية.

وفي حقيقة الأمر فإن هذا التوجه الذي نهجته مدونة الحقوق العينية هو توجه صائب على اعتبار أن بعض القيود المتعلقة بمضار الجوار كالقيود المتعلقة بالمسيل أو الصرف، أو فتح المطلات على أرض الجار هي في حقيقتها من قبيل الإرتفاقات القانونية.

وعليه يمكن تلخيص القيود المتعلقة بمضار الجوار كما هي منظمة في مدونة الحقوق العينية على النحو التالي:

أولا : الحائط المشترك ( المواد 28 إلى 31 من مدونة الحقوق العينية )

– كل حائط يفصل بين عقارين يعد مشتركا بينهما إلى نهاية خط الاشتراك ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك.

– يحق لكل شريك في الحائط المشترك أن يقيم بجانبه بناء أو يضع فوقه عوارض أو دعائم ولكن بالقدر الذي لشريكه بشرط ألا يحمله فوق طاقته وذلك مع مراعاة القوانين والأنظمة.

– تقع المصاريف الضرورية لإصلاح وتحديد الحائط المشترك على عاتق جميع الشركاء كل حسب حصته فيه.

– لا يجوز للشريك أن يتصرف في الحائط المشترك بإقامة منشآت أو بناءات إلا بموافقة شريكه وذلك مع مراعاة القوانين والأنظمة.

– يحق لكل شريك أن يعلي الحائط المشترك، غير انه يتحمل وحده نفقات التعلية وصيانة الجزء المعلى على ألا يلحق ذلك ضررا بجاره. وإذا لم يكن الحائط المشترك صالحا لتحمل التعلية فعلى من يرغب فيها من الشركاء أن يعيد بناءه كله على نفقته بشرط أن تقع زيادة سمكه في أرضه.

– لا يجوز للجار أن يجبر جاره على التنازل له عن حصته في الحائط المشترك غير أنه يمكن للجار الذي لم يساهم في نفقات التعلية أن يصبح شريكا في الجزء المعلي إذا دفع نصيبه في نفقات التعلية وفي قيمة الأرض التي تقع عليها زيادة السمك.

ثانيا : الطريق الخاص المشترك ( المواد 32 إلى 36 من مدون الحقوق العينية )

الطريق الخاص المشترك كالملك المشترك هو لمن لهم حق المرور فيه ولا يجوز لأحد الشركاء أن يحدث فيه شيئا سواء كان مضرا أو غير مضر إلا بإذن باقي شركاته.

– لا يجوز للشركاء في الطريق المشترك أن يطلبوا قسمته ولا أن يتفقوا على بيعه مستقلا وليس لهم أن يسدوا مدخله ما لم يقع الاستغناء عنه. كما لا يجوز لأحدهم التصرف في حصته في الطريق إلا تبعا لتصرفه في العقار المملوك له.

– إذا أغلق احد الشركاء في الطريق المشترك بابه المفتوح عليه فلا يسقط بذلك حقه في المرور فيه ويجوز له ولخلفه من بعده أن يعيد فتحه من جديد.

– لا يسوغ لغير الشركاء في الطريق المشترك فتح أبواب عليه أو المرور فيه، ومع ذلك يجوز للمارة في الطريق العام الدخول إلى الطريق الخاص المشترك عند الضرورة.

– يتحمل الشركاء المصاريف الضرورية لإصلاح وتعمير الطريق المشترك كل منهم بنسبة حصته فيه، وإذا رفض أحد الشركاء المساهمة في هذه المصاريف جاز لباقي الشركاء القيام بإصلاح الطريق ومطالبته قضائيا بأداء ما يجب عليه من هذه المصاريف.

ثالثا : حق المسيل أو الصرف ( المواد 60 إلى 63 من مدونة الحقوق العينية)

نظم المشرع المغربي الأحكام المتعلقة بحق المسيل أو الصرف في المواد من 60 إلى 63 من مدونة الحقوق العينية ضمن الإرتفاقات القانونية، كما أن هذا الحق نظمه قانون الماء رقم 95-10 من خلال المادة 29 منه والتي جاء فيها : “يمكن لكل مالك يريد القيام بإفراغ المياه المضرة بعقاره الحصول على ممر لهذه المياه عبر أراض وسيطة وفق نفس الشروط المحددة في المادة السابقة.

إلا أنه يمكن لملاك الأراضي التي يتم المرور عبرها الاستفادة من الأشغال المنجزة لهذا الغرض، وذلك لتمرير المياه من أراضيهم شريطة مساهمة مالية في الأشغال المنجزة أو التي بقي إنجازها وكذا صيانة المنشآت التي أصبحت مشتركة”.

ويمكن تلخيص الأحكام المتعلقة بحق المسيل أو الصرف كما هي واردة في مدونة الحقوق العينية فيما يلي:

– تتلقى الأراضي المنخفضة المياه السائلة سيلا طبيعيا من الأراضي التي تعلوها ، ولا يجوز لمالك الأرض المنخفضة أن يقيم سدا لمنع هذا السيل، كما لا يجوز لمالك الأرض العالية أن يقوم بما من شأنه أن يزيد في عبء الارتفاق الواقع على الأرض المنخفضة.

– لكل مالك الحق في استعمال مياه المطر التي تنزل في أرضه والتصرف فيها، وإذا كان استعمال تلك المياه والاتجاه المعطى لها يزيد عبء الإرتفاق الطبيعي لسيل المياه فإن لصاحب الأرض المنخفضة الحق في التعويض، وذلك مع مراعاة القوانين والأنظمة الجاري بها العمل.

– يجب على مالك الأرض إذا أراد إحداث أبنية عليها أن يقيم سطوحها وشرفاتها بشكل يسمح بمسيل مياه الأمطار ونحوها على أرضه لا على أرض جاره.

– لكل مالك عقار يريد تصريف المياه الزائدة عن حاجته أو غير الصالحة أن يحصل على ممر لها بعقار الغير نظير تعويض مناسب يدفع مقدما .

– يشترط تمرير الماء الزائد عن الحاجة في مكان لا يسبب للعقار المرتفق به إلا أقل ضرر كما يشترط تمرير الماء غير الصالح في مواسير بحيث لا تتسبب في أي ضرر للعقار المرتفق به.

وقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة 63 من مدونة الحقوق العينية على أنه تسري على حق الصرف مقتضيات المواد من 56 إلى 59 المتعلقة بحق المجرى.

وفي حقيقة الأمر فإن حق المسيل أو الصرف ما هو إلا ارتفاقات ناشئة عن وضعية الأماكن كما كانت منظمة في الفصول من 110 إلى 112 من ظهير 19 رجب الملغى، فالفصل 110 من ظهير 19 رجب تقابله المادة 60 من مدونة الحقوق العينية مع اختلاف في المصطلح حيث استعمل ظهير 19 رجب مصطلح “الأراضي الواطئة” أما مدونة الحقوق العينية فقد استعملت مصطلح “الأراضي المنخفضة”.

كما أن المادة 111 تقابلها المادة 61 من مدونة الحقوق العينية غير أن المادة 61 قيدت سلطة المالك في استعمال مياه المطر والتصرف فيها بمراعاة القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، وهو الأمر الذي لم ينص عليه الفصل 111 من ظهير 19 رجب كما أن المادة 62 من مدونة الحقوق العينية يقابلها الفصل 191 من ظهير 19 رجب المتعلق بسيل ميازيب السقوف.

فمدونة الحقوق العينية تعرضت للاحكام المتعلقة بحق المسيل أو الصرف حتى تكون أكثر ضبطا وتنظيما .

رابعا : غرس الأشجار بالقرب من حدود الجار ( المواد من 72 إلى 74 من مدونة الحقوق العينية)

إذا كان حق الملكية يوفر لصاحبه سلطة الاستعمال والاستغلال والتصرف ومن ثم يكون له أن يغرس أرضه بما شاء من أغراس وأشجار فإنه يتعين عليه أن يتقيد بقيود تحد من الأضرار التي يمكن أن تلحق جاره من غرس هذه الأغراس والأشجار بالقرب من حدود أرض جاره، ويمكن تحديد هذه القيود انطلاقا من المواد من 72 إلى 74 من مدونة الحقوق العينية فيما يلي:

– على المالك أن لا يغرس أشجار أو شجيرات أو أغراسا على حدود أرضه إلا إذا راعى المسافة المقررة في الأنظمة.

– فإذا لم تكن هناك أنظمة تحدد المسافات، وجب عليه أن يغرسها بعيدا عن الحد الذي يفصل أرضه عن أرض جاره بمسافة لا تقل عن مترين اثنين إذا كانت المغروسات مما يفوق ارتفاعها مترين، وعن نصف متر إذا كانت مما دون ذلك.

– يمكن أن تغرس الأشجار والشجيرات والأغراس على جهتي الحائط الفاصل بين عقارين دون أن يكون من اللازم مراعاة أي مسافة غير أنه لا يجوز أن تعلو قمة الحائط.

– لا يجوز للجار أن يغرس أشجار بجوار بناء جاره إذا كانت هذه الأشجار تمتد جذورها، فإذا غرسها يحق لمالك هذا البناء المطالبة بقلعها.

– إذا امتدت أغصان الأشجار فوق أرض الجار فله أن يطالب بقلعها إلى الحد الذي تستوي فيه مع حدود أرضه وتكون له الثمار التي تسقط منها طبيعيا. كما يجوز لهذا الجار أن يقطعها بنفسه إذا خشي أن يصيبه ضرر من ذلك. ويسري نفس الحكم في حالة امتداد جذور الأشجار إلى أرض الجار

– إذا امتدت أغصان الأشجار أو جذورها على الطريق أو جنباتها جاز لكل ذي مصلحة المطالبة بقطعها.

وما يمكن قوله أن هذه الأحكام المتعلقة بغرس الأشجار بالقرب من حدود الجار أنها لا تختلف عن ما كان مضمنا في ظهير 19 رجب الملغى في الفصول من 133 إلى 135 من هذا الظهير كل ما استجد أن ظهير 19 رجب كان يدرج هذه القيود ضمن الإرتفاقات أما مدونة الحقوق العينية فأدرجتها ضمن التحملات العقارية.

خامسا : فتح المطلات على الأرض المجاورة ( المواد 66 إلى 68 من مدونة الحقوق العينية)

تعتبر الشريعة الإسلامية سباقة لتنظيم الأحكام المتعلقة بفتح المطلات على الأرض المجاورة حيث تضمنت أحكام لرفع ما يمكن أن يقع بين الجيران من حزازات تنشأ عن مضار الجوار بسبب المطلات، فمنعت الجار من سد ضياء جاره كما منعته من إحداث نوافذ تطل على الأماكن المخصصة بطبيعتها لأن تكون مقرا للنساء.

وذلك على خلاف المشرع المغربي الذي اكتفى على غرار القانون المدني الفرنسي بإلزام صاحب المطل بالتقيد ببعض المسافات القانونية بالنسبة لأرض الجار، لكن المشرع المغربي زيادة في الحيطة وسع الحالات التي يجب أن تتوفر فيها شروط إضافية في المطلات من حيث بناؤها معتبرا أن ذلك مما يزيد في ضمان رفع الضرر عن الجار.

وقد نظم المشرع المغربي القيود المتعلقة بفتح المطلات على الأرض المجاورة في الفصول من 137 إلى 140 من ظهير 19 رجب الملغى أما مدونة الحقوق العينية فقد نظمتها في المواد من 66 إلى 68 من مدونة الحقوق العينية، وعموما فإنه حتى نقف على الأحكام المتعلقة بالمطلات لابد من التمييز بين فرضيتين:

1 – فرضية الحائط المشترك :

في هذه الحالة فإنه لا يحق للجار أن يحدث في الجدار المشترك أي نافذة أو فتحة بأي كيفية كانت إلا إذا وافق جاره على ذلك، أما إذا رفض هذا الأخير فلا سبيل لفتح المطل أبدا.

2 – فرضية الحائط غير المشترك :

عندما يكون الحائط المراد فتح مطل فيه غير مشترك، أي مملوك بصفة مستقلة لأحد الجيران ففي هذه الحالة فقد ميزت مدونة الحقوق العينية من خلال المادة 68 بين المطلات المقابلة والمطلات المنحرفة:

  • المطلات المقابلة أو المماثلة :

المطلات المقابلة هي التي تطل على عقار الجار مباشرة وبخط مستقيم، فهذه المطلات لا يمكن فتحها على أرض الجار سواء كانت مسورة أو غير مسورة ما لم يكن بين الحائط الذي يكون فيه المطل وبين تلك الأرض مسافة مترين.

وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 68 من مدونة الحقوق العينية حيث جاء فيها ” لا يجوز فتح مطلات أو شرفات أو فتحات أخرى مماثلة مواجهة لملك الجار إلا على مسافة مترين …” وقد كانت هذه المسافة محددة في متر وتسمين سنتيمترا في ظهير 19 رجب الملغى ( الفقرة الأولى من الفصل 139).

  • المطلات المنحرفة :

المطلات المنحرفة هي التي لا تسمح بالنظر إلى عقار الجار إلا إذا انحنى المطل أو التفت يمينا أو يسارا، وهذه المطلات لا يمكن فتحها إلا على بعد متر تفصل الحائط المفتوح فيه المطل، والأرض المجاورة، وهذا ما نصت عليه المادة 68 من مدونة الحقوق العينية حيث منعت فتح مطلات جانبية أو منحرفة على ملك الجار إلا على بعد متر على خلاف ظهير 19 رجب الذي كان يحدد هذه المسافة في ستين سنتيمترا فقط ( الفقرة الثانية من الفصل 139).

وقد حددت الفقرة الأخيرة من المادة 68 كيفية حساب المسافة ونصت على أنه ” تحسب المسافات المذكورة من ظهر الحائط الذي فتحت فيه المطلات أو من خارج الشرفة، وذلك إلى غاية الخط الفاصل بين الملكين مع مراعاة النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل”.

وقد أوجد المشرع استثناءات لمبدأ التقيد بالمسافات القانونية وهكذا نصت الفقرة الثانية من المادة 68 من مدونة الحقوق العينية على أنه لا يعمل بالمسافات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 68 على المطلات والشرفات المفتوحة على الطريق العمومية.

سادسا : إقامة منشات مزعجة أو مضرة بالجيران

لا يسوغ لمالك العقار أن يستعمله استعمالا مضرا بجاره ضررا بليغا (المادة 21 م نمدونة الحقوق العينية) وبالرجوع إلى الفصل 136 من ظهير 19 رجب 1333 الملغى نجده تضمن بعض الأمثلة عن المنشآت المزعجة أو المضرة بالجيران كحفر بئر أو مرحاض قرب جدار مشترك أو غير مشترك أو بناء مدخنة أو محل للحدادة أو فرنا أو مطبخا أو حظيرة للماشية أو مخزن للملح أو أكداسا من المواد الأكالة حيث نص الفصل 136 من ظهير 19 رجب الملغى على أنه على من يريد إنشاء إحدى هذه المنشآت أن يبتعد عن الجدار بالمقدار المقرر بالضوابط والأعراف الخاصة بهذه الأشياء أو أن يقيم المنشآت المقررة بنفس الضوابط والأعراف تفاديا للإضرار بالجار.

ويحق للجيران إذا كانت مثل هذه المنشآت تلحق بهم أضرارا تفوق الحدود المألوفة رغم التقيد بالمسافة القانونية أن يطالبوا قضائيا إما بإزالة هذه المنشآت أو بإدخال ما يلزم عليها من التغيير للقضاء على الأضرار التي يتظلمون منها وذلك عملا بالفصل 91 من قانون الالتزامات والعقود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى